“حرّكي كثيرًا حتى يمتزج العسل بالمسحوق جيّدًا.”
كان صوت صوفيا مشبعًا بالانزعاج.
كانت صوفيا هي من يدير الميتم فعليًّا، لكنّه كان في النهاية ملكًا لشايلو.
كانت تدرك أنّه إن لم تُظهر نتائج لافتة، فسيُنتزع هذا المكان منها قريبًا. كان بين جفنها وعظم وجنتها كدمة داكنة، لعلّها من أثر الضرب الذي تلقّته من شايلو الليلة الماضية.
“يجب أن تُخفي الكدمة حول عيني بشكل جيّد.”
حين بدأت صوفيا تقضم أظافرها الطويلة بعصبيّة، أصاب فريا التوتّر بدورها.
‘قد أُبرَح ضربًا إن حدث أي خطأ.’
في مثل هذه الأوقات كانت صوفيا شديدة العصبيّة، فلا تتسامح مع أيّ هفوة.
بيدين مرتجفتين، وضعت فريا المسحوق، ثمّ دهنت على شفتيها خليط العسل والصباغ.
وانعكس في المرآة الصبيّ الذي كان محشورًا في زاوية غرفة النوم، ذاك الذي أنقذته فريا.
كان جالسًا هناك يقرأ أوراقًا سميكة ويكتب شيئًا.
‘قال إنّه يساعد صوفيا في عملها …’
لكن لم يكن ثمّة ما يُحسَد عليه.
بدا أنّ الصبي يقضي معظم يومه هكذا. لم يختلط بأحد ، ولم يتكلّم.
ومع النظر إليه تذكّرت فريا القطّ الذي كان يعيش قرب المخزن في فناء الميتم.
كان القطّ الأصفر يلمع تحت الشمس بلون ضارب إلى الحمرة.
في البداية لم يسمح لها بالاقتراب، ولم يكن يرضى إلّا بأن يأخذ بقايا العظام أو قطع السمك الصغيرة التي تجدها ملقاة في الطريق، ثمّ يختفي بسرعة.
“تعال إلى هنا.”
ما إن نطقت صوفيا، حتى زحف الصبيّ إليها بضعف.
ألقت عليه بعض الأوراق.
“رتّبها كلّها قبل أن أعود.”
كانت تعامل الصبيّ لا كإنسان، بل كحيوان.
كان يأكل من الأرض، وينام منكمشًا.
‘أشعر بعدم ارتياح.’
كان من المؤكّد أنّه لو تُرك في الفناء لمات، لكنّ حياته في غرفة صوفيا لم تكن أفضل حالًا.
حين خرجت صوفيا لأمرٍ عاجل، عاد الصبيّ إلى زاويته.
كان وجهه الشاحب أشدّ بهوتًا لقلّة تعرّضه للضوء.
أكان هذا من مسؤوليّة من أنقذه؟ ربّما لم يكن سوى فضول زائد، لكن فريا لم تستطع تجاهله.
“هيه. تعال إلى هنا”
نادته، لكن لم يبدُ منه أيّ ردّة فعل. أرادت أن تُخرجه من هذه الغرفة المشبعة بعطر صوفيا و لسانها السامّ.
رفعت صوتها مرّة أخرى، فترك الصبيّ الأوراق ورفع رأسه.
كان في عينيه بريق شارد بلا تركيز.
“…….”
“لنذهب إلى علّيتنا.”
يبدو أنّ كلمة “علّية” راقت له، فنهض.
تسلّل الاثنان بحذر حتى وصلا إلى العلّية.
جلست فريا وأخرجت الورق الذي غُلّفت به قطعة بسكويت.
قبل أيام، وفي لحظة مزاج جيّد نادر، أعطتها صوفيا إيّاها.
كان الورق متشبعًا بدهن البسكويت، وما إن فتحته حتّى فاحت منه رائحة حلوة. شقّته نصفين وقدّمته له.
“كُل هذا.”
لكن الصبيّ لم يمدّ يده سريعًا، بل بدا متحفّظًا.
وقد فهمت فريا ذلك جيّدًا.
لم يوجد في هذا المكان من يُحسن بلا سبب.
ربّما كانت هي الأخرى في نظره مثل سائر من في الميتم.
“لا داعي للتردّد.”
قرّرت أن تصارحه.
“أنا التي أنقذتك من الفناء. لذلك يمكنك أن تأكل هذا البسكويت.”
لكنها أضافت في نفسها فقط أنّها لا تدري إن كان ما فعلته صوابًا أم لا. مدّت إليه القطعة مرّة أخرى ، فاقترب الصبي وجلس، ثمّ مدّ يده ببطء.
“آه، إذًا أنتِ المنقذة”
كان صوته مختلفًا قليلًا عمّا قبل، لكن فريا اعتبرت الأمر مجرّد وهم.
“ربّما. لا أعلم إن كنتُ منقذة حقًّا”
“اسمكِ فريا؟”
على خلاف توقّعها، أظهر الصبيّ فضولًا نحوها.
“نعم. وأنت ما اسمك؟”
“نادِني … لوس”
فكّرت فريا أنّ هذا اسم يليق بصبيّ يُشبه القطّ الذي رأته ذات مرّة. ومنذ ذلك اليوم الذي تبادلا فيه الأسماء، بدأ الاثنان يتقرّبان شيئًا فشيئًا.
“هذا اسمكِ”
كان لوس يعرف القراءة والكتابة، وعلّمها شيئًا فشيئًا كلّما سنحت الفرصة.
“لوس، كيف تكتب اسمكَ؟”
“سأخبركِ لاحقًا.”
ومن خلاله سمعت فريا أخبار العالم الخارجي.
قال إنّ حروبًا عديدة وقعت، وإنّ في إمبراطوريّة مورسياني ملكًا طاعنًا في السنّ وابنين وليّين للعهد.
“إذًا وليّ العهد سيصبح الملك القادم؟”
سألت فريا وهي تميل برأسها، فشدّ لوس قبضته وارتسم على وجهه تعبير غامض.
“من المفترض ذلك ، لكن ليس مؤكّدًا بعد.”
“مـم، فهمت.”
لكن فريا لم يكن يعنيها من سيرتدي التاج، الأمير الأوّل أم الثاني. كلّ ما رأت أمامها كان لوس ، بشعره الناعم كلون الكعك.
“حتى لو لم أعرف، أظنّك أجمل منهما يا لوس.”
انعكست في عيني لوس البراقتين صورة عيني فريا المتلألئتين.
حتى فريا التي لم تفهم تمامًا معنى الجمال، رأت أنّ لوس جميل بحق. لذلك ربما حتى صوفيا لم تستطع ضربه.
لكنّ المديح لم يَرُق له. قطّب حاجبيه الجميليْن وتكلّم بجديّة: “أن يُقال لصبي إنّه جميل ليس مديحًا.”
“صبي؟ أنت؟”
ضحكت فريا بملء فمها وتمرّغت على الأرض. بدا لوس في نظرها كطفل في الثامنة من عمره، وكان لطيفًا للغاية.
“لوس، أنا سأبلغ الثالثة عشرة قريبًا.”
ظهر على وجه لوس ارتباك شديد، وزفر بعمق.
“فريا، في الحقيقة … لديّ ظروف خاصّة.”
بدا أنّه يريد قول شيء، لكنّه أسقط رأسه فجأة.
كان ذلك مضحكًا لفريا، فقرّرت أن تمازحه.
“أجل، أجل. لِنَقُل إنّك في الأصل في المئة من عمرك، لكنّك مسحور. أليس كذلك؟”
“فريا … كيف عرفتِ؟”
رفع رأسه ونظر إليها بجديّة، فضحكت هي أكثر.
“ما هذا، لوس؟ أأنت ما زلت تصدّق مثل هذه الأشياء؟ كم أنت لطيف.”
ظنّت أنّه وإن عرف القراءة، فما يزال مجرّد طفل مثل لوتي.
وكان حين يغضب يبدو كقطّ منفوش الشعر. ذلك القطّ الذي كان يظهر فجأة عند صوت خطواتها، بشعر ذهبي يشبه شعر لوس.
“ناعم …”
بينما كانت تتخيّل القطّ، مدّت يدها لا إراديًّا وربّتت على رأس لوس.
‘لوس غريب حقًّا.’
حتى بثياب الميتم البالية، بدا وقورًا.
شعره الذهبي يتلألأ في الظلمة، وعيناه الكبيرتان تزيدانه هيبة. تأمّلته فريا وهزّت رأسها لنفسها.
“فريا، ما هذه النظرة؟”
“أنتَ تمامًا مثل القطط”
“أتعنين قطًّا جميلًا؟”
كان صوته منخفضًا، لكن بدا أنّه غير مرتاح. سحبت فريا يدها بسرعة واعتذرت: “آسفة. إن كان ذلك وقاحة.”
“إن كان منكِ فلا بأس. أشعر وكأنّني أطهُر”
“تطهُر …؟”
لم تفهم الكلمة لصعوبتها، فابتسم لوس بخفوت وسط الضوء الخافت.
منذ وقت ما، بدأ أطفال الميتم يختفون واحدًا تلو الآخر.
كان الفراغ يكبر على المائدة كلّ صباح، ما أثار قلق فريا.
أين اختفى كلّ أولئك الأطفال؟
‘ما الذي يحدث بحقّ السماء؟’
تذكّرت أنّها لم ترَ لوتي منذ أيام.
كانت تاك الطفلة تزعجها بدورانها حولها، واختفاؤها أثار قلقها. رغم أنّها نادرًا ما تجرؤ على سؤال صوفيا، تشجّعت أخيرًا.
“خالتي ، أين لوتي؟”
بينما كانت تُعلّق القلادة على عنقها، ضربتها صوفيا على يدها بالمروحة.
“وكيف لي أن أعرف؟”
أخفضت فريا رأسها وأتمّت تجميل صوفيا بصمت.
لم يكن بوسعها فعل شيء آخر.
“بعد الفطور، لتقف البنات صفًّا على الجدار”
أمرت صوفيا، فاصطفّت الفتيات النحيلات.
راحت تمرّ بينهنّ تتفحّص أجسادهنّ.
لمست عظام الوجوه، والخصور، وحتى الصدور.
كان ذلك مهينًا، لكن لم يجرؤ أحد على الاعتراض.
“كلّهن هزيلات … ما نفعهنّ؟”
حين وصلت إلى فريا، عبست.
صحيح أنّها جعلتها تساعد في تجميلها لبراعتها، لكنّها لم تُعجب بها قط. كانت عيناها الغامضتان مزعجة في نظرها.
“هل جاءت دورتكِ الشهريّة بعد؟”
“ماذا …؟”
لم تفهم فريا السؤال و أعادته كالببغاء. مرّت صوفيا مبتسمة بسخرية، ثمّ أمرت بأخذ بعض الفتيات مع رجلٍ ما.
‘يبدو أنّ أمرًا سيئًا سيحدث’
كانت لتقسم على أنّ ما ينتظرهنّ ليس خيرًا. رأت فريا فتاة أكبر منها قليلًا تُساق إلى خارج الميتم فارتعشت.
غرف الطعام التي كانت مكتظة بالأطفال ، باتت فارغة كليًّا.
‘هل سيأتي يوم يأخذونني أنا أيضًا إلى العاصمة؟’
ولأنّها وُلدت وعاشت في هذا المكان فقط، كانت فريا تخاف العالم الخارجي. فمعظم من التقتهم في شوارع الاستجداء لم يُبدوا لها لطفًا.
‘لكن صوفيا و شايلو ليسا أفضل أيضًا.’
وحين أُغلقت أبواب الميتم الثقيلة بعد خروج الأطفال، وجدت فريا نفسها وحيدة في القاعة.
***
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 5"