كانت فريا نادمةً بلا نهاية لأنها أبرمت عقدًا متسرّعًا بسبب انشغالها بالذهب.
لذلك لم تكن ترغب في تكرار الخطأ نفسه.
“سأدفع عشرة أضعاف المبلغ الذي وعدتُ به.”
لكن أمام عرض لوكيوس لم تستطع التفكير بشيء.
عشرة أضعاف؟ لم تستطع حتى تقدير كم سيكون ذلك.
‘كنت أظنّ أن المال لا يحلّ كلّ شيء’
على ما يبدو، كان عليها أن تؤجل هذا التفكير مؤقتًا.
أمام تردّدها، همس لوكيوس قائلًا: “مدة العقد تبقى كما هي.”
“لكن ذلك …”
كانت فريا تنزعج من الطريقة التي يضيق بها عليها الخناق.
“لن يتغير أي شيء عمّا هو عليه الآن.”
“…”
“يمكنكِ أن تفكّري لعدة أيام أخرى.”
“حتى لو فكّرتُ أكثر، فلن يتغيّر شيء.”
عندما غشى وجهَ فريا ظلّ القلق العميق، تراجع لوكيوس خطوة إلى الخلف.
وأخفى عجَله بصعوبة، ثم تحدّث متظاهرًا بالهدوء.
“تعالي واجلسي هنا.”
مسح العرق عن جبينه، ثم أخذ عباءته التي علّقها على الشجرة وفرشها على العشب.
‘ما هذا الآن؟’
بدت تصرفاته وكأنها من أجل حبيبته، فجُمِّدت ملامح فريا تمامًا.
‘لن أجلس هناك.’
حاولت الجلوس بعيدًا عن العباءة وهي ترفض بلطف.
“كيف لي أن أجلس على شيءٍ ثمينٍ كهذا؟”
“العشب رطب، سيفسد فستانكِ.”
“همم …”
أمام هذا الإصرار، كان من الصعب الاستمرار بالرفض.
جلست أخيرًا على العباءة، لكن ملامحها بقيت متيبّسة.
‘أُفضّل أن يغضب مني.’
كان تجاهله أهون من هذه اللطافة التي تشعرها بعدم الارتياح.
وبمجرد أن جلست، جلس لوكيوس بجانبها.
ولمّا لامست كتفه العريض جسدها، تحرّكت قليلًا مبتعدة عنه.
‘آه، ربما عليّ أن أعود فحسب.’
هذا الإحساس المتزايد بوجوده كان غريبًا جدًا.
كان قلبها يهبط ويطير بتعبيرات وجهه وحدها.
‘ولستُ حتى مريضة.’
كانت تهمّ بالنهوض حين تحدّث هو فجأة.
“كنتُ آتي إلى هنا كثيرًا مع أمي.”
“…”
اتسعت عينا فريا دهشة؛ فهذه أول مرة تسمع منه حديثًا عن الإمبراطورة الراحلة.
بدت هذه الحديقة وكأن الراحلة لم توجد يومًا، إذ لم يكن حتى في قصر وليّ العهد لوحةٌ تُخلّدها.
“كانت أمي تحب حركة البجعة الرشيقة.”
أما فريا، التي رأت البجعة لأول مرة، فقد بدت مأخوذة بجمالها.
“لم أكن أعلم أن هناك طائرًا بهذه الضخامة والجمال.”
“لكن أمي كانت تقول إن الجزء الأجمل هو أن هذا الطائر الهادئ يحرك قدميه بلا توقف تحت الماء.”
وحين نظرت فريا إلى ما تحت سطح البحيرة الهادئة، رأت تموّجات الماء تنتشر باستمرار.
“سموّك … أمك …”
“رحلت وهي مريضة، عندما كنتُ صغيرًا.”
بدت ملامحه حزينة حين نطق باسمها.
فأخذت فريا تتأمل سطح البحيرة المتلألئ، وتفكر في كلمة “أم”.
نادرًا ما كانت تفكر في والديها لأنها كانت تشعر بالحزن حين تفعل، لكنها كانت تتساءل دائمًا.
‘يا ترى، عيني تشبه عيني من؟ ولماذا تُركتُ هناك؟’
جعلها ذلك الشعور المفاجئ بالبرد تضمّ ركبتيها بذراعيها.
كانت تعيش مقنعة نفسها بأنها ليست وحيدة، لكنها كانت أحيانًا تشعر بوحدةٍ قاتلة.
“أنتِ أول من أحضرتُه إلى هذا المكان.”
“…”
وصل صوته الهادئ إلى أذنها محمولًا على نسيم الليل، فخفق قلبها بشدّة.
كان صوته لطيفًا جدًا، حتى إنها ضغطت على صدرها بيدها.
‘ها هو مجددًا، يتصرف وكأننا عاشقان.’
لهذا السبب كانت تشعر بالارتباك دائمًا.
تنفّست بعمق ومدّت ساقيها أمامها.
‘لا تتأثّري. فكّري فقط في المنزل الصغير والحديقة.’
لكن مهما أنكرت، كانت تعلم يقينًا أنّها تحبّ الأمير لوكيوس.
‘تماسكي، فحتى لو وقعتِ في حبّه، لن يعود عليكِ بأي خير.’
كانت النتيجة واضحة جدًا، حتى التفكير فيها بلا معنى.
كم من مرةٍ سمعت قصص النساء اللواتي سحرهنّ النبلاء فدمرن حياتهنّ، حتى أطفالهنّ لم يُعترف بهم.
ربما كان من حسن حظها أنّ مشاعرها لم تتجاوز هذا الحدّ — مجرّد ارتجافٍ بسيطٍ في القلب.
‘حسنًا، سألعب دور النبيلة لبضعة أشهر، ثم أغادر ومعي المال.’
تعمّدت أن ترتسم البهجة على وجهها وهي تقول: “لقد تحسّن أدائي في الرقص كثيرًا، أليس كذلك؟”
“بهذا المعدل، سأكون أنا من يحرج نفسه. يجب أن نتدرّب كل يوم.”
لكن كلماتِه جعلت فريا تشعر بالإحباط.
‘لو تدرّبنا كل يوم، فلن يحتمل قلبي هذا.’
وفيما كانت تخفض رأسها، قدّم لها شيئًا صغيرًا ملفوفًا.
“افتحيه.”
عندما نشرت المنديل الأبيض، وجدت داخله حلوى تشبه الجواهر بألوان زاهية.
امتزجت رائحة الفواكه المختلفة في نسيم الليل، فبعثت في نفسها راحة لطيفة.
“هل يمكن أكلها؟”
“يا لكِ من غبية …”
تأملت فريا الحلوى الجميلة ثم اختارت الصفراء.
ما إن وضعتها في فمها حتى انتشر طعم الموز مع لمحةٍ من الليمون.
“إنها لذيذة جدًا.”
ومع الحلاوة التي ملأت فمها، تلاشى حزنها تدريجيًا.
“أنتِ تبدين كالسنجاب وأنتِ هكذا.”
ضحك لوكيوس بعينيه وهما تحدّقان بخدّها المنتفخ.
‘سنجاب؟ حقًا؟’
أدارت وجهها بسرعة وهي تهمس في نفسها: ‘سأتغاضى اليوم فقط، لأنه جلب لي شيئًا لذيذًا.’
ثم مدت المنديل نحوه.
“سموك، خذ واحدة أيضًا.”
“إذًا سأختار هذه.”
اختار الحلوى الخضراء الوحيدة بينهنّ.
ولم يضعها في فمه مباشرة، بل أمسكها بين أصابعه ورفعها نحو السماء.
“انظري، تبدو وكأن القمر أخضر.”
“قمرٌ أخضر؟ هذا غريب جدًا!”
“حقًا؟ …”
ظلّ يقلبها في يده طويلًا، ثم وضعها بهدوء في فمه.
سألته فريا وهي تراقبه يتذوقها ببطء: “سموك، ما طعمها؟”
“أتريدين أن تعرفي؟”
“كانت الوحيدة من نوعها …”
“سأخبرك، أغلقي عينيكِ أولًا.”
شعرت فريا بالخطر من كلماته الغريبة.
كان وجهه يبدو أكثر دفئًا ونعومة من المعتاد، فوجدت صعوبة في صرف نظرها عنه.
التفتت بصعوبة وقالت متلعثمة: “لم أعد فضولية الآن.”
“لكنني أريد حقًا أن أخبرك.”
ثم أمسك بخصلات شعرها البنيّ وقبّلها برفق على رأسها.
فأغمضت فريا عينيها بقوة مع ارتعاشٍ انتشر من قمة رأسها.
‘يا له من رجل خطير فعلًا.’
رغم أنها لم ترغب بذلك، إلا أن شفتيه لم تبرحا ذهنها.
‘هل سيقبّلني فعلًا؟’
فقط لمجرد التفكير، ارتجفت شفتيها وتصلّبت كتفاها.
وبينما لا تزال عيناها مغمضتين، شعرت بأنفاسه الحارّة قريبة منها جدًا.
‘يا إلهي…’
قبضت على يديها بقوة وهي تكتم خفقان صدرها.
لامس نفسه خدّها، فشهقت، وشمّت في الهواء رائحة النعناع.
“نعناع …؟”
“فريا، لماذا تُغمضين عينيكِ؟”
ابتعد عنها دون أن تدري، وألقى حصاة صغيرة في البحيرة.
“دخلتْ حشرة في عينيّ، هذا كل ما في الأمر.”
أجابت بلهجة حادة وهي تدير الحلوى في فمها بعنف، لم تكن تتوقع شيئًا حقًا، لكن طعم المرارة ملأ فمها.
***
“سيدي القائد، أليس هذا كافيًا؟”
“ألستِ من طلب معرفة كيفية مواجهة الوحوش؟”
أجابها جيميني بوجهٍ صارم لا يعرف المرونة.
تنهّدت فريا نادمة على ما فعلته.
‘كان عليّ أن أنجز واجباتي بدلًا من هذا.’
عندما كان لديه وقت فراغ، كان يرسل أحد خدمه لتعليمها استخدام الخنجر والدفاع عن النفس.
كانت ممتنة لذلك، لكن بعد أن سهرت مع لوكيوس في تدريب الرقص الليلة الماضية، كانت اليوم متعبة جدًا.
ومع ذلك، لم تستطع تأجيل دروس القائد.
تحت عينيها ظلال سوداء وهي تركز في كلماته من جديد.
“لا يمكنكِ هزيمة وحشٍ بخنجر، لكن إن استهدفتِ ما بين عينيه أو عينيه نفسها، يمكنكِ كسب وقتٍ للهرب.”
قال ذلك بجدية وهو يلوّح بخنجره في الهواء بخفة ودقة.
بالمقارنة، بدت حركات فريا أشبه بمن تمسك معولًا.
“عليكِ تقوية ذراعيكِ أكثر. وإلا فلن يكون لضرباتكِ أي قوة”
“حسنًا.”
لم تستطع نسيان الخوف الذي شعرت به يوم واجهت الخنزير البري في حقل الذرة.
أي تقنية لا تُستخدم في الواقع لا قيمة لها.
حتى لو كانت متعبة، لم تستطع التوقف.
‘يجب أن أصبح أقوى … كي أُنقذ لوتي أيضًا.’
استجمعت قواها وتبعت تعليماته بدقة، فابتسم جيميني راضيًا وهو يراها تتحسن.
“لنجرّب الآن على دمية القشّ.”
قادها نحوها، فتنفّست بعمق، وتخيّلت وجه شايلو مكان الدمية، فاشتعل حماسها فجأة.
“هاه!”
صرخت بحزم وطعنت الهدف بخنجرها، فتساقط القشّ عند قدميها.
“ليست سيئة أبدًا.”
“هاه … هاه …”
كانت تتمنى لو استطاعت رؤية آرتشر، لكنها لم تجد وقتًا لذلك.
أسرعت إلى غرفتها لتغتسل وتبدّل ثيابها، فقد اقترب الوقت الذي وعدها فيه الأمير لوكيوس بتدريبٍ جديد على الرقص.
“قال أن أكون هناك عند الثانية …”
تأخرت في التجهيز أكثر مما توقعت، فسارت مسرعة في الممر، حتى اصطدمت بصدر أحدهم دون قصد.
التعليقات لهذا الفصل " 64"