أمام الأمير الإمبراطوري، أحمرّت عينا الكونت ديبيرتو وهو يفكّر بابنته.
كان قد رأى امرأة تشبه صوفيا في القصر، لكنه ظنّ أنّه مجرّد وهم. بعد سنوات طويلة من البحث عن صوفيا، بدأ يرى أشياء غير حقيقية.
لكن عندما رأى صوفيا مجددًا أمام متجر الخياطة، أدرك أنّه لم يكن حلمًا. كانت عدوّته، التي دمّرت عائلته، تضحك بلا مبالاة. عندما رأته، هربت بسرعة.
‘يجب أن أقبض على الشيطانة التي سرقت ابنتي.’
وهو يرى المرأة تبتعد في العربة، أمسك صدره وصرخ: “غابرييل، تابع تلك العربة!”
تحمّل ألمًا مروعًا، ونجح الكونت في تعقّب صوفيا.
كان مختبئًا سرًا أمام المبنى الذي دخلته.
كل دقيقة انتظار بدت كأنّها أبدية.
“غابرييل، يجب أن نأسر تلك المرأة حيّة.”
كان عليه القبض عليها لمعرفة مكان ابنته.
“هكذا فقط سترتاح والدتكَ في قبرها.”
طوال السنوات العشر الماضية، كان يستيقظ فجأة من نومه وهو يفكّر بابنته، التي لم يعرف إن كانت حيّة أم ميتة.
منذ اختفاء الطفلة، بدت غرفتها وكأنّ الزمن توقّف فيها.
الدمى والفساتين التي جمعها لها كانت تنتظر صاحبها.
‘انتظرتُ طوال هذه السنوات كل يوم.’
عندما عاوده ألم قلبه المتعب من نفاد الصبر، ضغط على صدره بقوة.
بعد كل هذا الانتظار الطويل، ألا يستطيع الانتظار قليلاً أكثر؟
عندما قرّر ذلك، هدأ الألم تدريجيًا.
بعد مرور بعض الوقت، خرجت صوفيا في الفجر قبل شروق الشمس وصعدت سرًا إلى عربة جاهزة.
“غابرييل، لنتتبعها بحذر.”
ركضت العربة لفترة طويلة، وخرجت من العاصمة إلى مدينة هادئة. بعد أن تأكّد الكونت ديبيرتو وغابرييل وفارسَين من دخول صوفيا من باب صغير، تبعاها على الفور.
طق— طق—
“من هناك؟”
عند سماع صوت صوفيا، كسروا الباب ودخلوا. سدّ أحدهم المدخل، بينما وجّه الآخر سيفه إلى عنق صوفيا.
“ما هذه الهمجية؟!”
صرخت صوفيا من التهديد المفاجئ، لكنها أغلقت فمها بإحكام عندما رأت وجه الكونت خلفهم.
“لن تقولي إنّكِ لا تعرفينني، أليس كذلك؟”
“الكونت …”
كانت تعلم جيدًا أن التظاهر بجهلها لن يفيدها الآن.
‘هل هذه النهاية؟’
في موقف لا يمكنها توقّع مساعدة أحد فيه، استسلمت لكل شيء.
“أرجوك، أرجوك سامحني. لم أكن أنوي ذلك من البداية، أقسم. كل هذا بسبب تلك المرأة، هي من أمرتني بكل شيء”
ارتجفت صوفيا من الخوف من السيف الذي بدا وكأنّه سيقطع عنقها في أي لحظة، وركعت تتوسّل.
“ماذا فعلتِ بابنتي؟”
كان صوت الكونت، الذي حاول الحفاظ على رباطة جأشه، يتكسّر بشكل غريب.
رفعت صوفيا، التي كانت جالسة، رأسها، وتغيّرت تعبيراتها على وجه الكونت الذي كانت تحبه وتكرهه.
‘لو كنتَ قبلتني في ذلك الوقت، لكان الأمر أفضل.’
كل هذا كان خطأ الكونت.
كانت قد وقعت في حبّ الكونت الوسيم واللطيف بلا مقاومة.
بالطبع، لم يكن الكونت يعرف حتى بوجود صوفيا، لكن ذلك لم يكن مهمًا. كانت تؤمن أنّه سيقع في حبّها مع الوقت.
مع مرور الزمن، نما حبّها الأحادي للكونت إلى درجة مخيفة.
ثم في يوم من الأيام، تزوّج الكونت، الذي كان عازبًا وشعبيًا، من فتاة نبيلة جميلة.
في يوم فرح عائلة ديبيرتو، عاشت صوفيا الجحيم.
‘كيف تجرؤ على الحبّ و أنا أحبّك؟’
غضبت صوفيا من رؤية الكونت سعيدًا بزواجه.
‘لا أريد أن يضحك الجميع إلا أنا.’
كانت زوجة الكونت ديبيرتو طيبة القلب ولطيفة، وكان جميع الخدم يحبونها. بعد فترة، وُلد الوريث غابرييل، وبعد سنوات، وُلدت فتاة صغيرة لطيفة.
‘فريا مورسياني.’
كانت الطفلة الصغيرة، التي كانت تصغر غابرييل بثلاث سنوات، مركز اهتمام الجميع.
ربما في ذلك الوقت بدأت صوفيا، التي بدت عادية باستثناء هوسها بالكونت، تتصرّف بغرابة حتى في الأوقات العادية.
‘إذا ساعدتني في تدمير تلك العائلة بأي طريقة، سأعطيكِ كل هذا الذهب.’
كانت صوفيا، التي كانت تستمتع بالقمار قليلاً، قد أدمنته وتراكمت عليها ديون كبيرة.
في ذلك الوقت، اقتربت منها امرأة جميلة تُدعى ميلادي. لم تكن تعرف هويتها بالضبط، لكن كان واضحًا أنّها ثرية جدًا.
‘ليس المال فقط، أريد الانتقام منه.’
أرادت تدمير الكونت ديبيرتو الذي لم يقبل حبّها.
أرادت أن تجعله يتذكّرها طوال حياته بأي وسيلة.
في ليلة مظلمة تخفّى فيها القمر، تسلّلت صوفيا إلى غرفة الطفلة الثانية للكونت.
استغلّت غياب المربية التي ترعى الطفلة ليلاً. كانت تعرف جيدًا ظروف الخدم بفضل سنوات عملها الطويلة في عائلة الكونت.
‘تنامين بهدوء شديد.’
عندما رأت الطفلة ترتدي ثوب نوم مصنوع من قماش فاخر لم تمسّه في حياتها، شعرت بغضب مفاجئ.
‘يجب أن أغيّر الخطة.’
خطرت لها فكرة أفضل من الخطة الأصلية. ظهرت ابتسامة قاتلة على وجه صوفيا الصفراوي.
حملت الطفلة بعنف وغادرت منزل الكونت.
‘في البداية، كان الأمر جيدًا.’
كانت سعيدة بسرقة دم الكونت وبحصولها على مبلغ كبير.
كانت تذهب إلى صالة القمار يوميًا، تاركة الطفلة وحيدة في غرفة النزل، دون أن تهتم. لكن لم يمرّ ثلاثة أيام حتى خسرت كل أموالها.
“لستِ سيئة. إذا سدّدت ديونكِ، ماذا ستفعلين لي؟”
اقترب منها رجل بابتسامة شريرة، دخل حياتها.
كان ذلك لأول مرة.
‘شخص يهتم بي ويمد يده لي.’
هكذا ارتبطت صوفيا بشايلو، وأحضرت فريا، التي تركتها في غرفة النزل، إلى دار الأيتام. كانت تتذكّر بوضوح تلك الليلة الممطرة بغزارة.
“أحمق لا يتعرّف على ابنته وهي أمامه.”
خدّشت صوفيا الأرض بأظافرها وضحكت وهي تمسك بطنها.
“تحدّثي بوضوح! هل تقولين إنني قابلتُ ابنتي؟”
“لم تعرفها رغم التشابه الكبير؟”
تذكّر الكونت فريا على الفور، لكنه هزّ رأسه.
“لا تكذبي.”
ضحكت صوفيا أكثر عند سماع صوته المرتجف.
“ندبة على شكل وردة على ذراعها اليسرى، ثلاث شامات خلف أذنها. هل أواصل؟”
فتحت صوفيا كيسًا صغيرًا كانت تحمله، وألقت قطعة قماش قديمة على الكونت.
“هل تتذكّر؟”
كانت قطعة من ملابس الطفلة التي كانت ترتديها ليلة اختفائها.
“يا إلهي.”
ركع الكونت ديبيرتو على الأرض وهو يمسك بقطعة القماش. نظرت صوفيا إليه وهو يصرخ، وتذوّقت السعادة. شعرت بالنشوة وهي ترى حبّها الأول ينهار بين يديها.
***
كانت ساقا فريا ترتجفان، فكادت لا تستطيع الوقوف.
اقتربت فريا ببطء من السرير بعينين دامعتين. رغم أنّها رأت كل شيء بعينيها، كان عليها سماعه منه مباشرة.
“لوكيوس، أليس كذلك؟”
تمنّت لو قال إنّه يتظاهر بحب سيلينا من أجل خطة ما. لكن توقّعاتها خابت.
“آنسة دوبوا، هل سمحتُ لكِ بمخاطبتي بلا ألقاب؟”
في اللحظة التي نظرت فيها إلى عينيه الزرقاوين الباردتين، لم تستطع فريا حتى أن ترمش.
“كم أنتِ ساذجة. هل ظننتِ حقًا أنّ شخصًا سيصبح إمبراطورًا سيرتبط بمثلكِ، أيتها الوضيعة؟”
“كان عليّ استخدام مثل هذه الفتاة لحمايتكِ، سيلينا.”
عانق لوكيوس سيلينا من الخلف وقبّل كتفها النحيل.
“…آه.”
سقط الكتاب الذي كانت تمسكه على الأرض. في الحقيقة، كانت قد فكّرت في شيء مشابه من قبل.
فهي ولوكيوس لم يكونا مناسبين لبعضهما.
“سيلينا، أنجبي لي طفلي.”
كان صوت لوكيوس مليئًا بالرغبة، دون أي تردّد رغم وجودها أمامه.
‘لم أتوقّع أن يكون الأمر بهذا السوء.’
استدارت فريا بعيدًا عنهما، وكانت بائسة لدرجة أنّها لم تستطع حتى البكاء.
“آه…”
لم تتذكّر فريا كيف عادت إلى غرفتها.
“عليّ الذهاب، يجب أن أذهب.”
جمعت العملات الذهبية التي تلقّتها حتى هذا الشهر وحزمت كل ما استطاعت حمله.
تنهّدت عندما رأت انعكاسها في المرآة. كانت عيناها متورّمتان، وخدّاها محمران، وشفتاها مكتومتان بشكل قبيح.
“أبدو كفتاة نبيلة تعرّضت للرفض في الحب، وأكره ذلك.”
خلعت الملابس الجميلة التي كانت ترتديها واستبدلتها بفستان بني وعباءة كانت قد أعدّتهما في زاوية خزانة الملابس.
لحسن الحظ، كانتا بيل وميريام قد ذهبتا لتحضير وجبة خفيفة.
“ماذا عن لوتي؟”
لم تكن تعرف مكان لوتي بالضبط. كان عليها أولاً أن تستقرّ ثم تجلب لوتي.
كتبت ملاحظات قصيرة إلى هيرو وآرتشر بسرعة، وأمرتهما بتسليمها إلى خادم عابر.
انتهت التحضيرات.
“الآن، كل شيء جاهز.”
نظرت إلى السرير الفارغ في غرفتها. في النهاية، لم تنم فيه ليلة واحدة بسلام.
“هل هذا مهم الآن؟”
في الحقيقة، كانت هذه هي الخطة الأصلية.
“كان اتفاقي مع سموّه لمدة عام واحد فقط.”
الآن، كان لديها الحرية للمغادرة في أي وقت.
“هذا ليس هروبًا. إنّه فقط وقت خروجي.”
انتهت لعبة النبلاء.
سحبت فريا نظراتها المتردّدة وتوجّهت إلى الشرفة المتصلة بالغرفة. كان هذا الطريق أسرع للهروب دون أن يراها أحد.
تسلّقت السور، تمسّكت بالكرمة، وخطت على الطوب البارز.
لم يكن الأمر سهلاً كما توقّعت، فلم تستطع النزول بسرعة.
‘أستطيع فعل هذا. لقد تدرّبت عليه في ذهني عشرات المرات.’
تناثرت بعض حطام الحجارة، فشعرت بالتوتر، لكنها وصلت أخيرًا إلى العشب.
كانت تبحث عن الطريق الذي أظهره لها الأمير هارت من قبل.
تذكّرت الطريق وبحثت عن ممر مخفي في الشجيرات، لكنها سمعت صوت حفيف من خلفها.
التعليقات لهذا الفصل " 86"