في اللحظة التي رفعت فيها فريا رأسها وهي تفرك جبينها بيدٍ واحدة، أطلقت هي والرجل الذي اصطدمت به تنهيدةً غريبة في آنٍ واحد.
“ألستِ أنتِ من ساعدتِني حينها؟”
كان وجه الرجل ذي الصوت الهادئ العميق مألوفًا لها.
“هل كنتَ بخير بعد ذلك؟ لقد اضطررتُ للعودة على عجل في ذلك الوقت.”
كانت فريا تشعر بالذنب لأنها لم تتمكّن من التأكد من سلامة الرجل الذي سقط حينها. أضاءت عينا الرجل الخضراوان بلطف وهو يتحدث.
“لقد أُنقِذَت حياتي بفضلكِ. وكم ندمتُ لأنني لم أطلب اسمكِ في ذلك الحين.”
“أنا …”
تردّدت قليلًا، إذ لم يكن هذا اسمها الحقيقي.
“اسمي فريا دوبوا.”
“وأنا الكونت ديبيرتو”
كان لقاؤها به مجددًا في القصر، ورؤيتها له أمامها في الواقع، أمرًا يثير دهشتها. لكنّها سرعان ما تذكّرت أنها متأخرة.
“في الحقيقة، أنا في طريقي إلى مكانٍ ما الآن.”
وحين أظهرت فريا ملامح الحرج، سارع إلى الكلام.
“هل يمكنني دعوتكِ في المرة القادمة؟ أودّ أن أردّ لكِ جميلكِ.”
“أيّ جميل؟ لا داعي لذلك.”
ومع ذلك، شعرت بأن لقاءهما مجددًا قد يكون نوعًا من القدر.
كما أن شعورًا مريحًا وغريبًا تولّد بداخلها تجاه هذا الرجل رغم أنه غريب عنها. وبينما كانت تتردّد للحظة، بادر الكونت بالكلام.
“إذًا سأرسل لكِ دعوة قريبًا.”
ثم انحنى الكونت ديبيرتو بتحيةٍ مهذّبة وغادر على عجل.
“انتظر، لحظة …”
كانت تنوي رفض الدعوة، لكنه ابتعد بسرعة فلم تستطع قول شيء. تابعت فريا النظر إلى ظهره الذي يبتعد، ثم أسرعت نحو قاعة التدريب.
***
اقترب يوم الحفل الكبير الذي سيُعلن فيه عن خطوبتها.
عندما نهضت من السرير لم يكن في جسدها أيّ طاقة.
“آه، أشعر بالغثيان.”
منذ البارحة فقدت شهيّتها ولم تتناول سوى القليل، وزاد توترها حتى لم تنم جيدًا ليلًا.
وعندما وقفت أمام المرآة، كادت تفقد وعيها من الصدمة.
و يبدو أنّها لم تكن الوحيدة التي رأت ذلك، إذ صرخت كلٌّ من بيل وميريام عندما دخلتا الغرفة.
“ما الذي حدث لوجهكِ؟!”
أجلستاها بسرعة وبدأن بدهن وجهها بكميةٍ كبيرة من الزيت المهدّئ للبشرة، لكنّ لونها الباهت لم يتحسن أبدًا. نظرت فريا إلى انعكاس عينيها المحتقنتين في المرآة وتنهدت مجددًا.
كان من الواضح أنّها ستصبح موضع سخريةٍ إن خرجت بهذه الحال مرتديةً فستانها.
“بهذه الحالة لن يثبت المكياج على وجهكِ أبدًا.”
قالت إحدى الخادمتين وهي تتنهد وتنظر إلى وجه فريا الشاحب، ثم قبضت يدها بعزم.
“علينا اللجوء إلى إجراءاتٍ خاصة.”
“سأذهب لأحضّر ما نحتاجه فورًا!”
تبادلت بيل وميريام نظراتٍ لم تفهمها فريا، ثم أومأتا لبعضهما.
“ماذا تقصدان بالتحضير؟”
سألت فريا وهي جالسة أمام المرآة.
كانت قد أمضت خمسة أشهر في القصر، وفي البداية كانت تشعر بالحرج حتى في تبادل التحية مع العاملين هناك.
لم تعتد أن يقوم أحدٌ بأداء ما اعتادت فعله بنفسها، لذا كانت تُسرع لإنجاز عملها قبل أن يأتي أحدٌ لمساعدتها.
‘إن واصلتِ فعل ذلك يا آنستي، ستغضب منا رئيسة الخدم.’
عندما رأت وجهي بيل وميريام المتوترين آنذاك، أحسّت بالذنب قليلًا. فقد شعرت بأنها تتجاهل واجباتهم.
ومنذ ذلك الوقت بدأت تتقبّل مساعدتهم شيئًا فشيئًا.
‘ومع ذلك …’
كلّما صفّفتا شعرها تذكّرت تلك الأيام القديمة. صحيح أن بيل وميريام خادمتان تتلقيان أجرًا مرتفعًا في القصر، لكنّ الأمر كان مختلفًا عمّا عاشته عندما كانت تخدم صوفيا.
‘كانت تضربني بالمشط أو بالعصا لمجرّد خطأ صغير …’
لم تمضِ فترةٌ طويلة على تلك الذكريات، ومع ذلك بدت بعيدة جدًا الآن.
مسحت فريا خصلات شعرها الأماميّة وتنهدت طويلاً.
كانت آثار الجراح على جسدها تذكيرًا حيًّا بأنّ ما عاشته لم يكن حلمًا. تلك الجراح كانت آلامًا سببتها صوفيا، لكنها أيضًا ذكرياتٌ عن لوس.
ربما غفت قليلًا دون أن تشعر.
“ميريام، بيل … ما هذا على وجهي؟”
شعرت بشيءٍ ثقيلٍ يغطي وجهها فلم ترَ شيئًا. كما أن رائحة احتراقٍ خفيفة انتشرت حولها فأصابها الذعر.
“ابقي هادئة يا آنستي. حصلنا عليه من صديقة تعمل في قصر الإمبراطورة.”
قالتا إنّه قناع مصنوع من خليط العسل وبعض المساحيق الدهنية.
“لقد كان من الصعب جدًا الحصول عليه، لكن من يستخدمه سيصبح وجهه أبيض كاللؤلؤ.”
“آه، شكرًا لكما …”
لكنّها بالكاد كانت تتنفس، وفكّرت بأنّ البشرة الجميلة لا تستحق كلّ هذا العناء. ومع ذلك، لم تشأ أن تُثبّط حماسهما بعد كلّ ما بذلتاه لأجلها.
“وشعري؟ كيف يسير العمل عليه؟”
“قاربنا على الانتهاء. أبذل أقصى جهدي!”
كانت بيل تلفّ شعرها بعصيٍّ معدنيةٍ ساخنة فامتلأت الغرفة برائحةٍ خانقة. أدركت فريا أن تلك الرائحة كانت من شعرها نفسه فشعرت بالصداع.
“هل يمكنكِ فتح النافذة قليلًا؟”
فتحت ميريام النافذة، ومع دخول الهواء البارد شعرت فريا بالراحة أخيرًا. مضت ساعة كاملة وهي مغطّاة بذلك القناع الثقيل.
“واو، فعلاً له مفعول رائع.”
نزعتا القناع فظهر وجه فريا ناعمًا ومشرقًا في المرآة.
“يا إلهي …”
بدت مختلفة تمامًا، حتى أنّها أُعجبت بنفسها.
“وشعركِ اليوم مذهل.”
تدلّت خصلات شعرها المموجة على كتفيها العاريتين تحت فستانٍ أبيض بسيط.
“لم نضع أيّ زينة إضافية، فالأقراط تكفي.”
تأمّلت فريا انعكاسها في المرآة طويلًا قبل أن تومئ.
“شكرًا لأنكِ ارتديتِ الفستان الذي أرسلته لكِ، فريا.”
كان قد استدعى الخيّاطين ليصنعوا لها العديد من الفساتين، ثمّ أرسل هذا الواحد خصيصًا. لم تفهم سبب ذلك، لكنها لم تكن تملك خيار الرفض ما دامت أسيرة عقدٍ معه.
“الخطوبة لن تكون شيئًا كبيرًا.”
“أعلم …”
خرج صوتها مرتجفًا رغم محاولتها التماسك. كيف يمكن أن تكون “غير مهمّة” وهي تمثّل دور نبيلةٍ تتزوّج وليّ العهد نفسه؟
‘إن كُشف أمري، فلن أخرج من هنا حيّة.’
لذا كان عليها أن تؤدي الدور بإتقان، لا من أجل لوكيوس … بل من أجل نفسها.
لكن حين وقفت أمام كلّ هؤلاء النبلاء، بدأت قدماها ترتجفان. ولولا تعليمات فرانشيسكا الصارمة التي جعلتها تحفظ ترتيب الحفل عن ظهر قلب، لانهارت بالبكاء.
‘لقد كان لتلك المئة مرّة من التدريب فائدة على الأقل.’
سارت فريا بخطواتٍ ثابتة وسط نظرات الحضور التي ركّزت عليها بشدّة. وعندما وصلت إلى الإمبراطور الذي بدا أضعف من ذي قبل، سعل بصوتٍ خشن.
لكن يبدو أنّ ذلك غير ضروريّ. شعرت ببعض الارتياح لذلك، ومع قليلٍ من الانزعاج أيضًا.
وبدأ الحفل، وسرعان ما تحقّق إحساسها السيء. إذ احتشد الجميع حول هارت وسيلينا بدلًا من وليّ العهد نفسه.
‘لماذا أشعر وكأنني ضيفةٌ في حفلي؟’
فقط بإعلان خطوبة هارت وسيلينا، امتلأت القاعة بالضجيج.
حتى فريا سمعت همساتٍ تقول إنّ هذا الاتحاد بين أكبر أسرتين في الشمال والجنوب سيغيّر موازين القوى.
‘يا لهم من مزعجين …’
عبست وهي تشعر بأنّها لم تعد سوى ظلٍّ في يومها الكبير.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 65"