جلست فريا منهارة على أرض قاعة الدروس التي كانت تُقام فيها حصة الرقص.
لكن إن دقّق أحد النظر، فسيرى أنها لم تكن جالسة بقدر ما كانت شبه مطروحة على الأرض.
“هاف… هاف…”
أنفاسها كانت تتقطّع حتى وصلت إلى حنجرتها، لكنها حاولت بكلّ جهد أن تقف مجددًا.
يجب أن أتدرّب بشكلٍ صحيح مهما كلّف الأمر.
منذ تصرّف لوكيوس بغرابة قرب البحيرة، صار يزورها أكثر من ذي قبل ويزعجها باستمرار.
‘يجب أن تتعلّمي الرقص جيدًا.’
‘ولماذا؟’
لم تكن فريا بارعة في أيّ شيء على وجه الخصوص، لكنّها كانت سيّئة جدًا في الرقص تحديدًا.
كانت تُخطئ الإيقاع دومًا، وجسدها الصلب يجعل حركاتها تبدو كأنها تخوض معركة لا رقصة.
‘إن لم تكوني تجيدين الرقص، يمكنني أن أعلّمك بنفسي.’
ذلك التهديد المتخفي تحت قناع اللطف جعلها تصحو من غفلتها فورًا.
إن لم تتقن الأمر، فقد تضطرّ إلى التدرّب على الرقص مع الأمير بنفسه!
‘أشكرك على عرضك، لكن سأحاول أكثر بنفسي.’
تذكّرت فريا تلك اللحظة، فوضعت يدها على صدرها لتهدّئ قلبها.
“التدرّب هو طريق النجاة!”
نهضت وهي تجرّ جسدها المتعب، تشحذ عزمها من جديد.
“هل كنتُ أفعلها هكذا قبل قليل؟”
بدأت تراجع الخطوات التي تعلّمتها، لكن أداءها وحدها بدا غريبًا جدًا.
وفجأة أطلّ رأس أحدهم من بين فتحة الباب.
“هل أزعجتُكِ؟”
“آه، مرحبًا، مايكل.”
كان هو الشابّ الذي قابلته سابقًا في الحديقة، يحمل حزمة في ذراعيه.
“كنت في طريقي لأداء مهمّة، لكنّي سمعت صوتًا فجئتُ لأتفقد.”
“آه، فهمت.”
لابد أنّه سمع صوتها وهي تتعثر وتسقط أرضًا.
احمرّ وجه فريا خجلًا، وراحت تحكّ رأسها، بينما وضع مايكل ما كان يحمله على الأرض.
“هل أساعدكِ قليلًا؟ من الصعب التدرّب وحدكِ، أليس كذلك؟”
“في الرقص؟”
الرقص ليس من الأمور التي يحتاجها غير النبلاء أصلًا.
ولأول مرة تساءلت فريا عمّا يفعله مايكل بالضبط.
ملابسه لم تكن لباس نبلاء، لكنها أيضًا ليست لباس خدم.
وكأنّه قرأ تساؤلها، بادرها بالقول: “أنا ساحر صاحب السمو الأمير هارت.”
“آه، إذًا أنت ساحر.”
ساحر؟ هذا جعلها تشعر بألفة غريبة نحوه.
وحين نزع ردائه، بانَت عيناه الحمراء تمامًا مثل هيرو.
‘هل يمكن أن أطلب منه ذلك؟’
هيرو لم يرقص يومًا، ولم تكن قريبة من جيميني بما يكفي لتطلب منه مثل هذا الطلب.
أما آرتشر فربما كان سيساعدها، لكنه لم يكن متاحًا.
إن أرادت تفادي التدريب الانفرادي مع لوكيوس، فعليها أن تستعين بأيّ يد متاحة، مهما كانت صغيرة.
“إذن، أرجو المعذرة، لكن هل أستطيع طلب مساعدتك قليلًا؟”
“لقد تعلّمتُ القليل في صغري فقط، لذا لستُ بارعًا كثيرًا.”
“أما أنا، فهذه هي المرة الأولى لي تمامًا.”
وضع مايكل ما في يده على الأرض، وخلع ردائه الطويل، فانسكبت خصلات شعره الفضيّ على كتفيه، وانكشف رداؤه الرقيق فوق جسده النحيل.
جماله المدهش جعل فريا تحدّق به دون وعي، حتى مدّ يده إليها.
“نبدأ بالإمساك باليد هكذا.”
“نـ-نعم.”
وهكذا بدأت رقصة فريا معه، وكانت أكثر سلاسة مما توقّعت.
‘قال إنه نسي الرقص، لكن حركاته مذهلة!’
كان مايكل راقصًا بارعًا، مما جعل فريا تتقن الحركات التي أخفقت فيها سابقًا.
“هذا النوع من الرقص يحتاج إلى من تمرّن منذ الطفولة.”
“آه، صحيح.”
“لكن فريا، لديكِ موهبة بالفعل.”
تألّق وجه فريا المليء بالإحباط بابتسامة مشرقة بعد كلماته.
لقد بدأت تظنّ أن العالم ليس كله مليئًا بالأشرار والغرباء الأطوار.
استعادت ثقتها بنفسها وواصلت الرقص في القاعة الضيّقة بحماس.
“أنتِ تفعلين ذلك بشكلٍ رائع حقًا.”
في تلك اللحظة، كانت عيناه الحمراوان تلمعان بوميضٍ غريب وهو يحتضنها.
***
مرّت ثلاثة أشهر منذ قدومها إلى هنا.
كانت تحلم في البداية بالهرب من هذا الجحيم، لكنها بدأت تعتاد عليه تدريجيًا.
لا تزال السيدة فرانشيسكا تحدّق بها بغضبٍ في كلّ درس، والأستاذ مودني استسلم لفهم أسلوبها الفني الغريب.
أما مهارتها في الفروسية، فهي ما زالت موضع شك.
ومع ذلك، مضت الأيام على وتيرتها المعتادة.
“لكن هذا لا يعني أني سأستطيع النوم على هذا السرير …”
تأمّلت السرير بحدة، ثم جمعت شعرها الطويل وربطته بشريطٍ أزرق.
كانت قد وُكّلت لها خادمتان، لكنها لم تطلب مساعدتهما إلا في أضيق الحدود.
تذرّعت بأنها خجولة جدًا، لكن في الحقيقة، لم تستطع احتمال فكرة أن يخدمها أحد.
أشعر وكأن نملًا يسير على جسدي!
وأثناء تفكيرها بالنمل، تذكّرت لوكيوس الذي أثنى على فستانها.
كان ينظر إليها برضى كامل، ولمّا التقت عيناها بعينيه الزرقاوين، أحسّت بقشعريرة تسري في جسدها.
لا تُفسّري نظراته الغريبة على هواكِ. ربما كان يفتّش عن عيب فقط.
كلّما فكّرت فيه، اختلطت في داخلها مشاعر كثيرة؛ كان الأمير دائم الغرابة، متقلّبًا، متسلّطًا.
فحاولت أن تُشغل نفسها بأفكارٍ أخرى.
من الجيد أني تعرفت على مايكل.
كانت تلتقيه بين الحين والآخر لتناول الشاي والحلوى، وأحاديثه دائمًا ممتعة.
هل سأراه بعد الدرس أيضًا اليوم؟
كان وجوده مصدر سعادة جديدة لها، فقد نادرًا ما حظيت بصديقٍ في مثل عمرها.
***
‘الدرس الأخير هو الشعر!’
فكّرت بضجر: ربما تلقّي صفعة من السيدة فرانشيسكا أثناء درس الإتيكيت أهون من هذا.
لم تتذكّر يومًا أنها حضرت درس الشعر وهي بكامل وعيها.
الدرس كان مثاليًا؛ المعلمة أنيقة، وصوتها كخرير الماء.
‘المشكلة أني لا أفهم شيئًا عن الشعر أصلاً.’
“الآنسة دوبوا، تفضّلي بقراءة هذا الجزء.”
أشارت المعلّمة إلى مقطعٍ في الكتاب، فبدأت فريا تقرأ بتلعثم: “إلى سيد الصحراء، أقدّم هذه الأرض الحمراء، فاسا، بأكملها لك.”
“حسنًا، ما الإحساس الذي يولّده هذا المقطع لديكِ؟”
كلّما طُرحت عليها هذه الأسئلة، شعرت بالاختناق.
كيف يُفترض بها أن تفهم مشاعر شاعرٍ كهذا؟
قال إنه يُقدّم الأرض، فهل يعني أنه صار غنيًا؟
ترددت قليلًا قبل أن تجيب بخفوت: “أمـم، يعني … يبدو أنه سعيد لأن لديه أرضًا؟”
“يا إلهي! أتحوّلين هذا الحبّ المفعم بالألم إلى طمعٍ مادي؟”
تنهدت فريا وعاودت قراءة المقطع، لكنها لم تجد فيه لا ألمًا ولا حبًا.
‘إن كان يحبّها فعلًا، فعليه أن يهديها ذهبًا أو خبزًا على الأقل.’
كانت نظرتها إلى الحبّ مختلفة تمامًا عن نظرة أولئك النبلاء المتأنقين.
حاولت أن تبقى مستيقظة بقرص فخذها وفرك عينيها حتى انتهى الدرس تقريبًا.
وفجأة، طرق أحد الخدم الباب.
“الآنسة دوبوا، جلالة الإمبراطورة تدعوكِ للحضور.”
‘آه! اللعنة …’
كادت تنطق الشتيمة بصوتٍ عالٍ.
لو سُئلت عن أكثر شخصٍ لا تريد لقاءه في هذا القصر، لقالت فورًا: الإمبراطورة.
‘مجرد إحساسٍ سيء يراودني.’
لكنها لم تكن تملك حقّ رفض الدعوة.
سارت بخطًى ثقيلة نحو جناح الإمبراطورة، وهناك قادها أحدهم إلى غرفةٍ مختلفة عن السابقة.
كانت الشرفة تطلّ على الحديقة، والإمبراطورة تحتسي الشاي مع شخصٍ كان قد وصل قبلها.
ابتسمت الإمبراطورة بلطف عندما رأت فريا.
“الآنسة دوبوا، آمل ألا أكون قد أزعجتكِ بدعوتكِ وسط انشغالك.”
شعرت فريا بالضيق في داخلها.
‘إذا كنتِ تعرفين أنك تزعجينني، فلا تدعينني إذًا!’
حقًا، لا تفهم لماذا يتحدث النبلاء دومًا بكلماتٍ لا يقصدونها.
أعادت شفتيها المتبرّمتين إلى مكانهما، وانحنت باحترام.
“المجد لديانا! أتشرف بلقائكِ، جلالتكِ.”
“تعالي واجلسي، هناك من أودّ أن أعرّفكِ به.”
حين جلست، رأت من الجهة المقابلة امرأة بشعرٍ أحمر مُزيَّن باللؤلؤ.
كانت سيلينا أدليون.
‘رائع … لا تكفيني الإمبراطورة حتى أرى وجه هذه أيضًا؟’
تجهّمت ملامحها تلقائيًا.
كانت سيلينا هي نفسها تلك المرأة الحقودة التي لا تنسى فريا أفعالها الدنيئة.
‘مجرد النظر إلى وجهها يجعل يديّ تشتعلان غضبًا.’
قالت سيلينا بابتسامةٍ متصنّعة: “آنسة دوبوا، من الجميل أن نلتقي مجددًا هنا.”
“آه … نعم.”
لم تكن تملك موهبة التظاهر بالسعادة لرؤية من تكره.
ولما أدارت وجهها، تابعت سيلينا بلهجةٍ حادة: “يبدو أن هذا أسلوب التعامل في ديلموند؟”
“هاه؟”
لم تفهم ما تعنيه، لكنها كانت واثقة أن وراء كلماتها نية خبيثة.
“هل تغوين الرجال بهذه الطريقة؟”
اتسعت عينا فريا من الصدمة، بينما تابعت سيلينا بنبرةٍ لاذعة: “جلالتكِ لا تعرف، لكن علاقة الآنسة دوبوا بالأمير كانت فريدة جدًا. لقد شاركا الخيمة نفسها حين كانت تتنكر بزيّ رجل!”
أجابت الإمبراطورة متظاهرة بالتردد: “سمعتُ أن معجبيكِ في القصر كُثر، من قائد الفرسان إلى كبير السحرة، وصولًا إلى الفرسان الوسيمين. يصعب حتى عدّهم على الأصابع.”
كانت الكلمات جميعها بلا معنى بالنسبة إلى فريا.
لم تعرف الحب يومًا، فكيف بها أن تكون بطلة علاقاتٍ في القصر؟
تذكّرت أن لوكيوس قال شيئًا مشابهًا في وقتٍ سابق.
“علاقاتٍ في القصر …”
“أوه، تتظاهرين بعدم المعرفة؟”
شرحت الإمبراطورة بأن الموضة الجديدة بين سيدات الطبقة النبيلة المتزوجات هي أن تكون لكلٍّ منهن عشيق.
“بالطبع، أنا لا أهتم بهذه الأمور المنحطة.”
“طبعًا، أفهم.”
ضيّقت فريا عينيها وهي تأكل قطعة الكعك بصمت.
هاتان السيدتان لم تكونا تنويان الاستماع إلى أيّ شيء تقوله.
‘يحكمون عليّ فقط من خلال الشائعات!’
حسنًا إذًا، لم لا تردّ عليهما بأسلوبهما نفسه؟
“ألا يغضب الأمير من كلّ هذه الأحاديث عنكِ؟”
سألتها سيلينا بابتسامةٍ جانبية وهي تلوّح بمروحتها.
رفعت فريا رأسها بثقة، وقالت ببرود: “لا أدري، لكنّ شعبيّتي ليست أمرًا بوسعي التحكم به. و بالمناسبة، تلك الشائعات ليست دقيقة تمامًا.”
“وأيّ جزء منها غير دقيق؟”
سألت الإمبراطورة وقد ازداد فضولها.
“لأن من بين معجبيَّ أيضًا … صاحب السمو الأمير هارت.”
“… يا إلهي.”
تجمّد الجوّ من حولهم في لحظة واحدة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 55"