فتح جان باب الشقة بهدوء، دارت المفاتيح في القفل بصوت خافت، ثم ولج إلى الداخل بخطى مترددة، كأنما يخشى أن يوقظ شيئاً نائماً في الصمت.
لم تكن الأضواء مشتعلة سوى لمبة صغيرة قرب المطبخ تنشر ضوءاً دافئاً خافتاً، يُلامس الزوايا بطمأنينة. لمح أوزان جالساً على الأريكة، مرفقاه مستندان إلى ركبتيه، ويداه مشبوكتان أمامه، كأنّه كان ينتظر طويلاً.
جان (بصوت منخفض دون أن ينظر إليه):
“ظننتُ أنّك ستبقى في المطعم حتى وقت متأخر.”
أوزان (هادئاً ):
“انهيت العمل فور مغادرتك…تأخرت ، خشيتُ ألا تعود.”
خلع جان سترته بهدوء، وعلّقها على المشجب القريب، ثم وقف متردداً، كأنّه يقاوم تياراً خفياً يجذبه نحو الصمت من جديد.
جان:
“لم أُرد الرحيل بتلك الطريقة… فقط شعرتُ بأنني أثقلتُ عليك.”
نهض أوزان من مكانه، واقترب منه بخطوة، لكنّه توقّف دون أن يمسّه، صوته لا يزال هادئاً :
أوزان:
“جان… الشيف سمح لك أن تأتي إلى المطعم متى شئت.
رفع جان رأسه بدهشة خفيفة، وبدت في عينيه ومضة مفاجأة
تكلم (بهمس):
“حقاً؟”
أوزان (مبتسماً أبتسامة خفيفة):
“نعم. لكن بشرطٍ صغير… ألا تلمس شيئاً داخل المطبخ.”
ارتسمت على وجه جان ابتسامة باهتة، لكنها لم تكن مزيّفة… ضحكة صغيرة أفلتت منه رغم التعب:
“لا أظن أن لدي طاقة كافية لأعدّ حتى كوب شاي.”
أوزان (مازحاً ):
“جيّد… لأنّك فشلت في سلق بيضة قبل أسبوع.”
جلس جان على حافة الأريكة بصمت، ثم قال بصوت متهدّج، فيه شيء من الصدق العميق:
“شكراً … أوزان.”
اقترب أوزان، وجلس إلى جواره. بقيت بينهما مسافة قصيرة، لكنها لم تكن مسافة بُعد، بل مساحة احترام لجرحٍ لم يندمل بعد.
أوزان (بصوت منخفض):
“أنا هنا، جان… حين ترغب في الحديث، أو حين تحتاج فقط إلى الصمت… أنا هنا.”
لم يرد جان… لكنّه أومأ برأسه بخفة، وكأنّ قلبه وحده هو من قال: “أنا أعلم”.
نهض أوزان من مكانه وقال بنبرة خفيفة:
“لنتناول العشاء… أنا جائع.”
جان (بهدوء): “حسناً .”
توجها معاً نحو المطبخ، رتّبا الأطباق بصمت، ثم جلسا إلى الطاولة يتناولان طعامهما في هدوءٍ يشبه المصالحة.
كان جان يحرّك الملعقة داخل طبقه بعشوائية، كأنه يفكر في شيء آخر.
أوزان (ناظراً إليه بطرف عينه، بنبرة ساخرة خفيفة):
“اطمئن… لم أجرّب وصفة جديدة هذه المرة. فقط أرز وخضار ودجاج مشوي.”
ابتسم جان بخفة، ثم قال بنبرة مترددة، لكنها صادقة:
“كنت أفكر فحسب… أعتقد أنني سمعت صوتك عندما كنت في الغيبوبة.”
توقّف أوزان عن الأكل، ورفع عينيه إليه بذهول:
أوزان (بصوت منخفض): “حقاً؟”
أومأ جان برأسه، ثم أكمل:
“وأظن أنك… طردت مارت من الغرفة.”
تمتم أوزان وهو يعيد نظره إلى طبقه:
“هذا صحيح .”
يصمت أوزان لثوان ثم يقول : هل سمعت شيئاً آخر
جان بهدوء : لا أدري ….. كل ماأذكره أني سمعت صوتك تقول مارت أخرج
يتبادلا النضرات بصمت ثم يكملا تناول طعامهما
»»»»»»»»»»»
نيويورك – حي كوينز – صباح اليوم التالي
في هدوء الصباح الباكر، وبين جدران الشقة التي بدأت تستعيد دفء الحياة، وقف أوزان قرب الثلاجة الصغيرة، وعلّق ورقةً لاصقة كُتِب عليها بخط يده:
“لا تنسَ تناول الإفطار. الجو بارد، لا تخرج دون معطفك. – أوزان.”
ابتسم بخفة وهو يلصقها، ثم التقط حقيبته، وخرج من الشقة بهدوء.
—
في الحافلة، بينما كانت المدينة تستيقظ على أصوات المحركات وأقدام المارة، أخرج أوزان هاتفه واتصل برقم محفوظٍ في ذاكرته منذ شهور.
أوزان (بصوت تغمره نبرة ارتياح خفيفة):
“صباح الخير، دكتور.”
الطبيب (بنبرة هادئة مألوفة):
“أهلاً أوزان… كيف حال جان؟”
أوزان:
“أتى إلى المطعم مساء البارحة… وتحدّث إلي. لأول مرة… تكلم عن الحادث، عن الألم، عن ما يشعر به.”
الطبيب (باهتمام واضح):
“هذه خطوة عظيمة… أن يتكلم، هذا بحد ذاته بداية التعافي.”
أوزان (بتردد خفيف):
“لكنه… طلب مني ألا أُرسله إلى أي طبيب آخر.”
سكت الطبيب لثوانٍ، ثم أجاب بنبرة جادة لكنها مطمئنة:
“لا بأس. لا حاجة لأن يشعر بالإجبار الآن. عليك أن تكتسب ثقته بالكامل أولاً.”
ثم أضاف بعد لحظة:
“في الحقيقة، أنت ستكون طبيبه، أوزان.”
تجمّد أوزان قليلاً، لم يرد فوراً .
أوزان (بصوت مرتبك):
“أنا؟ لكن… كيف؟”
الطبيب (بهدوء وبساطة):
“سأرشدك بكل ما تحتاجه. لست وحدك. ستكون صلتنا به، جسرنا الهادئ لعبور كل ما بداخله. فقط أخبرني بكل ما يقوله أو يفعله… ولا تحاول أن تسرّع شيئاً.”
أوزان (بإيماءة وإن لم تُرَ، لكن صوته حملها):
“فهمت… سأفعل.”
أغلق الاتصال، وأسند رأسه إلى نافذة الحافلة، يراقب المدينة وهي تمضي… كأنه يتهيأ لدور جديد لم يكن يتخيله، لكنه قبِله بكل ما فيه.
»»»»»»»»»»»»»
إسطنبول – منزل عائلة آصلان -الرابعة بعد الضهر
ساد المنزل سكون لطيف، لا يقطعه سوى صوت المطر الخفيف وهو يطرق زجاج النوافذ، ودقات الساعة المعلقة في الرواق.
فتح مارت باب الغرفة بهدوء، ودخل بخطى خفيفة. كانت إيليف مستلقية على جانبها، مغمضة العينين، تغطّ في نومٍ نصف عميق، ووجهها يطفح بالسكينة.
اقترب منها، وجلس عند طرف السرير، ثم مال قليلاً وهمس بصوت منخفض:
“إيليف… هل أنتِ مستيقظة؟”
فتحت عينيها ببطء، ونظرت إليه بنعاس، ثم تمتمت بصوت خافت:
“مارت… ماذا هناك؟”
ابتسم برفق، ومدّ يده يربّت على الغطاء:
“سأخرج لبعض الوقت مع أصدقائي… أردت فقط أن أتأكد أنك بخير.”
إيليف (بابتسامة هادئة):
“أنا بخير، لا تقلق. تناولت الغداء قبل قليل، وسأحاول النوم الآن.”
مارت:
“هل تشعرين بشيء؟ صداع؟ توتر؟”
إيليف (تهز رأسها بلطف):
“لا شيء… فقط بعض التعب.”
سكت للحظة، ثم نهض بهدوء، متوجهاً نحو الباب.
مارت (بصوت دافئ):
“إن احتجتِ شيئاً… اتصلي بي، حتى إن تأخّرت.”
أومأت برأسها، وهمست وهي تغمض عينيها من جديد:
“أنت دائماً ترد… حتى قبل أن أتصل.”
ابتسم، ثم أغلق الباب وراءه بهدوء.
»»»»»»»»»
نيويورك -مانهاتن-المطعم – بعد قليل
دفع أوزان باب المطبخ الخلفي ودخل بخطوات هادئة، علّق مئزره على كتفه، وتوجه مباشرة إلى طاولة التحضير. المكان يعجّ بأصوات المقالي، وضربات السكاكين، ونداءات الطلبات… لكن شيئاً في الجو قد تغيّر، وكأن المطبخ نفسه بات يتعامل مع أوزان بحذر جديد.
من جهة المغسلة، ظهر جيمس. تردد للحظة، ثم تقدّم نحوه، ملامحه هذه المرة خالية من السخرية المعتادة، بل محمّلة بشيء من الندم.
جيمس (بصوت خافت متردد):
“أوزان… هل عندك دقيقة؟”
رفع أوزان رأسه دون أن يعلّق، مكتفياً بالنظر إليه، ما شجّع الآخر على المتابعة.
جيمس (متنفساً بعمق):
“أنا آسف… على ما قلت البارحة . لم يكن يحق لي التدخل… ولا السخرية.”
لم يردّ أوزان فوراً، بل عاد ببطء لتقطيع الخضار، ثم قال دون أن ينظر إليه:
“لا أعذُر وقاحة… لكنها لا تفاجئني. ما فاجأني فقط… أنك أخيراً اعتذرت.”
أطرق جيمس برأسه، ثم تمتم بصوت أخفض:
“لم أكن أعلم أن الوضع هكذا… ولم أتوقع أن تكون شخصاً قادراً على ترك كل شيء من أجل صديق.”
توقف أوزان عن التقطيع، وضع السكين جانباً، ثم رفع عينيه ونظر إليه بثبات:
أوزان (بهدوء):
“ما تركت شيئاً… أنا فقط بقيت حيث يجب أن أكون.”
لم يعرف جيمس ماذا يقول، فاكتفى بإيماءة خفيفة وانسحب بصمت، لكن في عينيه… شيء جديد، شيء يشبه الاحترام.
أما أوزان، فتنفس ببطء، ثم أمسك السكين مجدداً، وعاد إلى عمله، كأن شيئاً صغيراً استقام في هذا الصباح
»»»»»»»»»»
إسطنبول – منزل شاغلا – الخامسة بعد الضهر
رائحة القهوة تعبق في المكان، والموسيقى تنساب بهدوء من مكبّر صغير على الرف.
كانت شاغلا تقف في المطبخ، ترتّب فناجين القهوة ببطء.
جلس إيرهان على الأريكة، يتظاهر بالهدوء، لكنه لا يكفّ عن النظر إلى الباب كل دقيقة.
حين دقّ الجرس، لم تتحرّك شاغلا فوراً، كأنها احتاجت لحظة كي تستوعب أن الصوت حقيقي.
فتحت الباب.
مارت كان واقفاً أمامها، ملامحه متعبة، معطفه مبلّل بعض الشيء من المطر، لكنّه لم يقل شيئاً سوى:
مارت (بصوت خافت)
مرحباً”.”
لم تُجب. تنحّت جانباً ليعبر، دون ابتسامة، دون ترحيب.
دخل بخطى حذرة، كأنّه يخطو فوق ذكريات لا يعرف كيف يتجنّبها. جلس على طرف الأريكة بصمت، بينما ظلّت شاغلا واقفة عند المطبخ.
إيرهان (بصوت بارد):
“ستة أشهر، مارت. لا رسالة، لا اتصال، حتى الجامعة لم تطأها قدمك.”
شاغلا (بهدوء حاد):
“كنا نظن أنك سافرت… أو وقعت في كارثة.”
مارت (ينظر إلى الأرض):
“كأنني فعلت… دون أن أغادر.”
إيرهان:
“كنا أصدقاء، مارت. كيف استطعت أن تنقطع هكذا؟”
مارت:
“لم أقصد. أقسم أنني لم أقصد. فقط… لم أكن قادراً على مواجهة أي شيء.”
شاغلا (تضع الفناجين بصوت خافت، دون أن تنظر إليه):
“نحن لسنا (أي شيء)… نحن كنّا أقرب الناس إليك. أو هكذا ظننا.”
مارت:
أنتم ما زلتم كذلك… أنا فقط… كنت تائهاً.”
إيرهان (بغضب مكبوت):
“كلنا نتعب، كلنا نضيع أحياناً . لكن لا أحد يختفي ستة أشهر وكأن من حوله لا وجود لهم.”
مارت (بنبرة نادمة):
“أعرف… أنا آسف. آسف على الألم، على التجاهل، على كل شيء.”
شاغلا (بصوت أكثر ليونة، لكنها لا تزال مجروحة):
“كان بإمكانك فقط أن تقول: (أنا لست بخير). لم نكن لنطلب أكثر.”
ساد صمت عاطفي ثقيل، يتخلّله صوت المطر خلف النوافذ.
ثم، وبهدوء، جلست شاغلا على الكرسي المقابل له، وتنفّست بعمق:
شاغلا:
“هل عدت الآن؟ أم أن هذه زيارة مؤقتة أخرى؟”
نظر إليها، إلى عينيها التي كانت يوماً ملاذه، وقال بصوت صادق:
مارت:
“لا أعلم… لكنني أشتاق لكل شيء فقدته.”
أومأ إيرهان ببطء، ثم مدّ يده نحو فنجان القهوة:
إيرهان (بابتسامة باهتة):
“حسناً … فلنبدأ بالحديث. ستة أشهر تستحق أكثر من عتاب.”
»»»»»»
نيويورك – مانهاتن -المطعم – بعد ساعة
دفع جان باب المطبخ الخلفي للمطعم بخطى مترددة، صامتاً كمن يخشى أن يوقظ شيئاً دفيناً بداخله.
في الداخل، كان الطاقم يعمل بحيوية معتادة؛ أصوات ضربات السكاكين على الألواح الخشبية، وصوت غليان الأوعية على المواقد، ونداءات الطلبات المنبعثة من خلف الحاجز.
لكن وسط هذا الصخب المنظم، جلس جان بهدوء قرب طاولة التحضير، حيث تجمّع الضوء الخافت من النافذة.
رفع أوزان رأسه وابتسم له ابتسامة ناعمة، قبل أن يصنع له كوباً من الشاي، ويضعه أمامه بهدوء.
قبض جان على الكوب بيديه وأخذ رشفة بطيئة، بينما استمر حوله صخب المطبخ المعتاد، لكن بدا وكأن الزمن قد تباطأ في هذه الزاوية الصغيرة.
ظلا صامتين، لكن ذلك الصمت كان أكثر صدقاً وعمقاً من أي حديث.
كسر أوزان الصمت بهدوء، متجنباً إحراجاً أو ضغطاً:
“هل أتيت بسيارة أجرة أم مشيت؟”
رفع جان عينيه، والتقى بنظره، ثم أجاب بصوت منخفض لكنه واضح:
“مشيت.”
ابتسم أوزان ابتسامة خفيفة، وكأنّه يثني على قوة جان أو يحترم إرادته، لكنه لم يتابع الحديث.
ظلّا في هدوء، والشغف بالحياة ينساب بصمت بين حركات المطبخ المحمومة.
»»»»»»»»
إسطنبول – منزل شاغلا – مساءاً
كانت أضواء الغرفة خافتة، والجو مشحوناً بأحاديث خفيفة متقطعة بين مارت وإيرهان وشاغلا. جلس الثلاثة في غرفة الجلوس، والكؤوس نصف ممتلئة، والقهوة تفوح من الفناجين.
تبادلت النظرات بينهم، وكأن كل واحد يحمل ثقلاً من الأعباء التي لم تُقال.
فجأة، رنّ هاتف مارت، فأخرج هاتفه ونظر إلى الشاشة بتردد.
قال بهدوء:
“عليّ أن أردّ.”
قام واقفاً متجهاً إلى الشرفة، حيث ملأ الهواء البارد المكان.
ضغط زر الرد، ثم قال بصوت منخفض:
“نعم، جدي… لا أسمعك جيداً… لحظة.”
فتح مكبر الصوت، وقال بحزم:
“نعم، جدي.”
خرج صوت الجد صارماً، وحازماً من الهاتف:
“أيليف ليست بخير… كيف تترك زوجتك الحامل مريضة وتخرج؟ أهذا وقت اللهو؟”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 22"