أصوات الطهي تملأ المكان، رائحة الثوم والزبدة تمتزج في الهواء، و المقالي تقرع كأنها تدق ساعة لا تهدأ عقاربها .
في الزاوية القريبة من النافذة الصغيرة، جلس جان على كرسي خشبي، مسترخٍ بظهره إلى الخلف، وعيناه معلّقتان بشاشة هاتفه. كان يقلب الصفحات والرسائل بلا اهتمام، كأنّه لا ينتظر أحداً… ولا أحد ينتظره.
قُبالة الطاولة، جلس أوزان، يستغل استراحته القصيرة، يرشف الماء بهدوء، لكنه يراقب جان من طرف عينه، بحذرٍ يخفيه خلف سكونه.
فجأة، فُتح باب المطبخ بعجلة، واقتحمه جيمس و وجهه يشتعل فرحاً، يلوّح بهاتفه عالياً كأنّه يُعلن نصراً عظيماً.
جيمس (بحماس):
“لقد تم قبولي! رسمياً… جامعة نيويورك أرسلت الرد قبل دقائق!”
توقفت حركة المطبخ للحظة، ثم انطلقت التصفيقات والتهاني من الطهاة والعاملين.
أوزان (ينهض من مكانه، يصفق):
“أحسنت، جيمس! قلت لك إنك ستدخلها برأس مرفوع.”
جيمس (وهو يتجه نحوهما):
“علينا أن نحتفل الليلة! لا أعذار… نادٍ ليلي، موسيقى، حياة!”
أوزان (ساخراً، مازحاً):
“منذ متى أصبحتَ من محبّي الضوضاء؟ توقعت أن تحتفل بقراءة رواية فرنسية.”
جيمس (ضاحكاً):
“حتى الفلاسفة لا يكرهون قليلاً من الفوضى الراقصة!”
يلتفت إلى جان، الذي لا يزال جالساً مكانه، رأسه منحنٍ نحو الهاتف.
جيمس (بلهجة مشجّعة):
“وجان… أنت قادم، صحيح؟ نريدك معنا الليلة.”
جان (يرفع عينيه ببطء):
“في نادٍ ليلي؟… لا أعد بشيء.”
أوزان (بلطف، و بنبرة ودية):
“لا نريد شيئاً سوى حضورك. لن نطلب منك الرقص، فقط اجلس معنا… راقب، أو حتى التزم صمتك كما تحب.”
قبل أن يرد جان، ارتفع صوت جهوري من طرف المطبخ:
الشيف دانييل (بابتسامة عريضة، وهو يحمل مِغرفة ضخمة):
“الاحتفال لا يكون كاملاً دون مشروبات!”
توجه إليهم بخطوات واثقة، وقف عند الطاولة، ونظر إلى جيمس بفخر.
دانييل:
“أنت أول من يُقبل في جامعة كبيرة من بين المتدرّبين هنا. هذه لحظة تُحتفى بها.”
ثم يلتفت إلى الجميع ويقول بصوت مسموع:
دانييل:
“الليلة… المشروبات على حسابي. لا أحد يدفع شيئاً، واضح؟ حتى جان.”
ضحك الجميع، حتى العاملون في الخلف صفقوا مجدداً.
أما جان، فرفع حاجبه بخفّة، وكأنّ هناك ما لامس شيئاً داخله، احترامه للشيف دانييل يمنعه من رفض طلبه، ثم قال دون أن ينظر لأحد:
جان:
“في هذه الحالة… سأفكر في الأمر.”
جيمس:
“الليلة لنا.”
تتقاطع نظراتهم، لحظة مشتركة… بين من يحتفل بالضوء، ومن يجرّ ظله خلفهم، صامتاً، فقط كي لا يُخلف الموعد مع الحياة.
»»»»»»»»»»»»»
إسطنبول – منزل عائلة آصلان – غرفة المكتب – مساءاً
الستائر مسدلة، والغرفة غارقة في هدوء ثقيل، لا يقطعه سوى صوت عقارب الساعة… ومكالمات متقطعة على الهاتف الأرضي.
كان الجد واقفاً قرب النافذة، يُمسك بالهاتف بيد مرتجفة، وصوته ممتلئ بالقلق:
الجد (بغضب مكبوت):
“ألم تعثر عليه بعد؟… كيف ذلك؟ أين اختفى؟”
(يصمت لحظة، يستمع، ثم يضغط على كلماته بقسوة)
“ابحث عنه… ابحث في كل مكان. إما أن تعثر عليه، أو تعطيني خبر موته على الأقل.”
(يتنفس ببطء، ثم يهمس)
“يجب أن أجد جان… بأي ثمن.”
أنهى الاتصال، و أغلق الهاتف ببطء.
ظل واقفاً للحظة، ثم جلس خلف مكتبه، وأسند يديه إلى وجهه… كأن السنوات انحنت فوق كتفيه دفعةً واحدة.
رفع رأسه ببطء… وعيناه زجاجيتان.
الجد (يهمس بندم عميق):
“مارت… لم أتخيّل يوماً أنني سأخسرك بهذه الطريقة.”
ينظر إلى صورة قديمة على الطاولة، تجمعه بمارت طفلاً.
الجد (يتابع بصوت مكسور):
“سأجد لك جان… و أعيده، ولو كلّفني ذلك آخر ما تبقّى لي من كرامة.”
(يهمس وكأنه يُقسم لنفسه)
“إذا كان هذا ما تريده… فسأدوس على قلبي، و أسامحه… من أجلك.”
(ينهض ويغادر المكتب، متوجهاً نحو الصالة)
—
الصالة – دقائق لاحقة
الهدوء يخيّم على المكان.
الأضواء خافتة، وظلال الأثاث تلوح على الجدران كأشباحٍ صامتة.
المنزل نائم… إلا من قلبين لا يهدآن.
دخل الجد بخطى بطيئة.
في عينيه بقايا تعب، وفي ملامحه تفكير أثقل من الليل.
وقع بصره على مارت، نائماً على الكنبة، جسده ملتف على نفسه كأنما يحتمي من شيء لا يُرى.
وجهه شاحب، أنفاسه متسارعة، وعضلات فكه مشدودة… كأن نومه معركة أخرى.
اقترب الجد بهدوء.
توقّف عنده، يحدق في ملامحه المتعبة.
الجد (يهمس لنفسه):
“كم تغيرت، يا بني… وكم أوجعتني هذه المسافة بيننا.”
يمدّ يده ببطء، يلتقط الغطاء الملقى على ظهر الأريكة… ثم ينحني على مارت.
يداه ترتجفان، لا من برد، بل من تعب السنين… وثقل الندم.
لكن ما إن لامس الغطاء جسد مارت…
حتى انتفض فجأة، كمن خرج من غرقٍ مفاجئ.
فتح عينيه على اتساعهما، صدره يعلو ويهبط بأنفاسٍ لاهثة، ويده تمسح عرقاً بارداً عن جبينه.
الجد (بصوت خافت، يحاول التقرّب):
“مارت… لا بأس، إنه مجرد حلم، يا ولدي…”
لكن مارت لم ينظر إليه.
لم يتأمله… لم يرد.
رفع يده بصمت، حركة حازمة خالية من العنف، وأبعدها بينه وبين الجد كجدار:
مارت (ببرود هادئ):
“لا تلمسني.”
تجمّد الجد.
حدّق في يده المعلّقة في الفراغ… ثم خفضها ببطء، كمن أُبعد عن شيءٍ كان يتمنى لمسه.
مارت وقف، أعاد ترتيب سترته بتوتر، ثم مرّ بجانبه دون أن يلتفت.
خطواته صلبة، وصوته غائب.
(يخرج من الصالة.)
الجد بقي واقفاً في مكانه…
الغطاء لا يزال بين يديه، لكن الدفء الذي أراد أن يمنحه… خرج مع مارت.
جلس بهدوء على حافة الكنبة،
و أنزل رأسه… كأن قلبه ثقيلٌ حدّ الانحناء.
»»»»»»»»»»
نيويورك – Webster Hall – مساء
أضواء النيون تلمع على جدران الحلبة، والموسيقى ترتفع كنبض قلبٍ لا يهدأ – إيقاعات House تهزّ العظام قبل الجدران.
ضحكات، ارتطام أقدام، أكواب تتصادم، ودوّامة من الوجوه المتلألئة.
في الزاوية، قرب البار:
جان جالس على كرسيٍ عالٍ. ظهره مستقيم.
عينيه مركّزتان على شاشة هاتفه – نورها البارد يعكس جموده.
بإبهامه، يتنقّل بين إشعارات لا أحد يعرف معناها.
كأن الضجيج لا يعنيه… وكأنه ليس من هذا المكان.
أما في قلب القاعة، فالفريق يحتفل بحماسة.
جيمس يلوّح بذراعيه وسط الدخان والضوء، يصرخ من شدّة الفرح.
أوزان يقف بجانبه، مبتسماً، لكن عينيه تنقلان قلقاً خافتاً لا تلتقطه إلا العدسات.
الطهاة يتجمّعون حول الطاولة المرتفعة.
الشيف دانييل (بصوت جهوري):
“هذا للفائز الرائع – جيمس! وكما وعدت… المشروبات الليلة على حسابي!”
تعلو التصفيقات، و تغمر الضحكات وجوه الجميع.
يميل جيمس نحو أوزان، ينظر باتجاه جان، ثم يهمس بصوت شبه ساخر:
جيمس:
“صديقك هذا… يبدو أنه ليس من محبّي النوادي الليلية.”
يتراجع جيمس خطوة مذهولاً، رافعاً يديه في محاولة لتهدئته و أجاب متلعثماً :
“اهدأ… فقط… أتى شاب في النادي، بدا وكأنه يعرفكما… وأوزان طلب مني أن أُبعدك، فاخترعتُ قصة المحفظة.”
جان ( من دون أن يرمش، صوته لا يزال حاداً):
“اسمه؟”
جيمس:
“أعتقد… كوراي.”
يسكن جان فجأة. كأن الاسم اخترق شيئاً قديماً في صدره.
يسحب أنفاسه ببطء، يهز رأسه:
جان:
“فهمت… آسف.”
يعيد الهاتف إلى جيمس وهو يخفض عينيه.
تمر ثوانٍ، ثم تهتز الشاشة برسالة جديدة.
جيمس (بهمس):
“قال… يمكنكما العودة الآن.”
جان ينظر إليه طويلاً (بصوت منخفض):
“لا تخبره بشيء… هو فقط يبالغ في حمايتي، لا أكثر.”
جيمس (بابتسامة باهتة):
“لا تقلق… سرّك في أمان.”
وبينما يتجهان نحو الباب، كان جيمس يسرح في صمت:
“لم يكن أوزان يمزح… هذا الهدوء يخفي شيئاً لا يُروى، أنه كالبُركان …هادئ ثم ينفجر في أي لحظة.”
يتلاشى صدى خطواتهما مع انطفاء أضواء المطبخ خلفهما.
لكن ما عاد إلى جان… لم يكن الضوء، بل شيء أعمق، شيء يشبه الظل الذي لا يفارقه.
»»»»»»»»»
نيويورك – Webster Hall – بعد قليل
المكان لا يزال ينبض بإيقاعات موسيقى الـhouse، الحلبة في أقصى اشتعالها، والضوء الخافت يُلقي على الوجوه ظلالاً غامضة.
فتح الباب الجانبي، ودخل جان وجيمس مجدداً.
جان يتقدّم بخطى واثقة، وجهه هادئ… ببرودٍ يكاد يُخيف.
عيناه تسحب الغرفة في نظرة واحدة، حتى توقفتا عند البار.
كان أوزان واقفاً هناك، مستنداً بمرفقه، يشرب رشفة خفيفة من زجاجة ماء، شارداً للحظة.
وما إن رآهما، حتى ارتسمت على شفتيه ابتسامة خاطفة، كأن شيئاً لم يكن.
أوزان (بصوت خافت، مرح): “آهلاً… عدتما!”
توقّف جان أمامه، عينيه ثابتتان عليه.
جان (بنبرة جامدة): “أين هي؟”
يرتبك أوزان، يقطّب حاجبيه بخفّة:
أوزان: “ماذا؟”
جان (نبرة هادئة… لكنها حادّة): “محفظتك… التي أرسلتنا لنبحث عنها.”
صمت قصير.
تدور عينا أوزان إلى اليسار للحظة، يحاول أن يجد جواباً في الهواء…
ثم يربت على جيبه الأمامي بخفّة، كأنه يكتشف الحقيقة تواً:
أوزان (بلهجة مترددة): “آه… أجل… لقد كانت… في جيبي، على ما يبدو.”
يحدّق به جان، ترتفع زاوية فمه بابتسامة خفيفة… باهتة، لا تخلو من سخرية:
جان: “هممم… هكذا إذاً.”
ثم يسحب كرسياً، ويجلس بجانبه دون كلمة إضافية.
صمته كان كافياً ليغمر المسافة بينهما بالأسئلة.
أما جيمس، فقد التفت بخفة، واتجه نحو بقية الفريق عند الطاولة المرتفعة، يندمج بينهم بصوت خافت… لكنه ظلّ يرمق جان وأوزان من بعيد، كمن يراقب فتيلاً قرب شرارة.
جلس جان ببطء، مرفقاه على الطاولة، يحدّق إلى الأمام… لا إلى أوزان.
أما أوزان، فظلّ واقفاً لحظة، يتنفّس بهدوء، ثم جلس أيضاً.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 27"