يبدو أنّ تلك الكلمات كانت صادمة إلى حدٍّ كبير، إذ إنّ الاثنتين اللتين كانتا تتحدثان بحماس قبل قليل، لزمتا الصمت طويلًا.
ارتشفت فريا الشاي بهدوء، ثمّ تناولت قطعة من البسكويت.
‘إن كنتِ ترغبين بجعلي امرأة فاسدة السمعة، فسأكون كذلك إذًا.’
جلست بكلّ ثقة، وقد رفعت كتفيها اعتدادًا بنفسها، حين فتحت الإمبراطورة فمها وقالت: “يبدو أنّ الآنسة دوبوا قد أساءت الفهم. لا بدّ أنّها ظنّت أنّ لطف هارت معها يعني شيئًا آخر. لكن، الآنسة إيديليون هنا ستكون قريبًا خطيبة هارت.”
“آه…”
عندما التقت عينا فريا بعيني سيلينا إثر كلام الإمبراطورة، كانت نظرتها حادّة كالسهم، كأنّها تريد أن تغرسها في صدرها.
في تلك اللحظة، اجتاحها شيء من الندم على جرأتها السابقة.
‘فالأمير هارت لا يملك نحوي أيّ مشاعرٍ أصلًا.’
لقد كان من غير اللائق أن تقول مثل هذا أمام خطيبته المستقبلية.
‘لكن ألم تكن تلك المرأة تُحبّ الأمير لوكيوس؟’
حتى فريا، التي لم تكن خبيرة في أمور الحبّ، استطاعت أن ترى بوضوح مشاعر سيلينا تجاه لوكيوس.
‘هل كلّ هذا بسببي؟’
ربّما أفسدت الأمور حين بدأت مسرحيتها تلك.
صحيح أنّ الأمير لم يكن يميل إلى سيلينا، لكنّ رأي هيرو كان مختلفًا.
لكن سيلينا تجاهلت تهنئتها تمامًا، وارتشفت الشاي فقط.
وسط أجواءٍ باردة كبركةٍ متجمّدة، فتحت الإمبراطورة فمها بنبرةٍ لطيفةٍ لا تليق بجوّ المكان.
“بما أنّنا سنصبح عائلة واحدة قريبًا، فالأفضل أن نُصفّي أيّ سوء فهم بيننا، أليس كذلك؟”
“أشكر جلالتكِ من أعماق قلبي على لطفكِ.”
تجاهلت سيلينا تحيّة فريا، وانحنت فقط أمام الإمبراطورة.
كان شعرها الأحمر الجميل يلمع كزهرة وردٍ مزدانةٍ بالأشواك، ومع ابتسامتها الخفيفة بان صفّ أسنانها البيضاء.
‘لن أتركها وشأنها.’
أقسمت في سرّها أنّها ستحطّم تلك المتوحّشة المدعوّة فريا دوبوا بيديها.
***
عاشت سيلينا إيديليون حياةً لا تقلّ رفاهية عن حياة العائلة الإمبراطورية.
فقد ربّاها والدها، الكونت إيديليون، بعنايةٍ بالغة.
‘سأضع العالم تحت قدميكِ يا ابنتي.’
كانت الفساتين الثمينة والمجوهرات الفاخرة متوفّرة إلى حدٍّ أنّها كانت تملأ الأرض.
ولأنّ نفوذ الكونت في الجنوب كان عظيمًا، فقد كانت سيلينا هناك كالشمس التي لا تغيب.
‘لا شيء لا أستطيع الحصول عليه.’
كان لقاؤها بوريث الإمبراطورية لوكيوس أمرًا محتومًا تقريبًا.
أحبّته من النظرة الأولى، وبدأت قصّة حبّها الأولى، دون أن تلتفت يومًا لغيره.
‘لا معنى لوجودي إن لم أكن بجانب الأمير لوكيوس.’
وبإيمانٍ راسخٍ كهذا، نظرت إليه لسنواتٍ طويلة.
لكن في النهاية، اضطُرّت إلى رؤية حبّها يُداس أمامها.
فقد خطفته منها امرأةٌ تافهةٌ من ديلموند، لا تنتمي حتى إلى النبلاء.
‘أبي، أريد الأمير لوكيوس! لا أريد أحدًا سواه!’
حاول الكونت، الذي كان ضعيفًا أمام ابنته، أن يُقنعها دون جدوى.
امتنعت عن الطعام، وأصرّت بعنادٍ شديد، فقد أرادت أن تمتلك لوكيوس كما كانت تمتلك لعبةً فضيّة من طفولتها.
وفي أحد الأيام، تلقّى الكونت رسالةً سرّية.
‘جلالة الإمبراطورة ترغب بلقائك.’
كان الكونت رجلًا حاذقًا يدرك أنّ عليه اتخاذ قرارٍ مصيريٍّ لمستقبل ابنته.
فالتقى بالإمبراطورة سرًّا داخل عربةٍ مظلمة.
ورغم الحجاب الذي غطّى وجهها، تحرّكت شفتاها وقالت: ‘الجنوب بأسره في قبضة كونت إيديليون، أليس كذلك؟’
‘أبدًا يا جلالتك. إنّ كلّ عشبٍ ينبت في أرض الإمبراطورية الموريسانية هو ملكٌ للإمبراطور العظيم.’
‘إنّ إخلاصك مؤثّر حقًا يا كونت.’
ثمّ دخلت الإمبراطورة في صلب الموضوع.
‘ما رأيك أن نربط بين الأمير هارت وابنتك؟’
تصبّب العرق من جبين الكونت.
فكّر مليًّا قبل أن يُجيب.
‘لن يكون من السهل إقناع سيلينا، لكن … لا خيار أمامي.’
فالعرض لم يكن خسارةً بأيّ حال، وفوق ذلك، لم يكن يجرؤ على رفضه.
‘لأنّ مصيري قد يكون كمصير الآخرين …’
فلم يكن طلاق الإمبراطور وزواجه من جديد أمرًا سلسًا.
لقد عارضت العديد من العائلات النبيلة، لكنّها جميعًا واجهت “حوادث” مؤسفة.
وبذلك، بدأ الرأي العام يميل شيئًا فشيئًا لصالح ميلادي الإمبراطورة.
‘كانت هناك شائعات تقول إنّ ميلادي الإمبراطورة تعتمد على ساحرٍ أسود.’
وفي ظلّ هذه الظروف، لم يستطع الكونت إيديليون رفض عرضها.
***
عندما عاد إلى المنزل، بدأ بإقناع ابنته قائلًا: ‘قد يتعرّض بيتنا للخطر يا ابنتي. ثمّ إنّ الأمير هارت سيكون الإمبراطور القادم.’
‘لكنّي لا أريد أن أكون الإمبراطورة التالية، أريد فقط أن أكون إلى جانب لوكيوس.’
‘إن وقفتِ إلى جانب الأمير لوكيوس الآن، فسنكون جميعًا في خطر.’
‘حقًّا؟ سنكون في خطر؟’
كانت تحبّ بصدق، لكنّها لم تكن مستعدّة لتخسر كلّ ما تملك.
لم يتغيّر حبّها للوكيوس، لكنها قرّرت التخلّي عنه.
‘إنّه لا يراني أصلًا …’
وهكذا انتهى حبّ سيلينا الأحادي.
تخلّت عن رغبتها القديمة، وأصبحت خطيبة هارت.
لكن، لم يكن من السارّ أن تشرب الشاي مع المرأة التي دمّرت حبّها الطاهر.
وبينما كانت الإمبراطورة تمسّك صدغها متعبة، استدعت وصيفتها وقالت وهي تنهض: “سأرتاح قليلًا، وأنتما تجوّلا قليلًا في الحديقة. سيكون من الجميل أن تتقاربا.”
بالطبع، لم تكن فريا تنوي التجوّل مع سيلينا، لكنها اضطُرّت للتظاهر بذلك لأنّ وصيفتين من وصيفات الإمبراطورة كانتا تراقبان.
كانت الحديقة الموصولة بالشرفة تفوح بعطر الورود المختلفة الألوان.
‘إنّها جميلة فعلًا.’
مقارنةً بساحة دار الأيتام الكئيبة، بدا هذا المكان أشبه بحلمٍ بعيدٍ عن الواقع.
وبينما كانت فريا تتأمّل حولها، تمتمت سيلينا بنبرةٍ حادّة وهي تقطع وردة.
“لو كنتُ أعلم، لَعاقبتكِ أكثر ذلك اليوم.”
“……؟”
هل كانت ترى أنّ سكب الماء الساخن على يدها لم يكن كافيًا؟
تجمّدت فريا من الدهشة للحظة.
لكنّ سيلينا رفعت صوتها أكثر.
“تظنّين أنّكِ تمتلكين العالم لأنّ الأمير لوكيوس اختاركِ؟ أحقًّا تعتقدين أنّ امرأةً مثلك يمكن أن تُقارن بي، أنا ابنة كونت إيديليون الرفيع؟”
كانت تغلي من الغيرة لأنّ تلك المرأة الحقيرة سرقت منها لوكيوس.
تألّقت عيناها المليئتان بالحقد، بينما اكتفت فريا برفع كتفيها بلا اكتراث.
“هل تجرؤين على تجاهلي؟ توقّفي فورًا!”
أمسكت سيلينا كتف فريا وهي تحاول الابتعاد.
كانت قبضتها قوية لدرجة أنّ الفستان تجعّد، وحرارة ألمٍ لسعت الجلد تحت القماش.
تنفّست فريا بعمق.
‘لستُ أهرب خوفًا من القذر، بل لأني لا أريد تلويث نفسي به.’
لكن يبدو أنّ الطرف الآخر لا يفهم.
‘يا لها من طفلةٍ مجنونة.’
وحين لم تُجب، صرخت سيلينا بعصبيةٍ أكبر: “أتظنّين أنّكِ ستسعدين بعد أن دمّرتِ حبّي؟!”
صرختها كانت هستيرية إلى حدٍّ جعل فريا تشعر بقليلٍ من الخوف.
‘كنتُ أظنّها ملاكًا، ولم أدرِ أنّها شيطانة.’
المظاهر حقًّا خادعة.
قرّرت فريا، التي كانت تنوي تجاهلها، أن تغيّر رأيها.
لو تراجعت الآن، فقد تُقدم هذه المجنونة على ما هو أسوأ لاحقًا.
“عليكِ أن تتكلّمي بدقّة يا آنسة.”
“ما الذي تقولينه؟!”
“أقصد أنّ ما انتهى هو حبّكِ من طرفٍ واحد، لا أكثر.”
لم يكن بينهما شيءٌ أصلًا، ولم تكن هي السبب في فسخ خطوبةٍ أو علاقةٍ رسمية.
“ما الذي تهذرين به؟!”
وسقط القناع الأنيق عن وجه سيلينا في لحظة.
صرخت بغضبٍ وهي تمزّق غصن وردةٍ من الشجيرة القريبة.
“كان عليّ أن أُريق الماء الساخن على وجهكِ الوقح بدلًا من يدك!”
اندفعت نحوها وهي تمسك بساق وردةٍ مغطاةٍ بالأشواك، مما أربك فريا.
كانت قادرةً على الدفاع عن نفسها، لكنّها تردّدت.
‘هل يصحّ أن أضرب نبيلةً مثلها؟’
في تلك اللحظة من التردّد، خدشها الغصن على خدّها، فتدفّق سائلٌ دافئٌ مزعج على بشرتها.
“آه!”
غطّت خدّها بيدها، ثمّ ركلت سيلينا بكلّ قوتها.
تدحرجت سيلينا أرضًا وسط طبقات فستانها الثقيلة.
شعرت فريا بالراحة، لكنّ فكرة العواقب القادمة سبّبت لها صداعًا.
صرخت غاضبة: “لماذا تفعلين هذا بي؟!”
“يا لوقاحتكِ …!”
لهثت سيلينا من الغضب، لكنها لم تستطع الردّ أكثر بعدما رأت الجرح الواضح على وجه فريا.
“لن أترككِ بسلام!”
قالت ذلك وهي تترنّح، ثمّ غادرت الحديقة بخطواتٍ غاضبة.
“يا لها من ذات مزاجٍ مريع …”
وخزها الجرح على خدّها بقوّة.
“يبدو أنّ عليّ العودة الآن.”
وما إن استدارت فريا لتغادر، حتى امتدّت يدٌ من بين الشجيرات وسحبتها إلى الداخل.
حاولت الصراخ، لكن كفًّا كبيرًا أسكته على شفتيها.
“……!”
رغم الظلام الكثيف، تعرّفت فورًا إلى من يحتضنها.
“لقد أفزعتني يا صاحب السموّ.”
“هشش …”
كان لوكيوس قد أنهى عمله، ثمّ علم أنّها ذهبت للقاء الإمبراطورة وسيلينا، فشعر بقلقٍ شديدٍ من أن يحدث لها مكروه.
تسلّل إلى الحديقة خفيةً ليراقبها بنفسه.
قال بصوتٍ منخفضٍ محاولًا إخفاء غضبه: “قولي لي الحقيقة. هل كانت سيلينا هي من سبّبت جرح يدكِ ذاك؟”
“لقد مضى الأمر.”
“أجيبي فورًا!”
تسلّلت أنفاسه الحارّة قرب عنقها، تحمل نبرةً غاضبةً مكتومة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 56"