“ماذا تعنين بذلك.”
لم تستطع فريا البقاء مستلقية أكثر، فواجهت لوتي التي كانت عيناها مغرورقتين بالدموع.
قبل أن يتبادلا تحية اللقاء، فتحت لوتي فمها على عجل.
“في هذه العاصمة … هناك الكثير من الأمور التي لم نكن لنتخيلها أبدًا. لهذا يجب أن نهرب فورًا”
“ما معنى هذا كلّه.”
“لا وقت لشرح التفاصيل. أسرعي”
ناولت لوتي فريا الحُزمة التي كانت قد أعدّتها مسبقًا، وألحّت عليها أن تنهض بسرعة.
“إنه الوقت الذي ينشغل فيه الجميع بالضيوف، لذا إن خرجنا من الباب الخلفي الآن فلن يلاحظ أحد. كان هناك رجل يحرس المكان عادة، لكنه الآن يشرب الخمر مع السيّد شايلو”
استمعت فريايا إلى شرح لوتي المستميت وفهمت الصورة بشكل عام.
“إذن البقاء هنا يعني أنني سأتعرّض لشيء سيّء، صحيح؟”
“نعم. صحيح.”
اتسعت عينا لوتي وأومأت برأسها بعنف.
“لوتي، وماذا عنكِ؟”
“سأكون بخير، فريا.”
كان من الصعب على فريا أن ترى لوتي تتظاهر بالتماسك.
‘منذ الطفولة كانت دائمًا تتبعني بإخلاص.’
لطالما تظاهرت فريا بالانزعاج من لوتي، لكنها في الحقيقة لم تكن تكره ذلك.
ربما كانت لوتي الوحيدة التي شعرت تجاهها بأنها كعائلة في ذلك المكان. احمرّ وجه فريا وهي تتكلّم بصعوبة.
“حتى لو كنتِ تعرفين، فالبقاء هنا ليس بخير.”
“لن يحدث لي شيء.”
“هذا ليس ما أعنيه.”
وحين رأت لوتي عيني فريا تلمعان بالدموع، نفخت صدرها متظاهرة بالشجاعة.
“مهما كان، فأنا هنا أحظى ببعض التقدير.”
كانت فريا تعلم أن لوتي أكثر موهبةً منها بكثير، وأسرع قدرةً على التكيّف.
‘لكن مع ذلك … الرحيل وحدي أمر لا يُصدّق.’
‘وفوق ذلك، لقد تركتُ المكان الذي نشأتُ فيه للتو ….’
الآن كان عليها أن تودّع ماضيها.
الماضي الذي عاشت فيه جائعة لأنها لم تأكل جيدًا، وحكّ جسمها لأنه لم يُتح لها أن تغتسل، وارتدت ثيابًا موبوءة بالبراغيث وهي تتسوّل.
كان ذلك أهون من الحاضر.
‘نعم … إن كان كلام لوتي صحيحًا، فالرحيل هو الصواب.’
“لقد اعتدنا أن نتسوّل معًا أصلًا، لذا ….”
تردّد كلام الدعوة للرحيل معًا على شفتي فريا.
لم تكن معتادة على مثل هذا الكلام، فشعرت بوخز غريب في وجهها. وما إن رأت لوتي تردّدها حتى ابتسمت ابتسامة مشرقة.
“فريا، شكرًا لأنكِ دعوتِني للذهاب معكِ. لكنني بطيئة، ولن أكون سوى عائق في الطريق.”
كانت لوتي عازمة على ردّ الجميل لفريا يومًا ما، لقاء ما فعلته لها في الطفولة.
لقد حاول آخرون الهرب من ذلك المكان من قبل، لكن النهاية لم تكن يومًا سعيدة.
‘لن أقف مكتوفة الأيدي وأدعكِ تتحطّمين هكذا، يا أختي.’
تُركت لوتي أمام باب الميتم وهي رضيعة، وهناك زحفت ومشت وتعلّمت الكلام.
عاش معها كثيرون، لكن أحدًا لم يمنحها الحنان.
كانت تبكي لتلفت الانتباه، فزاد كره الناس لها.
‘لم يُردني أحد قط.’
حتى وهي طفلة صغيرة، لم تكن لتخطئ ذلك البرد الذي ينفذ إلى العظم.
وفي ذلك الميتم الكئيب، الوحيدة التي عاملتها كإنسانة كانت فريا.
‘هيا، تسلّقي ظهري بسرعة. وإلا فسأترككِ ورائي.’
كلمات فريايا كانت دومًا جافة، لكنها في النهاية كانت تلتفت للوتي الشاكية.
حملتها إن قالت إن قدميها تؤلمانها، وأحضرت لها تفاحة متعفّنة من السوق حين بكت جوعًا.
وكانت دائمًا تمنحها جزءًا أكبر من طعامها القليل.
برغم ظاهرها، فقد شعرت لوتي بصدق حنانها. بالنسبة للوتي، كانت فريا الأكبر منها بثلاث سنوات بمثابة أخت.
“لا وقت لدينا. أسرعي.”
ألبست لوتي فريا عباءة على رأسها، وأمسكت بيدها تسحبها.
“يا … لوتي. لوتي”
“شش …!”
لم يكن لفريا وقت لترتيب أفكارها، إذ ساقتها لوتي إلى السلالم.
وبعد أن تفحّصت لوتي المكان بحذر، أشارت لها بيدها.
فتحت الباب الخلفي وتأكدت من خلوّ المكان ، ثم دفعت ظهر فريا بقوّة.
“….”
خلال لحظة وجيزة، صارتا واقفتين على طرفي الباب.
رفعت لوتي، ذات الاثني عشر عامًا، يدها ملوّحة، فرأت فريايا صورة الطفلة الصغيرة التي كانت عليها.
لوّحت بيدها أن اذهبي ، ثم فتحت فمها هامسة: “فريا ، لنجتمع يومًا ما ونأكل الكثير من الكعك”
امتلأت عينا فريا بالدموع فلم تستطع الرد. لم يكن هناك وعد أكيد بلقاء آخر ، و لم يكن في استطاعتهما حتى تخيّل أن تصبحا غنيّتين يومًا.
“لوتي، سأعود بالتأكيد لآخذكِ”
قررت فريا ألّا تنسى ذنبها لترك لوتي وراءها.
لم تكن تعرف إلى أين تذهب ولا ماذا تفعل، لكن عليها أن تزداد قوة. أرادت ألّا تكون شخصًا جبانًا يترك من يحبّ خلفه.
‘شكرًا لكِ حقًا يا لوتي، لأنكِ ساعدتِني.’
حبست كلماتها في قلبها كوصيّة.
احتضنت الحُزمة بقوة، وأدارت ظهرها.
شعرت بحرارة في عينيها فصار نظرها ضبابيًا.
عندها دوّى صخب قريب، وصرخت لوتي بصوت خافت: “فريا، اركضي!”
فاتخذت ذلك إشارة وانطلقت تعدو.
ركضت بلا عقل، تاركة لوتي خلفها، حتى وقفت في زقاق ما.
أنفاسها كانت متقطّعة ودموعها تحجب بصرها.
“لو عدتُ الآن إلى لوتي …”
لكن ما إن تذكّرت نظرة لوتي الحازمة حتى تراجعت عن الفكرة. وفوق ذلك، كانت بالكاد قادرة على الاعتناء بنفسها.
“لقد تشجّعت لوتي من أجلي”
تذكّرت الطريق الذي جاءت فيه بالعربة، لكن وجه المدينة كان مختلفًا ليلًا.
“أين أنا؟”
تفحّصت الطرق المظلمة، وشدّ الخوف بطنها.
كانت الوحيدة التي تهيم في الظلام بعباءتها.
حاولت أن تبدو ثابتة، وضغطت على قدميها.
“فينوس ، يا حبّي—”
رأت رجلًا سكرانًا يتمايل في الجهة المقابلة.
أسرعت فريا لتختبئ في الظل، تعضّ شفتيها بتوتر.
لم تستطع السير هكذا طوال الليل.
“عليّ أن أجد مكانًا للمبيت.”
لكنها لم تكن تعرف أي مكان.
لا تدري كم مشت، حتى أبصرت مبنى يتسرّب منه نور خافت. حاولت أن تقرأ الأحرف ببطء.
“ديـ … ا … نا ….”
أشرق وجهها فجأة.
كان لوس قد أخبرها سابقًا أن إمبراطورية مورسياني تحظى برعاية الحاكمة ديانا.
‘إنه مكان آمن إذن.’
طرقت الباب بخفّة. ولما لم يجب أحد ، فتحته بحذر.
‘ماذا لو طردني أحدهم؟’
دخلت مترقّبة، فرأت الداخل المعتم.
كان ضوء القمر يتسرّب من نوافذ الزجاج الملوّن، وكانت هناك تماثيل وصور للحاكمة.
شموع ترتجف في الهواء، لكن لا أثر لبشر.
“جيد. يبدو أنني وحدي.”
انكمشت في ركن وجلست.
سالت دموعها رغمًا عنها، وأخذت تشهق. حين غلبها النعاس، مدت يدها كعادتها تتحسّس عقدها، وتمتمت اسمًا مألوفًا.
“لوس ….”
بدا لها أن صورة الحاكمة الرؤوفة على السقف تغمرها بدفء.
مع انبلاج الصبح، خرجت فريا مسرعة.
اندسّت بين الناس، وسارت للجهة الأخرى.
‘ربما شايلو يطاردني.’
اختبأت في عربات وسارت متخفّية.
“الآن أنا بعيدة بما يكفي.”
حين ارتخت أعصابها، اجتاحها الجوع.
جلست في زاوية وفتحت الحُزمة التي أعطتها إياها لوتي.
وجدت بعض النقود، وقطعة خبز، وتفاحة فاسدة، ومقصًا.
كاد قلبها ينفجر وهي تتذكّر لوتي، لكنها مسحت أنفها متظاهرة بالمرح.
“لقد حزمتِها بإتقان.”
أخذت قضمة كبيرة من التفاحة الفاسدة، وأبقت من الخبز القليل. لم تكن تعلم متى ستجد طعامًا آخر.
“لكن لماذا وضعت المقص؟”
وحين أمسكت به ، خطرت ببالها وجوه.
‘تذكّري، جمال المرأة يكمن في شعرها الطويل، بشرتها البيضاء، أسنانها المتناسقة، وشفتيها الحمراء’
صوت صوفيا المخمورة و هي تتباهى كأنها أميرة.
‘أما أنا، فبشرتي صفراء، ومهما وضعتُ مسحوقًا فلن أصير شاحبة.’
تذكّرت تذمّر صوفيا أمام المرآة.
‘فريا، عندما أراكِ، أشعر أنني أودّ أن أعضّكِ.’
تذكّرت همسات شايلو و هو يمرّر يده على شعرها الطويل.
مجرد التفكير فيهما، أكثر شخصين تمقتهما، جعل الخبز يعلق في حلقها.
“لا أريد مثل هذا الجمال”
قصّت فريا شعرها الطويل بالمقص.
تساقطت الخصلات على الأرض وتبعثرت مع الريح.
وبعد أن انتهت تقريبًا، نظرت إلى انعكاسها في ماء البركة، فبدت كصبي متهوّر.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 9"