على طرف المسبح، امتدّت كراسي الشزلونج خالية، إلا واحداً منها احتضن جان بصمت. تمدد مسنداً رأسه إلى الخلف، يحدّق في السماء، يراقب النجوم البعيدة وكأنها أقرب إليه من جميع من حوله.
بينما ،كانت أصوات العائلة تتعالى بالأحاديث والضحكات، يتناولون عشاءهم تحت ضوء القمر، على بُعد بضعة أمتار فقط منه.
تقدّم مارت بخطًى هادئة، ووقف إلى جانب كرسي جان، حاملاً في يده زجاجتَي عصير.
مارت: هل تشرب العصير؟ رفع جان رأسه ببطء، اعتدل في جلسته، أنزل قدميه إلى الأرض، وتناول الزجاجة بصمت. فتحها، تمتم وهو يتأملها بازدراء: أكره عصير البرتقال. ابتسم مارت بهدوء و أجاب : أعلم.
نظر إليه جان و ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة جان: هل تتعمد إزعاجي؟
ضحك مارت وهو يحك جبينه مارت: أحاول فقط أن أدفعك إلى الحديث.
ضحك جان وقال بنبرة مازحة : يا إلهي، مارت… أتتذكّر حين تعمّدتَ ضرب أوزان فقط ليضربك، فتجبرني على التدخل والدفاع عنك؟ كنت تغار منه.
قهقه مارت وهزّ رأسه مارت: تبا لك… آنذاك تجاهلتَنا كلّنا
ضحك جان: كنت واثقاً من أوزان… أعلم أنه لن يؤذيك. مسكين، حين رأيته في اليوم التالي، بدا وجهه كخارطة.
ضحك مارت بحرارة مارت: يا إلهي… لقد كنتُ حقيراً بالفعل.
وضحكا معاً، كما لم يفعلا منذ أعوام طويلة
وفي تلك اللحظة، خيّم الصمت على مائدة العائلة. الجميع أدار أنظاره نحو الأخوين بدهشة، بعضهم ابتسم بامتنان وسعادة خفيّة، والبعض الآخر بدا عليه الامتعاض، وكأن هذا الضحك لم يكن في توقيته المناسب.
الجد من بين الصامتين. وضع شوكته جانباً، وأسند ظهره إلى الكرسي، يراقب جان بعينين ضيّقتين كأنهما تدرسان ملامحه. لم يقل شيئاً، لكن انقباضة فكه كانت كافية لتقول الكثير. لم تعجبه الضحكة، ولا اللحظة، ولا مَن أعادها إلى الواجهة.
أشاح بنظره عنهم، وعاد إلى طبقه بصمت، كأن الضحك أزعجهُ أكثر من كلّ صمتٍ مضى
»»»»»»»»
الساعة الرابعة مساءاً لم يكن منزل أوزان في حيّ “بيبك” بعيداً عن منزل والدي جان.
كان جالساً على الأريكة، هاتفه ملاصق لأذنه، ووجهه متجهم وقد ارتسمت عليه ملامح انزعاج واضح.
أوزان: أبي، أقسم لك… لم أقُد أي سيارة أو دراجة. لقد وعدتك، وأنت تعلم أنني لا أكسر وعودي. الأب (بصوت قلق): أوزان، أرجوك… لن أسامحك إن علمت أنك نكثت وعدك. أوزان ( يتنهّد بحزن): لا تقلق، لن أفعل. الأب: حسناً … اعتنِ بنفسك، يا بني. إلى اللقاء. أوزان: إلى اللقاء.
أغلق الهاتف ببطء، ثم تمدّد على الأريكة، واضعاً يده تحت رأسه. تغلغل الصمت في الغرفة بينما عاد بذاكرته إلى تلك الليلة التي غيّرت حياته.
كانت الساعة الثالثة فجراً ، والمدينة شبه خالية، لا يمرّ فيها سوى نسمات باردة وشوارع ممدودة بصمت.
قاد جان دراجته بهدوء، وعلى مقربة منه، كانت سيارة أوزان تسير بمحاذاته.
أخرج أوزان رأسه من النافذة و صاح بحماس : جان! دعنا نتسابق!
ردّ جان ببرود دون أن يلتفت : كلا
استفزه أوزان، ضاحكاً : أيها الجبان!
ابتسم جان بسخرية، وعيناه تتجهان إلى الطريق جان: أنت تعلم أنني أريد الموت، أوزان… لا أخاف من شيء.
قال أوزان متحدياً أوزان: إذاً، حاول أن تسبقني!
وانطلقت السيارة بسرعة، محركها يصرخ في الفراغ
صرخ جان بفزع : أوزان! لا تفعل… توقّف!
لكن صوته لم يكن أسرع من الشاحنة القادمة
في لحظات، انقلبت سيارة أوزان على الرصيف، و ارتطمت عدّة مرات قبل أن تتوقف مقلوبة رأساً على عقب
ألقى جان دراجته جانباً وركض نحو السيارة، صوته يعلو وسط الفوضى جان: أوزان
ركع بجانب الباب المحطّم، حاول جاهداً أن يفتحه ويسحب صديقه، والدماء تغطي وجه أوزان وملابسه
فتح أوزان عينيه بصعوبة، والرؤية مشوشة، لكنه رأى وجه جان القريب منه، ملوّحاً له، وصوته يرتجف جان: لا… لا تتركني مثل والديّ، أوزان… أرجوك لا تمت… افتح عينيك…!
منذ تلك الليلة، منعه والده – وجان أيضاً – من القيادة.
—
عاد أوزان إلى الحاضر، مستلقياً على الأريكة في ظلمة غرفته، يتنفس ببطء. تمتم بحزن وهو يحدّق في السقف أوزان: آسف، جان… كنت متهوراً… وفتحت جروحك من جديد تلك الليلة.
»»»»»»
مساءٌ صافٍ، الساعة الثامنة مساءً. قاد جان سيارته ببطء نحو المنزل الجبلي في منطقة بيكوز السماء هادئة، والطرقات شبه خالية، وكأن كل شيء من حوله يهيّئ له العزلة التي يبحث عنها. كان بحاجة لأن يختلي بنفسه… يفكر، يتأمل، وربما يهرب من زحمة مشاعره.
تطوّرت علاقته بمارت بسرعة غير متوقعة، وهذا ما أربكه. “هل سأندم؟” “ماذا لو عرف مارت الحقيقة؟” “هل سيكرهني؟ أم سيسامحني؟”
أسئلة كثيرة تدفقت في رأسه، مثل أمواج متلاطمة في بحر هادئ المظهر. نظر إلى الطريق أمامه، وأحكم قبضته على المقود كمن يتشبث بشيء يمنعه من الانهيار
وصل جان أخيراً إلى المنزل الجبلي. ركن السيارة أمام المدخل، أطفأ المحرك، وبقي جالساً للحظة، يستجمع أنفاسه قبل أن يترجّل. فتح الباب ببطء، وكان كل شيء في الداخل ساكناً … هادئاً إلى حد غريب.
دخل، خلع معطفه، ووضع مفاتيحه على الطاولة الخشبية الصغيرة قرب المدخل. المدفأة في الزاوية كانت مشتعلة، تنبعث منها حرارة لطيفة تملأ المكان.
لكن ما إن التفت نحوها… حتى تجمّد في مكانه.
كانت هناك. أيليف. جالسة على الأرض، قرب المدفأة، ظهرها مسنود إلى الأريكة، ورأسها مائل إلى الجانب، كأنها تغفو أو تفكر بعمق. شعرها منسدل على كتفيها، وضوء النار يرقص على ملامحها بهدوء.
رمش جان، وكأنه يشكّ في ما يرى “أيليف…؟” نطقها بصوت خافت، أقرب للهمس
رفعت رأسها ببطءالتقت عيناها بعينيه للحظة، ثم صرفت نظرها نحو المدفأة، متجاهلة وجوده تماماً لم تنطق بكلمة، ولم تُبدِ أي ردّة فعل، وكأن دخوله لم يعنِ لها شيئاً
تقدّم جان بخطوات بطيئة، بدا عليه الارتباك، وجلس على كرسي قريب منها، إلى يسارها مباشرة. راح يحدّق بها بصمت، تائهاً بين الرغبة في الحديث والخوف من المواجهة
هل يُحادثها؟ أم يلتزم الصمت كعادته؟ وإن تكلّم، فماذا عساه أن يقول؟ “آسف لأني ابتعدت؟ لأني كنت السبب في موت والديّ؟”
مجرد التفكير بكلمات الاعتذار كان ينهك قلبه.
ماذا لو عرفت الحقيقة؟ هل ستكرهه؟ أم ستسامحه؟ الأسئلة تنهش عقله، والأفكار تتصارع بداخله كعاصفة على عكس السكون التام الذي يخيّم على الغرفة أخذ جان نفساً عميقاً ، ثم نطق بصوت هادئ، حنون: كيف حالك؟
لم تحرّك أيليف ساكناً ، ولم ترد مرّت بضع ثوانٍ ثقيلة، كأن الزمن توقّف.
عضّ جان شفته السفلى، وكفّاه متشابكان في حضنه، ثم نهض بهدوء يستعد لمغادرة المكان. اتجه نحو الباب، ووضع يده على المقبض، لكنّه توقف في مكانه فجأة… حين سمع صوتها، خافتاً، متردداً أيليف : بخير
أبعد يده عن مقبض الباب، ثم ضغط بكفه على صدره… كأن قلبه سينفجر من شدة النبض، كأنه يريد الهروب من قفصه. تنفّس بعمق، ثم استدار ببطء وعاد ليجلس على حافة الأريكة خلفها. نظر إليها، وصوته بالكاد يُسمع
شعر جان وكأن شيئاً يضغط على صدره، خنقه الألم، وكأن سكيناً تنغرس في قلبه جان: لا أستطيع أن أخبرك السبب
انهمرت دموع أيليف، غمرت وجهها، وحاولت عبثاً إخفاء ضعفها بكفيها. لكن جان لم يحتمل رؤيتها بهذا الشكل… انهارت دفاعاته فجأة. جلس أمامها بسرعة على الأرض، وأبعد يديها عن وجهها بلطف، راح يمسح دموعها بكفيه المرتجفتين، وهمس بحرقة:
– آسف… حقاً آسف… لا تبكي، أرجوك… أيليف، أنا متعب… لا تزيدي تعبي بدموعك.
رفعت رأسها ونظرت إليه، وسألت بصوت يرتجف:
لماذا تركتني؟
ردّ جان بصوت منهك، مبحوح:
لا تسأليني، أرجوك… أيليف، أنا أموت… أموت ببطء كل يوم… أحتاجك، اقسم لك بأني أحتاجك… لكن لا أستطيع أن أخبرك لماذا تركتك… فقط… لا تسأليني.
بقيت أيليف تنضر أليه لدقيقة ثم أومأت برأسها موافقة ، وقد شعرت بكل ما بداخله من وجع وتعب، أدركت أن الجواب لم يحن بعد… وربما لن يأتي قريباً لكن ما يهم الآن… أنه عاد إليها.
فقط وجوده هنا، منحنٍ أمامها، منكسراً، حقيقياً … كان كافياً .
ستكون هي حضنه الدافئ في هذا العالم… حتى وإن لم يقل شيئاً.
»»»»»»»»
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 5"