لم تكن نيويورك مجرّد مدينة صاخبة تصحو وتنام على وقع الزمن، بل كانت في تلك الليلة تحديداً صفحة بيضاء تنتظر أن تُكتب عليها بداية جديدة.
بعد كل ما مرّ، لم يعد السكون مخيفاً، ولا الوحدة مرعبة… بل باتت الشقة التي تطلّ على ضوء المدينة، ملاذاً صغيراً، يعيد ترتيب نبض القلب.
في تلك اللحظة، حيث يختلط صوت الموسيقى الخافتة بأضواء السيارات العابرة في الأسفل، بدأ جان وأوزان فصلاً مختلفاً، لا يحمل ملامح الماضي، ولا وعود المستقبل… فقط الحاضر، بكامل هدوئه.
نيويورك – مانهاتن – الشقة الجديدة – مساء متأخر
وقف جان أمام الواجهة الزجاجية، عيناه تسرحان في الأفق حيث تتلألأ أضواء المدينة تحت ظلمة السماء، بدت ناطحات السحاب من علوّها مثل نماذج مصغّرة في لوحة ساكنة. الهواء داخل الشقة كان دافئاً، لكنه لا يشبه شيئاً من برودة الخارج الذي يلوّح به جان بعينيه.
في الخلفية، جلس أوزان على الأريكة، يضع السماعات على أذنيه ويحرك رأسه بتناغم مع اللحن المنبعث من اللابتوب. ضغط على زر الإيقاف وأدار رأسه نحو جان قائلاً:
أوزان (بابتسامة صغيرة):
” هذه النسخة أفضل… تشبهك أكثر.”
جان (بهدوء، دون أن يلتفت):
” فلنخرج قليلاً… نأخذ الدراجة ونتجول.”
أوزان (ينزع السماعات بريبة):
“الآن؟ هل أنت بخير؟”
التفت جان نحوه، وعلى وجهه تلك الابتسامة التي تحمل شيئاً من الطمأنينة وكثيراً من الرغبة في الحياة:
جان:
“ما رأيك؟”
تأمله أوزان لثوانٍ، ثم ابتسم بدوره:
“تبدو بخير… لكن دعنا لا نتأخر، لديك تدريب مع الفريق الجديد في الصباح… وأنا عملي لا يرحم.”
ضحك جان بخفة، واقترب ليلتقط سترته من على الأريكة ، فيما نهض أوزان ليبحث عن مفاتيح الدراجة.
»»»»»»»»»»»»»»»»»»»
نيويورك – مركز التدريب الموسيقي – ظهيرة هادئة
في قاعة التدريب ذات الجدران العازلة للصوت والمرايا العريضة، كان صدى الأنغام يتردد بين الجدران، ترافقه أصوات أربعة شبّان يجمعهم الشغف بالغناء، رغم اختلاف طبقاتهم وأساليبهم. كان جان أحدهم، يؤدي مقطعه بصوتٍ بدأ يأخذ شكله، ينمو رويداً تحت ضغط التدريب وصرامة التوجيه.
وقفت كاميلا، مدرّبتهم، تراقبهم بعين خبيرة ونظرات نافذة لا ترحم، تسجّل ملاحظاتها بدقة، ثم قالت بصوت ثابت:
كاميلا:
“أحسنتم جميعاً.”
ثم وجهت نظرها نحو جان:
“جان… هذه المرة، شعرتُ أنك بدأت تغنّي من مكانٍ حقيقي.”
تبادل الرفاق النظرات، وابتسم ديريك مازحاً :
“بدأنا نقلق… يبدو أنه سيتفوق علينا قريباً.”
ليلى (ضاحكة):
” أو لعلّنا نحن من تأخّر عنه!”
ضحك الجميع، حتى جان، اكتفى بابتسامة خفيفة، لكنه لم يقل شيئاً.
ما إن انتهت الحصة، حتى اجتمعوا في زاوية القاعة للراحة. جلسوا على الأرض، مستندين إلى الجدار، يتبادلون زجاجات الماء وبعض قطع الفاكهة. بدا عليهم الإرهاق، لكنه لم يكن خالياً من الرضا.
راف (متنهّداً):
“أقسم أن كاميلا لا تتعب أبداً… كأنها لا تنتمي إلى هذا الكوكب.”
ليلى:
” قالت لي اليوم إن طبقة صوتي “ليست سيئة تماماً… أظنها أسمى درجات المديح عندها.”
ديريك:
” لقد قالت لي مرة: لولا أن صوتك قوي، لما أضعت وقتي معك. شعرتُ وكأنني نلت جائزة!”
ليلى (مازحة):
” يبدو أننا نعيش على الفُتات العاطفي!”
ضحك الثلاثة، بينما ظل جان صامتاً، يراقبهم بنظرة هادئة، غير مبالية بعض الشيء.
ديريك (موجّهاً الكلام لجان):
“وأنت، يا جان… هل بدأت تندم على الانضمام إلينا؟”
أجابه جان بنبرة هادئة:
” ليس بعد… على الأقل، ليس اليوم.”
سكت الجميع لبرهة، وكأنهم احترموا حاجته للسكينة. ثم بدأت ليلى الحديث بنبرة أقرب إلى الفضفضة:
“دخلت هذا المجال رغم معارضة والدي… إلى اليوم لا يكفّ عن إرسال روابط وظائف مكتبية.”
راف:
” أهلي يظنون أنني أعمل في شركة مالية، ولم أصحّح لهم الظنّ… لا داعي لإثارة القلق.”
ديريك:
” والدي موسيقي… لكنه رفض أن يعلّمني. قال لي إن كنت تريده حقاً، ستصل إليه وحدك.”
ثم التفتت الأنظار إلى جان، بانتظار دوره في الحكاية.
ظل صامتاً لوهلة، يحدّق في الأرض، ثم قال بنبرة خافتة:
” أنا فقط… أردت مكاناً أبدأ فيه من جديد.”
لم ينبس أحد ببنت شفة بعد كلماته. كان في صوته صدقٌ لا يحتاج إلى تفسير، وغموض لا يجرؤ أحد على اختراقه.
ليلى (بابتسامة هادئة):
” وهذا سبب كافٍ، يا جان.”
نظر إليهم جان، واحداً تلو الآخر، وأدرك أنّهم لم يعودوا غرباء كما كانوا قبل أيام. في هذا المكان، وسط التمرين والوجوه الجديدة، شعر للمرة الأولى منذ زمن… أن هناك شيئاً صغيراً في داخله بدأ يتعافى.
وفي زاوية بعيدة من القاعة، خلف الزجاج الفاصل بين قاعة التدريب والممر، وقف أوزان يتأمل المشهد بصمت.
كانت عيناه تتبعان جان، الجالس وسط رفاقه الجدد، يبتسم بهدوء، يشاركهم لحظة دفء إنساني بسيطة… لحظة انتماء.
لم يكن ذلك الشاب الذي عرفه يوماً مكسوراً، ولا ذلك الذي انهار بين يديه في زمن الألم…
بل بدا وكأنه يسترد شيئاً من ذاته التي كادت تضيع.
تنفّس أوزان بعمق، وفي صدره طمأنينة هادئة… لا تُولد إلا بعد طريقٍ طويل من الخسارات والصبر.
(أوزان – حديث داخلي):
“تبدو بخير يا جان… أخيراً.
بعد كل ما مررنا به، وبعد ما تحمّلته وحدك… ها أنت تبتسم بلا خوف.
كنت قوياً دائماً، حتى حين لم تكن تصدّق ذلك.
والآن… لم تعد بحاجة ليدي خلف ظهرك في كل خطوة.
وهذا… أجمل ما يمكن أن يحدث لصديق.”
ثم دخل القاعة بخطى هادئة، وألقى التحية.
رفع جان بصره إليه، ونهض متوجهاً نحوه وهو يحمل زجاجة ماء، بابتسامة خفيفة على وجهه.
جان:
“أهلًا… كيف كان يومك؟”
أوزان (يحك رأسه بخفة):
“جيد… لكن الشيف دانييل يسأل عنك.
إن تسنّى لك الوقت، مرّ على المطعم.”
جان (وقد ارتسمت في عينيه لمحة امتنان):
“أكيد… أنهيت تدريبي للتو. هل نعود إلى المنزل؟”
نظر أوزان إلى بقية المتدرّبين الجالسين، ثم سأل:
“ألن تخرج معهم؟”
جان (بهدوء وثقة):
“لا، أفضل أن أرتاح هذا المساء.”
ابتسم أوزان إيماءً، وقال:
“إذاً… هيا نعود إلى البيت.”
غادرا القاعة معاً، بخطى ثابتة وصمت مطمئن… ليس بينهما حاجة لكلمات كثيرة، فبعض الصداقات تُفهم بالسكوت.
»»»»»»»»»»
نيويورك – مانهاتن – الأيام التالية
مرّت الأيام بوتيرة متسارعة، كأنها تسابق جان في رحلته الجديدة. كان يمضي ساعات طويلة في الاستوديو، منهمكاً بتسجيل ألبومه الأول. تعابير وجهه صارت أكثر ثباتاً، وصوته يحمل نبرة مختلفة؛ نضجٌ يلوّن الأداء، وإصرار يتخلّل النغمات. لم يكن الأمر سهلاً، لكنه مضى فيه بإرادةٍ هادئة لا تشبه تسرعه القديم.
في زاوية من الاستوديو، وقف أوزان يتأمله من بعيد، وابتسامة خفيفة ارتسمت على شفتيه. راقبه وهو يناقش أحد العازفين بثقة، ويُعيد جملة موسيقية بثبات. همس في داخله:
“لقد بدأت تتعافى، جان… بعد كل تلك السنوات، بدأت تنهض وحدك. ربما لم تعد بحاجة إلى وجودي قربك كما في السابق.”
لم يكن في صوته حزن، بل راحة خفيفة، كمن طمأن قلبه أخيراً على من أحب.
وفي تركيا، تتابعت الحياة بدورها.
مارت وإيليف استمرّا في دراستهما الجامعية، يوزّعان وقتهما بين المحاضرات ورعاية الطفل الصغير ماهر، الذي صار يركض ويثرثر بكلمات مفهومة، يملأ البيت ضوضاءاً.
أما شاغلا، فقررت السفر خارج البلاد لإكمال دراستها، مبتعدةً عن مارت وعن كل ما ارتبط بتلك المرحلة المضطربة. رحلت بصمت، وكأنها تريد منح نفسها بداية لا يشوبها ألم قديم.
أما الجد، فقد أصابه اليأس من البحث عن حفيده.
جرب كل الطرق، طرق كل الأبواب، لكنه لم يجد له أثراً . في البداية، ظلّ متمسكاً بالأمل، يحدّث نفسه بأن جان سيظهر في يومٍ ما… لكن الصمت طال، والخيبة تثقّلت في قلبه حتى كفّ عن السؤال، وبدأ يخشى من سماع الجواب أكثر من فقده.
كلّ واحد فيهم مضى في طريقه، لكن ظلّ في القلب خيط رفيع يجمعهم جميعاً… خيط اسمه جان.
نيويورك -مانهاتن – الشقة – مساء هادئ
كان ضوء الغروب يتسلل من خلف الستائر، يرسم خطوطاً ذهبية على أرضية الخشب الهادئ.
جلس جان على طرف الأريكة، يتصفح بعض الأوراق الموسيقية، وعيناه تائهتان في ما تبقى من مقاطع لم يُسجلها بعد.
دخل أوزان بهدوء، يحمل كوبين من الشاي، ووضع أحدهما أمام جان دون أن يتكلم.
رفع جان رأسه، ابتسم بخفة:
“بدأت تتقن طقوس العزلة الموسيقية.”
ضحك أوزان بهدوء، جلس بجواره، لكنه ظل صامتاً لثوانٍ.
ثم قال بنبرة هادئة، لكنها حاسمة:
“جان… فكرت كثيراً… وأعتقد أن الوقت قد حان لأعود إلى إسطنبول.”
توقف جان عن تقليب الأوراق، نظر إليه مستفسراً دون أن يتفاجأ، كأنه كان يتوقع هذا القرار منذ وقت.
أجاب بصوت منخفض:
“إلى الجامعة؟”
أومأ أوزان:
“نعم… اشتقت لكل شيء هناك، للدراسة، للرفاق، وحتى للشوارع القديمة… والأهم، شعرت أنني مستعد لأكمل طريقي.”
ظل جان صامتاً للحظة، ثم ابتسم ابتسامة خفيفة لا تخلو من الامتنان:
“كنت أعلم أنك لن تبقى للأبد… لكنك بقيت أكثر مما توقعت.”
أوزان:
“وبقيت لأنك كنت تحتاجني… أما الآن، فأنت تمضي، تسير بخطى ثابتة، تنجز، وتنهض كل يوم بقوة أكبر. هذا ما أردته دائماً.”
خفض جان نظره، همس:
“لن أنسى ما فعلته من أجلي.”
ربت أوزان على كتفه:
“ولن أكون بعيداً… إسطنبول ليست على طرف العالم، وإذا احتجتني، ستجدني في أول طائرة.”
ابتسم جان، هذه المرة بثقة أكثر:
“أعدك أن أكون بخير.”
نهض أوزان، التقط هاتفه من الطاولة، وقال مازحاً وهو يتوجه إلى المطبخ:
“لكن لا تتخلص من سريري، قد أعود فجأة مثل العاصفة.”
ضحك جان وهو يرفع كوب الشاي نحوه بتحية صامتة، ثم عاد يتأمل الأوراق أمامه…
لكن هذه المرة، بعينٍ أكثر صفاءً، وقلبٍ أقل وحدة.
»»»»»»»»»»»»»»
نيويورك – مطار جون إف كينيدي -بعد عدة أيام -صباح رمادي
اصطفّت الطائرات في المدى كأنها تتهيأ لعبور الغيم. في صالة المغادرة، وقف أوزان وجان قبالة بعضهما، صمتٌ كثيف يلفّ اللحظة، يثقل الهواء ويمنع الكلمات من الانسياب بسهولة.
جان (ينظر إليه بثبات، ثم يهمس): “إذن… سترحل.”
أوزان (يبتسم بخفة، لكنها ابتسامة متعبة): “أنا لم آتِ لأبقى يا جان… أتيتُ فقط حين احتجتَ أن تُنتشل من الظل، من نفسك.”
تشيح نظرات جان للحظة، كأنه يحاول إخفاء ارتعاشةٍ مرّت في عينيه.
جان: “وكنتَ الضوء الوحيد وقتها… لا أدري كيف كنت سأنجو بدونك.”
أوزان: “لكنك نجوت. وأنت الآن تسير بثباتك، لا بثباتي.”
سكت قليلاً، ثم أضاف: “لا تنظر إليّ كأنني أتركك… أنا فقط أتنحى، لأفسح لك الطريق.”
اقترب جان خطوة، تنفّس بعمق، ثم مدّ ذراعيه بصمت.
تقدّم أوزان نحوه، واحتضنه بقوة، بلا كلمات… فقط صمتٌ مليء بما لا يُقال.
جان (بهمسة بالكاد تُسمع): “شكراً… على كل شيء.”
أوزان (بهدوء وهو يبتعد قليلاً عنه): “ابقَ كما أنت، جان… لا ترجع للظلمة. أنت تستحق النور.”
نداء المغادرة صدح باسم الرحلة. تبادلا نظرة أخيرة، ثم استدار أوزان بخطى واثقة، دون أن يلتفت. أما جان، فظل واقفاً في مكانه، يراقب المدى… كأنه يودّع شيئاً أعمق من شخص، يودّع عهداً بأكمله.
وفي صمت المطار، وبين خطوات الراحلين، أدرك جان أن بعض الوداعات لا تعني الفقد، بل تعني أن من أحبّك صدقاً … منحك حريتك.
»»»»»»»»»»»»»»
إسطنبول – جامعة بوغازيتشي – مبنى واشبورن هال – بعد الظهر
سطعت أشعة الشمس عبر نوافذ المبنى العتيق، ملقية ظلالاً ناعمة على الممرات التي تملؤها خطوات الطلاب المتعجلة.
وقف مارت عند مدخل القاعة، يرتب أوراقه بعناية، ثم ألقى نظرة إلى ساعته بانتظار إيليف.
بعد لحظات، ظهرت إيليف في الأفق، تحمل حقيبتها على كتفها، وعينها تبحث عنه.
اقتربت منه بابتسامة خفيفة، وتبادلا التحية بهدوء.
مارت (مبتسماً ):
“انتهيت للتو من محاضرتي. كيف كان يومكِ؟”
إيليف (تتنفس بعمق):
“شاقّ، لكن أعتقد أن الأمور تتحسن. لا شيء يدوم على حاله.”
أشار مارت إلى الممر قائلاً:
“لنذهب معاً، يجب أن نأخذ ماهر من الحضانة. لقد صار يكبر بسرعة، بالكاد أصدق أنه أصبح عمره فوق السنتان.”
سار الاثنان جنباً إلى جنب، تتخلل خطواتهم أحاديث هادئة عن الدراسة والطفل ركبا السيارة متوجهات للحضانة
إيليف:
“أحياناً أفكر لو وفرنا وقتاً أكثر للدراسة لكن الأولوية له دائماً.”
نظر مارت إليها بابتسامة تعكس التفاهم والدعم.
مارت:
“لا تقلقي، لستِ وحدكِ، نحن فريق.”
اقتربا من باب الحضانة، حيث بدا ماهر يلوّح لهما بحماس.
مارت:
“هذا قائد الفريق الصغير.”
إيليف (مازحة):
“لا تدع خططه تحكمنا!”
ضحكا معاً، ثم نزلا من السيارة بخطى متزنة، يواجهان الحياة معاً.
»»»»»»»»»»»»»»
نيويورك – قاعة حفلات حديثة – مساء
الأضواء الخافتة تراقصت فوق المسرح، مع صوت موسيقى ينبعث بقوة عبر مكبرات الصوت. كان جان واقفاً على المنصة، يرتدي قبعة عريضة تحجب ملامح وجهه بالكامل، وعيناه تلمعان بحذر خلف ظل القبعة.
بدأ يرسل صوته القوي عبر الأغنية، التي لامست أعمق مشاعر من استمعوا إليه، رغم أنه لم يكشف عن ملامحه حتى الآن. كانت الحناجر تردد كلماته على أنغامه، ويندفع الحماس في أرجاء القاعة.
على الجانب الآخر من العالم، في إسطنبول، تجمعت العائلة في غرفة المعيشة، تتابع الحفل مباشرة عبر شاشة التلفاز.
الجد جلس في كرسيه المفضل.
ابنه إلى جانبه، يداعب زوجته بابتسامة هادئة.
ابنته وزوجها واقفان بالقرب من النافذة، يتبادلان نظرات الإعجاب.
في زاوية الغرفة، جلس مارت وإيليف جنباً إلى جنب، يراقبان بشغف، بينما كان ساردار يضحك مع ماهر، الطفل الصغير الذي بدأ يحرك يديه محاولاً تقليد الأصوات.
إيليف (مبتسمة):
“ما زال يخفي وجهه… لكن صوته قوي، وكأنه يقول لنا قصة كل يوم.”
مارت (بهدوء):
“صوته يحمل الكثير، تحس بصدق المعاناة والأمل معاً.”
الجد (متهكماً):
“أظن أن تلك القبعة ستصبح جزءاً من علامته التجارية!”
ضحكت العائلة كلها، وارتفعت أجواء الفرح رغم المسافة.
في نيويورك، استمر جان يغني بقوة، وكأن كل كلمة يتلوها تحمل رسالة لكل من يتابعونه من بعيد.
تضاءلت أضواء المسرح تدريجياً، والهدير والصخب بدأ يخف شيئاً فشيئاً. جان يترك الميكروفون ويتجه بخطى هادئة نحو الكواليس المساعدة، وجهه لا يزال مخفياً تحت قبعة واسعة.
يدخل إلى غرفة الكواليس، هاتفه يرن.
جان (يرتشف نفساً عميقاً ثم يلتقط الهاتف):
“السيد أوزان على الخط.”
صوت أوزان يأتي من الهاتف، هادئ ومطمئن:
” كيف كان أداؤك؟”
ابتسم جان، صوته يحمل ارتياحاً:
“أكثر من رائع… أشكرك. أنت دائماً تشجعني.”
أوزان (بصوت دافئ):
“كنت متأكداً من ذلك. سأأتي لرؤيتك فور انتهاء امتحاناتي.”
جان (بحماس):
“سأنتظر بفارغ الصبر. وجودك يعني لي الكثير.”
انتهى الاتصال، وجان وضع هاتفه في جيبه وهو يتنفس بعمق
وما إن التفت حتى فُتح باب الكواليس على مصراعيه، ودخلت ليلى أولاً وهي تصفق بيديها بحماس، يتبعها ديريك وعلى وجهه ابتسامة فخر واضحة، ثم راف الذي كان يحمل زجاجة ماء ومدّها إلى جان.
ليلى (بحماسة):
“جان! لقد كنتَ مذهلاً بحق! لقد ارتجف المسرح تحت قدميك!”
جان (ضاحكاً وهو يتناول الماء):
“لا تبالغي يا ليلى، ما زال أمامي الكثير لأتعلمه.”
ديريك (وهو يربت على كتفه):
“بل لقد أبدعت يا رجل… الجمهور كان مشتعلاً، لم يهدأوا للحظة.”
راف (ناظراً إليه بإعجاب):
“أول ألبوم، وأول حفل صاخب بهذا الحجم… لقد تخطّيتَ كل التوقعات.”
جان (بابتسامة خجولة):
“أنتم جزء من هذا النجاح… لولا ساعات التدريب الطويلة معكم، لما وقفتُ على ذلك المسرح بهذا الثبات.”
ليلى (بصوت متهدج قليلاً ):
“لحظة صعودك إلى الخشبة… شعرتُ وكأننا جميعاً نحقق الحلم معك.”
ديريك:
“وما زال الطريق أمامنا… هل تظن أننا سنتركك تنطلق وحدك في جولة الألبوم؟”
راف (ضاحكاً ):
“أوه لا، نحن نأتي معك، كفرقة الظل!”
يسود بينهم صمت قصير، مشبع بمشاعر الامتنان والصداقة، قبل أن تعود ضحكاتهم للعلو في أجواء الكواليس، بينما تبدأ الأضواء خلف الستار بالخفتان تدريجياً.
»»»»»»»»»»»»»»
نيويورك – أستوديو التدريب – بعد عدة أيام من الحفل
كانت الشمس تتسلّل من النوافذ الواسعة، تنثر دفئها فوق أرضية الأستوديو حيث جلس جان على الأرض، يسند ظهره إلى الحائط، بينما انشغل راف وديريك بمزحة حول أحد التمرينات المرهقة.
اقتربت ليلى بخطوات هادئة، تحمل زجاجة ماء، ومدّتها لجان وهي تبتسم:
“تبدو وكأنك خضتَ معركة، لا تدريباً.”
أخذ جان الزجاجة بابتسامة خفيفة:
“ربما لأنني أبذل جهداً مضاعفاً لأبدو أقل توتراً مما أشعر.”
جلست بقربه دون أن تتكلم، فقط راقبت ملامحه بصمت، بعينين لا تخفيان دفئاً خاصاً حين تنظر إليه.
شعر جان بنظراتها، لم تكن المرة الأولى. منذ أشهر وهو يلمح بين الكلمات ونبرات الصوت ما يتجاوز حدود الزمالة، لكنه اعتاد تجاهل تلك الإشارات. ليس لأنه لا يرى، بل لأنه لا يريد
أن يرى.
راف (مازحاً مع):
“هيي، جان! أخبرنا، هل ستأخذنا في جولة بأمريكا عندما تصبح نجمًا عالمياً؟”
ضحك جان وهو يلتفت إليهم:
“إذا بقيتم على هذا المستوى من التدريب، ربما أحتاجكم كفريق أمن!”
ضحك الجميع، لكن ليلى اكتفت بابتسامة صامتة، قبل أن تنهض وتتمتم:
“سأراجع بعض الملاحظات…”
راقبها جان وهي تبتعد، ثم تنهد بهدوء، وعاد يسند رأسه إلى الحائط، يغمض عينيه للحظة، وكأن شيئاً ثقيلاً يمر في داخله دون أن يُقال.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات