استيقظ جان قبل أي أحد، مستلقياً على ظهره، مستشعراً وزن جسم إيليف الهادئ على ذراعه، ورأسها مستند على صدره.
شعر بأنفاسها الرقيقة تلامس عنقه، وصمت الغرفة يعانقهما. نظر إليها بهدوء، ملاحظاً تفاصيل وجهها الهادئ، شعرها المنساب برقة، وابتسامتها الخفية في النوم.
تجول في ذهنه كل ما عاناه: سنوات من البعد، ساعات طويلة من الشوق، وقلوب نزفت ألماً وحنيناً، معتقداً أنها تخلت عنه.
ثم مرّت عيناه على معصمه، حيث أثر الجرح القديم الذي تركه محاولة إنهاء حياته في تلك الليلة التي علم فيها بزواج إيليف من أخيه مارت. شعر بوخز ألم قديم، ذكره بكل ما خسره وما تألم لأجله، لكنه ابتسم بخفة، كأن الماضي أصبح الآن مجرد ظل بعيد، لا يملك القوة على قلبه بعد اليوم.
همس بصوت منخفض لنفسه: “لقد انتظرتك… لقد انتظرنا هذا اليوم طويلاً …”
أغمض عينيه للحظة، مستمتعاً بالسكينة التي غلفت قلبه، محتضناً إيليف بعفوية، وكأن كل شيء في العالم قد أصبح أخيراً على ما يرام.
ثم طبع قبلة على جبينها، لتستيقظ إيليف وتتمتم بابتسامة: “صباح الخير…”
جان، وهو يبعد خصلات شعرها عن وجهها ويتأملها بعيني عاشق لم يكتفِ من محبوبته: “صباح الخير، حبيبتي…”
إيليف، وهي تنهض بنصف جسدها: “كم الساعة… سنتأخر عن موعد الرحلة!”
جان ابتسم وهو يسحبها برفق لتعود إلى صدره: “دعينا نتأخر قليلاً … ما المشكلة إن انتظرنا العالم بضع دقائق؟”
ضحكت بخفة وهي تضربه على كتفه: “جان! لا تقلها وكأننا ذاهبون في نزهة عابرة… هذه رحلتنا الأولى معاً كزوجين.”
رفع حاجبيه مازحاً : “بالضبط، الأولى… ولأجل ذلك يجب أن نبدأها كما نحب، بهدوء، بلا استعجال.”
إيليف نظرت إليه بعينيها اللامعتين، ثم قالت بنبرة دافئة: “أنت لا تتغير… دائماً تريد أن تسرق الوقت.”
جان وهو يلمس خدها برفق: “لأنني لا أريد أن يمرّ مني ثانية واحدة بدونك.”
ابتسمت، واستسلمت للحظة، ثم قالت بخفوت: “حسناً … لكننا سنتأخر فعلاً إن لم تنهض الآن.”
نهض جان أخيراً، وهو يمد ذراعيه بتثاقل مصطنع: “حاضر… سمعاً وطاعة، سيدتي العروس.”
إيليف ضحكت وهي تنزل من السرير وتبدأ بترتيب حقيبتها: “قلت لك أمس أن تغلق الحقيبة بإحكام… الآن كل شيء مبعثر.”
جان تقدم ليأخذ الحقيبة منها: “دعيني أتولى الأمر. مهمتي منذ الآن أن أجعل حياتك أسهل.”
تأملته بابتسامة، ثم قالت مازحة: “لنرى كم ستصمد على هذا الكلام.”
اقترب منها، وأمسك يدها قبل أن يهمس: “سأصمد… لعمر كامل.”
ابتسمت إيليف، وفي عينيها لمعة امتنان وطمأنينة. ثم سحبت يدها برفق، وقالت بخفة: “إذن أثبت ذلك… وابدأ بإغلاق الحقيبة قبل أن تفوتنا الطائرة.”
ضحك جان وهو ينحني على الحقيبة، متعمداً أن يتباطأ: “ها قد بدأ الامتحان إذاً…”
إيليف جلست على طرف السرير تراقبه، وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة هادئة، وهي تفكر أن هذه المرة… لن يكون هناك فراق، بل بداية لعمر كامل معه.
»»»»»»»»»»
مطار أسطنبول الدولي _ بعد ٣ساعات
كان الممر يعجّ بالمسافرين والنداءات المكررة عبر مكبرات الصوت، لكن في زاوية قريبة من بوابة السفر، وقف مارت وأوزان وماهر الصغير بينهما، يودّعون جان وإيليف.
انحنى جان إلى مستوى ماهر، وأمسك يديه الصغيرة: “ستكون رجل البيت الآن… ستعتني بالجميع، أليس كذلك؟”
ماهر ابتسم بخجل، وقال بكلماته الصغيرة: “قوي أنا… لا أخاف.”
ماهر شدّ على رقبتها بذراعيه الصغيرتين وهو يقول: “ارجعوا بسرعة… أشتاق لكم!”
مارت تقدّم بخطوة، وعيناه تحملان مزيجاً من الجدّ والاطمئنان: “لا تقلقا… ماهر بين أيدٍ أمينة. استمتعا برحلتكما، أنتما تستحقان هذه البداية.”
جان مد يده وصافح مارت بقوة، وفي صوته نبرة امتنان عميقة: “أعلم ذلك… شكراً لك، أخي.”
ابتسم أوزان وأضاف بنبرة مازحة: “فقط لا تنسوا أن تجلبوا لنا هدايا.”
ضحك الجميع، قبل أن يمسك جان بيد إيليف، ويقودها بخطوات ثابتة نحو البوابة. التفتت إيليف للحظة أخيرة لتلوّح لهم، بينما كان قلبها مفعماً بالسلام، وهي تدخل مع جان إلى بداية حياة جديدة بعيداً عن كل ما مضى.
»»»»»»»»»»»»
اليونان –أثينا – الفندق – بعد الظهر
دخل جان وإيليف الغرفة الفسيحة، حيث النسيم البارد من الشرفة ينعش المكان، والستائر المخملية تلتقط أشعة الشمس الذهبية الخافتة.
إيليف فتحت الحقيبة لتضع أغراضها، وفجأة توقفت، عيناها تتسعان، وفمها شبه مفتوح. هناك، معلق على علاقة قرب الشرفة، فستان زفاف أبيض ناصع بتفاصيل دقيقة ولمعة هادئة.
إيليف همست بدهشة:
“جان… هذا… لم أتوقع أبداً…”
ابتسم جان بخفة، واقترب منها برفق:
“لم يكن بإمكاني أن أفوت هذه اللحظة… رؤيتكِ بفستان الزفاف، … كنت أحلم بهذا اليوم… أن أراكِ بهذا الجمال، وأن أكون أول من يراكِ كذلك”
اقترب أكثر، مسح شعرها عن وجهها برقة وهمس:
“أنتِ…منذ أن كنت طفلة وأنا أعلم أن قلبي ملك لكِ.”
إيليف شعرت بحرارة قلبها ترتفع، نظرت إليه بعينيها المتألقتين، ثم همست بخفوت:
“جان… أنت دائماً تعرف كيف تجعل كل شيء مثالي…”
قبل أن يرد، سُمع طرق خفيف على الباب. فتحت إيليف الباب لتجد فريق التحضير: مصففات شعر، خبيرات مكياج، ومساعدات يحملن أدوات التجميل، جاهزين لتجهيزها لحفل الزفاف.
واحدة منهن ابتسمت وقالت:
“مرحباً ، آنسة إيليف! نحن هنا لنساعدك لتكوني أجمل عروس في أثينا.”
إيليف ضحكت بخجل:
“حسناً … لنبدأ إذن!”
جان، وهو يراقبها من زاوية الغرفة، شعر بموجة دفء واعتزاز داخلي، وهو ينتظر اللحظة التي سترتدي فيها الفستان بالكامل، مع بداية الغروب والضوء الذهبي الذي يملأ الغرفة، لتكون لحظة ظهورها بفستان الزفاف ساحرة ولا تُنسى.
»»»»»»»»»»»»
إسطنبول – حديقة ألعاب للأطفال – نهار ربيعي لذات اليوم
أصوات ضحكات الأطفال تتناثر في الهواء، والمراجيح تتأرجح بخفة تحت أشعة الشمس.
كان ماهر الصغير، يجري بخطوات صغيرة متعثرة نحو الزحلوقة، بينما أوزان يمسك بيده ليوازن خطواته.
جلس مارت على مقعد خشبي قريب يراقبهما بابتسامة، يحمل في يده بالوناً أزرق اشتراه له قبل قليل.
“انتبه له يا أوزان، لا تدعه يصعد وحده.” قالها بنبرة أبويّة، فابتسم أوزان:
“اطمئن، أنا بجانبه.”
ضحك ماهر الصغير وهو ينزلق بسرعة، ثم ركض نحو مارت ليأخذ البالون. رفعه أوزان على كتفيه وهو يقول:
“هيا أيها البطل، من يريد جولة أخرى؟”
أوزان، وقد بدا وكأنه استعاد طفولته للحظة، جلس بجانب الصغير على الأرجوحة وبدأ يدفع نفسه بخفة بينما ماهر يصفق له ويضحك.
أما مارت، فأكتفى بالمراقبة، وقلبه ممتلئ بشعور غريب من الطمأنينة، وكأن هذا الطفل جمعهم بطريقة لم يتخيلها أحد.
بعد عدة جولات، وماهر ينتقل من لعبة لأخرى بسرعة، تقدم أوزان ليجلس بجانب مارت وهو يلهث ضاحكاً :
“يا إلهي… إنه متعب، لا يكف عن الحركة.”
ابتسم مارت قائلاً:
“كوالده.”
مرّت ابتسامة ذكرى على شفتي أوزان وهو يتمتم متذكراً جان وتهوره:
“صحيح…”
صمت قليلًا، والطفل ما زال يركض حولهما بضحك متواصل. عندها قال مارت بصوت هادئ وهو يثبت نظره على ماهر:
“لا تتعجب لقولي… لكن شكراً.”
التفت إليه أوزان باستفهام، فتابع مارت دون أن يبعد عينيه عن الصغير:
“لأنك بقيت بجانبه… و حميته من نفسه.”
أوزان وقد لمعت عينيه:
“أنه صديق عمري… منذ أن فتحت عيني على الدنيا وهو بجانبي… لم أحتج له يوماً إلا ووجدته يسندني قبل أن أطلب… أنا مدين له بالكثير.”
ثم التفت نحو مارت واعتلت شفاهه ابتسامة صغيرة:
“وأنت كنت روحه… كان يراك مسؤوليته… لذا لا داعي لتغار مني… فأنت أيضاً بالنسبة لي… مسؤوليتي.”
ارتسمت الدهشة على ملامح مارت:
– “كلاكما عاملتماني كطفل… على الرغم من أننا بنفس العمر.”
ثم ابتسم مارت وهو يضع يده على كتف أوزان:
– “آسف… لأنني تسببت لك بالكثير… بسبب غيرتي على جان.”
ضحك أوزان:
– “اللعنة عليك… كم مرة ضربتني… لتستفز جان… ذلك البارد كان يتجاهل الأمر تماماً.”
ابتسم الجميع، والضحكات تتناثر في الهواء كأوراق خريفية، بينما الشمس تداعب وجوههم.
وبين اللعب والضحك، بدا أن كل شيء قد عاد إلى نصابه: الطفولة، الصداقة، والعائلة… وكل من حولهم يشعر بأن هذه اللحظة وحدها تكفي لتعيد لكل شيء توازنه، وتفتح صفحة جديدة من الأمان والحب.
»»»»»»»»»»»»»»
أثينا – شاطئ خاص – بعد الغروب
الرمال امتدت كستارة ذهبية تحت الغروب، يقطعها ممشى أبيض مفروش بالأقمشة الشفافة، تتناثر على جانبيه ورود ناعمة تلوّن الطريق. الشموع الصغيرة تلمع مثل نجوم هبطت على الأرض، تقود نحو طاولة أنيقة مزينة بالزهور، وكأنها نُصبت لعرس سريّ لا يشهده أحد سوى البحر والسماء.
خطوات إيليف كانت بطيئة على الممشى، فستانها الأبيض ينساب بخفة مع حركة الريح، وصوت الموج يرافقها كأن البحر يبارك عبورها. لم يكن هناك جمهور، لا ضجيج… فقط هي، وجان الذي وقف عند نهاية الطريق، ظهره إليها، ينتظر اللحظة التي تغيّر كل شيء وموسيقى هادئة .
كلما تقدّمت، زادت الرهبة في قلبه، حتى لم يعد قادراً على الاحتمال. استدار ببطء… وحين التقت عيناه بعينيها، بدا كأن الزمن توقّف. أمامه لم تكن مجرد فتاة في فستان أبيض، بل الحلم الذي ظلّ يطارده منذ الطفولة، يتحقق الآن في أجمل صورة.
اقتربت أكثر، فيما المصوّرة تترقّب من بعيد لتوثّق اللحظة الأولى، محاولة أن تحفظها في إطار، رغم علمها أن ما يحدث لا يمكن للصور أن تحمله.
مدّ جان يده نحوها، فترددت لحظة قبل أن تضع يدها بين أصابعه. الدفء انساب بينهما، وصمت البحر ليتركهما يعيشان لحظة تخصّهما وحدهما. عندها، ابتسمت إيليف وسلّمت نفسها لخطواته، وبدأا يرقصان فوق الرمال. كانت خطواتهما تتناغم مع همسات الموج، والورود على جانبي الممشى تهتز كأنها تحتفل بهما.
في كل حركة، كان جان يشعر أن العالم كله يذوب في ابتسامتها، وفي دفء يديها. همس في قلبه: “أخيرًا… كل شيء أصبح على ما يرام. حياتنا بدأت الآن.”
والمصوّرة التي كانت شاهدة خفية، التقطت الصور بترقّب، لكنها أدركت أن ما يوثّق هذه اللحظة حقًا ليس الكاميرا… بل ذلك الشعور الذي غمرهما، حبّ صادق وهدوء وُلد من قلب العاصفة.
“ذلك المساء على شاطئ أثينا لم يكن مجرد لحظة عابرة، بل بداية حكاية كُتبت على الرمال وباركها البحر والسماء.”
»»»»»»»»»»»»»
منزل عائلة آصلان– صالة المنزل – بعد الضهر بعد عدة أيام
كان مارت جالساً على الأريكة، تحيط به أوراق العمل المتناثرة، غارقاً بين السطور والأرقام، فيما جلس ماهر الصغير على الأرض قربه، يرسم ويلون ببراءة طفولية. الصالة غارقة في سكون مريح، لا يكسره سوى خشخشة الأوراق وصوت أقلام التلوين.
وفجأة، انفتح باب الصالة بهدوء. دخل جان وإيليف معاً. لم يكد ماهر يرفع رأسه حتى قفز واقفاً، ترك ألوانه مبعثرة وانطلق يعدو وهو يصرخ بفرح غامر:
“ماما! بابا!”
ابتسم جان، وانحنى ليلتقطه بين ذراعيه، رفعه عالياً وكأنما يستعيد عمراً من الحنين، ثم أغرقه بالقبلات وهو يضحك بخفة:
“اشتقت إليكم… لم أستطع فراقكم أكثر.”
عندها، رفع مارت رأسه عن الأوراق بدهشة، ليتسع وجهه بابتسامة دافئة لم يتوقعها:
“عدتما باكراً …” قالها وهو ينهض من مكانه.
ابتسم له جان بعاطفة صادقة، ثم تقدّم وهو ما يزال يحمل ماهر:
” غلبني الشوق يا أخي.”
أنزل جان ابنه إلى الأرض، فركض ماهر نحو إيليف ليعانقها بكل قوته، وهي تنحني لتغمره بين ذراعيها بحنان. وفي تلك الأثناء، اقترب مارت من جان وفتح ذراعيه ليضمه:
“أهلاً بعودتك أخي.”
العناق جمع بينهما بعد طول غياب، فيما كانت إيليف تضم ماهر إلى صدرها. في تلك اللحظة، سُمع صوت خطوات بطيئة تقترب من الصالة. التفت الجميع، فإذا بالجد يقف عند الباب، عصاه بيده وملامحه يكسوها مزيج من الصرامة والحنين.
تأملهم بصمت لبرهة، ثم لان صوته وهو يقول:
“… هكذا فقط… يعود البيت حياً من جديد…”
اقترب بخطوات ثابتة، مدّ يده ليمسح على رأس ماهر الذي ركض نحوه فوراً ليعانقه، ثم رفع نظره نحو جان وإيليف، وابتسامة صغيرة ارتسمت على وجهه رغم محاولته إخفاءها
الجد :
“أهلاً بعودتكم يا أولاد.”
جلس بينهم أخيراً، بينما اجتمع الثلاثة حوله، ليكتمل المشهد بدفء لم تعرفه جدران الصالة منذ زمن طويل.
كان الجو قد امتلأ بدفء اللقاء. ماهر يتنقّل بين ذراعي إيليف وحضن الجد، فيما مارت يجلس بجانبهم مبتسماً، يحاول أن يستوعب عودة جان المفاجئة. لحظة نادرة جمعتهم جميعاً، كأن الصالة استعادت روحها المفقودة.
لكن جان، الذي ظلّ صامتاً للحظات وهو يراقب المشهد، نهض ببطء. مرّر يده على كتف مارت بابتسامة قصيرة، ثم قال بصوت هادئ:
“سأصعد إلى الغرفة… أشعر ببعض التعب .”
التفتت إليه إيليف بسرعة، وعيناها ممتلئتان بقلق خفي:
“هل أنت بخير؟”
ابتسم مطمئناً، ونظر إليها نظرة مطوّلة حملت أكثر مما نطقت به كلماته:
“بخير… لا تقلقي. فقط أحتاج لبعض الراحة.”
تركهم ومضى بخطوات هادئة نحو الدرج
في اللحظة ذاتها، ينهض مارت دون أن يقول شيئاً، يلمح الجد ذلك ويبتسم بحكمة وكأنه يعرف أنّ هناك ما يحتاج أن يُقال بين الاثنين.
يمشي مارت خلف جان، خطواته حذرة، لكنه مصمم أن يلحق به… أن يكون ظلّه في تلك العزلة القصيرة.
جان يلتفت إلى مارت وهو يبتسم ابتسامة خفيفة، لكنها مشوبة ببعض الإرهاق:
“متى ستتوقف عن هذه العادة… اللحاق بي؟”
يقف مارت بجانبه، كأنه يحاول أن يقرأ ملامحه أكثر مما يسمع كلماته:
“هل أنت بخير؟”
يربت جان على ذراعه مطمئناً، وهو يزفر بهدوء:
“بخير… اطمئن.”
لكن مارت يحك مقدمة جبينه بأصبعه، متردداً قبل أن يبوح:
حديقة منزل عائلة آصلان – عطلة نهاية الأسبوع مساءاً
غابت الشمس خلف الأفق، وأضاءت أضواء المساء الخافتة الحديقة برقة. الطاولات مرتبة بعناية، والفوانيس الصغيرة تتلألأ بين الأشجار، تعكس ألوانها على وجوه الجميع. نسيم البحر يمر بين الأغصان، حاملاً معه رائحة الأزهار والهواء النقي، ليضيف لمسة سحرية على المكان.
اجتمعت العائلة حول الطاولة: الجد على كرسيه المعتاد، بالقرب منه والدي إيليف ووالدي ساردار، وساردار مع شقيقه مراد وأخته جميلة، وأركان، ومارت وشاغلا ، وجان وإيليف، وماهر الصغير. الجميع مشغول بلعبة أوراق، ضحكاتهم تتناغم مع حفيف الفوانيس والنسيم العليل، بينما يملأ الجو شعور بالفرح والدفء بعد أيام من الغياب والانتظار.
فجأة، رن هاتف جان. التقطه، ووجد أوزان على الطرف الآخر. نهض جان ليستقبله، ودخل أوزان الحديقة. اتجها معاً نحو المسبح، يتحدثان بصوت منخفض:
جان: “تأخرت… سأموت من الجوع.”
أوزان: “كان لدي بعض العمل… مديرك يقول أن لديك حفلاً في إسطنبول الشهر القادم.”
جان: “فهمت.”
أوزان: “سأذهب لألقي التحية.”
يومأ له جان ليبقى واقفاً بجوار المسبح، ثم عاد بنظره إلى العائلة، والابتسامة ترتسم على وجهه برقة.
وأغمض عينيه قليلاً، ثم فكر بصمت:
“لقد عانيت… عانيت كثيراً طوال حياتي، خضت الظلام، وسقطت مرات لا تحصى، وشعرت أني سأضيع إلى الأبد. لكن الآن… ها أنا واقف، أملك كل شيء يستحق أن أحميه. إيليف إلى جانبي، عائلتنا الصغيرة مكتملة، ومارت، أخي بجانبي بدون أحساسي بالخوف من قربه ،لم أعد مجبراً على دفعه بعيداً عني ليكرهني ،فلم يعد ثقل ذنب موتها يخنقني ، وكل هذا بفظلك أوزان . لن أسمح للظلام أن يلتهمني مرة أخرى. لن أعود إلى تلك الحفر السوداء. سأكون قوياً … من أجلهم، من أجل كل من أحب، من أجل حياتي التي أعدت تشكيلها بنفسي. هذه المرة… لن أسمح لأي شيء أن ينهار.”
ابتسم جان بهدوء، وعاد إلى الطاولة حيث أجتمع كل أحباء قلبه وعيناه تبتسمان لأوزان بنضرة وحده أوزان فهمها .
ماهر الصغير يقفز من مكانه نحو إيليف ليحتضنها، بينما مارت يراقب المشهد بابتسامة هادئة، ويجلس بجانب جان ليحس بوجوده مجدداً . الجد يبتسم بعمق، وعيناه تلمعان بالحنين والرضا، وهو يلمس كتف ماهر بحنان.
أخذ الجميع أكوابهم، ورفع الجد كأسه قائلاً بصوت هادئ لكنه مليء بالدفء:
“إلى بيتنا… إلى عائلتنا. بعد كل شيء، هذا هو المكان الذي ينتمي إليه القلب.”
ابتسم الجميع، وارتفع صوت الضحكات مرة أخرى، وامتلأت الحديقة بألوان الفوانيس وصدى الحديث والضحك، كأن السماء كلها تشاركهم لحظة السلام والسعادة.
في تلك الليلة، شعر جان بأن كل شيء قد عاد إ
لى نصابه، وأن الحياة، رغم كل الصعاب، تمنحه فرصة جديدة ليحمي من يحب ويعيش بسلام. والحديقة الصغيرة تحولت إلى ملاذ عائلي، حيث الحب والطمأنينة تجذرت مجدداً بين الجميع، كخاتمة مثالية لحياتهم التي بدأت من جديد.
“وهنا انتهت الحكاية… لكنها لم تكن سوى بداية لسلام طال انتظاره.”
” النهاية ”
»«»««»«»«»«
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 51"