يرفع جان عينيه نحوه، نظراته ثقيـلة، محملة بالإرهاق والخيبة. ثم يسند رأسه إلى ظهر الأريكة،يحدق بالسقف ، جسده ينهار ببطء، كأن كل تعب الأيام قد استقر فيه دفعة واحدة.
جان:
“أوزان… أريد حبة منوم… غداً لدي عمل كثير… يجب أن أنام.”
أوزان يبتسم ابتسامة خفيفة، يمد يده إلى جيبه ويُخرج علبة صغيرة شفافة، يرجّها قليلاً بين أصابعه قبل أن يفتحها.
أوزان:
“أعلم، أحضرتها معي بالفعل.”
جان يأخذ الحبة، يشرب رشفة من الماء، ثم يغمض عينيه بتعب، يتنفس ببطء كأن جسده بدأ يستسلم.
يجلس أوزان بجانبه، صامتاً، يراقبه، ثم يربت على كتفه برفق شديد، محاولةً لنقل الأمان عبر لمسة واحدة.
أوزان (بهدوء):
“اذهب إلى سريرك… قبل أن تغفو هنا. “
يفتح جان عينيه ببطء، يضع يده على الأرض كحامل مؤقت، يقف متثاقلاً ، ويتجه نحو السرير، خطواته بطيئة، مترددة، لكن كل خطوة تحكي عن ثقل المشاعر التي يحملها.
يظل أوزان جالساً يراقبه، قلقاً، كل حركة صغيرة له تزرع في قلبه شعوراً بالمسؤولية والحرص، كأن لحظة واحدة من الانشغال قد تفقده السيطرة على حماية صديقه.
الهدوء يعود إلى الغرفة، فقط همس الرياح من نافذة مطلة على المدينة يذكرهما بأن العالم ما زال مستمراً ، وأن الليل هنا، يحمل معه راحة مؤقتة بين الضلوع المتعبة.
»»»»»»»»»»»»»»»»»»
منزل عائلة آصلان – شرفة غرفة مارت
كان الفجر يزحف ببطء، ينثر خيوطه الفضية فوق أبنية المدينة النائمة. الهواء لا يزال يحمل برودة الليل، والسماء تتحوّل تدريجياً من سوادٍ دامس إلى زرقة باهتة تتخللها خيوط وردية خجولة.
جلس مارت في ذات الوضعية منذ ساعات، متكئاً إلى الخلف في المقعد الخشبي، كتفاه مسترخيتان وكأن ثقلهما تجاوز قدرته على الحمل. إحدى قدميه وُضعت فوق الأخرى بتكاسل على الطاولة أمامه، في حين أسند مرفقه إلى ذراع الكرسي، وراح بكفّه يرفع رأسه المتعب.
يده الأخرى لا تزال تمسك عقب سيجارة محترقة، تتراقص نهايتها المتوهجة مع كل هبّة نسيم. وعلى الطاولة، بجانب قدمه، رقدت علبة سجائر فارغة بإهمال، يحيط بها رماد مبعثر، وبعض آثار احتراق خفيف على الخشب.
أنفاسه كانت هادئة، بهدوء متناقض مع عاصفة الصمت في داخله. لم يكن الصمت راحة، بل امتداداً لضجيج داخلي لم يفلح حتى الدخان في تهدئته.
أشرقت الشمس أخيراً ، وبدل أن تبدّد الظلمة من داخله، بدت وكأنها تكشف كل ما حاول دفنه بين طيات الليل.
غادر مارت الشرفة بهدوء، خطاه ثقيلة ومثقلة بأعباء الليل الطويل.
توجه نحو غرفته، حيث كانت الأجواء مختلفة تماماً، لكنها تحمل نفس ثقل الصمت.
دخل الغرفة ببطء، فوجد “إيليف” جالسة على السرير، مستندة إلى التاج الخشبي.
صمت لا يحتاج إلى كلمات، فهم كل منهما ألم الآخر، وأثقال قلبه.
كانا صديقين في مأساة واحدة، تتشابك آلامهما كما تتشابك الأصابع
ثم غادر الغرفة. نزل مارت الدرج بخطوات ثقيلة، ينتقل من صمت غرفته إلى رواق القصر حيث جلس الجد بمفرده.
كان يشرب قهوته ببطء، عينيه تحدقان في كوب الفخار بين يديه، لكن نظرته كانت تسبق المشهد.
لاحظ الجد حضور حفيده، فرفع رأسه ونظر إليه.
الجد (بنبرة هادئة، مليئة بالتوقع):
“مارت… ظننت أنك ستأخذ جان بين أحضانك حين تراه. لماذا تجاهلته؟”
ابتلع مارت غصته، فكر للحظة قبل أن يجيب.
مارت (بصوت خافت وغير واثق):
“لا أعلم…”
ثم سحب كرسياً ليجلس عليه
تنهّد الجد قليلاً، ثم وضع كوب القهوة على الطاولة.
الجد:
“على كل حال، هو أحضر تذاكر الحفل للجميع… ثم غادر.”
ارتفع صوت مارت قليلاً، تملكه الخوف والقلق:
“هل غادر؟ جدي، لماذا تركته يغادر؟”
ابتسم الجد بابتسامة خفيفة مطمئنة.
الجد:
“اطمئن… سيعود معكم بعد الحفل. أمرته ألا يختفي.”
ألقى مارت بنظرة متعبة، وجهه مشحون بمشاعر معقدة.
مارت (بصوت مكسور):
“جدي… هل سامحته؟”
أومأ الجد برأسه.
الجد:
“نعم…”
تنهد مارت، ثم أضاف بصراحة مؤلمة:
“أنا فقط غاضب منه… كيف له أن يتركني أعيش وأنا أحمل ذنب موته؟
كيف يتركني أغرق في هذا الظلام والألم؟”
نظر الجد إليه بعينين رقيقتين.
الجد (مطمئن):
“لا بأس… خذ وقتك حتى تجد نفسك قادراً على الحديث معه .”
اقترب مارت منه قليلاً، صوته أصبح أكثر إلحاحاً .
مارت:
“لا تدعه يذهب هذه المرة.”
رد الجد بحزم ودفء:
“أعدك.”
جلسا معاً في هدوء، بينما الشمس تشرق خارج النوافذ، حاملة معها وعوداً جديدة.
»»»»»»»»»»»»»»»
إسطنبول – فندق “كراون بارك” – صباح يوم الحفل
تسللت خيوط الشمس الأولى من بين الستائر المخملية الثقيلة، تنساب على الأرضية اللامعة للجناح الملكي، وترسم بأشعتها الذهبية خطوطاً ناعمة فوق السجادة الفاخرة.
على الطاولة الجانبية، راح منبّه الهاتف يرنّ بإلحاح. مدّ “جان” يده بتثاقل وأوقفه، ثم أعادها إلى الوسادة. لم يفتح عينيه تماماً، أنفاسه لا تزال مثقلة، كأن النوم لم ينجح في تهدئة ما بداخله.
بهدوء، انفتح باب الغرفة. دخل “أوزان” مرتدياً قميصاً كحلياً أنيقاً، وفي يده كوبان من القهوة. كان صوته أول من كسر سكون الصباح.
أوزان (بنبرة منخفضة):
“هيا، الوقت يمر… أمامنا يوم طويل.”
لم يرد “جان”، فقط تنهد بعمق ودفن وجهه في الوسادة. وضع “أوزان” كوب القهوة بجانبه، ثم بخفة، سحب الستائر جانباً . انكشفت نوافذ الزجاج الواسعة على مشهد بانورامي يطل على بحر مرمرة وخط أفق إسطنبول الساحر.
أوزان (بابتسامة خفيفة):
“لن تكون نجم الليلة إذا بقيت مدفوناً تحت الغطاء.”
رفع “جان” رأسه أخيراً، نظر إلى الأفق، ثم إلى “أوزان”. ملامحه لا تزال مرهقة، لكن شيئاً من السكون حلّ محلّ التوتر.
جلس “جان” على حافة السرير، يفرك وجهه ببطء، ثم تناول كوب القهوة وأمسكه بكفّيه كما لو أنه يستمد منه الدفء.
جان (بصوت خافت):
“أظنني رأيت شيئاً في عينيه بالأمس… خوف؟ خيبة؟ لا أعلم.”
أوزان يتقدم نحوه بهدوء:
“هذا اليوم ليس عن مارت، ولا عن الأمس…
هو عنك، عن صوتك، عن من أصبحت، لا من كنت.”
أطرق “جان” لثوانٍ، ثم ارتشف رشفة صغيرة من قهوته، وسكنت عيناه على الأفق من جديد.
جان (بابتسامة خفيفة):
“فلنبدأ إذاً.”
»»»»»»»»»»»»»»»»»
إسطنبول – مكان الحفل – منتصف النهار
المسرح ينبض بالأضواء المتحركة والليدات التي تغيّر ألوانها مع كل حركة، جدران القاعة مكسوة بشاشات ضخمة تعرض شعار الحفل، وصوراً متقطعة من حفلات جان السابقة.
يعلو صوت الباصات الثقيلة من مكبرات الصوت كلما جرّب فريق الصوت النظام. الفنيون يتحركون كخلية نحل، أحدهم يختبر البيس، وآخر يُعدّ الإضاءة المتزامنة مع الإيقاع.
“جان” واقف على طرف المسرح، يرتدي ملابس كاجوال بسيطة: تيشيرت أسود واسع، وسروال جينز، وحذاء رياضي. يحمل غيتاره الكهربائي، ويعزف لحناً خفيفاً للتجربة، بينما يهز رأسه مع الإيقاع.
أوزان يقترب منه، يحمل تابلتاً يتفقد به جدول اليوم، ثم يرفع عينيه ويقول بنبرة عملية:
أوزان:
“الصوت ممتاز… الإضاءة شغالة. كاميرات البث جاهزة.”
جان (ينظر إلى المسرح بابتسامة جانبية):
“كل شيء بدا منسجماً، وكأنهم يشيدون عالمًا هشّاً… قبل أن تفجّره الموسيقى.”
أوزان (بمزاح خفيف):
“تماماً مثل دماغك.”
ضحك الاثنان لثوانٍ، لكن جان سرعان ما عاد للشرود، ينظر إلى مقاعد الجمهور التي ستغصّ بعد ساعات بالهتاف والعيون والهواتف.
أوزان ينظر إلى ساعته، ثم يربت على كتف جان:
” انا علي الذهاب الآن وأنت عندك لقاء صحفي. ارجع للفندق بعد ذلك وخذ لك قيلولة… ولا تهرب.”
جان:
“لن أهرب… الليلة ملكي.”
»»»»»»»»»»»»»»
فندق “كراون بارك” – جناح جان – الساعة 4:00 ظهراً
دخل جان الغرفة ونزع قميصه وهو يمشي، رمى غيتاره بلطف على الأريكة، ثم اتجه للحمام ليغسل وجهه.
توقفت خطواته للحظة أمام المرآة، حدق بانعكاسه، ورأى فيه مزيجاً من شخصين: واحد مُنهك من الماضي، وآخر يوشك أن يعتلي قمّة جديدة.
جان (يهمس لنفسه):
“لن أدع أحداً يسرق هذه الليلة… ولا حتى أنت جان.”
عاد إلى السرير وتمدد، ترك هاتفه على الوضع الصامت، وأغلق عينيه.
»»»»»»»»»»»»»»
منزل عائلة آصلان – غرفة مارت – مساء الحفل – أجواء هادئة قبل التوتر
كانت إيليف واقفة أمام المرآة، ترتب خصلات شعرها الداكنة وتثبت قرطاً صغيراً ذهبياً في أذنها. ارتدت سترة جينز فوق فستان قصير باللون الأزرق الفاتح . مظهرها بسيط، لكن أنيق.
جلس مارت على طرف السرير، مرتدياً قميصاً رمادياً مفتوح الأزرار فوق تيشيرت أبيض، وبنطال جينز داكن، يراقبها وهو يتكلم عبر الهاتف.
مارت (بصوت منخفض):
“هل أنت واثق أن جان سيأتي؟”
ساردار (من الهاتف):
“نعم، قال إنه سيلتقي بنا في الحفل.”
مارت (يتنهّد):
“كيف سنجده هناك وسط الزحام… هذا مستحيل.”
ساردار:
“لا أعلم… بكل الأحوال، قال إنه سيعود للمنزل الليلة.”
مارت (ينهض ببطء، يمشي في الغرفة بضيق):
“كان عليك أن تأخذ رقمه على الأقل.”
ساردار (نبرة عتاب):
“وأنت، لماذا تجاهلته تماماً؟ لم أتوقع هذا منك.”
مارت (يتوقف، يتلفت نحو إيليف للحظة ثم يشيح بنظره):
“يستحق ذلك… يحتاج إلى قرصة أذن على تركه لي كل هذا الوقت أتخبط في الظلام.”
ساردار (بهدوء):
“حسناً … اهدأ مارت… الليلة سيأتي، هذا مؤكد.”
مارت:
“حسناً … أراك هناك.”
أنهى المكالمة ووضع الهاتف على الطاولة الصغيرة بجانبه، ثم جلس على الكرسي القريب من النافذة، ينظر إلى الحديقة في صمت.
اقتربت إيليف منه، وجلست القرفصاء أمامه، تنظر في عينيه.
إيليف:
“ماذا يدور بخاطرك؟”
مارت (بنبرة مشوشة):
“لماذا عاد الآن، برأيك؟… بعد كل هذه السنوات.”
إيليف (متعجبة):
“مارت، ظننتك سعيداً بعودته.”
مارت (بصوت منخفض، شبه ابتسامة حزينة):
“أنا سعيد… أشعر وكأنني تنفّست من جديد… كنت كمن دُفن تحت التراب بغيابه.
لكن بداخلي تساؤلات… قلق…
هل عليّ أن أخبره الحقيقة الآن؟ أم أنتظر لأعرف سبب عودته؟”
إيليف (بهدوء وحزم):
“برأيي؟ تكلم معه. أخبره بكل شيء… قبل أن يختفي ثانية.”
مارت (ينظر للأرض، ثم يرفع عينيه):
“لا يمكنه أن يختفي…
لن أسامحه أبداً إن فعلها بي مرة أخرى.”
»»»»»»»»»»»»»
المكان: كواليس الحفل – غرفة تبديل جان – قبل الحفل بربع ساعة
ضوء دافئ يتسلل من مصابيح المرآة الكبيرة في الغرفة المخصصة لتجهيز العروض. الجدران رمادية باهتة، والمكان عملي، ليس فاخراً جداً، لكنه مجهز بكل ما يحتاجه الفنان. على الطاولة أمام المرآة تتناثر زجاجات مياه، مناديل، وأوراق كلمات الأغاني.
كان “جان” واقفاً أمام المرآة، مرتدياً جاكيتاً جلدياً أسود بسيط فوق تيشيرت رمادي داكن، وبنطال جينز مريح.
وحذاءً جلدياً لامعاً. مظهره متقن، دون تكلف.
ينفتح الباب بهدوء ويدخل “أوزان” بابتسامة خفيفة.
أوزان (بنبرة مرحة):
“مساء الخير، يا نجم الليلة.”
جان (يلتفت إليه بعتب خفيف):
“أين كنت؟ لقد تأخرت.”
أوزان (يقترب، يراقب ملامحه):
“متوتر؟”
جان:
“قليلاً … لكن لا مجال للتراجع الآن.”
يُفتح الباب مجدداً بسرعة، ويدخل مدير الحفل متوتراً، يتكلم بنبرة مستعجلة:
المدير:
“جان، هل أنت جاهز؟”
جان ينظر إليه لثوانٍ، ثم يقول بهدوء:
“سأغير اللائحة.”
المدير يتجمّد في مكانه، وأوزان يحدّق بدهشة.
المدير (يعترض بحدة):
“مستحيل! كل شيء تم ترتيبه!”
جان (بثبات):
“سأغني ما أريد.”
المدير (يرفع صوته، يدور في الغرفة بعصبية):
“هذا ليس وقت العناد! ستخرج للمسرح بعد دقائق!
إذا فشل الحفل، سندفع الشرط الجزائي!”
يتوقف المدير أمام جان، ينظر إليه بحدة:
المدير:
“توقف عن العبث، وأكمل هذه الليلة كما اتفقنا.”
ثم يخرج من الغرفة وهو يضرب الباب خلفه.
يظل الصمت للحظة، ثم ينظر أوزان إلى جان وهو يكتف ذراعيه:
أوزان يرمق جان ثم يتكلم بهدوء):
“تكلم… ما الأمر؟”
جان (ينظر للمرآة ثم إليه):
“قائمة الأغاني لا تعبر
عمّا أشعر به… لا تناسبني الليلة.”
أوزان (يتنهد ) :
“ماذا تريد جان؟”
جان:
“أريد أن أغني ما في قلبي. أريد أن أكون صادقاً مع نفسي.”
أوزان (بعد لحظة صمت قصيرة):
“إذاً… افعل.”
جان (بتردد):
“لكنه غاضب… والشرط الجزائي…”
أوزان يضع يده على ذراع جان (بابتسامة خفيفة):
“لا تقلق… معنا ما يكفي لنسدد.
فقط افعل ما تريد.”
جان ينظر إليه ممتناً، بابتسامة خفيفة.
جان:
“شكراً، أوزان.”
أوزان( يومأ له بثقة ليخرج للمسرح ):
“هيا… اذهب.”
….
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 46"