كان ما يجعلها تتحمّل يومًا شاقًا هو وجود لوس بجانبها.
فرغم أن جسده كان نحيلًا، إلا أنّ فيه جانبًا وقورًا، ولذلك لم تشعر فريا بالقلق وهي معه.
إن كانت لوتي مثل أخت صغيرة تحتاج لرعايتها، فإنّ لوس كان يُشعرها وكأنه صديق.
جلس الاثنان متقابلين في علّية الدار يلعبان لعبة ممتعة.
“إذن أنا الأب، وأنتَ الأم.”
“لكن أليس الرجل هو الذي يجب أن يكون الأب؟”
تحدث لوس عابسًا وكأنّه غير راضٍ عن توزيع الأدوار.
“وما المشكلة في مَن يكون الأب؟ المهم أننا نلعب معًا.”
“معًا …؟”
“نعم. هيا لنشكّل الطين بسرعة ونصنع كعكة.”
أخذت فريا كتلة من الطين جلبتها من الحديقة، وشكّلتها ثم غرزت فيها أعوادًا قصيرة لتكون شموعًا. أما لوس فجلس يراقب ما تفعل بخدّين محمرّين.
“لوس، هل سبق أن رأيت كعكة من قبل؟”
“ذلك …”
ارتبك لوس في الإجابة، فسارعت فريا للحديث.
“على الكعكة يتساقط سكر أبيض هكذا.”
نثرت رملًا ناعمًا كانت قد جلبته أيضًا من الحديقة فوق الطين. وهكذا اكتملت الكعكة اليدوية.
“لوس، تظن أنّه سيأتي يوم آكل فيه كعكة حقيقية في عيد ميلادي؟”
“فريا، متى عيد ميلادك؟”
“آه … متى كان؟ أظن في فبراير!”
تذكّرت يومًا حصلت فيه هي و لوتي على خبز لذيذ.
“ألا يوجد يوم محدد؟”
“ما التاريخ الأنسب برأيك؟ أنا عمري 13 سنة ، فلنجعله في اليوم 13.”
“حسنًا. فريا، ابتداءً من عيد ميلادك القادم، ستتكدّس أمامكِ الكعكات كالجبل حتى تعجزي عن أكلها كلها.”
كان يعجبها أن تستمع لتخيّلات لوس الطفولية، لكن كان يقلقها قليلًا أيضًا.
‘إن كان بعيدًا عن الواقع هكذا، فكيف سيتحمّل قسوة هذه الحياة؟’
“لوس، لا تقلق. عندما أصبح قوية جدًا، سأحميك أنا.”
“…ماذا؟”
تفاجأ لوس بعزمها المفاجئ.
وبينما كانت فريا تمضغ أصابعها وتهمس لنفسها: “ربما سنذهب قريبًا إلى العاصمة.”
كانت قد استبدّ بها في الآونة الأخيرة شعور بعدم الاطمئنان.
تُرى، كيف ستكون حياتها في العاصمة؟ وهل ستبقى مع لوس دائمًا؟ لم يكن هناك شيء مؤكد.
“فريا، ما الشيء الذي تتمنين أن تملكيه؟”
كان لوس يطرح أحيانًا أسئلة غريبة. وبفضل أسئلته تلك، استطاعت أن تحلم أحيانًا بعالم آخر.
“أنا لا أرغب بشيء.”
ابتسم لوس بعينيه الخضراوين اللامعتين وقال: “لو كان أمامكِ جرة مليئة بالذهب، وأنا بجانبها، أيّهما ستختارين؟”
ارتسم في ذهنها مشهد لجرة ذهب متلألئة ولوس معها.
الذهب بدا مغريًا، لكن خصلات لوس الذهبية البراقة سلبت بصرها أكثر.
“أنا أحب لوس أكثر. أما الذهب فسأكسب منه الكثير لاحقًا”
احمرّ وجهه قليلًا، ومدّ يده يلمس خدّها بخفّة.
“فريا، أنتِ حقًا …”
تنهد لوس، فابتسمت هي بشدّة.
بدا عليها أنه يخجل، وذلك جعلها تضحك أكثر.
“اعتبرني أختك الكبرى يا لوس.”
أرادت أن تفعل أي شيء من أجله.
***
كان المكان الذي يتواجد فيه لوس بعيدًا جدًا عن العاصمة.
في علّية ميتم مهترئة، أزاح القناع الذي اعتاد ارتداءه.
“…أنا مرهق.”
جلس منكمشًا، ولم يظهر على وجهه أي أثر لبراءته المعتادة.
عينيه وهما تحدّقان بالنافذة المغبرة كانتا ملبّدتين بالظلام.
‘ليتني أفقد ذاكرتي فحسب.’
كان قاسيًا أن يظل متخفيًا بهذا الشكل.
‘كل هذا فقط للبقاء على قيد الحياة …؟’
كان هدفه الأصلي الدير، لا الميتم. لكن الأحداث تعرقلت فوصل إلى هنا، ولم يكن هذا المكان كما تخيّل.
‘ميتم يقوم على إساءة معاملة الأطفال؟’
ولم يكن هذا فحسب، بل كان أيضًا مرتعًا للفساد بكل أنواعه.
‘الشياطين موجودة في كل مكان.’
رفع يده يمسح شعره عن جبهته، فتذكّر شخصًا كان جالسًا أمامه من قبل.
منذ قدومه لم يعرف سوى الألم. اكتئاب ، خمول ، لا شهية ، ولا رغبة في شيء. كل ما أراده هو أن يمر الوقت سريعًا.
‘لكنها كانت تزعجني دائمًا.’
كانت هناك فتاة تكلمه، وتقاسمه طعامها.
وجودها لم يَرُق له في البداية.
‘…فريا.’
هي من وجدته ساقطًا على الأرض. لم تكن مشاعرها نحوه منذ البداية ودّية، بل أقرب للشفقة والحذر.
‘لكن ذلك أثار فضولي.’
مدّت إليه يدها مرارًا، رغم أنه كان يختبئ مثل ميت.
‘حتى وأنا بهذا الحال، ما زالت تعاملني بلطف؟’
الغريب أنّ فريا كانت تراه شخصًا يحتاج حمايتها.
نظراتها الصافية الدافئة … لم يره أحد بها من قبل.
لم يكن متأكدًا من مشاعره، لكنه أحب فريا.
‘نادِر أن يقول أحد إنني أثمن من الذهب.’
غسل وجهه بيديه متذكرًا ذلك اليوم.
لم تكن كلماتها اعترافًا، لكن قلبه -وقد تجاوز سن الرشد- خفق بسرعة مختلفة عن قلبها.
‘فريا، أنتِ الوحيدة لي.’
هي من أمسكت بيده حين كان على وشك السقوط في الهاوية.
‘لن أفلت يدكِ مهما حصل.’
“لوس، ماذا تفعل هنا؟”
أفاق من شروده على صوت فريا، وهي تحمل بين ذراعيها كومة من الصوف للحياكة. أخفى وجهه الكئيب، وقال بخجل: “كنتُ في انتظارك.”
“ما هذا؟ تبدو مثل جرو ينتظر صاحبه.”
“الآن صرتُ جروًا؟”
ضحكت قليلًا، وأحبّ هو رؤية ذلك الوجه المبتسم.
***
منذ الصباح عمت الفوضى في الميتم بسبب رجل جاء ليشتري الأثاث.
خرجت الطاولات والكراسي الطويلة من قاعة الطعام، و أُخذت أسِرّة الأطفال واحدًا تلو الآخر.
لم يبقَ سوى القليل في غرفة صوفيا.
“أنتم محظوظون فعلًا أن تبتاعوا هذه الأشياء بثمن بخس”
تحدثت صوفيا بوجه متجهم وهي تقبض المال.
بعد تلك الضوضاء بدت أرجاء الميتم خاوية.
“لوس، أظن أنه لا يوجد أحد هنا اليوم”
لم يظهر العم ذو الملامح القاسية، ولا العجوز المشاكسة في المطبخ. حتى صوفيا خرجت إلى حفلة صغيرة.
… ثم دوّى الرعد وتبعه وابل من المطر ضرب نوافذ الميتم.
ارتجفت فريا قليلًا، فابتسم لوس مازحًا: “أنتِ التي تقولين إن الأشباح لا تخيفك، والآن تخافين من مطر بسيط؟”
“أنا لا أخاف المطر، لكن السماء حين تومض وتصدر هذه الأصوات تزعجني.”
تحدثت بصوت خافت، فابتسم لها.
بعد قليل، أمسكا شمعة وصعدا إلى العلية.
“هنا سيكون أفضل.”
كانت العلية الضيقة أدفأ من الغرف الخالية.
جلسا متقاربين ينظران لبعضهما.
“أتدري؟ في اليوم الذي تُركتُ فيه هنا، كان المطر يهطل. ربما لهذا لا أحب المطر”
همست فريا كأنها تكشف سرًّا. فمدّ لوس يده و أمسك يدها.
“حين يهطل المطر، سأبقى معكِ. إلى الأبد.”
استسلمت فريا لصوته العذب، وبدأت تشعر بالنعاس.
بدا وكأن الحظ أخيرًا خبّأ لها شيئًا طيبًا.
***
أصبحت كل أعمال الطهي والتنظيف من نصيبها وحدها.
كانت تجري طوال اليوم حتى تشعر أن أنفاسها تنقطع، ومع ذلك لم تُرضِ صوفيا يومًا.
‘في مثل هذه الأوقات يجب أن أتوخّى الحذر.’
عرفت فريا طبع صوفيا جيدًا، وحاولت ألّا تثير غضبها. لكن صوفيا التي اعتادت اللجوء للخمر كانت أعصابها حادة دائمًا.
تنتقد طعامها، أو تحتج على سوء التنظيف.
‘أتريدينني أن آكل هذا؟!’
صرخت و هي تقلب حساء البطاطا أرضًا.
جمعت فريا ما تناثر من حساء وأطباق دون أن تعتذر.
‘هذه كل المواد التي كانت لدي.’
عرفت أنه لا فائدة من التبرير، سيجلب لها المزيد من الصراخ فقط.
وفي ذلك اليوم، غضبت صوفيا لأنها سرّحت شعرها بعنف قليلًا.
“حتى هذا لا تجيدينه؟ هل تتعمّدين إهانتي؟”
انتزعت المشط ورمته أرضًا بعنف.
ارتجفت فريا وهي ترى المشط يتدحرج قرب المدفأة، لكن ما أقلقها أكثر كان لوس.
لم ترد أن يرى هذا المشهد. كان جالسًا في الزاوية، قبضته مشدودة كأنه يوشك أن يهبّ لنجدتها.
‘لوس، لا تنظر إليّ الآن.’
بشرته رقيقة جدًا، ولو لامسه المشط لجُرح.
يكفي أن تتحمل وحدها قسوة صوفيا. فقد اعتادت منذ طفولتها على عقوباتها، ولم يعد ذلك يهزّها كثيرًا.
“خالتي، آسفة.”
رجَتها، فاندفع لوس قليلًا إلى الأمام.
فأرسلت له إشارات متكررة بأن يبقى مكانه.
“خالتي، سأفعل أفضل في المرة القادمة.”
“ولماذا لا تقومين بالأمر جيدًا منذ البداية؟ آه صحيح، كيف أرجو شيئًا من طفلة بلا أصل مثلك؟”
لم تتوقف صوفيا عن صبّ غضبها عليها.
اشتدّ الموقف، ولم يطق لوس الصبر أكثر. فاندفع واقفًا يحمي فريا وصاح عاليًا: “كفى، أرجوكِ!”
تفاجأت صوفيا للحظة، ثم أمسكت المكنسة وقذفتها نحوهما.
“آه! و الآن صرتما تتجرآن عليّ معًا؟”
كانت عيناها تلمعان بجنون وهي تمد يدها لتلتقط شيئًا آخر عن الطاولة.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 6"