دخل مارت غرفته متعباً ، أنفاسه ثقيلة بعد يوم طويل قضاه في البحث بين الشوارع والمناطق والمستشفيات… دون أثر، دون حتى خيطٍ صغير يقوده إلى أخيه.
لكنه ما إن فتح الباب حتى تفاجأ بوجود إيليف، تجلس على حافة سريره، وجهها شاحب، وعيناها محمرتان من البكاء.
اعتلاه الغضب فوراً :
” ماذا تفعلين هنا؟!… أخرجي، حالاً!”
رفعت إيليف عينيها إليه ببطء، وتكلمت بصوت خافت :
“مارت… أرجوك، دعنا نتحدث.”
اشتدّت نظراته، نبرة صوته انكسرت بين الغضب و الحزن :
“نتحدث؟! عن ماذا؟!
عن كيف ساعدتِ جدي على الانتقام من جان؟!
عن كيف وافقتِ على الخطبة، وأنتِ تعلمين… تعلمين جيداً كم أحبّك جان؟!”
ارتجفت شفتا إيليف، لكنها لم تستطع الرد
تابع هو، يتقدم خطوة نحوها، عينيه تلمعان بالألم كأنه يوجه الكلام لنفسه لا لها :
“كيف…؟ كيف استطعتِ أن تطعنيه بهذه الطريقة؟!
ألم يكن يكفيه ما هو فيه؟!
أم أنكِ كنتِ خنجراً في يد جدي، لطعنه في أضعف لحظاته؟!”
أخفضت إيليف عينيها إلى الأرض، ودمعة سقطت على يديها المرتجفتين
لكن مارت لم ينتظر رداً… كان كل ما فيه يصرخ نيابة عن أخيه الغائب.
مارت كان على وشك أن يغادر، لكن صوت إيليف المكسور أوقفه.
إيليف (بصوت باكٍ، متقطع) :
“لم أكن أعلم… أقسم لك، لم أكن أعلم.”
استدار إليها ببطء، وعيناه مشتعلة بالغضب.
إيليف تابعت، ودموعها تنزل بصمت :
“جان… كان قد وعدني أنه سيتقدّم لي خلال يومين.
قال إنه سيتحدث مع جدي، ويصلح كل شيء.”
صدم مارت ، وكأن شيئاً داخله انكسر من جديد.
أكملت :
“وعندما أتى جدي… أنا اعتقدت أن جان هو من أرسله، أنه أخيراً أقنعه.
وافقت… وأنا أبتسم.
كنت أعتقد أنني… أتمّم وعد جان لي.”
عيناها ترجوان فهمه :
“جدي لم يقل ‘مارت’… مارت… لم يذكر اسمك أبداً.
قال فقط: (خطبة إيليف لحفيدي )….”
صمتت للحظة، ثم هزّت رأسها بِيأس :
“أنا مثل جان… صُدمت عندما قال جدي (خطبة إيليف ومارت).
وقتها فقط… فهمت أنني خُدعت… .”
جلس مارت بجوارها ببطء، كأن كل صراخه قد تبخر فجأة، لم يبقَ سوى التعب، وانكسار الرجاء في صوته
:
“لا فائدة يا إيليف…
جان اختفى…
وجدي… جدي حقق مراده.”
صوتها خرج أضعف، متهالكاً:
“مارت… يجب أن تجده…
أنا في ورطة…
أنا… “
صمتت قليلاً ثم اكملت بتردد :
“انا حامل..”
اتّسعت عينا مارت، وصدره ارتجف، لكنه لم ينبس بكلمة. فقط حدّق بها، وكأن العالم توقف.
همس أخيراً، بصوت كسر الصمت :
“حامل؟”
أومأت برأسها، ودموعها تنهمر بلا صوت، بينما تهمس
“من جان…
وقبل أن يختفي… كنا قد…”
، نهض من مكانه، وبدأ يمشي في الغرفة كمن فقد اتزانه،
ثم وقف، وأدار وجهه نحوها
“أنتِ تدركين ما يعنيه هذا؟
جان لا يعرف…
وأنتِ لم تُخبريه !”
صمت، ثم أكمل بصوتٍ مهتز :
“كان يعتقد أن كل شيء ضده… والآن؟ هذا الطفل… قد يكون الشيء الوحيد القادر على إنقاذه من نفسه.”
تمتمت، وصوتها بالكاد يسمع، لكنه اخترق صدره كَطعنة
“يجب أن تجده، مارت… قبل أن يعلم أحد…”
رفع رأسه نحوها، صوته ما زال غرقاً في الذهول
“ماذا تعنين؟”
تنفّست بعمق، وكأنها تحارب خوفها، ثم قالت بصوت مختنق
“إن عرفوا ما بيني وبين جان…
إن فهموا أن الطفل… منه…
قد يجبرونني على الإجهاض، مارت.”
، كأن شيئاً ضخماً أنهار في صدره. مشى خطوتين إلى الخلف، غير مُصدّق، ثم قال بصوت مشحون
:
“تتحدثين عن حياتين الآن، إيليف… جان، وهذا الطفل…”
أغمض عينيه للحظة، ثم فَتحهما، وفي عينيه شرارة قرار
“لن أسمح لأحد أن يؤذيهُما…
سَأجِد جان.
أقسم لكِ، سَأجده، مهما كلفني الأمر.”
ارتجفت شفتا إيليف، وبكت بهدوء، للمرة الأولى منذ دخولها، شعرت بشيء يشبه الطمأنينة… ولو لوهلة.
»»»»»
بعد بضعة أيام في منزل والدي جان في حي بيبك
الضوء البرتقالي الخافت لِلمصباحِ يتسلل بهدوء إلى أركان الغرفة، وصوت التلفاز يملأ الخلفية بِصخبٍ خافت.
جان متمدداً على الكنبة منذ ساعات، لكن هذه المرة، حرّك جسده قليلاً… حاول النهوض مستنداً بذراعه على حافة الكنبة، أنفاسه متثاقلة، ووجهه يعكس خليطاً من الإصرار والتعب.
خطوات أوزان اقتربت من المطبخ. كان يحمل كوبين من الشاي، يتصاعد منهما البخار بهدوء.
توقف عند مدخل الغرفة، ورفع حاجبه مبتسماً
“تلفاز وجان يحاول الجلوس… المعجزة بدأت.”
لم يرد جان. عيناه كانتا معلقتين على قدمه الملفوفة بِالجبيرة، نظرة طويلة لا تخلو من الإحباط.
جلس أوزان بالقرب منه، وضع الكوب على الطاولة، ثم ناولَه الآخر بلطف
:
“هَيّا… شاي بطعم النعناع. لن يشفيك، لكن على الأقل سَيمنحُك وهماً بالهدوء.”
تناول جان الكوب ببطء، قال بصوت منخفض :
“كلما حاولت الحركة… تَذكّرتُ كم جسدي خائن.”
أوزان أطلق تنهيدة طويلة
“ليس خائناً… ولكن مرهق. مثلك تماماً.”
صمت جان، ثم سأل وهو لا يزال يحدق في قدمه
“هل سَأمشِي مجدداً؟”
رد أوزان دون تردد :
“نعم. و سَتركض و تركض… و تغضب و تصرخ، و تتهور كعادتك.”
ابتسم جان بخفة، لكنه لم يرفع عينيه، فقط همس :
“أتمنى.”
»»»»»»
.”وقف مارت متكئاً على الطاولة، يحدق في الأرض وكأنها تحمل كل همومه. كأنه يحاول استجماع قواه، لكنه يشعر بثقل لا يُطاقْ يضغط على صدره. صوته منخفض، لكنه يخفي وراءه عاصفة من الألم والحيرة
:
“أنا لا زلت أبحث عنه… لكن الوقت يمر، والفرصة تتلاشى بين أصابعي كَرمادٍ يتناثر في الريح.”
أغمض عينيه للحظة، يتنفس ببطء، ثم رفع نظره ببطء نحو إيليف التي كانت تجلس على الكرسي. عيناها تحملان مزيجاً من الخوف والقلق، وفيهما وهج ضعيف من الأمل والخجل
همست إيليف بصوت متردد، كأنها تكتم سرّاً مميتاً :
“مارت… لا يمكن أن أخفي حملي أكثر ….سيكتشفون الأمر .”
.
أغمض عينيه ثانية، وراح قلبه يتصارع بين الواجب والقلق والخوف من المستقبل.
بصوت هادئ لكنه متردد، قال :
“الزواج… على الورق فقط. لا أكثر.”
نظر إلى عينيها، صراع واضح في بريق عينيها، بين القبول والخوف من تبعات هذا القرار.
أكمل مارت بصوت أخف، كأنه يتحدث مع نفسه أكثر منه معها
“هذه هي الطريقة الوحيدة التي قد تحمينا… تحمي جان، تحميك، وتحمي هذا الطفل من عيونهم.”
توقفت إيليف عن الكلام، نظرتها تغرق في بحر من المشاعر المتناقضة: الأمل، الخوف، الإحباط، والامتنان.
دموعها تترقرق ببطء على وجنتيها، لكنها رفعت رأسها لتلتقي بنظرة مارت، وكأنها تقول له: أنا أضع مصيري في يديك.
ابتسم مارت ابتسامة حزينة، يحمل بين طياتها عبء الكفاح القادم :
” سَنفعلها. بسرعة… لأن الوقت ليس في صفنا سَأكلم جدي الآن .”
ثم غادر الغرفة متوجهاً الى مكتب جده
وقف مارت أمام باب المكتب، يثقل قلبه بقرار لم يكن سهلاً عليه. رفع يده بتردد، طرق برفق، ثم دفع الباب ببطء.
نظرت إليه عينا الجد بِحيرةٍ و صمتٍ يحمل مئات الأسئلة التي لم تُقال.
قال الجد بصوت هادئ لكنه مملوء بالانتظار :
“مارت… هل قررت أخيراً أن تتكلم معي؟”
تقدم مارت نحو الداخل، وجلس مقابل الجد، عيناه تحملان ثقل معركة داخلية.
تنفس بعمق، و أجاب بصوت منخفض لكنه حازم :
“جدي، أنا وإيليف… سَنتزوج. أنا موافق على ما طلبته.”
ارتسمت على وجه الجد ابتسامة غير واضحة المعالم، كأنها مزيج من الدهشة والرضا.
قال الجد بِتشككٍ واضح :
“هل أنت متأكد يا مارت؟ ما الذي دفعك لتغيير رأيك بهذه السرعة؟”
لم يستطع مارت أن يواجه الحقيقة، فاختار طريق الكذب :
“لقد أدركت أخيراً أنك كنت على حق… جان يستحق الانتقام.”
لاحظ الجد الصدق المختلط بالكذب في صوته، لكنه لم يرد، فقط ابتسم ابتسامة نصف رضى وقال
:
“أخيراً وصلت إلى هذا الإدراك.”
جلس مارت منتصباً، كأنه يضع شرطاً على بداية تحالفه مع الجد :
“لكن لا أريد أي ضجيج، جدي. لا حفلات، لا صحافة، ولا حضور لأحد خارج العائلة. هذا هو الشرط الوحيد الذي أطلبه.”
ظل الجد صامتاً للحظات، كأنه يفكر في مدى جدية القرار
ثم أومأ برأسه، وقال بثقة :
“حسناً، كما تريد.”
التقيا نظراتهما، يحمل كل منهما نذراً غير معلن لما سيحدث
»»»»»›»»»»»»»»»
منزل والدي جان – حي بيبك – منتصف الليل
ساد سكون ثقيل أرجاء المنزل، لا يُسمعْ فيه سوى خرير الماء المنساب من صنبور المطبخ، حيث وقف أوزان يغسل الصحون بصمت.
و في غرفة المعيشة، بقي جان متمدّداً على الأريكة منذ ساعات، عيناه شاخصتان إلى السقف، وملامحه ساكنة كَسكون الجدران من حوله.
ثم، فجأة، تحرك.
أزاح الغطاء عن جسده، وأدار رأسه نحو العُكاز المستند إلى الجدار.
تردد للحظة، ثم مَدَّ يده إليه بِتأنٍ، و كأنّه يتلمّسُ ثقله النفسي أكثر من وزنه المادي.
أسند كَفّه على حافة الكنبة، وجعل من تَنهيدته إعلاناً داخلياً للتحدي.
ثم نهض.
كانت الحركة بطيئة، ثقيلة، لكنها صادقة…
كل خلية فيه قاومت، لكنه وقف.
وبِالعكاز، تقدّم خطوة… ثم أخرى، حتى بلغ باب الشرفة.
فتحه بهدوء، و انساب نسيم الليل البارد على وجهه، فأرتجف قليلاً… ثم جلس.
استقر على المقعد الحديدي، وأسند العكاز إلى الجدار المجاور، قبل أن يَمدّ يده إلى جيب سترته، ويخرج منه قلادة صغيرة بنصف قلب معدني.
ظَلّ يُحدّق بها طويلاً، يقلبها بين أصابعه المُرتجفة.
جان (بهمس داخلي):
“أكنت مخطئاً؟
هل كانت خدعة أخرى من الجد؟
أم… هل اتفقا عليّ؟
مارت… إيليف…
هل هما الآن ضدي؟ أم ضحية مثلي؟
هل فقدتُ ثقتي بهم، أم فقدتُ ثقتي في نفسي؟”
شدّ على القلادة بقوة، حتى كاد الخيط ينقطع بين يديه.
لم يكن يعلم إن كان ما يعيشه كابوساً طويلاً، أم حقيقة تشبه الكابوس.
وفجأة، قطع صوت من الداخل خيط أفكاره
أوزان (من المطبخ، ينادي بصوت مرتفع قليلاً) :
“جان؟! أين ذهبت؟”
رفع جان صوته قليلاً، دون أن يُغيّرَ من جلسته :
“أنا هنا… في الشرفة.”
ساد ص
مت قصير، تلاه وقع خطوات مسرعة.
ثم فُتحَ باب الشرفة بسرعة، وظهر أوزان، تتراقص المفاجأة في عينيه.
أوزان (بدهشة ممزوجة بالفرح) :
“أحقاً نهضت؟ وحدك؟!”
أومأ جان برأسه، وصدره يعلو ويهبط بهدوء ثقيل ثم .
أبقى نظره معلقاً بالنجوم
وفي يده، كانت القلادة تلمع تحت ضوء القمر…
كأنها تناديه… أو تُحذّره.
»«»«»«»«»«»«»«»««»«»«»«»
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 16"