قال الكونت وهو يربّت على ظهر يدها برفق. أما غابرييل فحاول التظاهر باللامبالاة قبل أن يغطي وجهه بكفّيه.
“أن تناديني ‘أخي’…”
تسرّبت من بين أصابعه دمعةٌ لامعة انحدرت على خده.
أحسّت فريا بالسعادة لأنّ وجودها وحده قادر على أن يثير كلّ هذا التأثّر.
‘أنتِ فتاة عديمة الجدوى.’
أصبح صوت صوفيا البارد المليء بالاحتقار يتلاشى شيئًا فشيئًا. وكذلك ذكريات السياط والعصيّ التي انهالت على جسدها في الماضي بدأت تخبو.
“أبي، يجب أن نستدعي كبير الخدم حالًا لنتشاور في أمر الحفلة.”
قال غابرييل بنشاطٍ مفاجئ، فردّ الكونت بجديّةٍ مفرطة كما لو أنّه يستعدّ لخوض معركة.
“يجب ألّا يكون هناك أدنى خطأ، كي تكون هذه الحفلة أضخم ما شهده إمبراطوريّة مورسياني!”
“… ماذا؟”
كانت تتخيّل مأدبةً بسيطة، لا حفلةً ضخمة!
حاولت فريا أن تثني أباها وأخيها عن حماسهما المفرط، لكنّهما لم يفعلا سوى أن يضحكا وهما مفعمان بالبهجة.
***
كانت فريا في متجر مجوهرات تختار مع والدها تاجًا وعقدًا وأساور.
جلسا في مقعدٍ خاصّ بينما كان صاحب المتجر يعرض أمامهما تشكيلةً متنوعة. كانت الأحجار الكريمة مختلفة الألوان والأحجام، كلها بديعة.
‘لكنّي أكره فعلًا اختيار أشياء كهذه.’
ابتعد ذهن فريا عن المجوهرات منذ زمن، فبدأت تتأمّل ورق الجدران وأرضية الغرفة والأرائك لتقاوم الملل.
‘المجوهرات كثيرة أصلًا في المنزل.’
ففي خزانتها لم تكن الفساتين وحدها تملأ المكان، بل المجوهرات التي تليق بها أيضًا. حاولت أن تشرح أنّه لا داعي لشراء المزيد، لكن …
‘لكن فريا، هذا أيضًا كان أحد أحلامي.’
لم تستطع أن ترفض رغبة والدها الذي حلم بأن يصطحب ابنته إلى متجر مجوهرات ليشتري لها كلّ ما تشاء.
‘ولستُ أكره هذا في الحقيقة.’
لقد كانت تحسد في صغرها الطفلات اللواتي يمسكن أيدي آبائهن ويشترين معهم الأشياء وهنّ يرتدين فساتين جميلة.
“يبدو أنّ اللون الأخضر يليق بفريا أكثر من غيره.”
قال الكونت راضيًا وهو يرفع تاجًا تتدلّى منه حجارة خضراء ضخمة بحجم قبضة اليد.
“أبي، عليك أن تراعي الموضة هذه الأيام أيضًا. لقد علمتُ أنّ الأحجار الحمراء رائجة جدًا الآن.”
“اتباع الموضة بلا وعيٍ حماقة. ابنتي فريا ستكون من يُحدّد الموضة بنفسها.”
“لكن يا أبي، حفلة كهذه تشبه حفل الظهور الأوّل في المجتمع. ارتداء مجوهرات بعيدة عن الموضة قد لا يكون مناسبًا.”
كان غابرييل الهادئ اللبق عادةً يتحدّث بانفعالٍ هذه المرّة بسبب المجوهرات.
‘لِمَ يغضب من أجل هذا؟’
بدأ القلق يتسلّل إليها خشيةَ أن يتحوّل الجدال إلى خلافٍ بينهما.
نظرت فريا إليهما وقالت بهدوءٍ مصالِح: “كلاهما جميل في نظري.”
عندها أشرق وجه الكونت والتفت إلى صاحب المتجر قائلًا: “لقد شغلنا أنفسنا بلا داعٍ. فريا يليق بها كلّ شيء، إذًا غلّف جميع ما عرضتَه وأرسله إلى قصر آل ديبيرتو.”
“حالًا يا سيدي، بالطبع!”
انحنى صاحب المتجر مرارًا وهو يتهلّل فرحًا بهذه الصفقة الكبرى.
تنفّست فريا بعمقٍ حين أدركت أنّهم اشتروا أكثر ممّا ينبغي.
“فريا، ما رأيك أن ترتدي التاج ذي الأحجار الخضراء في الحفلة؟”
قال الكونت وهو يمسك بذراعها اليمنى، فابتسمت ابتسامةً خفيفة. لقد أحبّته أكثر الآن ممّا كانت تعرفه سابقًا، لكن هناك شيء تغيّر.
‘لم يعُد ذاك الكونت المهيب.’
بل بدا كأبٍ يريد أن يُرضي ابنته في كلّ ما تطلب.
‘لقد أصبح لديّ ما يكفيني من الأشياء المادّية.’
كانت تعلم أنّ ما يملأ قلبها ليس تلك المجوهرات، بل دفء يد أبيها التي أمسكت بذراعها. شعرت بخفقانٍ في صدرها فعضّت على شفتيها لتكتم تأثّرها، وإذا بغابرييل يمسك برسغها الآخر برفق.
“فريا، ما رأيك أن نقسم الحفلة إلى جزءين، فتبدّلين فستانك بين القسمين؟”
“… هاه.”
لم يبقَ من غابرييل الهادئ الرصين أثر، بل ذاك الأخ العاطفي الذي تدمع عيناه كلّما سمع كلمة ‘أخي’. ومع ذلك، لم تشعر فريا بخيبة أملٍ أو ضيق.
كانت تبتسم بعينين منحنِيَتَين وهي تنظر إلى الشخصين اللذين يزدادان قربًا منها يومًا بعد يوم.
“سأفكّر في الأمر يا أخي.”
“آه، فريا! هل تريدين قتلي بهذه الكلمة؟”
“حافظ على وقارك يا غابرييل.”
قال الكونت معاتبًا ابنه الذي بالغ في انفعاله، لكنّ وجهه هو الآخر كان يفيض سعادة.
سارت فريا بين الرجلين الوسيمين وسط الشارع، فكانت الأنظار تتوجّه إليهم دون استئذان.
“أليس ذاك هو البارون ديبيرتو؟ ما أبهى هيئته!”
“والكونت ما زال فاتنًا كما كان في شبابه.”
“لكن، من تكون تلك الفتاة بينهما؟ من تلك التي ترافقهما هكذا؟”
سمعت فرييا الهمسات من حولها، فرفعت صدرها بثقةٍ وفخر.
التعليقات لهذا الفصل " 98"