كانت الغرفة مضاءة بضوء دافئ خافت يعكس هدوءاً خاصاً، جلست إيليف على سرير الفحص الطبي، تحاول أن تخفي توترها، فيما وضع الطبيب جهاز السونار برفق على بطنها.
عمّ الصمت للحظات، ثم ارتفع صوت نبض الجنين منتظماً وواضحاً في أرجاء الغرفة.
الطبيب (مبتسماً و مطمئناً):
“الحمد لله، كل شيء على ما يرام، الولادة باتت وشيكة، والجنين في وضع صحي جيد ومستعد للقدوم.”
ابتسمت إيليف بشيء من الارتياح، ومدّ مارت يده بحنان نحو كتفها.
مارت بنبرة هادئة :
“لا تخافي ستكونان بخير “
أومأت إيليف برأسها، لكنها لم تستطع إخفاء خفقات القلق في عينيها
ابتسم مارت مطمئناً، ثم ساعد إيليف على النهوض بهدوء من السرير.
غادرا العيادة معاً، وفي طريقهما إلى السيارة، كان الصمت يملأ الجو بينهما، كأنهما يستعدان لمرحلة جديدة.
وصلوا إلى الكراج، حيث كانت السيارة تنتظر في سكون.
جلس مارت خلف المقود، بينما جلست إيليف إلى جانبه، وغمرهما هدوء اللحظة.
إيليف (بقلق):
“ماذا سنفعل الآن؟ كيف سنسجل اسم والد الطفل؟”
مارت (وهو يحدّق من النافذة، متجنباً النظر في عينيها):
“ألستُ زوجك أمامهم؟… سنسجله بأسمي.”
نظرت إليه إيليف، بعينين يملؤهما القلق والانكسار.
إيليف:
“ما بك يا مارت؟ ما الذي يحدث معك؟… لم تعد حتى تحاول البحث عن جان.”
حاول مارت أن يتماسك، ورد بكذبة ثقيلة:
مارت:
“لا شيء… أنا أبحث… فقط لا أدري أين أبدأ بعد الآن.”
إيليف (بعصبية خفيفة):
“مارت، لا تكذب علي.
أنت لست بخير منذ فترة… انعزلت عن الجميع… الكوابيس تطاردك.
منذ ذلك اليوم، حين أخبرتني أنك ستبحث عن جان في منزل والديك…
ومنذها وأنت متغيّر… أخبرني، ماذا حدث هناك؟”
حاول مارت التهرب:
مارت:
“لا شيء… لم أعثر عليه، فحسب.”
إيليف (بصوت مكسور):
“مارت، قل الحقيقة… هل التقيتما؟ هل رفض رؤيتي؟ أم أنه… تخلى عني؟”
أغمض مارت عينيه بألم، والأفكار تتضارب في رأسه…
كيف يخبرها أن جان قد مات؟ أن لا أثر له سوى الغياب؟
“هل تريد أن نخرج؟ لنتمشى قليلاً، الهواء النقي قد يساعدك على الاسترخاء.”
جان (بصوت خافت، كأنه لم يسمع جيداً): “إيليف… رأيتها… ليست بخير.”
أوزان (محاولاً التخفيف عنه): “جان، إنها مجرد أحلام، ليست حقيقة.”
جان (محاولاً إقناع نفسه): “نعم… مجرد حلم.”
وبعدها يغمض عينيه ببطء، يحاول استجماع قواه، بينما يربت أوزان بيده على كتفه بلطف.
أوزان (بصوت هادئ):
“ساحضر لك بعض الماء .”
بقي جان جالساً بصمت، يتنفس بعمق، يحاول السيطرة على مخاوفه، بينما تبقى نظراته متجهة إلى النافذة كأنها تبحث عن أمل في الظلام.
تخفت الأصوات تدريجياً، ويحلّ السكون في الغرفة، مع بقاء الشعور بالغموض والانتظار.
»»»»»»»»»»
إسطنبول – مستشفى الولادة – خارج صالة الولادة – بعد دقائق من ولادة الطفل
خرج الطبيب من صالة الولادة وهو يحمل الطفل ملفوفاً ببطانية ناعمة، تنبعث منه حرارة الحياة الجديدة وسط برودة الانتظار.
اقترب مارت بخطوات ثقيلة، يملؤه مزيج من الترقب والخوف اخذ الطفل بحذر بين ذراعيه. وقف جانباً، والجد ووالدا إيليف بجانبه، لكن كل الأصوات حوله بدت بعيدة، كأن العالم توقف عن الدوران للحظة.
نظر إلى الطفل الصغير بعينيه التي لمعتا بدموع خفية لم تُسقطها، ثم همس بصوت متهدج، كأنه يخاطب جزءاً عميقاً في روحه:
“أهلاً بك يا صغيري… جئت إلى هذا العالم وسط عواصف لم تهدأ… لكنني هنا، لن أتركك تواجهها وحيداً .”
غاصت ذاكرته في صورة أخيه جان، ذلك الشخص الذي رحل فجأة، تاركاً خلفه فراغاً كبيراً وثقلاً لا يُحتمل.
“جان… لم أستطع إنقاذك… لكنني سأحمي هذا الطفل. سأكون له الأب الذي لم يكن لك… سأعوضه عن كل غيابك، عن كل ألمك وصمتك.”
ضغط مارت قبضته بقوة، لكنه سرعان ما ارتخى وهو يمسك يد الطفل الصغيرة برقة لا تتناسب مع صلابته.
في تلك اللحظة، كان التعهد داخله أعظم من أي كلمة يمكن أن تُقال، وعدٌ مكتومٌ بأن يقاتل من أجل حياة هذا الطفل، حتى لو اضطر لأن يضحي بنفسه.
عاد لينظر إلى الطفل، بعيون محملة بالأمل والحزن والصلابة.
“لن أسمح لهذه العائلة أن تنهار أكثر… لن تكون وحيداً … مهما كان الثمن.”
وانحنى قليلاً، يضم الطفل إلى صدره بحنان، وكأن كل الألم يتحول إلى قوة جديدة تمنحه القدرة على الاستمرار.
ثم التفت مارت نحو الطبيب، صوته يحمل القلق:
“إيليف… كيف حالها؟”
أجابه الطبيب بابتسامة مطمئنة:
“هي بخير، قامت بعمل رائع.”
مد الطبيب يده بحنان ليأخذ الطفل، وأضاف:
“سنأخذهما الآن إلى الغرفة ليرتاحا.”
»»»»»»»»»»
المكان: غرفة المشفى – صباح باكر
الضوء الناعم يتسلل من خلال الستائر البيضاء، يعكس ظلالاً هادئة على جدران الغرفة.
كانت إيليف مستلقية على السرير، ظهرها مسند إلى الوسائد، ملامحها متعبة لكن تشعّ بنور غريب…
مزيج من الإنهاك والسكينة، كأنها مرت بعاصفة وانتهى بها الأمر على شاطئ آمن.
طفلها الصغير نائم بهدوء إلى جانبها، ملفوف ببطانية ناعمة، أنفاسه الصغيرة تتصاعد بانتظام.
نظرت إليه…
عيناها دامعتان دون بكاء.
مدّت إصبعها بلطف ولمست راحة يده…
فانغلقت يده الصغيرة عليها، كأنّه يقول: “أنا هنا، ماما.”
ابتسمت إيليف، وهمست بصوت مبحوح من أثر التعب والدهشة:
إيليف (بهمس):
“أهلاً بك في هذا العالم… صغيري.”
رفعت رأسها قليلاً وحدّقت في السقف، وكأنها تشكر الله بصمت…
كل الآلام تلاشت أمام هذه اللحظة.
كانت هناك – أماً للمرة الأولى – وكل شيء آخر أصبح صغيراً مقارنة بهذه الحياة التي تنام قربها الآن.
صوت خفيف للباب يُفتح…
تلتفت إيليف ببطء، لا تزال ملامحها هادئة لكنها متيقظة لكل تفصيل.
مارت يدخل أولاً، خطواته مترددة كأنه يخشى أن يُفسد السكينة في الجو.
عيناه تبحثان عنها، ثم تستقران على المشهد أمامه…
إيليف وطفلهما.
أنفاسه تُحبس للحظة،
كأن الزمن توقف.
مارت (بصوت منخفض، يكاد يهمس):
“يا الله…”
يتقدّم ببطء، يقف إلى جانب السرير، ينظر إلى إيليف أولاً ثم إلى الطفل.
ابتسامة خفيفة ترتسم على وجهه، مزيج من الدهشة والعشق والرهبة.
خلفه يدخل والد إيليف، أمها، والجد، جميعهم بعيون دامعة ووجوه مضيئة بالفرح.
الجد (بفخر صامت):
“…نسخة مصغّرة منكِ، إيليف.”
تضحك الأم وهي تقترب، تنظر إلى حفيدها وكأنها تحاول تصديق أن هذا الملاك وُلد للتو.
الأب يربت على كتف مارت، يقول بصوت رجولي هادئ:
“أحسنت يا بني… أنتما الآن عائلة.”
مارت يجلس على طرف السرير، يمد يده بحذر نحو يد الطفل، يتردد، ثم يلمسها بخفة.
مارت (بهمس إلى إيليف):
“شكراً… لأنكِ أعطيتني أجمل شيء في حياتي.”
إيليف تبتسم له، نظرتها مرهقة لكنها ممتنة، ثم تهمس:
“شكراً لك، مارت.”
لحظة من السلام الحقيقي…
كأن الجميع أدرك فجأة أن الحياة، بكل ما فيها، تستحق هذا النوع من النهايات… أو ربما البدايات.
والدة إيليف:
” نحن سنذهب لنُحضِر بعض الأشياء… أنتما لم تحضرا شيئاً معكما.”
الجد:
“وأنا سأمر على المنزل لأحضر هويتهما وعقد الزواج… يجب تسجيل الطفل رسمياً.”
غادر الجميع بهدوء، تاركين الغرفة غارقة في السكون من جديد.
إيليف تنظر إلى الطفل:
“إنه صغير جداً…”
مارت يبتسم وهو يراقبه:
“نعم… صغيري اللطيف.”
مارت (بعد لحظة):
“ماذا سنسميه؟… ألم تخططي أنتي وجان لذلك من قبل؟”
إيليف تختفي ابتسامتها شيئًا فشيئًا، تقول بهدوء:
“كلا… لم نخطط لطفل… حدث الأمر في لحظة ضعف… ربما…”
مارت (متراجعاً بصوته، ينضر لها ):
“أعتذر، إيليف… لم أقصد أن أفتح هذا الموضوع الآن.”
إيليف تهز رأسها بلطف:
“لا عليك…
سمّه أنت… أنت الآن والده رسمياً .”
مارت ينظر إلى الطفل وكأنه يزن القرار داخل قلبه، ثم يقول بهدوء:
سنُسميه على اسم والدي… ماهر.
إيليف تبتسم، نظرتها دافئة لكن تحمل شيئاً من الحزن:
“قد يعطي هذا جان شعوراً … بالتكفير عن ذنبه.”
يسود الصمت من جديد، لكنه هذه المرة ليس حرجاً، بل ممتلئاً بالمشاعر المختلطة…
مغفرة، بداية، وذكرى لن تُنسى
»»»»»»»»»»»»»
نيويورك – حي كوينز – أمام شقة سكنية بسيطة
الوقت: صباح باكر
الشارع لا يزال هادئاً، الهواء منعش، وضوء الشمس ينساب بين المباني بهدوء.
جان وأوزان يخرجان من باب الشقة، يرتديان ملابس خفيفة، كل منهما يحمل كوب قهوة.
جان يبدو نصف نائم، بينما أوزان يملك طاقة غير مبررة لهذا الوقت.
يتوقف أوزان بجانب دراجة نارية سوداء لامعة متوقفة على الرصيف.
يلتفت نحو جان، ابتسامة واسعة على وجهه.
أوزان (بحماسة):
“هذه لك، جان.”
جان يتوقف، ينظر إلى الدراجة، ثم إلى أوزان بدهشة.
جان (مستغرباً ):
“هل اشتريتها؟”
أوزان (يضحك وهو يومئ):
“نعم… كنت تضع راتبك على الطاولة بصمت وتنسى أمره.
فجمعت المبالغ على مدى الشهور الماضية… واشتريت لك هذه.”
جان يقترب من الدراجة، يلمس المقود بخفة، كأنه لا يصدق، ثم يقول ب
هدوء:
“كنت فقط أريد مساعدتك في مصروفنا… ما كنت أفكر بشيء أكثر.”
أوزان (مازحاً وهو يضربه على الكتف):
“لا بأس، في الأمر مصلحة لي أيضاً
ستعود لتكون سائقي الشخصي!”
جان يضحك، يهز رأسه، ينظر إليه بنصف ابتسامة.
“هكذا إذاً… تحاول استغلالي من جديد.”
أوزان (بضحكة خفيفة):
“بالطبع، الصداقة الحقيقية تبدأ من المصلحة!”
يقفان بجانب الدراجة، الشمس تعكس لمعانها، لحظة عادية لكنها محمّلة بالامتنان والتفاهم…
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 30"