“أعتقد أنه غير مستعد بعد للتحدث عن أي شيء. لا تحاولوا إجباره، فقط… دعوه يأخذ وقته.”
أومأ أوزان بخفوت، وتمتم :
“حسناً … سننتظر.”
ثم تبادلا النظرات للحظة، قبل أن ينصرف الطبيب ويعود أوزان إلى مقعده بجانب سرير جان، عازماً أن يكون الصمت… هو رفيقه، لا عبئاً عليه.
.
فتح جان عينيه ببطء، رمقه بنظرة باردة، مجرّدة من أي ترحيب.
ثم قال بصوت خافت، لكنه جاف :
“لا أريد رؤية أحد.”
توقف أوزان في مكانه، نبرته هادئة ومحايدة :
“حسناً … سأتركك بمفردك.”
استدار بخطوة بطيئة، متجهاً نحو الباب.
لكن صوت جان ارتجف فجأة، تكسّر فيه شيء دفين، وهو يقول بسرعة، كمن انتزع الكلمات من أعماق جرح:
“ليس أنت… أوزان، لا تتركني.”
توقفت خطوات أوزان في منتصف الطريق، كأن الأرض سحبت أنفاسه.
استدار ببطء، وعيناه اتسعتا بذهولٍ مكتوم، نظراته تلاقت بنظرات جان التي انكسرت، ولو للحظة.
اقترب منه بهدوء، وجلس على الكرسي قرب السرير، ثم قال بصوت دافئ:
“أنا هنا، جان… ولن أذهب إلى أي مكان.”
أغمض جان عينيه ببطء، كأن التعب يسحبه إلى ظلاله من جديد، ثم تمتم بصوت بالكاد يُسمع، واهناً كأنّه اعتراف
:
“لا تدع أحداً يراني هكذا، أوزان… أرجوك.”
لم يكن في صوته غضب، ولا عناد. فقط… خجل، وشيء أقرب إلى الانكسار.
اقترب أوزان أكثر، أمسك بيده برفق، يضغط عليها بحنانٍ يشبه الوعد، ثم همس بنبرة هادئة حاسمة:
“لا تقلق، جان…
لن أسمح لأحد برؤيتك، ولا بلمسك،
ما دمتُ هنا.”
فتح جان عينيه للحظة قصيرة، التقت نظراته بعيني أوزان، ثم أغمضهما من جديد، مطمئناً … أو على الأقل، أقلّ خوفاً مما كان.
كان المساء قد بدأ يزحف على المشفى، والضوء البرتقالي المتسلل من خلف الأشجار يرسم ظلالاً باهتة على أرض الحديقة.
جلس مارت على أحد المقاعد الخشبية، يطوي جسده بذراعيه، كأن البرد ينبع من داخله لا من الهواء.
لم يستطع المغادرة، شيء في قلبه ظل يربطه بذلك الطابق، بتلك الغرفة، بأخٍ نائم خلف جدران العزل.
أخرج هاتفه، وتردد لثوانٍ، ثم ضغط على اسم “أوزان”.
في الطابق العلوي، داخل غرفة جان، كان أوزان جالساً قرب السرير، عينيه لا تفارقان ملامح صديقه النائم. حين رأى اسم مارت على الشاشة، تردد، ثم نهض وغادر الغرفة بهدوء، وأجاب.:
“نعم، مارت؟”
جاءه صوت مارت منخفضاً، متردداً، لكن يحمل قلقاً حقيقياً :
“كيف حاله…؟ ماذا قال الطبيب؟”
تنهد أوزان قليلاً، ومرر يده في شعره، ثم أجاب :
“يتعافى جسدياً… لكن الطبيب النفسي قال إنه يحتاج إلى الوقت. لم يتحدث مع أحد حتى الآن…”
صمت لثوانٍ، ثم أضاف بصوت أكثر حذراً :
“قال لي فقط… إنه لا يريد أن يراه أحد.”
لم يرد مارت مباشرة. ثم خرج صوته مكسوراً، بالكاد يُسمع :
“لا يريد رؤيتي…”
أجابه أوزان بسرعة، بنبرة حاول أن يجعلها مطمئنة :
“لست وحدك، مارت. هو لا يريد رؤية أحد… حتى الطبيب نفسه لم يستطع الحديث معه.”
سقط الصمت بينهما، ثقيلاً ومؤلماً، ثم قال مارت أخيراً، بصوت أقرب إلى الرجاء :
“حسناً … أرجوك، أوزان… اعتنِ به.”
أومأ أوزان، رغم أن مارت لا يراه، ثم رد بهدوء عميق :
“دائماً.”
عاد أوزان إلى الغرفة بهدوء، يغلق الباب خلفه بيده، لكن صوتاً خافتاً أوقفه في منتصف خطوته :
“أين كنت؟”
التفت فوراً نحو السرير، ليرى جان قد فتح عينيه ونظر إليه، وجهه شاحب وصوته ضعيف لكنه واضح.
ابتسم أوزان بخفة، متقدّماً نحوه :
“لا تقلق… كنت أتحدث بالهاتف فقط. خرجت كي لا يزعجك الصوت.”
صمت جان للحظة، ثم تمتم:
“أوزان… أريد أن أنهض.”
عقد أوزان حاجبيه بقلق :
“ستتألم… جسدك لم يشفى بعد.”
لكن جان هزّ رأسه بخفة، وأصر :
“لا بأس… أريد فقط الجلوس.”
تردد أوزان، ثم اقترب منه بهدوء، وقال بلطف :
“حسناً، لكن ببطء… دعني أساعدك.”
وضع الوسادة خلف ظهره، وراح يسنده بحذر شديد إلى أن استقام جسده، متكئاً على ظهر السرير.
شهق جان بصوت خافت من شدّة الألم، وعضّ على شفته محاولاً إخفاء التأوّه.
نظر إليه أوزان للحظة، بعينين تمتلئان بالشفقة والحب، لكنه لم يقل شيئاً. فقط مدّ يده وسحب الغطاء ليغطي قدميه، وقال بهدوء:
“هكذا أفضل؟”
أومأ جان برأسه، يلتقط أنفاسه الثقيلة، بينما ظل أوزان بجانبه، متأهباً، كأنّ أي حركة صغيرة قد تكون سقوطاً جديداً .
ساد الصمت لثوانٍ، لكنه كان صمتاً مشحوناً، كأن الكلمات تختنق في صدره قبل أن تنطلق.
ثم همس مجدداً، عينيه شاردة في الجدار :
“أوزان… متى سأخرج من هنا؟ أنا… أختنق.”
نظر إليه أوزان مطولاً، قلبه يتلوى لرؤية ذلك الانكسار في صوت جان، ذلك الرجاء المكبوت بين السطور.
اقترب منه أكثر، وضع يده فوق يده، وقال بنبرة هادئة لكنها حازمة :
“قريباً، جان… أعدك. لكن فقط عندما تكون مستعداً، جسدك بحاجة للراحة، وقلبك أكثر.”
جان بصوت خافت :
“فقط أخرجني من هنا…لم أعد أحتمل”
نظر إليه أوزان بعطفٍ بالغ، ثم اقترب منه وربت بلطفٍ على كتفه، وقال بصوت هادئ :
“اصبر قليلاً، يا جان… فقط بضعة أيام أخرى، وسأتحدث مع الطبيب لنرى إن كان بالإمكان إخراجك من هنا. لكن علينا أن نتأكد أولاً من أن جسدك قادر على الاحتمال، دون أن تتألم.”
أومأ جان برأسه ببطء، وعيناه تنسحبان إلى زاوية الغرفة، كأنّه يسلّم أمره مؤقتاً، ويعلّق أمله على وعدٍ جديد…
وحده أوزان يعلم كم هو هشّ، وكم بات الوقت في قلبه أثقل من الجدران.
مكتب الطبيب ديمير بعد بضعة أيام
جلس أوزان أمام المكتب، يداه متشابكتان على ركبتيه، ونظراته تعبّر عن قلقٍ دفين، لكنه يخفيه تحت قناعٍ من الثبات.
كان الطبيب ديمير يتصفح الملف الطبي الخاص بجان بصمت، قبل أن يرفع رأسه وينظر مباشرة نحو أوزان.
“طلبك واضح، أوزان. لكن دعنا نناقشه بحذر.”
أومأ أوزان وقال بصوتٍ منخفض لكن حازم :
“جان يحتاج إلى الخروج من هنا. أخبرني بنفسه أنه يشعر بالاختناق. المستشفى يثقل عليه أكثر مما يساعده.”
أغلق ديمير الملف بهدوء، وقال :
“من ناحية جسدية، تقرير الأطباء يشير إلى تحسّن بطيء لكنه مستقر. لكن حالته النفسية ما تزال هشة، وخروجه دون استعداد داخلي قد يضاعف الأزمة.”
تقدّم أوزان قليلاً في جلسته، وصوته أكثر جدية :
“أنا لا أقترح إهمال علاجه… فقط تغيّر البيئة. لدي مكان هادئ، بعيد عن الناس، لا أحد يعرفه. سأعتني به وحدي، ولن يكون هناك ما يذكّره بالماضي.”
سأله ديمير :
“هل جان يتحدث؟ يتجاوب؟”
أوزان تنهد :
“بصعوبة… لكنه بدأ. طلب الخروج، وبصراحة… هذه أول مرة يبادر بشيء.”
صمت ديمير للحظة، ثم قال :
“هذا مؤشر جيد. لكن القرار لن يُتخذ على عجالة. سأقوم بزيارته اليوم، وسأجري تقييماً دقيقاً لحالته. إن شعرت بأنه مستعد فعلاً، سنناقش الترتيبات مع الفريق الطبي.”
قال أوزان بهدوء :
“لن أطلب المستحيل، فقط فرصة… ليبدأ التنفس من جديد.”
أومأ ديمير بإيجاز :
“أفهمك، أوزان… وسأفعل ما أراه الأفضل له.”
نهض أوزان، شكر الطبيب، وغادر الغرفة بخطى أهدأ من تلك التي دخل بها، لكن في داخله… كانت معركة أكبر قد بدأت بالفعل.
بعد ساعة
دخل الطبيب ديمير غرفة جان بهدوء، يحمل دفتره الصغير وقلمه، ونظرته التي تمزج بين الحذر والتفهّم. تبادل نظرات قصيرة مع أوزان، ثم توجّه مباشرة نحو السرير.
جلس على الكرسي القريب، وضع دفتره على ركبته، ونظر إلى جان الذي كان مستنداً بصمت إلى الوسادة، عينيه معلّقتان بالفراغ.
قال ديمير بصوته الرصين الهادئ :
“مرحباً، جان. علمتُ أنك طلبت الخروج من المستشفى.”
لم يتلقَّ أيّ رد.
انتظر الطبيب لحظة، ثم تابع بلطف :
“أعلم أن البقاء هنا ثقيل، وأنك ربما تشعر بالاختناق… لكنني أحتاج إلى أن أسمع منك، لا فقط من الآخرين.”
جان بقي ساكناً، وجهه خالٍ من التعبير، كأنّه غائب رغم أن عينيه مفتوحتان.
دوّن ديمير ملاحظة سريعة في دفتره، ثم قال :
“هل تسمح لي بأن أسألك؟ فقط أجب بما تستطيع… أو حتى لا تجب، إن لم تكن مستعداً .”
لكن الصمت ظلّ سيد الموقف.
لم يغضب الطبيب، ولم يُظهر ضيقاً، بل أومأ لنفسه بإدراك، وأغلق دفتره بهدوء.
نهض وقال بصوت هادئ موجّهاً الحديث لجان :
“لا بأس يا جان… الصمت أيضاً نوع من الكلام. وسأعود لاحقاً.”
ثم نظر إلى أوزان وقال بصوت خافت وهو يهمّ بالخروج :
>”لا يزال غير مستعد. لا يمكنني أن أوافق على خروجه الآن، ليس قبل أن يبدأ في التواصل معنا.”
أومأ أوزان بصمت، وجهه يحمل خيبة متوقعة.
كان الطبيب قد أغلق الباب خلفه بهدوء، وقبل أن يتحرك أوزان من مكانه، جاءه صوت خافت من السرير، متكسّر ومتعب… لكنه واضح:
“قلت لك… لا أريد رؤية أحد.”
تجمّد أوزان في مكانه، استدار ببطء نحو جان
أكمل جان، بصوت ضعيف لكنه حاد :
“طلبت منك ألا يدخل أحد… ألا يُحاصرني بأسئلته…”
ثم التفت بعينيه المرهقتين نحو أوزان، فيها جرحٌ لا يُقال :
“أكنتَ أنت من أرسلته؟ لماذا… لماذا نكثت الوعد؟”
اقترب أوزان من السرير، جلس على الكرسي، ملامحه ممتلئة بالأسف، وقال بهدوء شديد :
“لم أُرسل أحداً لإجبارك… صدقني، جان. فقط تحدثتُ مع الطبيب عن رغبتك بالخروج… وقال إنه بحاجة لرؤيتك ليتأكد أنك مستعد.”
أخفض جان نظره، كأن الحديث أنهكه، ثم تمتم :
“كلهم يريدون التأكد… كلهم يحدّقون… وأنا فقط أحاول أن أتنفّس.”
أوزان، ممسكاً بيده برفق :
“أعرف… ولذلك أنا هنا، لأحمي هذه المساحة التي تحتاجها. سأطلب منه ألا يعود… حتى تطلب أنت.”
سكت جان، لكنه لم يسحب يده.
ظلّ الصمت بينهما للحظات… لكنه كان صمتاً أقل قسوة، كأن الكلمات بدأت تجد طريقاً، ببطء… لكن بثقة
.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 14"