حينها وضع لوكيوس الكأس جانبًا وهو يقطّب حاجبيه وتكلّم: “لو سمعنا أحد لظنّ أنّني دعوتُكِ. من سيساعدني على الأكل إن لم تقومي بخدمتي؟ كيف آكل مثل هذا اللحم وحدي؟”
كان وجه لوكيوس جادًّا إلى درجة أنّ فريا، لوهلة، وجدت في كلامه منطقًا. لكنّ الحقيقة أنّ اللحم كان مقطّعًا سلفًا، و الخبز مقطوعًا أيضًا، وكلّ ما يلزم هو أن يُوضَع في الصحن.
‘إذن هو يستغلّ هذا العذر ليسخّرني؟’
“أسرعي …”
ولسوء حظّها، كان الكرسي المخصّص لها بجانب لوكيوس تمامًا، فاقتربت وجلست بوجه متجهّم مليء بالانزعاج.
“قطّعي اللحم إلى قطع صغيرة جدًّا.”
“حاضر.”
بدأت فريا تقطّع اللحم بخشونة، عندها أمرها لوكيوس أن تتذوّقه.
“أنا؟”
رفعت حاجبيها بدهشة، إذ لم تعتد أن يطلب منها لوكيوس شيئًا سوى الإذلال.
حرّك يده التي تحمل الكأس بخمول وقال بفتور: “أينما ذهبتُ أجد مَن يتمنّى موتي. فلا بدّ من الحذر.”
“آه …”
إذن، كما توقّعت.
لم يكن من النوع الذي يُظهر اللطف بلا سبب.
‘يعني إن مُتُّ أنا بالسمّ، ينجو هو! يا له من منطق.’
رفعت فريا ذقنها وتذكّرت كلمات آرتشر: ‘قالوا: مَن مات بعد وليمةٍ فوجهه يظلّ جميلاً حتى وهو شبح.’
عقدت حاجبيها قليلًا، ثمّ دفعت قطعة اللحم إلى فمها بشجاعة.
“أوه!”
فور أن مضغته، خرج منها صوت انبهار عفوي.
“ماذا؟ هل أحسستِ بالسمّ؟”
“المعذرة. لا، لم يكن ذلك. بل لأنّ الطعم رائع جدًّا.”
لم يسبق لها أن ذاقت شيئًا كهذا في حياتها.
‘إذن ما كنتُ آكله طوال عمري لم يكن لحمًا بحق!’
اللحم المعتاد عندها كان قاسيًا وذا رائحة زنخة لا تُطاق، تضطرّ أن تنهشه بأسنانها.
أمّا هذا فكان سطحه مقرمشًا وداخله طريًّا يذوب في الفم.
أسرعت فريا لتضع بعضًا منه في طبق وتقدّمه إليه.
“يمكنك الأكل الآن، سموّك.”
أمسك لوكيوس الشوكة وبدأ يتناول الطعام ببطء. أمّا فريا فانشغلت بتذوّق الأطباق الأخرى واحدًا تلو الآخر.
ورغم أنّ لمسة الشوكة تكفي غالبًا لكشف السمّ، إلا أنّها قرّرت أن تؤدّي واجبها بإخلاص هذه المرّة. لكن كلّما تذوّقت أكثر، اشتدّت شهيتها أكثر.
‘مستفزّ! كلّ قضمة تجرّ أخرى.’
وراحت تتساءل لماذا لا يأكل لوكيوس بنفسه، بينما هو يراقبها ببرود.
“… إيك!”
“ما هذا الوجه؟”
“لا شيء. فقط تساءلتُ لمَ لا تأكل.”
مسحت فمها على عجل متصنّعة اللامبالاة.
“ظننتُ أنّني جائع، لكن يظهر أنّني لستُ كذلك. خذي ما تبقّى، كلي كما تشائين.”
“… ماذا؟!”
خرج صوتها عاليًا حتى اهتزّ ظلّ الجندي الحارس خلف ستار الخيمة. لم تصدّق أنّ مثل هذه الفرصة تسقط عليها من السماء.
“لكن، كيف أجرؤ على ذلك؟”
“إذن ارميها كلّها.”
“لا! لا، أبدًا!”
أشارت بيديها بعجلة. فهي تعلم أنّ كلامه قانون.
‘ليس لأنّني أطمع بالطعام، بل لأنّني خادمة! عليّ أن أنفّذ أمر الأمير فحسب.’
وانحنت قليلًا، ثمّ بدأت بتقطيع لحم الخنزير الكبير في طبقها.
‘يا لها من جشعة. هجمت على أغلى قطعة أولًا.’
ابتسم لوكيوس وهو يحتسي النبيذ. هو نفسه لم يأكل كثيرًا مساءً بسبب مزاجه العصبي ومعدته الحسّاسة.
‘لكن لِمَ وضعتُ هذه المائدة الفاخرة الليلة؟’
تساءل في نفسه وهو يراقبها تنكبّ على صحنها.
‘صحيح، هذا كان طُعمًا.’
فريا دائمًا تبحث عن فرصة للهروب في الليل.
ففكّر أنّ الطعام قد يُبقيها جالسة أطول.
لقد قضى شهرًا كاملًا يراقبها عن قرب.
في البداية ظنّ أنّها جاسوسة أرسلها أخوه غير الشقيق “هارت”. كان احتمالًا قائمًا أن تنقل له أسرار القصر.
‘حدث بالفعل أن دسّ أحد خدمي السمّ في طعامي، وآخر على قميصي. بل حاول بعضهم خنقي بحبل أثناء النوم، أو طعني بخنجر.’
ولذلك أصبح لا يثق بأحد، يعيش في عزلة وحذر، فلا يقترب منه سوى جيميني و هيرو.
‘ظننتُها ربّما من مبعوثات ميلادي أيضًا …’
ميلادي لم تكن تستهدف حياته فقط، بل عقله أيضًا.
اعتادت أن ترسل نساءً شابّات وجميلات لإغوائه، تريد أن تراه ضعيفًا غارقًا في العاطفة كي تسخر منه.
‘لكن … هل لامرأة مثل هذه، التي تلطّخ خدّيها بالدهن و تمضغ اللحم كحيوان صغير، أيّ صلة بميلادي؟ مستحيل.’
أخذ يتأمّلها وهي تلتهم الطعام بنهم، غير مبالية بوجوده.
‘كالسنجاب تمامًا.’
وشعر بالقلق أن تختنق في أيّ لحظة.
“كلي ببطء. ستتخم معدتكِ”
“لا بأس. عندي معدة فولاذية، سموّك.”
أجابت بثقة وهي تواصل الأكل. لكنه فجأة أمسك رأسه من شدّة صداع مباغت.
‘فريا … كلي ببطء، ستتخم معدتكِ.’
دوّى في رأسه صوت حنون ليس صوته.
‘ما هذا…؟’
وضع يده على جبينه. لاحظت فريا وتوقّفت فورًا.
“آه! لحظة.”
مسحت يديها في ثوبها بسرعة وأخرجت قارورة صغيرة.
كان هيرو قد أوصاها أن تسقيه هذا الدواء إن عانى من صداع.
“تفضّل، اشرب.”
تناول القارورة منها وهو يحدّق في وجهها بتمعّن. عيناها الخضراوان انعكست عليهما أضواء المصباح بشكل غامض.
‘أشعر أنّني أعرف هذا الوجه …’
لكنّ الأمر غير منطقي. فهو أمير من سلالة نبيلة، وهي فتاة فقيرة بشعر مبعثر.
‘هل بدأتُ أجنّ فعلًا كما أرادت ميلادي؟’
ارتسمت ابتسامة مريرة على شفتيه وهو يشرب الدواء.
“يمكنكِ أن تعودي الآن.”
“نعم، أرجو لك راحة هنيئة.”
التقطت فريا عباءتها الثقيلة وألقت نظرة أخيرة على مائدة الطعام العامرة، ثمّ انحنت وخرجت.
تابع لوكيوس بخياله خصلات شعرها البنيّ وهي تتمايل في الهواء، وأطلق تنهيدة طويلة وهو يغطي عينيه بذراعه.
“كنتُ أعلم أنّكِ لن تطيعي بسهولة إلا حين ترين الطُعم.”
أما فريا فكانت تشمّ رائحة اللحم العالقة في أصابعها بوجه متحسّر.
“لا شيء أوقح من أن يُعطَوا المرء ثمّ يُسحب منه.”
وظلّت تتمتم بالشكوى طوال الطريق. وعندما عادت إلى خيمتها، وجدت آرتشر غارقًا في النوم وسط بقايا طعامه.
“غريب. البارحة قلتَ إنّك قلق فلا تستطيع النوم.”
تنهدّت وهي تنظّف الفوضى قليلًا، ثمّ افترشت فراشها.
شعرت بأوجاع شديدة في جسدها كله.
“آه … سأموت من الإرهاق قبل أن ألمس الذهب.”
كانت تَدلك كتفها حين لمحت ظلّ الجنود في الخارج وهم يحرسون.
‘كيف انتهى بي الحال إلى هنا؟’
لتطرد الكآبة من ذهنها، عادت بذاكرتها إلى طعم اللحم الفاخر.
“مهما يكن، لقد كان لحمًا رائعًا”
لكن ملامح لوكيوس وهو يراقبها ظلّت عالقة بذهنها، وصوته المألوف الذي وبّخها كأنّه سمعته في الماضي.
“أوه! هل أثّر فيّ الطعام لدرجة أنني أهذي؟”
حرّكت يديها لتطرد صورته من رأسها، وأغمضت عينيها بسرعة.
***
في الصباح التالي، ارتدت فريا قميصًا أبيض وبنطالًا أسود فضفاضًا، وشدّت الخيط حول خصرها أكثر من مرّة.
كانت الثياب مرقّعة وقديمة، لكنها عملية ومريحة.
“هكذا أفضل بكثير!”
خلعت الجوارب الضيّقة غير المريحة وهي تصفر فرِحة.
“آمل فقط ألا يخطر له أن ينزع عنّي ثيابي هذه المرة.”
وبينما تسير نحو خيمة لوكيوس، لاحظت أنّ الأجواء مختلفة عن المعتاد.
“ما هذا الاضطراب؟”
عادةً يكون الجنود صباحًا متعبين يجرّون أقدامهم، أمّا اليوم فيبدو أنّهم في حالة حماس وارتباك.
هل انسحب العدوّ؟
لكنّها هزّت رأسها لتبعد هذه الظنون ومضت في طريقها إلى عملها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 25"