فتح جان عينيه ببطء، والعتمة تراقصت على أطراف الرؤية
أوّل ما رآه… كان وجه أيليف، يطلّ عليه بهدوءٍ وسكون
كان نائماً على الأرض، رأسه مستند إلى ساقها، بيدها كتاب تقرأ به ويدها الأخرى تحتضن كفّه، وقد وضعتها على صدره… تماماً فوق قلبه.
جان (بصوت خافت): كم الساعة؟
أيليف (بابتسامة ناعسة): أعتقد أنها الثانية صباحاً
قطّب حاجبيه بدهشة وهمس
هل نمتُ كل هذا الوقت…؟
أيليف: يبدو أنك كنتَ مرهقاً .
سكت لحظة، ثم قال بصوتٍ بالكاد يُسمَع، كأنه يبوح بسرّ دفين:
هذه أول مرة أنام… دون أن أستيقظ على كابوس، منذ حادث والديّ.
وضعت أيليف الكتاب جانباً، وانحنت قليلاً لتلتقي عيناها بعينيه، وهمست بنبرة دافئة :
أنا هنا الآن… لا مزيد من الكوابيس، ما دمتُ إلى جانبك
قبّل جان كفها ببطء
ثم قال : يجب أن اعود للمنزل….ماذا عنك ؟؟؟
أجابت : معك حق …..أمي ستوبخني اليوم
»»»»»»»»
بعد عدة ايام
جامعة بوغازيتشي – كراج مبنى “واشبورن هول”
الساعة الثالثة ظهراً
كان مارت واقفاً بجانب سيارته، يهمّ بالمغادرة، حين لمح جان يتجه نحو دراجته الواقفة في الزاوية.
ارتسمت على وجهه ابتسامة ماكرة، وتقدّم نحوه بخطى واثقة
مارت: جان، هل توصلني؟
نظر إليه جان وهو يركب دراجته، وقال ببرود
جان: وأين سيارتك؟
ابتسم مارت بسخرية ورد
مارت: معطّلة… مثل دراجتك
ابتسم جان وقد فهم التلميح إلى كذبته السابقة، ثم أجاب
جان: حسناً، هيا اركب
ناول مارت خوذة احتياطية، ثم أخرج جان هاتفه واتصل بأوزان
أوزان (بصوت خافت): أهلاً…
جان: سأغادر…. هل تحتاج توصيلة؟
أوزان: هل ستذهب إلى النادي؟
نظر جان إلى مارت ثم قال
جان: نعم، بعد نصف ساعة… أو أقل
أوزان: غادر أنت، لم تنتهِ محاضراتي بعد. ….سأستقل سيارة أجرة
جان (ساخراً ): يا لك من عنيد… ورّطت نفسك في الهندسة
أوزان (بانفجار مفاجئ): أصمت، جان… فقط أصمت. أنا مشغول…. وداعاً .
أنهى الاتصال دون أن ينتظر رداً.
تبادل جان ومارت نظرة طويلة، وكأن كلٌّ منهما يقرأ في عيني الآخر ما لم يُنطق
قال جان باستغراب:
ماذا؟… ألن تركب؟
تردّد مارت لحظة قبل أن يجيب بهدوء
مارت: سآتي معك إلى النادي… قلتَ لأوزان إنك ذاهب إلى هناك
نظر إليه جان بجدية، ونبرة تحذيرية خفيفة في صوته
جان: أأنت واثق؟ لن يعجبك المكان… ليس من النوع الذي ترتاده الطبقة المخملية
ردّ مارت ببساطة وهدوء:
لا يهم
أومأ جان، ثم قال وهو يضع الخوذة على رأسه
جان: حسناً … هيا بنا
قاد جان دراجته متوجّهاً نحو النادي في حي بشكتاش.
توقّف أمام باب معدني عريض، بدا عليه القدم والتعب. أوقف الدراجة، ونزل منها بخفّة، بينما خلع مارت خوذته ببطء، وعيناه تتفحّصان المبنى أمامه بفضول خفيف.
حوّل جان نظره إلى المبنى، ثم إلى مارت، وقال بهدوء
جان: هل تراجعت؟… أوصلك إلى المنزل؟
أجابه مارت بابتسامة خفيفة:
لا… لم أتراجع
أجاب جان رافعاً كتفيه بهدوء:
حسناً … هيا بنا.
تقدّم نحو الباب، ومدّ يده ليفتحه. أصدر الباب صريراً طويلاً، كأنه يعلن عن قِدَمه وقصصه القديمة التي ابتلعتها الجدران.
مشى جان بخطوات ثابتة نحو غرفة تبديل الملابس، كأنه يعرف كل زاوية في المكان.
أما مارت، فكان يتفحّص المكان بنظرات فضولية ، يتأمل الجدران القديمة، والأرضية المغطاة بالمطاط
ثم جذبه الفضول نحو صورة معلّقة على الجدار، على بُعد خطوات من المكان الذي جلس فيه جان.
كان الأخير يجلس بصمت على المسطبة الخشبية قرب خزانته، منحنياً قليلاً بينما يربط قيطان حذائه بثبات، وكأن العالم من حوله لا يعنيه
اقترب أحد الشباب من جان وقال بنبرة فضولية:
كوراي: هل هذا أخوك؟… أنتما توأم، صحيح؟
رفع جان نظره إليه، يرمقه بنظرة حادّة
جان: وما دخلك؟
ضحك الشاب وهزّ رأسه
كوراي: يا إلهي، جان… أما آن لمزاجك أن يتغيّر؟
ردّ عليه جان بابتسامة ساخرة، وهو يربط قفاز يده
جان: هل ترغب في تجربة قبضتي اليوم؟
قالها ونهض، متوجهاً نحو مارت، الذي كان لا يزال يتفحص الصورة.
جان: هيا.
سار الاثنان في الممر المؤدي إلى قاعة التدريب، وجان يسبق مارت بخطوات.
كان يلتفت إليه بين الحين والآخر، إلى أن توقّف فجأة،مدّ يده وسحبه من معصمه، وهمس بجدية، نبرته منخفضة
جان: هيا، مارت… أنت بطيء جداً.
دخل جان إلى القاعة المخصصة للملاكمة. الجدران كانت باهتة، تتدلى منها أكياس ملاكمة قديمة، وبعض الحبال تتأرجح في أطراف الحلبة الخشبية.
كانت الإضاءة ضعيفة نسبياً، لكنها كافية لرؤية العرق يلمع على أكتاف اللاعبين.
تقدّم جان بخطوات صامتة نحو زاويته المعتادة. خلع سترته، ثم لفّ ضمادات يديه بسرعة مدروسة.
بدأ جان تدريبه بصمت، يوجه لكماته القوية نحو كيس الملاكمة، وكأنّه يضرب ظلالاً يعرفها وحده.
في تلك الأثناء، جلس مارت على المقعد الحديدي بجانب الحلبة، ظهره مستقيم ويداه متشابكتان، يراقب جان بصمت.
بعد دقائق، جلس شاب على المقعد المجاور له. بدا في أوائل العشرينات، يحمل ملامح تعب جسدي معتاد. ألقى نظرة خاطفة على مارت، ثم عاد ينظر إلى جان الذي لا يزال يضرب الكيس بإيقاع منتظم.
قال بنبرة منخفضة، كأنه يتحدث مع نفسه أكثر مما يتحدث مع مارت
الشاب: أنت أخو جان؟
لم يُجِب مارت فوراً ، فاكتفى الشاب بضحكة قصيرة وأضاف
الشاب: غريب… جان يتدرّب هنا منذ سنوات، ولم يحدث أن جاء برفقة أحد، سوى أوزان أحياناً .
التفت إليه مارت بهدوء، وابتسم دون أن يقول شيئاً
أخرج الشاب شيئاً صغيراً من حقيبته الرياضية، قلادة معدنية بنصف قلب، يتدلّى منها خيط أسود ممزّق من طرفه.
مدّها نحو مارت، وهو يقول بنبرة خافتة تتخللها نبرة خجل خفيف
الشاب: أعتقد أن هذه تخص جان… ربما سقطت منه الأسبوع الماضي، وجدتها قرب الحلبة.
ثم نظر نحو جان الذي كان يواصل ضرباته بقوة، وأردف مبتسماً
الشاب: إن سلّمتها له الآن، قد يقتلني… يبدو أن مزاجه سيّئ هذا اليوم.
تسلّم مارت القلادة ببطء، وتأملها بين أصابعه. كانت باردة وثقيلة أكثر مما توقّع.
“نصف قلب؟”
تساءل في داخله، وهو يقلبها بين يده، وعيناه تعودان إلى جان
تأفّف جان بضجر، حين التفت بعينيه نحو مارت، وقد لاحظ زميله يجلس إلى جواره ويتحدث معه.
شدّ قفاز يده بضيق، ثم ترك كيس الملاكمة وتوجّه نحوهما بخطى سريعة.
نهض الشاب فوراً ، كمن أدرك أن الوقت انتهى، وربما أن وجوده لم يكن مرحّباً به. تمتم بكلمة وداع خافتة، ثم عاد إلى تمرينه
جلس جان على المقعد بجوار مارت بصمت، التقط قنينة الماء ورفعها ليشرب، بينما لم تُفارق عيناه الشاب الذاهب، يرمقه بنظرة غاضبة صامتة، تحمل أكثر مما قد يقوله أي كلام
خفض القنينة ببطء، ثم قال دون أن ينظر إلى مارت
جان: عمّ كان يتحدث معك؟
أجاب مارت، موجّهاً القلادة نحوه
مارت: طلب مني أن أعطيك هذه.
نظر جان إلى القلادة بدهشة خفيفة، لكن ملامحه بقيت هادئة، وقال
جان: حسناً .
أخذها من يده، ثم نهض وتوجّه مباشرة نحو الشاب الذي كان يتدرّب برفقة كوراي.
رفع القلادة أمام وجهه وسأله بنبرة حادة
جان: كيف عرفت أنها لي؟
أجابه الشاب وهو يتراجع خطوة، محاولاً الحفاظ على هدوئه
الشاب: خمنت فقط… إن لم تكن لك، أعدها.
ابتسم جان بسخرية، وهز رأسه
جان: تمزح معي، صحيح؟
الشاب: اهدأ… لم يحدث شيء.
لم يُمهله لحظة، فاندفعت قبضته كطلقة صامتة نحو وجه الشاب، ليسقط أرضاً دون مقاومة
تدخّل كوراي فوراً ، محاولاً الوقوف بينهما، بينما بدأ بقية المتدرّبين بالركض نحوهما لفضّ الاشتباك
أما مارت، فقد أسرع نحو جان، أمسكه من ذراعه بقوة وجرّه بعيداً عن الشاب، محاولاً تهدئته.
وقبل أن تتفاقم الفوضى، دوّى صوت المدرب في القاعة، عميقاً وحازماً
.. المدرب : كفى
توقّف الجميع، وتلاشى التوتر فجأة.
وقف المدرب عند الباب، عاقداً ذراعيه، وناظراً إلى جان والشاب بنظرة صارمة لكن غير عابثة.
قال بصوتٍ جاد
المدرب: لا يهمني من بدأ، أنتما تجاوزتما الحدود. هذه القاعة ليست مكاناً للشجار، بل للانضباط
ثم أشار بعصاه إلى الزاوية
المدرب: خمس جولات تمرين تحمل. بعدها تستحمان وتغادرا القاعة اليوم
بدأ التمرين، ومارت يقف جانبه، يراقب جان وهو يلهث ويتعرق، يرى الوجه الغاضب، القاسي، لكنه هذه المرة يلمح تحت القشرة قلقاً غير مألوف.
مرّت الدقائق، وأثناء استراحة جان، جلس بجانب الشاب الذي كان معهم، ونظر إليه بحذر وقال
جان: أعتذر… لم يكن قصدي أن أؤذيك.
ابتسم الشاب بهدوء وردّ
الشاب: لكمتك كانت مؤلمة، لكن لا بأس. أتمنى لك يوماً جيداً.
غادر الشاب، ومارت بقي واقفاً ينظر إلى جان، كأنه دخل عالماً جديداً معقداً لم يكن يعرف عنه شيئاً.
التفت جان إليه فجأة وسأله بهدوء
جان: هل أعجبك المكان؟
تفاجأ مارت من السؤال، فأجاب بصراحة
مارت: نعم، لا بأس به
قال جان بحزم
جان: دعني آخذ حمّاماً ثم نغادر بعدها
توجها معاً نحو غرفة الملابس، أخذ جان منشفته وتوجه إلى الحمام
بعد لحظات، دخل كوراي والشاب الذي ضربه جان إلى الغرفة وهما يتحدثان
ابتسم كوراي وقال
كوراي: أوه… شقيق جان هنا
رد مارت بتحية خفيفة
مارت: أهلاً.
قال الشاب مازحاً
الشاب: جان ليس هنا، صحيح؟ لا أريد لكمة أخرى
ضحكا معاً، ونظر مارت إليهما باستغراب وقال
مارت: ألست منزعجاً منه؟
جلس كوراي على المسطبة أمام مارت، وأجاب
كوراي: لا أحد هنا ينزعج من جان. صحيح أنه يفقد أعصابه بسرعة، ولأسباب قد تبدو تافهة، لكنه طيب القلب.
في تلك اللحظة دخل شاب آخر الغرفة وأضاف بابتسامة
الشاب الآخر: ما زلت أتذكر كيف سمعني أتحدث مع كوراي عن حاجتي للمال من أجل عملية والدتي، فجاء في اليوم التالي ومعه المبلغ كاملاً.
صدم مارت من كلامه، وتمتم بصوت خافت
مارت: نعم… هذا هو جان حقا
»»»»
مطعم “نوسيه” – منطقة نيشانطاشي – مساءً
جلست أيليف مع صديقاتها حول طاولة مستديرة في ركن هادئ من مطعم “نوسيه” الراقي، حيث تضيء أضواء الشموع المكان بنعومة، وتتناثر زهور الياسمين على الطاولات.
كانت ضحكاتهن تملأ الجو بدفء وسعادة، وأيليف تشعر بنسيم إسطنبول اللطيف يدخل من النافذة المفتوحة، معطرة بعبق البحر والزهور.
مدّت أيليف يدها لتلتقط كوباً من الشاي العشبي الدافئ، وأشارت إلى صديقتها المقربة بابتسامة مشرقة أيليف: “كم أحب هذه اللحظات… بعد كل الضغوط، أن نجتمع هنا
وننسى كل شيء.”
ردّت صديقتها وهي تبتسم : “صحيح، لا شيء يعادل الأصدقاء الجيدين وأجواء نيشانطاشي الساحرة.”
ابتسمت أيليف بشعور بالراحة والحرية، وأخذت نفساً عميقاً أيليف (بهمس): “أحياناً، أشعر أنني أعيش حلماً … هذه السعادة، هذه اللحظات… أريدها أن تدوم.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 6"