عندما لم يعد الإمبراطور قادرًا حتى على الكلام، تجمّع النبلاء والإمبراطورة والأمير الإمبراطوري في مكان واحد.
لم تستطع ميلادي إخفاء توتّرها، فهمست باستمرار في أذن مايكل الواقف بجانبها.
“لماذا لم يصلنا خبر من توم؟”
“صاحبة الجلالة، أنا آسف، ولكن يبدو أن …”
لم يعُد توم، الذي كان يعود إلى جانب ميلادي كلّ ليلة مهما حدث، منذ ثلاثة أيام. كان من الواضح أن شيئًا ما قد حدث.
“حسنًا، ما حال الإمبراطور؟”
“لقد وصل استمراره بالحياة بمساعدة السحر إلى حدّه.”
كانوا قد أبقوه على قيد الحياة لأنّه كان مفيدًا حتى يقتلوا لوكيوس و يُجلِسوا هارت مكانه. لكن لوكيوس كان لا يزال حيًا، جالسًا هناك بكلّ جرأة.
عنيد، عنيد جدًا.
في تلك اللحظة، نظر البارون الذي يترأس الاجتماع إلى الحضور وتحدّث بحذر: “شكرًا لتكبّدكم عناء الحضور رغم انشغالكم. لقد تجمّعنا اليوم لمناقشة مسألة هامّة.”
كان الجميع يعرف المسألة الهامّة دون الحاجة إلى ذكرها.
ساد صمت لحظي، ونظر لوكيوس إلى الحضور بنظرة مائلة.
لم يبدُ أن هناك الكثير من المؤيدين له.
‘يجب الاعتراف بمهارة ميلادي في هذا الأمر.’
كان من المذهل حقًا كيف ملأت غرفة الاجتماع بأتباعها الموالين لها.
‘كلّ ذلك من أجل ابنها.’
بجانب ميلادي، كان هارت يغفو، مرخيًا رأسه.
لم يكن لدى لوكيوس أي ضغينة شخصية تجاه هارت، حتى لو كان يتصرّف كمستهتر لا يليق بأمير.
“هل يمكنني التحدّث أولاً؟ في الواقع، لديّ وكالة جديدة كتبها جلالة الإمبراطور هنا.”
كانت ميلادي قد أعدّت كل شيء تحسبًا لفشلها في قتل لوكيوس.
لقد أجبرت الإمبراطور على التوقيع على وثيقة تعيّن هارت أميرًا إمبراطوريًا.
عندما قدّمت ميلادي الوثيقة، تبادل النبلاء النظرات.
كانت الوثيقة تنص على توريث عرش الإمبراطور لهارت.
“هذا توقيع جلالة الإمبراطور بلا شك.”
“يبدو هذا مضحكًا.”
جلس لوكيوس بهدوء يراقب، ثم استقام ببطء. لم يكن يعرف كيف ستصرّف ميلادي، فبقي صامتًا.
‘ظننت أنّها ذكية، لكنّها غبية إلى هذا الحد.’
هل اعتقدت حقًا أنّ بإمكانها طرد وريث العرش الشرعي، ابن الإمبراطور الأكبر، بقطعة ورق تافهة؟
“لكن، سمو الأمير، كلام جلالة الإمبراطور واضح هنا.”
تحدّث أحد الوزراء بقوة، لكن عندما رأى نظرة لوكيوس الباردة، خفّض صوته تدريجيًا.
عندها، نهض الكونت إديليون فجأة.
“عائلة إديليون مستعدّة للموت دفاعًا عن كلام جلالة الإمبراطور”
كانت الوضعية خطيرة، حيث قد يؤدي أي خطأ إلى إصابة أو موت.
بما أن هارت وسيلينا في نفس القارب، كان الكونت مصمّمًا على دعم ميلادي. أومأ لوكيوس برأسه عند كلام الكونت.
“حسنًا، في الواقع، ليس سيئًا أن يصبح شخص أفضل منّي إمبراطورًا.”
سكت الحضور عند كلام لوكيوس. كانت هذه المرة الأولى التي يتحدّث فيها بنبرة توحي بأنّه قد يتخلى عن منصب الأمير الإمبراطوري.
“لكن، يجب أن يكون ذلك الشخص مؤهلاً، أليس كذلك؟ إذا كان بإمكان أي شخص أن يصبح إمبراطورًا، فلمَ لا نأتي بكلب من الشارع ونضع تاجًا على رأسه؟”
“سمو الأمير، كلامك مبالغ فيه. مورسياني إمبراطورية مباركة بحماية ديانا. يجب أن يكون من يصبح إمبراطورًا مورسياني من أعلى النبلاء.”
ضحك لوكيوس بسخرية عند كلام ميلادي.
“صحيح، يجب أن يكون من أعلى النبلاء.”
أشار لوكيوس بعينيه إلى جيميني الواقف خلفه، فظهر صندوق خشبي مغطى بقماش من زاوية الغرفة.
“ما هذا، سمو الأمير؟”
شعرت ميلادي بإحساس سيء وتلعثمت.
“هديّتي لصاحبة الجلالة.”
عندما فتح الجندي الواقف عند الباب الصندوق، خرج رجل بمظهر رثّ. امتلأت الغرفة بنظرات مندهشة تجاه لوكيوس الذي حبس إنسانًا في صندوق خشبي.
“من هذا الرجل، سمو الأمير؟”
قبل أن يجيب لوكيوس على سؤال النبيل المذهول، سعل الرجل. عبس وكأن الضوء الساطع غريب عليه، ثم صرخ فجأة: “ميلادي!”
“من تظن نفسك لتناديني باسمي؟”
ارتبكت ميلادي، فتحدّث الرجل المقيّد بالحبال مجددًا: “طفلنا، هل طفلنا بخير؟”
صاحت ميلادي بنظرات شرسة عند سماع كلامه: “ما الغرض من إحضار هذا المجنون إلى مكان بهذه الأهمية؟ أخرجوه فورًا!”
بأمر ميلادي، حاول الجندي الذي يحرسها إغلاق الصندوق مرة أخرى.
“انتظر، انتظر.”
نهض هارت فجأة، الذي لم يبدِ اهتمامًا بالاجتماع، واقترب من هناك. كانت ذكرياته الطفولية ضبابية، لكن الوجه بدا مألوفًا.
“هارت؟ هل تعرف والدك؟”
“أبي؟”
كان لديه ذكريات عن رجل حمله على كتفيه ولعب معه.
هل هذا هو السبب؟ كانت أمّه دائمًا تقول إنّه يشبه الإمبراطور، على الرغم من أنّه لا يشبهه على الإطلاق.
كان الإمبراطور يضحك ويقول إنّه سيشبهه أكثر عندما يكبر.
‘إذن، أمي كانت مع رجل آخر بينما كانت مع الإمبراطور.’
شعر بالغثيان عند هذا التفكير.
لم يكن غافلاً عن الفضائح التي أحاطت بأمّه.
لم تكن مع مايكل الساحر فقط، بل كانت هناك شائعات عن علاقات مع رجال آخرين.
كان يريد دائمًا سدّ أذنيه وإغلاق عينيه، لكن الآن وصل إلى حدّه. لم يعد يستطيع مشاهدة يدي أمّه تتلطّخان بالدماء.
“أمي، ما الذي تحصلين عليه من فعل كل هذا؟”
نظر هارت إلى ميلادي مباشرة، وهو يقف خلف الرجل الذي يرتدي ملابس رثة، وسألها.
“هارت، لقد عشتُ من أجل سعادتك فقط. كل هذا كان من أجلك.”
تحدّثت ميلادي بصوت مختلط بالبكاء وهي ترتجف.
هزّ هارت رأسه وهو يرى عيني أمّه المحمرتين.
“أمي، متى سألتِني عمّا أريده؟”
كان يريد العيش بسلام في منزل صغير كما في السابق. لكنه تخلّى عن هذه الآمال منذ زمن.
“هارت! لا يجب أن تتحدّث إلى أمّك هكذا. كم ضحّيتُ من أجلك؟”
تلوّنت وجوه النبلاء بالصدمة والدهشة وهم يشاهدون حوارهما. إذا كان هذا صحيحًا، فإن هارت لا يملك الحق في اعتلاء عرش الأمير.
“تحتوي هذه الوثيقة على قائمة بالأطباء والشهود الذين ساعدوا في ولادة الإمبراطورة، وشهاداتهم.”
تصفّح النبلاء الوثيقة التي قدّمها لوكيوس، وهمهموا بدهشة.
كانت الوثيقة كافية لإنهاء أي نقاش.
“ما الذي تفعلونه جميعًا؟ ألا تعرفون من أنا؟”
صاحت ميلادي بغضب تجاه النبلاء الذين نظروا إليها بنظرات غريبة.
ولدت كابنة غير شرعية لعائلة بارون، وكم من الدموع سفكت لتصل إلى هذا الموقع؟ كم من الدماء تلطّخت يداها؟
لقد استرضت النبلاء الذين شكّلوا تهديدًا، وأضعفت الذين لا يمكن استرضاؤهم بأي وسيلة.
‘كنت على وشك وضع العالم تحت أقدام ابني.’
لم يكن بإمكانها الانهيار هنا.
“لماذا، أليست هذه الوثائق التي تؤمنين بها كثيرًا؟ هل لا تقبلين بها؟”
سخر لوكيوس منها، فأشارت ميلادي إلى الجندي الذي يحرس غرفة الاجتماع.
هجم الجنود المسلحون بالرماح على لوكيوس في آن واحد.
“كما تعلمون، مهاجمة الأمير الإمبراطوري هي خيانة.”
“إذا لم تكن الأمير الإمبراطوري، فلن تكون خيانة.”
بعد أن تحطّم قناعها، لم تحاول ميلادي إخفاء طبيعتها الحقيقية.
“كل من لا يوافق على كلامي هنا سيُرسل مع الأمير الإمبراطوري.”
على الرغم من تهديدها المرعب، جلس لوكيوس بهدوء وأشار إلى جيميني. عند إشارة جيميني، هزّ المبنى فجأة، وسُمع صوت هتاف هائل من الخارج.
“ما هذا الصوت؟”
نظرت ميلادي إلى الخارج، وأدركت أن صفًا لا نهائيًا من رماح الجنود موجّهة نحوها.
“هذا الجبان، يخفي مثل هؤلاء الجنود.”
“للتعامل مع ساحرة تحرق غرف الأطفال، ألا يجب أن يكون هناك مثل هذا الإعداد، أمي؟”
“أنت، أنت …”
لم تستطع ميلادي إكمال كلامها عندما كشف لوكيوس عن عارها. لكن لو كانت س تستسلم، لما بدأت من الأساس.
أشارت إلى الكونت إديليون.
“عائلة إديليون تدعم الأمير هارت.”
كان تصريحه يمثّل الجنوب بأكمله، وكان له وزن كبير.
عبس هيرو تحت عباءته عند سماع كلام الكونت. لهذا السبب لم يكن متحمسًا لارتباط سيلينا بسموّه. في مثل هذه الأوساط، كان الأمير بحاجة إلى نبلاء يدعمونه.
‘حتى لو كانت لديه قوة عسكرية وساحر عظيم.’
لكي يصبح إمبراطورًا يحكم الشعب والنبلاء، كان على النبلاء أن يدعموه.
بدا هيرو محرجًا، ثم سُمع صوت خارجي، وظهر شخص في غرفة الاجتماع.
دخل الكونت ديبيرتو وابنه غابرييل، ذو الشعر البني و العينين الخضراوين، ببطء.
همس النبلاء: “ما الذي يفعله الكونت ديبيرتو هنا؟”
لم يغادر منزله منذ عقود، وقلّ من رأى وجهه.
كان مقعده لا يزال محجوزًا على الطاولة المستديرة، فجلس الكونت ديبيرتو فيه بسهولة. بدا وكأنّه لا يهتم بالأجواء القاسية والغريبة في المكان.
“أتذكّر أنّ لديّ الحق في التحدّث، أليس كذلك؟”
تحدّث الكونت ديبيرتو لأول مرة منذ زمن طويل وهو يتحسّس حافة الطاولة.
“بالطبع، الكونت ديبيرتو.”
سمحت له ميلادي بالتحدّث. أظهر احترامًا للأمير الإمبراطوري والإمبراطورة. لم تهتم ميلادي به على الإطلاق.
‘إنّه الآن مجرّد نمر بلا أسنان.’
ضغط الكونت على صدره بيده، ثم توقّف لحظة. بينما كان الجميع ينتظر كلامه، تحدّث ببطء: “عائلة ديبيرتو ستتبع الأمير الإمبراطوري لوكيوس.”
“ماذا قلتَ الآن؟”
صُدِمَت ميلادي من كلامه المفاجئ، فأطلقت تنهيدة غريبة، متجاهلة الأدب.
التعليقات لهذا الفصل " 84"