الرحيل لا يترك أثراً واحداً ، بل يزرع ظلاله في كل زاوية من الذاكرة.
أحياناً تعود إلى مكان غادرته، وتجد نفسك نصفك هناك… والنصف الآخر ما زال يئن تحت وطأة الماضي.
الهواء نفسه، الروائح نفسها، لكن كل شيء يبدو مكسوراً… كما لو أن الزمن لم يكن كافياً ليصلح الجراح.
بين الأشجار، خلف الوجوه، وبين أصوات الحياة اليومية، يقف الصمت الحاد الذي يحجب الحقيقة، ويخفي ما يرفض القلب مواجهته.
في هذا الفصل، نرى العودة… الثقيلة، المرهقة، تلك التي تحمل وعداً وثقلاً، لكن لا يُرى إلا في أعماق النفوس.
إسطنبول – مطار إسطنبول الجديد – الساعة 11:30 صباحاً ✦
كان المطار يعجّ بالحركة.
حقائب تُجرّ على الأرضية اللامعة، أصوات العجلات تتمازج مع نداءات الرحلات في الخلفية،
ووجوه مختلفة تعبر بأسرع مما يمكن للعين التقاطه – بعضها متحمس، وبعضها متعب…
وجان، بين كل تلك الوجوه، بدا كمن خرج من زمن آخر.
خرج من بوابة الوصول، يحمل حقيبة صغيرة تتدلّى من كتفه،
وهو يرتدي قبعة داكنة أخفت جزءاً من وجهه.
توقف لثوانٍ عند الممر، مدّ جسده للخلف قليلاً،
وانطلقت منه تنهيدة طويلة متبوعة بتمطية خفيفة.
كتفاه تترنحان بإرهاق واضح، وكأن الرحلة سحبت منه آخر طاقة.
جان (يتمتم، بنبرة ساخرة متعبة):
“كيف سافرت كل هذه المسافة سابقاً … وقدمي كانت مكسورة؟”
هزّ رأسه لنفسه، كأنّه يسخر من جسده الذي لم يعد يتحمّل،
ثم تقدّم نحو المخرج، خطواته أبطأ من المعتاد.
ما إن خرج من بوابة المطار إلى الهواء الطلق،
حتى أغمض عينيه ببطء…
وسحب نفساً عميقاً، كأنّه يحاول أن يبتلع شيئاً من هذه المدينة التي غادرها محطماً.
فتح عينيه ببطء، نظر حوله.
نصفه عاد…
لكن النصف الآخر ما زال عالقاً في نيويورك، أو ربما في مكانٍ أعمق… لا عنوان له.
أخرج من جيبه نظارة شمسية سوداء، ارتداها بهدوء.
لم يكن ضوء الشمس هو ما أراد إخفاءه…
بل ملامحه. ذكرياته. نفسه القديمة.
توجّه إلى طابور سيارات الأجرة،
وقف بصمت، دون أن يرفع رأسه كثيراً،
ثم ركب أول سيارة توقفت أمامه.
السائق نظر إليه في المرآة، قال ببساطة:
السائق:
إلى أين يا أخي؟
جان (بصوت منخفض):
حي بيليم
هزّ السائق رأسه، وانطلقت السيارة على الطريق السريع،
فيما جان جلس بصمت، ناظراً من الزجاج،
والمدينة القديمة تعود إليه ببطء…
بمبانيها، بروائحها، بالأشياء التي يعرفها جيداً… ويحاول ألا يتذكرها.
»»»»»»»»»»»
إسطنبول – منزل عائلة آصلان – الحديقة الخلفية – وقت الظهيرة
كان مارت جالساً على الكنبة تحت ظل شجرة كبيرة، منكفئ الكتفين، عيناه زائغتان، تتشبثان بالأرض كمن يخشى مواجهة السماء. أنامله ترتجف وهو يشبكهما ببعض، كأن شيئاً في داخله ينهار ببطء.
اقتربت إيليف بخطوات هادئة، تحمل الطفل بين ذراعيها. جلست على الكنبة المقابلة، تُخفي انهيارها خلف ملامحٍ متماسكة، لكن عينيها كانتا تفضحان حزناً عميقاً.
إيليف (بصوت منخفض لكن حازم):
مارت… إلى متى ستظل تعاقب نفسك؟
لم يتحرك. عيناه ما زالتا عالقتين في الأرض، وصمته يزداد ثِقلاً.
إيليف (بنبرة أكثر رجاء، ترفع يدها قليلاً وكأنها تهم بلمسه):
أرجوك… لا تتجاهلني.
مارت (بهمس مكسور، يشبك أصابعه بعنف حتى تبيضّ عقدها):
أنا آسف…
رفعت إيليف حاجبيها بدهشة حزينة، دمعة لمعت في عينيها لكنها تماسكت.
إيليف (بحيرة):
لماذا تعتذر؟
مارت (يبتلع غصته، يطأطئ رأسه):
أنا المسؤول عمّا حدث.
لو أنني احتضنت أخي حين اعترف لي…
ربما لم يرحل.
ربما لم تتحطم حياتك… ولم يُربى ابنه يتيماً.
أنا السبب… كنت وما زلت… شخصاً ضعيفاً بلا فائدة.
إيليف (صوتها يشتد، تنهض نصف وقفة وكأنها تواجهه):
توقف، مارت!
توقف عن جلد نفسك!
أنت لست ضعيفاً… ما كنت يوماً كذلك.
(شهقت بهدوء، دمعة انفلتت على وجنتها، مسحتها سريعاً، لكن خانتها دموع أخرى)
إيليف (بصوت يرتجف، تمد يدها وتضعها على يده):
أنت قوي يا مارت… قوي جداً.
تحملت كل شيء، وقفت بجانبي، حمَيتني… وحميت هذا الطفل.
أرجوك… لا تسقط الآن.
مارت (بصوت مخنوق، يرفع قبضته المرتجفة ويضغطها على صدره):
كيف أكون بخير…
وأنا لا أجد حتى قبراً لأخي أجلس عنده وأبكي؟
(يضرب صدره بقبضته، عيناه تلمعان بحرقة)
مارت:
أشعر بنار هنا… في صدري… لا يمكن إخمادها.
إيليف (بهمس حنون، تنحني نحوه):
سأُخمدها أنا… مارت.
(يرفع رأسه إليها، شفتاه ترتعشان، يبحث في عينيها عن خلاص)
مارت (بألم):
وماذا عنكِ؟
من سيخمد النار في قلبك؟
كل مرة تبتسمين… أرى حزناً خلف عينيك.
لا تخدعينني، إيليف.
(دموعها تنفلت بقوة، تغطي وجهها بكفها، ثم تنظر إلى الطفل بين ذراعيها)
إيليف (بصوت مبحوح):
يجب أن أكون قوية… من أجله.
(تقبّل جبين طفلها، ثم ترفع عينيها إلى مارت)
إيليف:
ومن أجلك أيضاً.
لم يبقَ لي أحد سواك… لا تتركني وحدي في هذه العاصفة.
(مارت يخفض رأسه، كتفاه يهتزان، يمسح دموعه سريعاً لكنه يفشل)
إيليف (بصوت يملؤه الحب والحزن، تشير إلى الطفل):
جان رحل…
لكنه ترك لنا قطعة من روحه.
هذا الطفل هو بقية جان.
(يتسع بصر مارت، يمد يده بحذر نحو الطفل. الصغير يمد أصابعه ويمسك بإصبع مارت. يتوقف قلبه لحظة، ثم يضحك من أعماق وجعه، دموعه تلمع وهو ينظر إلى إيليف)
إيليف (تبتسم من بين دموعها):
هذا الطفل… سيكون حبل نجاتنا.
مارت (يتمتم، صوته يرتعش):
ملاك… يأخذ بيدي بعيداً عن الظلام.
—
في تلك اللحظة بالذات…
كان جان يقف بعيداً خلف الأشجار الكثيفة في الحديقة.
جسده مشدود كوتر، كتفاه متصلبتان، ويداه مشدودتان إلى جانبيه، حتى كأن الهواء من حوله صار أثقل من أن يُتنفَّس.
رآهم.
عيناه تلاحقان مارت وهو ينحني نحو الطفل، لمعة متكسرة في بؤبؤه، ابتسامة مريرة ترتسم على شفتيه لكنها سرعان ما تتشقق مثل جرح قديم.
جان (بهمس داخلي، يكاد لا يسمعه هو نفسه):
مارت… أخيراً رأيتك.
(وفجأة تتسع عيناه، يتصلب فكه حين يرى الطفل بين ذراعي إيليف. يرفع يده لا شعورياً نحو صدره، يعض على شفته بقوة، حتى كاد يجرحها. يغلق عينيه، جفونه ترتجف، كأنّه يحاول حبس سيل من الدموع.)
جان (يتمتم من بين أسنانه):
المهم… أنك بخير.
(يفتح عينيه ببطء، يتراجع خطوة. قدمه تصدر حفيفاً خافتاً فوق العشب. يتراجع خطوة أخرى، ظهره مشدود، أنفاسه قصيرة مقطّعة.
ثم يشيح بوجهه عن المشهد، كمن يخشى أن ينهار إن نظر ثانية واحدة أكثر.)
يمشي نحو بوابة المنزل بخطوات مترددة، كأن كل خطوة تُثقل قلبه أكثر. يصل إلى السيارة المتوقفة، يفتح الباب ببطء، يجلس في المقعد الخلفي.
(تنطلق السيارة، تهتز قليلاً فوق الطريق المرصوف. جان يلتفت بوجهه نحو النافذة، يثبت بصره على الحديقة التي تبتعد شيئاً فشيئاً. يضغط كفه على الزجاج، كأنه يودع حياةً لم يعد له مكان فيها.
ابتسامة باهتة تمر على وجهه، تختفي سريعاً. أخيراً، يشيح بوجهه عن المشهد، ويترك خلفه كل شيء.)
»»»»»»»»»»»»»»
داخل الطائرة – فوق المحيط – منتصف الرحلة
كان الضوء داخل المقصورة خافتاً، والنوافذ مغلقة بأغطيَتها، كأن الركاب جميعاً قرروا الهروب من العالم مؤقتاً .
جلس جان في مقعده بجانب النافذة، كتفاه منحنيان قليلاً، رأسه مائل إلى الخلف… لكنه لم يكن نائماً.
يده اليمنى كانت تقبض على شيء صغير – علبة بلاستيكية شفافة تحتوي على حبة واحدة فقط.
فتحها ببطء، أخرج الحبة، وضعها في راحة يده، وتأملها بصمت.
بدا وكأنه لا ينظر إلى الدواء… بل إلى ثقل الزيارة الأخيرة، إلى نظرة الطفل الذي يشبهه، إلى مارت وإيليف، إلى نفسه… التي تركها هناك، واقفة خلف الأشجار.
جان (يهمس لنفسه):
“لم يكن يجب أن أذهب لرؤيته…”
صمتٌ.
ثم ضمّ الحبة بين إصبعيه، رفعها إلى فمه وابتلعها دون ماء.
أسند رأسه إلى المقعد، وأغمض عينيه.
جان (يتمتم قبل أن يغفو):. “وعدتك أن أعود إليك… أوزان.
سأنام… فقط حتى أصل.”
سكنت عضلات وجهه تدريجياً، واختفى من وعيه… تاركاً خلفه مقعداً مغموراً بالحزن، و جواً ثقيلاً لا يراه أحد سواه.
وفي الخارج، كان المحيط يمتد تحته بلا نهاية، كما لو أنّه يعكس نفسه داخله…
صامتاً .
عميقاً .
لا يُحتمل.
نيويورك – مطار جون إف كينيدي – الساعة 6:30 مساءاً ✦
هبطت الطائرة بارتجاج خفيف، واستفاق جان على صوت إعلان الوصول.
فتح عينيه ببطء، كأن نومه لم يكن راحة، بل نوعاً من التجميد المؤقت لما يحمله.
نهض من مقعده، أخذ حقيبته الصغيرة التي لا تحوي سوى جواز سفر، وبعض النقود، وكثير من التعب.
سار وسط الركّاب بخطى ثقيلة، أضواء المطار تلمع فوق رأسه، وأصوات المذيع الآلي تختلط مع خطوات متسارعة لا تشبهه.
لم يلتفت لأي وجه، ولم يبطئ أمام أي شيء.
خرج فقط… كما دخل، غريباً بين الناس، لكن أثقل مما كان.
حين عبر بوابة الخروج، وسحب الهواء البارد إلى صدره، أغلق عينيه لثانية واحدة.
هو هنا…
لكنه لا يشعر أنه عاد بعد.
»»»»»»»»»»»»
نيويورك – حي كوينز – مساء نفس اليوم ✦
وصلت سيارة الأجرة إلى طرف الرصيف، دفع جان الأجرة بصمت، ثم خرج.
وقف للحظة أمام مدخل العمارة القديمة، أنفاسه تتباطأ وهو يحدّق إلى الأعلى.
لم ينتظر المصعد، لم يفكر فيه حتى.
بدأ يصعد الدرج… خطوة بعد أخرى، كأن جسده لا يريد الوصول، لكن قدميه لا تتوقفان.
وصل إلى الطابق، وقف أمام الباب البني المألوف، أخرج مفتاحه ببطء من جيبه…
لكن قبل أن يُدخله في القفل،
انفتح الباب فجأة.
ظهر أوزان، ملامحه متوترة، صوته خرج بسرعة وقلبه في عينيه:
أوزان (مستعجلًا، قلقاً ):
“جان… أنت بخير؟ ماذا حدث؟ هل… هل رأيته؟”
لكن جان وقف هناك، عينيه بلا بريق، ووجهه لا يحمل إلا جليداً كثيفاً.
قال بصوت هادئ، كأنه يقرأ من ورقة باردة:
جان:
“لقد عدت… ولم ألمس شعرة من جسدي. كما وعدتك.”
ثم، دون أن ينتظر ردة فعل،
دفع الباب بخفة وتقدّم إلى الداخل متجاوزاً أوزان.
أوزان بقي واقفاً للحظة عند المدخل،
عيناه تتبعان جان الذي عبر الممر متوجهاً إلى غرفته.
فتح جان باب غرفته، دخل دون أن يُغلقه خلفه.
كان المكان كما تركه… ساكناً، مرتّباً، وربما أكثر برودة مما يحتمل.
تمدد على سريره ببطء، كأن كل خطوة تتسرب منه كتعبٍ لا يوصف.
لحقه أوزان، وقف عند الباب، يتشبث بالكلمات التي لا يعرف كيف يبدأ بها.
أوزان (بصوت خافت، قلق):
“جان… ماذا حدث؟ أخبرني.”
صمت مطبق.
جان لا يرد، فقط أغمض عينيه، تنفسه بطيء لكن مضطرب.
أوزان (يقترب، يرفع صوته قليلاً):
“تكلم!”
فتح جان عينيه نصف فتحة، دون أن ينظر إليه مباشرة، ثم تمتم:
جان:
“أنا… متعب فقط. دعني أنام.”
(يتنهد ببطء)
“لقد عدت أمشي على قدمي… ألا يكفيك هذا؟”
أوزان بقي واقفاً، لم يتحرك.
تاهت نظراته بين جان والباب والظل الممتد على الجدار… ثم تنهد.
أوزان (بصوت خافت):
“حسناً…”
استدار وخرج، مغلقاً الباب بهدوء خلفه،
وفي الداخل، بقي جان ممدداً كجسد عاد من المعركة… دون أن ينجو بالكامل.
»»»»»»»»»»»»
نيويورك – كوينز شقة جان و أوزان – صباح اليوم التالي
كان الصمت يُخيّم على الشقة.
جلس أوزان على الكنبة، يحدّق في الساعة المعلقة على الجدار، ثم نحو باب غرفة جان المغلق.
مرت الوقت ببطئ.
ثم نهض أخيراً ، توجّه إلى الباب وطرقه مرتين… ثلاثًا… دون رد.
فتح الباب بهدوء، ليدخل على ضوء خافت ورائحة نوم ثقيلة.
اقترب من السرير، نظر إليه للحظة، ثم قال بصوت منخفض:
أوزان:
“جان… حان وقت العمل.”
تحرّك جسد جان ببطء، عينيه نصف مغمضتين، وجهه شاحب ومنهك.
جان (بصوت مبحوح):
“كم الساعة؟”
أوزان:
“قريبة من التاسعة… قم وتناول شيئاً، لنلحق بالمطعم.”
—
بعد قليل – على طاولة الطعام
جلسا وجهاً لوجه.
أوزان يأكل بهدوء، لكنه يراقب جان بطرف عينه… بينما الأخير يحرك الشوكة في طبقه بلا رغبة.
كان يسند ذقنه على كفه، عيناه زجاجيتان، كأن لا شيء أمامه.
فجأة رفع رأسه، نظر مباشرة إلى أوزان وقال بهدوء بارد:
جان:
“أكرهك، أوزان.”
تجمّد أوزان في مكانه. الشوكة في يده توقفت في منتصف الطريق إلى فمه.
صمت.
جان (بصوت أعمق):
“…..أكرهك… لأنك أجبرتني على وعد…”
توقف، لم يكمل. ثم همس:
جان:
“أنت فقط… تجبرني على المزيد من الألم.”
ينهض من مكانه ببطء، يرمي الشوكة في الطبق.
جان:
“لن أذهب للعمل اليوم… سأنام.”
استدار، ومشى نحو غرفته، ثم أغلق الباب خلفه.
—
بعد لحظات
دخل أوزان إلى الغرفة، لم يعد قادراً على الصمت وقف أمام جان مباشرة واضعاً يديه على خصره.
أوزان (بقلق):
“جان، أرجوك… ما الذي حدث هناك؟ أخبرني… فقط كلمة واحدة.”
جان كان ممدداً على السرير، ظهره نحو أوزان .
صمت.
اقترب أوزان خطوة أخرى.
أوزان (بصوت متوتر):
“جان، لا تتركني أتخيل الأسوأ… لا تصمت هكذا.”
استدار جان ببطء، رفع يده، وفيها حبة منومة صغيرة.
جان (بهدوء متجمد):
“أنظر…”
ثم وضعها في فمه، ابتلعها دون أن يشرب ماء، وسحب الغطاء فوق جسده.
جان (بهمس):
“سأنام… فقط هذا. أغلق الباب والضوء، من فضلك.”
وقف أوزان هناك، عاجزاً عن أي رد.
مسح وجهه بكفيه ثم تمتم بصوت بالكاد يسمع:
“حسناً … سأعود باكراً اليوم.”
غادر الغرفة وأغلق الباب خلفه بهدوء… لكن قلبه بقي هناك، في الظلام، حيث الألم لا يُقال، ولا يُفهم، ولا يُشفى.
خرج أوزان من البناية بخطوات بطيئة، عيناه شاحبتان ووجهه يحمل كل القلق الذي حاول إخفاءه.
وقف على حافة الرصيف، يحدّق في الفراغ أمامه.
دقائق فقط، ثم توقّف الباص عند زاوية الشارع. فتح أبوابه بصوت مألوف… لكن أوزان لم يتحرك.
ظل واقفاً مكانه، يده داخل جيبه، أنفاسه ثقيلة.
نظر إلى الباص… ثم إلى البناية خلفه.
الباب ظل مفتوحاً لبضع ثوانٍ، ثم أُغلق وغادر الباص.
عاد أوزان أدراجه، بخطوات أسرع من ذي قبل.
صعد الدرجات وهو يتمتم لنفسه:
“لا أستطيع تركه… ليس الآن.”
دخل الشقة مجدداً، جلس على الكنبة مقابل باب غرفة جان.
صمت طويل خيّم على المكان…
لكن عيونه لم تفارق الباب المغلق، كأنّه ينتظر صوت أنفاس… أو حتى تنهيدة.
»»»»»»»»»»»»»
إسطنبول – منزل عائلة آصلان – المكتب الداخلي – بعد الضهر
أشعة الشمس تنعكس على أرضية المكتب الخشبية، والهدوء يخيّم على المكان.
كان الجد جالساً خلف مكتبه الكبير، يطالع بعض الأوراق القديمة بنظرة شاردة، حين طرق أحد رجال الأمن الباب ودخل.
رجل الأمن (بتردد):
“سيدي… آسف على الإزعاج، لكن… هناك أمر أظن أنه يستحق انتباهك.”
الجد (يرفع نظره ببطء):
“تفضل، ما الأمر؟”
رجل الأمن:
“في تسجيلات الكاميرا، عند الحديقة الخلفية… ظهر شخص هذا الصباح، قرابة الساعة الحادية عشرة والنصف”.
الجد (ينتبه):
“أي شخص؟ من العاملين؟ الزوار؟”
رجل الأمن (بتوتر):
“لا، ليس من العاملين… دخل فقط لثوانٍ، وقف بين الأشجار ثم غادر. لم يقترب من المنزل نفسه”.
الجد (ينهض عن كرسيه):
“وهل تعرف من هو؟”
رجل الأمن (يتردد قليلاً):
الوجه لم يظهر بوضوح، لكنه… بدا مألوفاً” .
السيد جان، سيدي… نعتقد أنه قد يكون هو.”
صمت.
الجد تجمّدت ملامحه لثوانٍ.
الجد (بصوت منخفض جداً، كأنّه يسأل نفسه):
” جان ؟… “
اتجه نحو النافذة، نظر إلى الحديقة البعيدة… وكأن طيفاً ما لا يزال يقف هناك.
الجد (ببرود يموّه انفعاله):
“أرسل لي المقطع… ولا تخبر أحداً بشيء. مفهوم؟”
رجل الأمن:
“أمرك سيدي.”
يخرج الرجل بهدوء، ويُغلق الباب خلفه.
يبقى الجد واقفاً في مكانه، ينظر بعيداً… ثم يهمس:
أخيراً عدت جان …ربما مارت الآن سيسامحني” “
»»»»»»»»»»»»»»»
نيويورك – كوينز شقة جان وأوزان- بعد الضهيرة
كان أوزان جالساً على الكنبة، عينيه مثقلتان بالنعاس، ورأسه يميل ببطء نحو صدره. فجأة، انتفض، فتح عينيه على مصراعيهما، وتمتم بقلق:
أوزان (متمتماً): “يا إلهي… لقد غفوت…”
قفز من مكانه، كل خطواته متسارعة نحو باب غرفة جان. توقف لحظة، أخذ نفساً عميقاً يحاول من خلاله تهدئة قلبه الهائج، وطرق الباب بخفة.
لم يسمع أي صوت من الداخل، ففتح الباب ببطء، كأن كل حركة قد تُحدث كارثة، ليجد جان مستلقياً، عينيه مغلقتين، جسده هادئ لكنه يبدو هشاً كالزجاج.
اقترب أوزان من السرير، ووقع نظره على العلبة الصغيرة بجانب جان… مفتوحة.
أوزان (بصوت مرتجف): “لا… لا يمكن…”
شعر قلبه يخفق بعنف، وارتجف جسده من الخوف والذعر. مد يده بسرعة إلى العلبة، التقطها بين يديه وكأنه يحمل شيطاناً، وتفحصها بعينين تملؤهما الصدمة والريبة.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 33"