بدأ جان اليوم فصلاً جديداً من رحلته الفنية، تلك الرحلة التي كانت دائماً بمثابة حلم بعيد، صار الآن أقرب من أي وقت مضى.
في أستوديو التسجيل، وبين جلسات التدريب الصوتي، كان يعيد اكتشاف نفسه عبر تمرينات لا تقتصر على الصوت فقط، بل تمتد لتشمل التحكم بالتنفس، والوقوف أمام المايكروفون بثقة، ومحاولة إيصال كل كلمة بحسّ وصدق.
كل نغمة، كل لحن، كان يضعها جان تحت المجهر، متسلحاً بالصبر والإصرار، عازماً على تقديم ألبوم يحمل بصمته الحقيقية، ويُعيد له مكانته التي طالما حلم بها.
هذا الفصل ليس مجرد تدريب على الأغاني، بل هو تدريب على الذات، وتجسيد للصراع الداخلي بين الماضي والحاضر، والرغبة في التغيير.
نيويورك – أستوديو التسجيل- مساءاً
وقف جان أمام الميكروفون، يلفّ رأسه بسماعات الصوت، يغمض عينيه للحظة يستجمع فيها نفسه.
تنفس بعمق، محاولاً أن يسيطر على ارتجاف صوته الداخلي، قبل أن يبدأ الغناء.
كان المدرب الصوتي واقفاً بجانبه، يراقب بدقة كل حركة، كل نغمة، كل همسة تخرج من حنجرته.
قال المدرب بصوت هادئ:
“حاول أن تشعر بالكلمات، لا تغنها فقط. دع المشاعر تقودك.”
كرر جان السطر الأخير من الأغنية، لكن هذه المرة بتركيز أكبر، وصوته أكثر ثباتاً .
عندما انتهى، رفع السماعات ببطء، نظر إلى المدرب الذي أومأ برأسه مبتسماً .
“أفضل، ولكن نحتاج إلى أكثر. الألبوم هذا هو بوابتك، جان. اجعله يتحدث عنك.”
جلس جان على الكرسي، مسح عرق جبينه بيده، وشعر بثقل المسؤولية لكنه في الوقت ذاته كان يشعر بشعلة الأمل تشتعل بداخله.
أخذ ورقة الملاحظات التي كتبها بنفسه، وأعاد قراءة كلمات الأغاني التي تحمل قصة حياته.
قال لنفسه بصوت خافت:
“هذا هو وقتي. لن أسمح لأي شيء أن يوقفني هذه المرة.”
رفع جان رأسه عندما سمع نقرة خفيفة على الزجاج العازل للصوت، وابتسم بخفة حين رأى أوزان واقفاً خلفه يشير له بتحية صغيرة.
ما إن أنهى جان المقطع الأخير من الأغنية، حتى خرج من الغرفة ، وتقدّم نحو أوزان قائلاً بابتسامة متعبة:
جان (بابتسامة مرهقة):
“ظننت أنك لن تأتي اليوم… ألم تقل إن العمل كثير في المطعم؟”
أوزان (مناولاً إيّاه زجاجة ماء):
” ،أجل، جئت من هناك مباشرة في الواقع هربت .”
جان (ضاحكاً وهو يأخذ الزجاجة):
“فلنطلب طعاماً جاهزاً إذاً… أنت متعب، وأنا لا أعرف كيف أَسْلُق بيضة.”
أوزان (بابتسامة واثقة):
“سبقتك… طلبت الطعام بالفعل، وأعطيت الحارس تعليمات باستلامه.”
جان (متوجساً):
“ماذا طلبت؟”
أوزان (بهدوء مصطنع):
“طعامٌ حقيقي.”
جان (بتوسّل شبه طفولي):
“أوزان… أردت بيتزا!”
أوزان (ساخراً بنبرة تأنيب):
“توقف عن هذه العادات، البيتزا تدمّر معدتك… وصوتك أيضاً!”
جان (وهو يفتح الزجاجة ويتنهد):
“لو كان للجوع عقل، لأقنعك أن البيتزا ليست عدوة!”
ثم شرب رشفة طويلة من الماء.
أوزان (بخبث، وهو يقترب منه):
“منذ متى أصبحت شرِهاً؟ كنت أتوسّل إليك لتأكل لقمة واحدة في إسطنبول!”
ثم يضرب زجاجة الماء بخفة.
جان (يغصّ فجأة ويكحّ وهو يمسح فمه):
“متى ستتوقف عن عادتك السخيفة هذه؟!”
أوزان (بضحكة مكتومة):
“عندما تتعلم كيف تُسلق بيضة.”
»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»
إسطنبول – حديقة منزل عائلة آصلان – مساء
تحت أضواء القناديل المتلألئة، وزينة ضخمة تتدلى بين أغصان الأشجار، احتشد أهل العائلة وأصدقاؤها في حفل عيد ميلاد ماهر، أول حفيد لعائلة آصلان. كانت الحديقة تنبض بالحياة والبهجة، ويمتزج صوت الضحكات بالهمسات الناعمة في أجواء من الفرح الممزوج بنسمات الحنين.
على منصة صغيرة مزينة ببوالين ملونة وثيم خاص بعيد الميلاد، وقفت إيليف إلى جانب زوجها الرسمي مارت، وبينهما ماهر الصغير الذي لم يدرك بعد معنى هذا الاحتفال الكبير، لكنه ابتسم ببراءة أمام أضواء الشموع المتلألئة على كعكته الضخمة.
تقدمت إيليف برقة، أمسكت بيد ماهر، ثم التفتت إلى مارت الذي نظر إليها بابتسامة هادئة، استعداداً لنفخ الشمعة.
مع اقتراب الشمعة من نهايتها، علت التصفيقات من حولهم، بينما وقف الجد متأملاً، عيناه تتابعان الحفيد وكأنها تستعيد ذكريات لا تزال حية في أعماقه. بجانبه، كان ابنه وزوجته، إلى جانب ساردار وإخوته، يراقبون المشهد بعناية.
على مقربة أخرى، وقف والدا إيليف وأبناؤهما، يتبادلون الابتسامات الدافئة، بينما تحدثت بعض صديقات إيليف بصوت خافت، مرسلات نظرات مملوءة بالمودة إلى الأم والطفل.
حين نفخ ماهر الشمعة وأطاحت بها النسمة، علت الضحكات وزادت التصفيقات، وامتلأت القلوب بدفء لا يخلو من عبء الأسرار التي تخفيها تلك الابتسامات.
إيليف (تهمس لمارت بهدوء، تنظر بعيداً):
“عام آخر مضى… ولا يزال غيابه يملأ المكان.”
ابتسم مارت بحزن خفيف وهمس:
“لكنني هنا… إيليف، لن أترككما.”
شاغلا، بصوت حاد وهي تمسك بهدية مزينة:
“كل عام وهو بخير.”
تلاشت ابتسامة مارت في لحظة، وتجمّدت ملامحه قليلاً قبل أن ينظر إليها ويقول بنبرة منخفضة خالية من الدفء:
“شكراً، شاغلا.”
قالت إيليف، بابتسامة دافئة تحاول بها كسر حدة التوتر:
“شكراً لكِ، لقد أتعبتِ نفسك.”
حدّقت شاغلا بماهر لوهلة، كأنها تنظر إلى شيء أعمق من مجرد طفل، ثم تمتمت بنبرة مترددة تجمع بين الحنان والخذلان:
“لا يستحق أقل من ذلك… فهو أمانة ثمينة.”
رمش مارت ببطء، محاولا التماسك، بينما تبادلت إيليف النظرات بينه وبين شاغلا بشيءٍ من التوتر الخفي.
قاطعهما سردار وهو يضحك، حاملاً ماهر بين ذراعيه قائلاً بحماس:
“ماهر الصغير يكبر بصحة ! لا بدّ من هديةٍ خاصة من عمه اليوم!”
ثم يأخذه وينسحب مبتعداً عنهم وهو يُداعب ماهر بين ذراعيه، يحاول أن يخفف من وطأة اللحظة.
تتبع إيليف حركته بعينيها، ثم تلتفت نحو مارت، تقول بصوتٍ مرتجف، بالكاد يُسمع:
إيليف (بهمس):
“مارت…”
استدار مارت نحوها، لكن نظره توقف على شاغلا، تشتعل ملامحه بالغضب:
مارت (بحدة):
“آسف، إيليف…”
شاغلا (بنبرة قوية، تُبقي نظرها على إيليف):
“إيليف… جئت للحديث معك.”
إيليف (تتدارك توترها):
“ليس هنا… لندخل.”
تمشي إيليف بخطوات سريعة نحو الداخل، تتبعها شاغلا دون تردد.
ومارت؟ لم يبقَ خارج الصورة… لحق بهما بخطى قلقة، يحاول إيقاف شاغلا قبل أن تنفجر أكثر.
الداخل – صالة المنزل – لحظة توتر مكثفة
توقّفت إيليف عند عتبة الصالة. التفتت ببطء، وما إن التقت عيناها بعيني شاغلا، حتى اصطدمت بنظرة مشتعلة… غضب صافٍ، وحقد يتلألأ كالشرر.
إيليف (بهدوء حذر):
“نعم… أسمعك.”
ارتفعت خطواتٌ ثقيلة على الأرضية، وظهر مارت عند الباب، وجهه متشنّج، وفكاه مشدودان كأنما يحبس عاصفة في صدره.
مارت (بصوت غليظ وصارم، يصك على أسنانه):
“شاغلا… توقّفي.”
لكنها تجاهلت صوته، واستدارت نحو إيليف، ترشق كلماتها كسهام لا تملك سوى نصل:
شاغلا (بشراسة، تسابق أنفاسها):
“أنتِ إنسانة استغلالية… بكل ما تحمله الكلمة من خِسّة!
أخطأتِ مع جان، والآن ترمين عاركِ على مارت؟
سُجّل الطفل باسمه، أليس هذا كافياً ؟ ما الذي تريدينه أكثر؟
لماذا لا تنسحبين بهدوء؟ لماذا تتشبثين به؟
(ضحكة ساخرة) لا تقولي لي… إنكِ تحبّينه؟
هل تظنيننا أغبياء؟
تستخدمين طفلكِ كذريعة… لتبقي قريبة… لتبقي في حضنه!”
صوت صفعةٍ مدوٍ من مارت قطع كل شيء.
تراجعت شاغلا خطوة للخلف، وقد ارتجّ جسدها، واحمرّ خدّها من أثر الضربة. رفعت يدها إليه ببطء، تحدق به بعينين ذاهلتين.
مارت (يصرخ بانكسار وغضب):
“كفى!!… هذا يكفي يا شاغلا!”
عيناها امتلأتا بالدموع، لكن صوتها خرج ضعيفا؟، مكسوراً:
شاغلا (بهمس ممزق):
“وهكذا… هكذا فهمت أنك لم تعد لي…
أنت تحبها، مارت… نسيتني… نسيت حبي.”
استدارت… وغادرت. خلفها يُغلق الباب على خيبة ثقيلة، تنفلت كتنهدة عميقة من صدر الجميع.
عمّ الصمت فجأة، ثقيلاً خانقاً، كأن الهواء نفسه تجمّد.
وقف مارت في مكانه، أنفاسه متسارعة، ويده ما زالت معلقة في الهواء، تتردد فيها صدى الصفعة. تقلبت عيناه بين الباب المغلق ووجه إيليف، وكأن الحقيقة اصطدمت به للتو بكل ثقلها.
إيليف، رغم كل ما قيل، بقيت واقفة بلا حركة، مشدوهة، عيناها متسعتان وشفتيها ترتجفان بصمت.
“أنا… آسف. لم يكن من المفترض أن تصل الأمور إلى هذا الحد.”
أجابت إيليف بصوت منخفض، مشوب بالدهشة:
“حبيبتك؟”
نظر مارت إلى الأرض وهمس:
“كنت أحبها… كثيراً. لكنها لم تكن مستعدة لما حدث. وأنا… لم أعد أملك رفاهية الحب.”
حدقت فيه إيليف طويلاً، ثم تقدمت خطوة نحو المجهول، عيناها دامعتان، ووجهها ثابت:
“وأنا؟ ما أنا في حياتك إذاً؟ غلطة أخيك… أم أمانته؟”
صمت مارت. حاول أن يرد، لكنه عجز. نظر إليها باحثاً في وجهها عن مخرج، عن إجابة لم يجدها بعد.
همس مارت بصوت مكسور:
“أنت… كل ما تبقى منه، وكل ما يحفظني الآن من الانهيار.”
تنهدت إيليف بهدوء، وقالت بصوت خافت:
“آسفة… لقد سببت لك الكثير. كان يجب أن تخبرني… لننفصل… عد إلى حبيبتك، هي لا ذنب لها في أخطائي.”
مد مارت يده، أمسك يدها بحنان:
“إيليف، لا تلومي نفسك… أنت وجان لم تخطئا، بل وقعتم في الحب… آسف، لقد أخرجت غضبها مني …عليكِ.”
أومأت إيليف برأسها له:
“لا تعتذر… فقط دعنا ننهي هذا الزواج المزيف، وعد إلى حياتك.”
تردد مارت، معارضاً بنبرة حازمة:
“مستحيل… لن أترك ماهر… لن أسمح له أن يعيش حياته وهو يظن أن أباه تركه ليتزوج بحبيبته… لا أريده أن يراني بهذه الطريقة .”
إيليف (تسحب يدها برفق، تنظر إليه بعينين دامعتين): “وأنا… لا أريد أن تراني حبيبتك كسارقة رجال.”
مارت (يتراجع خطوة، يتنفس بعمق، صوته متهدّج):
“هي لا تراكِ كذلك… هي ترى ما تريد أن تراه. أما أنا… فأنا أراكِ كما أنتِ.”
إيليف (تهز رأسها، بصوت متماسك رغم الألم):
“لا، مارت… نحن نكذب على أنفسنا. هذا الزواج كان مؤقتاً … منذ البداية. أسّسناه على الحزن، لا على الحب.”
مارت (يهمس):
“لكنه منحني شيئاً… شيئاً حقيقياً .”
إيليف (بهدوء):
“ماهر.”
يصمت الاثنان لحظة، نظراتهما تلتقي في مساحة من الحقيقة المؤلمة.
إيليف (تتابع بصوت مكسور):
“وهو وحده من يستحق أن يبقى من هذا كله.”
مارت (يتمسك بكلماتها، يخشى نهايتها):
“لا ترحلي…”
إيليف (بنبرة نهائية):
“دعنا نكون شجاعين، لمرة واحدة فقط… ونواجه الحياة كما هي. من دون زواج مزيف… من دون وعود ثقيلة.”
مارت (يغمض عينيه، وكأنه يتلقى الصفعة الثانية، لكن هذه المرة من الحقيقة نفسها):
“… كما تشائين.”
»»»»»»»»»»»»
بدأت الفيلا تستعيد هدوءها بعد مغادرة الجميع. الأضواء خافتة، والورود المبعثرة لا تزال على الطاولة، وعلب الهدايا مُهملة في الزاوية.
كانت إيليف واقفة قرب النافذة، ذراعاها متشابكتان، وعيناها تراقبان انعكاس الأضواء على الزجاج. مارت يرتدي معطفه، يتحرّك نحو الباب دون أن ينظر إليها.
مارت (بصوت منخفض):
“سأخرج قليلاً.”
إيليف (دون أن تلتفت):
” غداً… أخبر الجميع بأننا انفصلنا.”
يتوقّف مارت عند الباب. لحظة صمت طويلة تتسلّل بينهما كهوّة، لكنه لا يلتفت ولا ينطق.
يفتح الباب ويغادر.
»»»»»»»»»»»»»»»»»»
تتوقّف سيارة مارت أمام منزل شاغلا. يتنفس بعمق، يُغلق محرك السيارة، ثم يترجّل منها ويتوجه نحو الباب.
يطرق مارت الباب بيد مرتجفة، ينتظر لحظة حتى تفتحه شاغلا ببطء، عيناها تحملان مزيجاً من الغضب والألم.
يدخل مارت بخطى مترددة، يرمقها بعينين ثاقبتين ويقول بصوت متهدج، لكنه يحمل وطأة الاتهام:
“لماذا؟ لقد وثقت بكِ وأخبرتك الحقيقة… لماذا أهنتها بهذه الطريقة… وأخلفت وعدكِ لي؟”
تتقدم شاغلا خطوة نحو مارت، وجهها مشدود، وشفتيها ترتجفان من شدة المشاعر، ترد بصوت متوتر وحاد:
“لم أؤذها من فراغ، مارت… أنت وحدك من اخترت أن تخون ثقتي كلها، وتلعب بأرواحنا كأننا أوراقٍ في لعبة لا تعنيك.”
تلمع عيناها بالدموع والغضب معاً، ترفع رأسها متحديةً، تقول بمرارة:
“أخبرتني الحقيقة؟! وما بالك بالحقيقة التي أخفيتها؟ هل فكرت بها؟ هل فكرت بما يعنيه أن تعيش في كذبة مدى الحياة؟”
يتراجع مارت خطوة، يرفع يديه مستسلماً قليلاً، يحاول أن يشرح بصوت متقطع:
“لم أخلف وعدي… كنت أظن أنني أفعل الأفضل من أجل الجميع… من أجل ماهر.”
ترمش شاغلا، تتنهد بعمق، ثم تقترب منه بحركة بطيئة، عينها تملؤها شفقة لكنها حازمة:
“هو ليس جان… افهم هذا. جان مات… تربيتك لهذا الصغير لن تعيد الماضي لتصححه.”
تتراجع شاغلا برهة، تلمس ذراع مارت بخفة وكأنها تخشى أن تنكسر، لكنه يرد بألم واضح في صوته، يكاد يهمس:
“لا تقولي هذا.”
تنخفض نظراتها قليلاً، تلتقط أنفاسها، ثم ترفع عينيها إليه بحزم:
“أنا لا أقولها لأجرحك، مارت… لكن الحقيقة أحياناً أقسى مما نتمنى. لا يمكن لأحد أن يعيد ما فات، مهما حاول.”
ينحني مارت قليلاً، يضم جبينه بيديه، ثم يرفع رأسه ببطء، صوته مكسور ومشحون بالألم:
“شاغلا… هذا الوهم يبقيني حياً… إذا اعترفت بأنه ليس جان، سأموت… أتفهمين؟”
تمسك شاغلا بيده بلطف، وتجلسه على الكنبة.
تنظر إليه بشفقة ممزوجة بعتاب، وتقول:
“ماذا تريدني أن أفعل، مارت؟ هل تريد أن أبقى بجانبك كعشيقة؟ أهذا ما تريده لي؟”
يهز مارت رأسه بإنكارٍ قاطع:
“كلا… مستحيل.”
تتنهد شاغلا، تنظر بعيداً، ثم تعود لتقول بحزم:
“إذاً… سأغادر، . سأختفي من حياتك.”
يمسك مارت بكفها بقوة، يطلب منها بصوت متوسل:
“لا تفعلي.”
تحاول شاغلا كبح دموعها، وتهمس بمرارة:
“على أحدنا أن يفعل… وفي حالتك هذه أنت لا تستطيع … ستتألم ثم تنساني… أعدك.”
مارت يرفع عينيه نحو شاغلا، صوته يحمل رجاءً نادراً وخافتاً:
“على الأقل… ابقي معي هذه الليلة… فقط هذه الليلة.”
تتردد شاغلا لوهلة، تنظر إلى وجهه المتعب، ثم تغلق عينيها برقة قبل أن تهمس:
“حسناً… ليلة واحدة فقط.”
تجلس بجانبه، وتستند كتفها إلى كتفه، وكأنهما يحاولان فيها أن يخففا وطأة الألم والخذلان، ولو للحظة قصيرة.
»«»«»«»«»«»««»«»«»«»«»«»«
إسطنبول – منزل العائلة – بعد بضعة أيام مساء هادئ يشوبه التوتر
دخل مارت الغرفة بخطى مترددة، عينيه تبحثان عن ملجأ في تفاصيل الجدران، لكن سرعان ما التقت بنظرات إيليف الجالسة على طرف السرير، إلى جانبها ماهر يلهو بصمت بألعابه الصغيرة.
دامت النظرة لحظة، ثم أدار مارت وجهه عنها وكأنها مرآة لألمٍ لا يريد مواجهته.
إيليف (بصوت منخفض لكنه واضح):
” مارت… كم يوماً مضى وأنت تتجنّبني؟”
لم يرد، اكتفى بالصمت.
إيليف (بحدة مكبوتة):
” الليلة… أخبرهم بانفصالنا. لم أعد أحتمل هذا الوضع.”
مارت (ببرود متعمّد):
” لن ننفصل. شاغلا سافرت، وانتهى كل شيء بيننا. لا داعي لكل هذا القلق على مشاعرها.”
إيليف (تنهض من السرير، نبرتها ممزوجة بالغضب والخوف): “مارت، أنا لن أسمح لك أن تدمّر حياتك… فقط لأنك قررت مساعدتي!”
مارت (ينفجر أخيراً بعصبية مكبوتة):
“أفعل هذا من أجل جان! من أجله فقط! لن ننفصل، فلا تعاندي.”
سكتت إيليف للحظة، تأملت ملامحه المتعبة، ذلك التصلب الذي يخفي كسوراً كثيرة في قلبه، ثم قالت بنبرة خافتة ممتلئة بالشفقة:
إيليف:
” لو كان جان هنا… لما سمح لك بأن تؤذي نفسك لأجلنا. لافتدى روحه فقط كي لا تُؤذى شعرة واحدة منك.”
عمّ الصمت مجدداً، وحده صوت ماهر يهمهم بلعبة في يده، كأنه يرفض أن يرى العالم يتصدّع من حوله.
مارت (بصوت خافت، لكنّه ممتلئ بالعزم):
“وأنا… ليس لدي ما هو أهم من صغيره… أفديه بروحي.
لن أسمح له أن يعرف يوماً… أني لست أباه.”
ارتجفت شفتا إيليف، وانعكست في عينيها كل الذكريات، كل الخوف، وكل الامتنان. لم تكن تتوقع أن تسمع هذا، لكنها كانت تعلم، في أعماقها، كم أحبّ مارت هذا الطفل وكأنه جزء من روحه.
إيليف (بصوت مكسور):
” لكنه سيشعر، مارت… سيشعر يوماً أن هناك شيئاً مكسوراً بيننا.
وهذا الشعور… لا يمكننا أن نخفيه إلى الأبد.”
مارت (يشيح وجهه، يخفي ارتجافة عينيه):
” إذاً لنكذب جيداً…
لأجله.”
اقترب منها، نظر إلى ماهر الذي كان منهمكاً بلعبته، ثم جلس إلى جانبه ومسح على شعره بلطف.
مارت (بهمس وهو ينظر للطفل):
“هو الشيء الوحيد الباقي من جان… ومنكِ.
لا تدمّريه، إيليف. لا تدمّريه بالخوف.”
لم تجد إيليف ما تقوله، فقط نظرت إلى الاثنين، إلى مارت المنكسر الذي اختار أن يكون جبلاً، وإلى الطفل الذي يلعب وهو لا يعلم أن كل هذا الصمت هو صراع من أجله
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات