كانت إيليف تقف أمام النافذة، أناملها المرتجفة تستقر على بطنها، كأنها تحاول احتضان الطفل الذي لم يولد بعد… أو احتضان ذاتها التي تشقّقت.
خلفها، على الجدار، كان فستان الزفاف الأبيض معلقاً في صمتٍ قاسٍ، يتمايل مع الهواء الخفيف المتسلّل من النافذة، كأنه يرقص بسخرية على أنغام قلبها المنكسر.
ضغطت شفتيها، تحاول منع دموعها من السقوط، لكنها خانتها… كما خانها القدر، و خانها الجد، و خانها اليوم الذي حلمت به طويلاً.
إيليف (بهمس مرتجف) :
“ليته كان هو… فقط هو.”
لكن لا أحد يصعد لِينقذها من هذا الزواج، ولا أحد يهمس: “توقّفي.”
فهي الآن… عروس، بلا فرح، و عريسها… ليس مَن وعدها ذات مساءٍ في الجبل
في الخارج، كان كل شيء مختلفاً.
الموسيقى تنساب من السماعات الأنيقة في حديقة المنزل، أصوات التهاني، الضحكات، كؤوس ترتطم بخفة، وكأنها تحتفل بزفافٍ حقيقي… وليس زواجاً طارئاً و ملغوماً بالخوف.
الجميع يبتسم… إلّا مارت.
كان يقف عند حافة الحديقة، بعيداً عن مركز التجمع، نظراته معلّقة على الأرض، و كتفاه مثقلتان بثقل لم يره أحد.
اقترب منه ساردار، بثوبه الرسمي ونظرته القلقة، ثم وقف بجانبه بصمت للحظة، قبل أن ينطق بصوتٍ خافت
ساردار : “مارت… هل هذا وقت زفاف؟ أخوك ما زال مفقوداً… ولا أحد يعرف إن كان حياً أو ميتاً.”
لم يلتفت مارت إليه، فقط نظر بعيداً، كأنه يبحث في الأفق عن وجه أخيه، ثم أجاب بصوت هادئ، لكنه يحمل قسوة غريبة
مارت : “أحياناً… علينا أن نُخفي فوضانا بابتسامة، حتى لا يلتهمنا الجميع.”
حدّق فيه ساردار بدهشة، ثم تمتم بقلق :
“أهذا أنت؟ لم تعد تشبه نفسك.”
هنا التفت إليه مارت أخيراً، نظره بارد، عينيه مرهقتان :
“لم أعد أثق بأحد، يا ساردار… لا أحد.”
ثم تركه واقفًا، ومضى نحو البيت، تاركًا خلفه صديقه القديم، والغموض الذي أصبح يحيط بكل قراراته.
صعد مارت الدرج دون أن يلتفت، كأنه لا يسمع الضحكات القادمة من الأسفل، ولا يرى الزينة المعلقة على الجدران، ولا يشعر بثقل الفستان الأبيض المعلّق خلف باب الغرفة التي كان يقصدها.
وقف أمام باب غرفة إيليف للحظة، ثم طرق بخفة، ودون انتظار إذن… فتح الباب ودخل.
كانت إيليف لا تزال واقفة قرب النافذة، ظهرها للفستان، و كتفيها منحنيين كمن يحمل جبلاً صغيراً فوق صدره.
مارت (بصوت خافت) : “إيليف…”
لم تلتفت، لكن ملامحها ارتجفت حين سمعت صوته. اقترب منها، ببطء، حتى وقف إلى جانبها، نظرة عينيه كانت أهدأ من قبل، لكنها ما زالت غارقة بالتعب.
مارت : “لا تخافي… وعدي ما زال قائماً.”
نظرت إليه بصمت، قبل أن تهمس بتردد
إيليف “وعدك؟”
:أومأ، ثم تابع بصوت منخفض
مارت : “لن يُنشر شيء… لا صور، لا أخبار. لا أحد سيعلم بهذا الزواج، لا أحد… حتى جان.”
اهتزّت شفتاها، و أخفضت نظرها نحو بطنها. سألته، كمن يريد أن يصدّق
إيليف : “هل ستبقى الأمور تحت السيطرة؟ ماذا لو عرف؟ ماذا لو سمع من أحد؟ أو صدّق كذبة جديدة؟”
تنهد مارت، ثم أمسك بكفها بلطف :
“جان لا يحتمل خيانة أخرى. إن كان ثمّة شيء نحافظ عليه الآن… فهو صمته عن الألم، حتى يجد طريقه بنفسه.”
سكت لحظة، ثم أضاف بنبرة أهدأ :
“ارتدي الفستان، إيليف… دعينا ننهي هذه المسرحية دون خسائر إضافية.”
ارتجفت عيناها، لكنها لم تجب. فقط نظرت إليه نظرة ممتلئة بالخذلان، والخوف، وشكر خافت لا يُقال.
تراجع مارت، وخرج بهدوء، مغلقاً الباب خلفه بهدوء.
وفي الخارج… كانت الأضواء تلمع، والجد يستعد ليُعلن انتصاره، بينما في الداخل، كان اثنان يتهجّيان الكذب حرفاً حرفاً… من أجل شخصٍ لا يعرف الحقيقة بعد.
»»»»»»»»»»»»
غرفة الجلوس – منزل والدي جان- مساءاً
جان جالس على الأريكة، ساقه المكسورة مستندة على وسادة، والهدوء يخيّم على المكان كَستارٍ ثقيل. إلى جانبه كوب شاي فارغ، وعلى الطاولة أمامه علبة دواء مفتوحة… فارغة تماماً.
دخل أوزان من المطبخ، يحمل هاتفه بيده وملامحه متجهمة. ألقى نظرة سريعة على العلبة، ثم قال بنبرة قلقة
أوزان : “انتهى الدواء… ولا توجد خدمة توصيل متاحة في هذا الوقت.”
رفع جان رأسه ببطء، تقاطع نظره مع صديقه، ثم قال دون مبالاة ظاهرة جان : “لا بأس… أستطيع الانتظار حتى الغد.”
أقترب أوزان منه، وقف أمامه للحظة، ثم قال بجدية :
“لا، لا يمكنك. هذا النوع من الدواء يجب أن يؤخذ بانتظام… سأخرج لأحضره من الصيدلية بنفسي.”
جان (بصوت منخفض) : “أوزان، لا داعي لأن تقلق هكذا… لن يحدث شيء إن تأخّرت الجرعة قليلاً.”
أوزان (بحزم، لكنه بلطف) : “لن أرتاح إن لم أُحضره. سأذهب وأعود بسرعة، وعد. فقط… لا تحاول أن تنهض أو تفعل أي شيء وحدك، مفهوم؟”
جان (بصوت خافت، هادئ) “اذهب، يا أوزان. أنا بخير، لست طفلاً.”
اقترب أوزان منه خطوة، لم يكن مرتاحاً للفكرة، نظر إلى ساق جان، ثم إلى عينيه : “أعلم أنّك بخير… لكنك لا تزال تتعافى. وإن حدث طارئ؟ أو احتجت شيئاً؟”
جان (بنبرة مطمئنة، مائلة للسخرية الخفيفة) : “إن احترق المنزل، سأزحف نحو الباب. لا تقلق، لن أموت قبل عودتك.”
ضحك أوزان بخفة، لكنها ضحكة قصيرة، مثقلة بالهمّ. ثم مال قليلاً، وضع سترته على كتفه، وقال
تنهّد أوزان، وخرج دون أن يضيف شيئاً. وما إن أغلق الباب خلفه، حتى خيّم على الغرفة صمت ثقيل، ولم يبقَ فيها سوى جان… وذكرياته.
“تنهّد جان، وأسند رأسه إلى ظهر الأريكة، يراقب انعكاس صورته على زجاج النافذة المقابلة. كم تغير… وكم لم يتغير شيء.”
»»»»»»»»»»»»
حديقة منزل الجد – مساءً
كانت الحديقة مزينة كأنها لوحة معلّقة بين الخيال والحقيقة… أضواء دافئة تنساب من بين الأشجار، موسيقى كلاسيكية ناعمة تعزف خلف ضجيجٍ خافت من الحضور، الكراسي البيضاء مصطفة بنظام، والزهور البيضاء تملأ المكان… كأنها جنازة في هيئة حفل.
في المقدمة، جلس المأذون الرسمي خلف طاولة خشبية أنيقة، أمامه ملف الأوراق ودفتر الزواج المفتوح.
إلى جانبه وقف مارت ، أنيقاً ببدلة داكنة لا تشبه المناسبات السعيدة، ووجهه خالٍ من أي ملامح… صامت، صلب، كما لو كان يؤدي واجباً لا أكثر. وعلى الطرف الآخر… جلست إيليف، عروس بلا بهجة، عيناها لا تجرؤان على النظر إلى أحد، يدها ترتجف بِخفّة، وفستانها الأبيض يتمايل مع النسيم كأنّه يسخر من بياضه وسط العتمة.
كان الجد جالساً في الصف الأول، يراقب عن كثب، يُمسك هاتفه المحمول ببطء، يضبط زاوية الكاميرا… كان قلبه مع الحدث، لكن عينه على اللحظة التي أراد توثيقها.
أشار المأذون بيده، و عمّ الصمت… ثم بدأ بصوته الرسمي
المأذون : “الآنسة إيليف بنت ناظم… بموجب التوكيل القانوني المخوّل لي من المحكمة الشرعية، أسألك هل تقبلين الزواج من السيد مارت بن ماهر، على الصداق المُسمّى بينكما؟”
حبست إيليف أنفاسها، أغمضت عينيها للحظة، وكأنها تحاول أن تبتلع كل ما لم يُقال… ثم فتحت عينيها ببطء، و نطقت بصوت بالكاد يسمع، لكنه حمل وزناً ثقيلاً
إيليف (بهمس شجاع) : “… أقبل.”
وفي اللحظة نفسها، ضغط الجد على زر التسجيل في هاتفه… الكاميرا الصغيرة التقطت وجهها المتوتر، فستانها، نظرتها نحو الأرض… ثم تحرّكت العدسة ببطء نحو مارت.
المأذون : “والآن، السيد مارت بن ماهر… هل تقبل الزواج من الآنسة إيليف بنت ناظم، على ما تم الاتفاق عليه؟”
أجاب مارت دون تردّد، بصوت هادئ، كمن يُسلّم نفسه لمصير لا فكاك منه
:مارت “أقبل.”
أنهى الجد التسجيل دون أن يبتسم، وضع الهاتف في جيبه بهدوء… كمن يحتفظ بسلاح مؤجل.
بدأ التصفيق الخافت في الخلفية، رتيباً، باهتاً… لا فرح فيه. ضحكات خفيفة اصطناعية صدرت من بعض الأقارب، وتبادلوا التهاني الصامتة.
انسحب الجد بهدوء إلى الزاوية، حيث جلس على المقعد الحجري تحت شجرة الزيزفون القديمة.
أخرج هاتفه من جيب سترته بعناية، وعيناه ما زالتا تحدّقان في الشاشة… فتح تطبيق الرسائل، وبدأ يكتب، أنامله تتحرك ببطء، كأنها تزن كل كلمة بحذر.
الرسالة :
> **”إلى بنيّ، ماهر… تمنّيت لو كنت على قيد الحياة، لتشهد هذا اليوم… زواج ولدك، مارت.
نعم، لقد كبر… واتّخذ قراره. كما كنتَ تتمنى دوماً.
هذا الفيديو… هدية لك، من حيث لا تكون.”**
أرفق الجد الفيديو القصير الذي صوّره للحظة قبول الزواج، توقف لحظة، ينظر إلى الاسم أعلى المحادثة: “ولدي ماهر .”
ضغط على زر الإرسال.
وقف هناك، صامتاً، يراقب إشعار “جارٍ الإرسال…” كأنّه يرسل الكلام عبر الزمن، أو لعلّه يرسل اللقطة لشخصٍ آخر لا يزال يسمع، يرى… وربما يحكم.
أعاد الهاتف إلى جيبه، أغمض عينيه لوهلة، تنفّس بعمق، ثم نهض وعاد إلى الحفل بابتسامة صغيرة.
»»»»»»
منزل والدي جان
جلس جان على الأريكة، ساقه المكسورة تستند على وسادة، وعيناه تحدقان في الفراغ بلا حياة. فجأة، صدر صوت تنبيه خفيف من هاتفه. التفت ببطء نحو الشاشة، ليجد رسالة جديدة من رقم جده، مرفقاً معها فيديو.
فتح جان الرسالة بيد مرتجفة، وقرأ النص الذي أرسله الجد
> **”إلى بنيّ، ماهر… تمنّيت لو كنت على قيد الحياة، لتشهد هذا اليوم… زواج ولدك، مارت.
نعم، لقد كبر… واتّخذ قراره. كما كنت تتمنى دوماً.
هذا الفيديو… هدية لك، من حيث لا تكون.”**
ضغط على الفيديو، فتتابعت المشاهد أمام عينيه
الحديقة مزينة بألوان الفرح، والكاميرا تقترب من المأذون الذي يوجه السؤال بصوت واضح : “والآن، السيد مارت بن ماهر… هل تقبل الزواج من الآنسة إيليف بنت ناظم، على ما تم الاتفاق عليه؟”
أجاب مارت دون تردد، بصوت هادئ كمن يستسلم لمصير لا مهرب منه : “أقبل.”
توقف الفيديو عند هذه اللحظة، ونظرات جان محاصرة بين الصدمة والذهول.
أسقط الهاتف على ركبتيه، ويداه ترتجفان، وعيناه تتسعان و كأنهما تحاولان استيعاب ما رأته للتو.
همس بصوت متهدم :
“مارت… وإيليف…”
أعاد تشغيل الفيديو، وتكرر المشهد، وكأن الزمن توقف بينهما، و كأنهما تنازلا عن شيء أثقل من الفرح.
أسند ظهره إلى الأريكة، وغطى وجهه بكفيه المرتجفين، ثم قال بصوت يكسوه الألم : “لقد خاناني… كلاهما.”
ظل الفيديو يعيد نفسه مرة تلو الأخرى.
نهض جان من مكانه بصعوبة، متكئاً على العكاز رغم ألمه الجسدي، لكن ألم قلبه كان أشد دخل الحمام و أغلق الباب خلفه، فتح صنبور الماء، وبدأ يغسل وجهه بيده الحرة وكأنه يحاول غسل الصدمة بعيداً عنه
مرت دقائق ولايوجد صوت في المنزل سوى صدى الفيديو يتكرر مرة تلو الاخرى
فتح أوزان الباب بهدوء، ودخل وهو يحمل كيس الدواء في يده.
أوزان (بصوت عالٍ وهو يغلق الباب خلفه) : “جان، عدت… أحضرت الدواء.”
لكن لم يصله أي جواب.
خلع سترته بخفة، واتجه نحو غرفة الجلوس، ثم توقف فجأة.
كان الهاتف على الطاولة، شاشته لا تزال مضاءة، وصوت الفيديو يُعاد مراراً وتكرارا ً، بنفس الجملة : > “هل تقبل الزواج من الآنسة إيليف بنت ناظم؟” “أقبل.”
تجمّدت ملامح أوزان، عيناه ثبتتا على الشاشة، وكأن الكلمات صفعته بقوة.
اقترب ببطء، التقط الهاتف، شاهد الفيديو من بدايته… ثم ضغط عليه من جديد. هذه المرّة كان المشهد أوضح، مأذون، ضحكات خافتة، فستان أبيض، ومارت.
همس أوزان لنفسه، مصدوماً
“لا… هذا مستحيل…”
جلس للحظة، أنفاسه تتسارع، يحاول أن يفهم… أن يُكذّب عينيه، لكن ملامح مارت كانت واضحة، صوته لا لبس فيه. همس لنفسه : “مارت …ايها الحقير ….كنت قد صدقت انك ضحية جدك “
نهض بسرعة، رمى الهاتف على الأريكة، وركض باتجاه الحمّام، صوته ينادي بقلق : “جان؟ جان، أين أنت؟!”
وصل إلى الباب، طرقه بعنف، قلبه يخفق في صدره :
“جان! افتح الباب! جان، أجبني!”
لا صوت.
طرق مرة أخرى، بقوة أكبر، ثم تراجع خطوة… و ركله بكتفه.
انفتح الباب بصوت حاد.
عينا أوزان أتسعتا ، وجسده تجمّد في مكانه.
رأى جان جالساً على الأرض، قرب الحوض، يده المصابة تنزف، والماء لا يزال يتدفق في الحوض دون توقف. عيناه مُغمضتان ، رأسه مائل قليلاً إلى الجنب، والدم يختلط بالماء.
“يا إلهي، جان!”
أسرع أوزان نحوه، جثا إلى جانبه، أمسك بكتفه و هزّه بخوف
“جان! أجبني!… ماذا فعلت؟!”
فتح جان عينيه ببطء، كأنّهما غارقتان في ضباب كثيف.
همس بصوت بالكاد يُسمع :
“أوزان… لقد انتهى…. كلّ شيء.”
»»»»»»
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 17"