توقف فجأة، ألقى نظرة سريعة على شاشة الهاتف، ثم أغلق عينيه وابتلع ريقه.
“واليوم، عندما أعلنت خطبتك من حبيبة قلبي إيليف، فهمت انتقامك مني…”
بدأت دموع تحشرج في عينيه، لكنه رفض أن تنزل، كأنه يرفض إظهار ضعف آخر.
“فهمت أنك أخيراً كرهتني…”
أمسك الهاتف بكلتا يديه، يضغط عليه وكأنه يود لو يمحو كل ما كتب، لكنه أكمل بصوت مرتعش
“مارت… لقد أسعدني ذلك…”
وقف للحظة، تمالك نفسه، ثم كتب الكلمة الأخيرة ببطء
“وداعاً .”
نظر إلى الرسالة كاملة، كما لو أنها خاتمة كل شيء، ثم ضغط زر الإرسال بثبات غير متأكد، وألقى الهاتف جانباً وهو يشعر بثقل الحزن يسكن صدره أكثر من أي وقت مضى.
قبض على مقود السيارة بيد مرتجفة، وعينيه تحترقان من الداخل، كأن روحه قد تمزقت إلى أشلاء لا تُجمع.
رفع رأسه نحو السماء الرمادية الثقيلة، ثم تمتم بصوت خافت
“آسف، أوزان…”
دفع قدميه بثقل على دواسة البنزين دون تفكير، وكأن لا مفرّ له من هذا المصير المحتوم.
ارتفع صوت المحرك، واحتكاك الإطارات مع الأسفلت يملأ الهواء البارد، بينما انطلقت السيارة بسرعة متزايدة نحو حافة التلة الحادة.
لم يلتفت خلفه، لم يتردد، ولا حتى لحظة شفقة لنفسه، فقط دفعة واحدة…
انطلقت السيارة في سقوط حر، تتدحرج على المنحدر، تعانقها صرخات الريح وهتافات الصمت القاتل الذي يلف المكان.
في تلك اللحظة، اختفى كل شيء-الأحلام، الآمال، وحتى الألم-ليحلّ مكانها فراغ أسود لا نهاية له، حيث يستقبل جان بهدوء قاتل.
بينما غرفة جان كانت تغرق في سكون ثقيل، كأن جدرانها تحفظ أسراره عنوة. جلست إيليف على طرف السرير، تمسك بهاتفها بين يديها كأنها تتشبث به لتتماسك.
حدّقت في شاشة الهاتف طويلاً، ثم ضغطت على زر الاتصال. لم تكن متأكدة إن كانت تريد إجابة… أم مجرد صوت مألوف يهدئ اضطرابها.
«إيليف؟» جاء صوت صديقتها ناعماً، قلقاً .
ارتجف صوت إيليف وهي تحاول أن تتكلم، وكأن الكلمات تخنقها :
«الخطبة… كانت لمارت. ليست لجان.»
سكتت لحظة، تخنقها الدهشة والخذلان، ثم تابعت بصوتٍ باهت :
«أنا… لا أفهم شيئاً. هل كان يعلم؟ هل وافق؟ أم أن جدي أجبره على السكوت؟»
وضعت يدها على جبينها، تضغط بأصابعها كأنها تحاول إخراج الإجابة بالقوة من رأسها.
«هل تخلى عني؟ هل قرر الاستسلام بصمت؟ أم أنه… هو أيضاً مصدوم مثلي؟»
أغمضت عينيها بقوة، تنهيدة طويلة خرجت من صدرها :
«لقد كان صامتاً … أكثر من اللازم… لا شيء منه كان طبيعياً اليوم.»
صمتت صديقتها للحظة، ثم همست :
«إيليف، لا تستبقي الأحكام… أحياناً، الصمت يخفي أشياء أعمق من الكلمات.»
هزّت إيليف رأسها رغم أن لا أحد يراها :
«أنا فقط… لا أحتمل هذا الغموض. لا أستطيع أن أصدق أن شيئاً ما بيننا انتهى بهذه السهولة… إن كان انتهى فعلاً.»
نظرت إلى الغرفة حولها، إلى بقاياه، ملابسه، دفاتره، ثم همست :
«كل شيء هنا يصرخ بأنه ما زال متمسكاً بي… لكن لماذا إذاً؟»
أنهت المكالمة بهدوء، و أسندت ظهرها إلى الحائط، تحاول أن تمنع دموعاً لا تريد أن تنزل… ليس بعد.
»»»»»»»
كان صباح المنزل هادئاً على نحو مريب.
الستائر مسدلة نصفها، والضوء الرمادي يتسلل خافتًا إلى الصالة حيث تجلس العائلة في صمت، يتابعون نشرة الأخبار الصباحية دون اهتمام حقيقي.
ضجيج الأخبار كان مجرد خلفية، لا أحد يصغي فعلاً … مجرد أصوات تملأ الفراغ.
دخل مارت إلى الصالة بخطوات بطيئة، يحمل كوب قهوة لم يلمس سطحه بعد.
جلس على طرف الأريكة دون أن ينطق، يمرر نظراته على الوجوه، ثم إلى شاشة التلفاز.
حاول مارت أن يركز نظره عليهما، لكن الذكرى العنيفة للحادث اجتاحته فجأة، فصرخ بمرارة
“جان… لقد قتلتُه!”
في اندفاع غاضب، أمسك بجهاز السوائل ومزقه بعنف من يده، لكنه لم يدرك قوة قبضة الجد التي أمسكت به بسرعة، مانعة إياه من إيذاء نفسه.
اقترب ساردار بنظرة حانية، وقال بهدوء :
“مارت، اهدأ… جان لم يمت.”
نطق مارت بصوت رجاء، مرتعشاً :
“لا تكذب عليّ، ساردار… أرجوك.”
نظر ساردار إلى عينيه بثقة وعزم :
“أقسم لك… إنه في غرفة العمليات.”
ارتجف مارت وقال بضعف لكنه مصمم :
“خذني إليه.”
أومأ ساردار وقدم له يده لمساعدته على النهوض، والقلق يختلط بالأمل في عينيه.
دخل الجد غرفة الانتظار أمام باب العمليات بخطى متثاقلة، كأن كل خطوة تثقلها أنفاس قاسية لا تريد أن تخرج. كان وجه الجد متجعداً بالقلق.
تبعه مارت، متكئاً على ساردار، يمشي بخفة رغم ثقل الألم في صدره، وجهه شاحب وعيناه تتنقلان بين أفراد العائلة المتجمّعين بصمتٍ ثقيل. كان قلبه يضطرب، يحاول أن يجد في نظراتهم ولو بصيص أمل يخفف من وجعه.
وقفوا جميعاً في الصالة، الجوّ مشحون بالتوتر والانتظار، صمتٌ يملأ المكان بأستثناء همسات خافتة تخرج بين الحين والآخر من أحدهم. غياب إيليف كان واضحاً، وكأنه فراغٌ لا يُملأ وسط ذلك الجمع.
لم يفارق الجد مارت، وضع يده بحنان على كتفه، ينقل له بعض القوة في تلك اللحظة الصعبة، بينما بقي ساردار متيقظاً، عيناه ترصدان كل حركة، منتظراً أي خبر يغير ما في القلوب من قلق.
مضى الوقت ببطء كأنه لا نهاية له، وكل لحظة تمر تزيد ثقل القلق في صدور الجميع.
بعد انتظار طويل، فتح باب غرفة العمليات ببطء، وخرج الطبيب، وجهه متجهم وعبوسه يشي بقلق لا يخفيه.
نهض مارت بسرعة من مكانه، متقدماً نحو الطبيب، تبعه بقية أفراد العائلة بقلوب تخفق بعنف.
وقف الطبيب أمامهم، صوته ثابت لكنه يحمل جدية تزلزل الأمل :
ل
قد فعلنا كل ما بوسعنا، لكنه لا يزال في مرحلة الخطر.
سنحتفظ به في العناية المركزة، وهناك سيُراقب عن كثب.
سقطت كلمات الطبيب كالصاعقة على الأجواء،
بين الحزن والانتظار، ظل الجميع صامتين، يحملون ثقل خبرٍ لم يعلن نهاية الألم بعد.
ظل مارت جالساً أياماً طويلة أمام غرفة العناية المركزة، يراقب كل حركة وكل تنفس يصدر عن جان. الوقت بدا وكأنه توقف، والساعات تمتد بلا نهاية، تملأها الانتظار والقلق الذي يثقل قلبه وجسده على حد سواء. لم يشعر بالنوم، ولم تسمح له قسوّة اللحظة بالراحة، كأن روحه معلقة هناك، مع أخيه.
جده كان يحاول مراراً نقله بعيداً عن هذا المكان، إلى غرفة أخرى أو إلى البيت، لكن مارت بقي صامداً، لا يرضى أن يفارق تلك الجدران البيضاء التي تضم أخاه. بعد إصرار طويل، أُعدّت له غرفة صغيرة بالمستشفى قريبة من العناية، ليتمكن من الاستراحة قليلاً دون أن يبتعد كثيراً.
في تلك الغرفة، جلس مارت بهدوء، يتنفس بصعوبة، وتُخيل عيونُه ما يحدث داخل غرفة جان، حيث تستمر المعركة من أجل حياة لم تزل معلقة بين الحياة والموت.
لم يستطع مارت البقاء بعيداً عن أخيه، فنهض ببطء وبتثاقل، قاصداً غرفة العناية المركزة حيث يرقد جان.
وعندما وصل إلى الباب، صدم برؤية أوزان، صديق جان، واقف هناك. عينيه ثابتتان على جان، وجهه مملوء بالصمت والقلق، يعكس ثقل الموقف
أوزان :
“كل هذا… حصل وهو معك، مارت.”
التفت مارت ببطء، وعيناه متعبتان
مارت (بهدوء) :
“أوزان… الأمر ليس كما تظن.”
أوزان (بصوت مشحون) :
“ليس كما أظن؟! إذاً أخبرني، كيف وصل به الحال إلى محاولة الموت؟!
هل كانت صدفة؟ أم جزءًا من سوء فهمك؟!”
مارت (يحاول التماسك) :
“لقد كنت أجهل ما يدور في قلبه…
ظننته غاضباً، ظننته يبتعد بإرادته، ولم أكن أعلم أنه ينهار بصمت…”
أوزان وقد ضرب بيده على الزجاج العازل (بعينين لامعتين من القهر):
“وأنا؟! أنا من ظن أن عودته إليك ستُنقذه…
أنا من شجّعته على الاقتراب، على المصالحة… فإذا بي أدفعه نحو الهاوية!”
مارت (بصوت خافت) :
“لم تكن تدري، ولا أنا.
لكنه فهم الأمور بطريقة أخرى… ظنّ أن خطبتي من إيليف انتقام… لكنها لم تكن خطبتي، أوزان!
أنا لم أخطبها.”
تجمّدت نظرات أوزان، كأن صدمة جديدة ضربته.
أوزان (بهمس مذهول) :
“ماذا؟ خطبت إيليف؟!”
مارت :
“نُسبت إليّ… لكنني لم أطلبها، ولم أكن أعلم بما يدور. وجان ظن أنني أُنتقم .”
أسند أوزان ظهره إلى الجدار، يرفع يده إلى جبينه، وكأن الحقيقة ضربته كصفعة.
أوزان :
“يا إلهي… لقد ظنَّ أنكما… تخليتما عنه معاً.”
مارت (بحسرة) :
“هو لم يكن بحاجة إلى مبرر، كان يحمل في داخله ألف خيبة لم ينطق بها… وأنا لم أكن كفؤاً لفهم أي منها.”
جلس أوزان بصمت، وجهه غارق في الذهول والحزن، بينما جلس مارت إلى جانبه، متعباً، مكسوراً.
صمت بينهما… صمت الانكسار المشترك، حيث بدآ يُدركان أن كلاً منهما حمل جزءاًمن الألم، وأن كلاً منهما، بطريقته، فشل في إنقاذ جان.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات