حتى ابتعدا كثيرًا عن منزل آرتشر، لم ينطق لوكيوس بكلمةٍ واحدة.
‘آه، أشعر بالاختناق.’
من يراهما قد يظنّ أنّهما يتنزّهان على مهل، لكنّ الحقيقة أنّها كانت تُسحَب وراءه جرًّا. كان صدر فريا منقبضًا، وخطاها ثقيلة بطيئة.
‘لماذا هو غاضب؟’
مع أنّها بارعة في قراءة المواقف، إلا أنّها هذه المرّة لم تستطع الفهم.
ثمّ ما بال يده تمسك بي بهذه القوّة؟
‘لا بدّ أنّ هناك سببًا، لكنّ إمساكه بيدي هكذا…’
بدأت تشعر بالارتباك شيئًا فشيئًا.
‘كأنّ الأمير واقعٌ في حبّي أو شيء من هذا القبيل.’
ظلت فريا طوال الطريق غارقةً في حيرةٍ شديدة.
‘إلى أين نحن ذاهبان أصلًا؟’
هذا الطريق لا يؤدّي إلى القصر الإمبراطوريّ.
تحت وطأة الأجواء الثقيلة، راحت فريا تلقي نظرةً سريعة حولها.
“آه…”
خلف البحيرة الممتدّة أسفل الأسوار العالية، كانت الشمس توشك على المغيب.
أُسرت فريا بالمشهد الذي لم ترَه من قبل طيلة الأشهر التي قضتها هنا. عصفت الرياح العاتية بأطراف فستانها الورديّ، وتراقص شعرها البنيّ مع الريح.
“صاحب السموّ، هل رأيت هذا؟ المنظر حقًّا رائع!”
وقف لوكيوس خلفها وقال بصوتٍ خافتٍ جدًّا، لم يكن ينظر إلى المنظر، بل إلى من أمامه.
“… جميلة.”
“……؟”
كان صوته خافتًا جدًّا وسط هدير الريح المرتفع حتى كادت لا تسمعه، فجمعت يديها وصاحت: “صاحب السموّ! لم أسمع جيّدًا!”
وفي تلك اللحظة هبّت عاصفة مفاجئة كادت أن تُفقدها توازنها، وكان خلفها منحدرٌ سحيق.
“فريا!”
مدّ لوكيوس ذراعيه بسرعة واحتضنها. لبضع لحظاتٍ وجيزة بقيا متعانقَين، وفريا تلهث من الذعر، متشبّثة بعنقه، وقد احمرّت وجنتاها. كانت رائحة خفيفة من الخمر تعبق منه.
لم يكن ثمّة ما يدعو للقلق، ومع ذلك خفق قلبها بعنف.
‘إنّها رائحة الخمر، نفس الرائحة التي كانت تعبق داخل الخيمة…’
لكن لماذا تبدو هذه المرّة مختلفةً ومميّزة؟ خافت من أن تُظهر توتّرها فحوّلت وجهها جانبًا، ومع ذلك شعرت بنظراته الثابتة على خدّها. اشتعل وجهها بحرارةٍ، وحكّتها رقبتها.
‘لماذا ينظر إليّ هكذا؟’
تمنّت لو أنّه يتوقّف.
وفي الوقت ذاته، كانت تتساءل كيف تبدو ملامحه الآن.
“تعالي.”
مدّ لوكيوس يده ثانيةً وسحبها معه إلى مكانٍ آخر.
“صاحب السموّ، يا صاحب السموّ …”
إنّه غريب الأطوار اليوم حقًّا.
كانت فريا تتبعه بخطواتٍ سريعة، ترفع بصرها نحو خصلات شعره التي داعبتها الريح.
خفق قلبها بشدّة فوضعت يدها على صدرها لتكتمه. كانت تكرهه أحيانًا، وتضطرب أحيانًا، لا شكّ أنّها جنّت.
“أجيبي، فريا.”
عضّت شفتها، تحاول كبح الكلمات. لم تكن طفلة تحلم بعالمٍ ورديّ. عرفت قسوة الحياة منذ أن بدأت السير فيها.
‘هذا الشعور الغامض لن يجلب لي سوى المتاعب.’
إن استمرّت هكذا، فستظلّ أسيرة لوكيوس طوال الأشهر السبعة المتبقّية. ستفرح وتغضب لكلماته الفارغة بلا نهاية.
‘وهذا ما يحدث فعلًا.’
في الأيّام التي لا يأتي فيها، كانت تقف طويلًا على الشرفة بانتظاره. صارت تنتظر الصندوق الصغير الذي يرسل به.
وصارت مجرّد رؤيته تُثير في فمها طعمًا حلوًا. يا لرهبة العادة.
‘يا لي من بائسة.’
عندها أدركت فريا أنّها ضعيفة أمام العاطفة.
حتّى صوفيّا القاسية كانت تُشعرها بالحنين قديمًا.
‘عليّ التخلّص من ضعفي، وإلّا لن أعيش.’
تمالكَت نفسها وقالت بهدوء: “أنت تتحدّث عن ذلك الرجل مجدّدًا؟ كان آرتشر، لا غير. التقينا بعد زمنٍ طويل وتبادلنا بعض الأحاديث، لم أعلم أنّ ذلك يُعدّ جريمة.”
كانت غاضبة، لكنّها لم تكذب.
ففي هذا المكان، لم يكن هناك من تتحدّث معه.
الأمير مشغول دائمًا، وهيرو يزورها نادرًا. ظنّت أنّها اعتادت الوحدة، لكنّها كانت واهمة. وعندما رأى لوكيوس ملامحها الحزينة، أظلم وجهه.
“… هل كنتِ تشعرين بالوحدة؟”
“ومن ذا الذي لا يشعر بالوحدة في هذا العالم؟”
كرهت الصمت الذي ساد بينهما. كان ينبغي أن يبقى الأمير صارمًا، وهي تسايره فحسب.
‘بقي سبعة أشهر فقط.’
نهضت واقفة وتقدّمت نحو البحيرة، حيث كانت بجعة بيضاء تسبح ببطء.
انعكس وجهها في صفحة الماء الحمراء بلون الغروب، ثمّ اقترب لوكيوس منها. كاد يبكي حين تذكّر كلماتها عن الوحدة.
‘ماذا أفعل بك يا فريا؟’
أراد أن يحتضنها الآن ويُظهر لها كلّ ما في قلبه، لكنّه كبح نفسه.
وانعكس وعده الصامت في نظراته التي ظلّت معلّقة على وجنتيها المشتعلتين.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 54"