عندما كشفت عن ساعدها، كانت هناك جراح واضحة في كفها، جرحٌ تَكوَّن أثناء استعمالها الخنجر.
نزيفه توقف، لكن رائحته المعدنية الحادّة ما زالت تملأ أنفها.
“سأختنق من رائحة العرق هذه.”
لقد نجحت في مهمتها، لكن جسدها كله كان متصلبًا من التوتر.
ثم تذكرت الينبوع الحارّ الصغير خلف جناح وليّ العهد.
“قال إن بإمكاني استخدامه متى أردتُ.”
وبما أن لوكيوس لم يكن في القصر الآن، فلن تصادفه هناك.
‘بما أنني خرجت خفية، فالأفضل أن أتعامل مع الأمر بسرّية أيضًا.’
غطّت فريا نفسها برداءٍ ثقيل، وأخذت ملابس لتبديلها، ثم خرجت بهدوء من الغرفة.
بعد اجتياز الممر القصير خلف القصر، وصلت إلى شجيرات صغيرة، وراءها مباشرة كان الينبوع الحار.
“لقد كان موجودًا حقًا.”
انبهرت بالبخار الأبيض والفقاعات التي تتطاير من الماء، فانحنت قليلًا وغمرت إصبعها لتجرب الحرارة.
“إنه دافئ فعلًا.”
خلعت ردائها وبقيت بملابسها الخفيفة، ثم تفقدت المكان حولها مرة أخرى.
لم يكن هناك أحد سوى الأشجار والأعشاب التي تتمايل مع الريح.
نزلت فريا ببطء إلى الينبوع وجلست، فتنهدت بارتياح عميق.
حتى دون أن تتحرك، شعرت وكأن نصف تعبها قد زال.
“رائع … بحق.”
أبقت يدها المجروحة خارج الماء، ورشّت قليلًا من الماء الساخن بيدها الأخرى.
لكنها سرعان ما استسلمت واتكأت على الحافة تنظر إلى السماء.
ترى، هل وصلت لوتي بسلام؟
تذكرت ما حدث في وقتٍ سابق، فغصّ حلقها وكادت تبكي، لكنها هزّت رأسها بعناد.
البكاء لن يغيّر شيئًا.
لن أبكي. ما زال أمامي الكثير لأفعله.
لن تنهار … ليس بعد.
وبينما كانت أنفاس فريا تخرج متعبة، سمعت صوت خطواتٍ يلامس العشب قربها.
“……!”
تجمدت من الدهشة، غير قادرة على الخروج من الماء أو حتى تغطية نفسها.
توقفت الخطوات، لكنّها شعرت أن أحدهم يقف هناك، يحدّق في ظهرها.
‘لا، لا يمكن…’
عادةً ما كانت تخفي ظهرها بشَعرها الطويل، لكنها اليوم رفعته إلى الأعلى، فصار جسدها شبه ظاهر تحت قماشها المبتلّ.
مدّت يدها تغطي ظهرها المرتجف دون أن تلتفت.
“ما هذا …؟”
عند سماعها الصوت المألوف، عضّت فريا شفتيها بقوة.
على ظهرها علامات لا تريد أن يراها أحد.
‘ولِمَ أنت بالذات … أنت آخر من أريد أن يراني هكذا.’
***
عند عودته إلى القصر، توجّه لوكيوس مباشرة إلى الإمبراطور.
كان وجهه محتقنًا وهو يدخل غرفة نوم والده الذي قضى معظم وقته في الفراش بسبب مرضه.
“جلالة الإمبراطور، لقد وجدتُ أدلّة على خيانة الإمبراطورة.”
في الوثائق التي جمعها لوكيوس، كانت أسماء النبلاء الذين حاولت ميلادي القضاء عليهم مكتوبة واحدة تلو الأخرى، و مرفقٌ معها رسائل بخطّ يدها، مما يجعلها أدلة يمكن استخدامها في المحكمة.
“كما حصلت على شهادةٍ تؤكد أنها حاولت تسميم والدتي.”
تناول الإمبراطور الأوراق، لكن وجهه ظلّ جامدًا بلا تعبير.
“وما فائدة كل هذا؟”
“جلالتك، الإمبراطورة ساحرة تستخدم السحر الأسود للسيطرة على الناس.”
كانت هناك رسالة أخرى تُظهر أنها حتى استعملت وسائل شريرة على الإمبراطور نفسه، لكنّه لم يُعر اهتمامًا لكلام ابنه.
“اخرس. هل تشكّ في حبّ الإمبراطورة لي؟ أليس هذا هو الخيانة بعينها؟!”
صرخ الإمبراطور غاضبًا، قبل أن يبدأ بالسعال الشديد، ثم نظر إليه بعينين حادتين.
“إن كان لديك وقت لمثل هذه التفاهات، فافعل عملك كما يجب. بل الأفضل أن تتنازل عن منصب وليّ العهد لأخيك هارت. أنت تعلم أكثر من أي أحد أنّ هذا المكان لا يليق بك.”
لم يكن لوكيوس يثق بوالده كثيرًا من البداية.
فكيف يثق بأبٍ وقف متفرّجًا وهو على حافة الموت؟
ومع ذلك، كان يظن أن في قلبه بقايا مشاعر الأبوة، شيئًا يجعله مختلفًا قليلًا عن ميلادي.
‘إن أحضرتُ له أدلّة قاطعة، فلا بدّ أنه سيصدقني.’
لقد آمن بذلك طوال السنوات التي قضاها في التحضير بصمت.
“لا يمكنني أن أتنازل عن المكان الذي ضحّت أمي بحياتها من أجله بهذه السهولة.”
لحسن الحظ، كان قد توقّع مسبقًا أن والده لن يصدّقه، فقد تعوّد على التفكير بكل الاحتمالات منذ أن نجا من الموت سابقًا.
“لوكيوس! قف مكانك!”
يا لها من مفارقة … كم مضى منذ آخر مرة ناداه والده باسمه؟
“رجاءً، لا تنادني بهذا الاسم. إنه يجعلني أشعر بالقرف.”
مجرد التفكير بأن نصف دمه يسري في عروقه جعله يغلي غضبًا.
أبٌ تخلّى عن زوجته المخلصة، ودفع ابنه نحو الهلاك، ثم لا يزال يتغنّى بالحبّ الصادق!
التعليقات لهذا الفصل " 76"