‘ومع ذلك، من الصّعب أن أرفع عينيّ عنه.’
كان التحديق في عينيه الخاليتين من الإحساس مخيفًا، لكنّه أثار شعورًا غريبًا ومألوفًا في الوقت ذاته.
فجأة، تذكّرت فريا وجه شخصٍ ما بشكلٍ غير متوقّع.
‘لماذا يخطر لوس في بالي؟’
“يا فتاة ، عندما ترين أحد أفراد العائلة المالكة، عليكِ أن تخفضي رأسكِ.”
ضغطت يد آرتشر الخشنة على رقبة فريا النحيلة، فصرخت بصوتٍ خافت متفاجئة.
“آه! هذا مؤلم!”
لكن صوت فريا، التي كانت تعترض، خفت تدريجيًا.
لاحظت عيناها حذاءً مغطّى بالدّماء. كانت الأرض التي تقف عليها تتلطّخ بالأحمر من الدّماء التي تتساقط من سيفه.
“صاحب السّمو لوكيوس، باركتكَ ديانا!”
ردّد آرتشر، بشكلٍ غير معتاد، اسم الحاكمة وهو يؤدّي التّحية. مع هذا الحدث المفاجئ، شعرت فريا وكأنّ كلّ اللعاب في فمها قد جفّ.
“…ارفعي رأسكِ.”
كان صوت الرّجل منخفضًا وباردًا جدًا. حتّى في وضح النّهار، بدا وكأنّ هناك برودة تنبعث من درعه.
“لو، لوكي-“
رفعت فريا رأسها وهي ترتجف، وحاولت تقليد تحيّة آرتشر، لكنّها لم تستطع. عندما رأت وجه الرّجل بعد رفع رأسها، فتحت فمها مذهولة.
‘يا إلهي! إنّه يشبه لوس حقًا.’
مرت ثلاث سنوات منذ افترقت عن لوس، وكانت تعتقد أنّها نسيته تقريبًا.
“…آه.”
لكن لحظة رؤيتها لصاحب السّمو، عادت ذكريات لوس إليها بوضوح.
شعر أشقر لامع، وبشرة شاحبة نقيّة، وشفتان حمراوان دقيقتان كانتا دائمًا تناديانها.
لذلك، وبدون أن تدرك أنّ ذلك قلّة أدب، حدّقت بوجهه بإمعان.
‘إنّه ليس لوس.’
كانت عينا صديقها الذي يشبه نسيم الرّبيع بلون أخضر فاتح كالبحر، لكن عيني الرّجل أمامها كانتا زرقاوين داكنتين.
ثمّ أدركت أنّها حدّقت فيه طويلًا، فخفضت رأسها بسرعة.
تفحّص الرّجل فريا، التي كانت تتلعثم دون أن تؤدّي التّحية بشكل صحيح. لم يكن هناك شيء مميّز في هذه الفتاة.
‘ما هذا؟’
كانت مجرّد ساعية يمكن رؤيتها في ساحات القتال.
شعرها الأسود المقصوص بشكل عشوائي كان يبرز عند أذنيها، ووجهها متّسخ. لكن ما أثار فضوله كان نظرتها.
في عينيها الخضراوين الغامضتين، لم يكن هناك خوف أو إعجاب. بدت وكأنّها فرحت بلقائه للحظة، ثمّ شعرت بخيبة أمل.
‘من تظنّين نفسكِ لتنظري إليّ بهذه الطّريقة؟’
اقترب لوكيوس خطوة كبيرة ليتأكّد من وجه هذه المرأة المشبوهة. كان قريبًا جدًا لدرجة أنّه كاد يلامس جسدها.
بدا وكأنّه سيصدمها برأسه وهو يميل إليها.
“آه، آه.”
تفاجأت فريا بهذا الاقتراب المفاجئ، فتفاعل جسدها أوّلًا.
تراجعت بسرعة وعبست.
‘…الشّائعات صحيحة، إنّه مجنون حقًا.’
حتّى لو لم تؤدّ التّحية بشكل صحيح، كيف يفكّر في صدم إنسان برأسه؟
مال لوكيوس رأسه جانبًا ونظر إلى فريا، التي كانت تتنفّس بسرعة. بينما كانت تتجنّب نظرته المزعجة وتدير رأسها، شعرت بشيء يسيل على خدّها.
“ما هذا الدّم …؟”
لا شكّ أنّ الأمير رذّها به.
بدأت فريا تمسح الدّم عن وجهها بكمّها. كانت تكره الدّماء بشدّة.
“صاحب السّمو، ادخل بحذر.”
“…”
بينما كانت فريا تمسح الدّماء، اختفى موكب الأمير بعيدًا، وتنفّس آرتشر بصعوبة بجانبها.
“أشعر وكأنّني تقدّمت عشر سنوات في العمر بسببكِ.”
لكن فريا شعرت بالظّلم.
نشأت في دار أيتام وجاءت إلى هنا مباشرة، فكيف كان يفترض بها أن تعرف آداب البلاط الملكي؟
“حسنًا، كيف كان يفترض بي أن أعرف شيئًا عن آداب القصر؟”
رفعت فريا صوتها محاولة إخفاء ارتعاش ساقيها.
نظر إليها آرتشر، وكأنّه أشفق عليها، فلم يواصل تأنيبها.
“اذهبي وأحضري بعض الطّعام.”
“حسنًا، فهمت.”
أمسكت فريا دلوًا خشبيًا وذهبت لجلب الطّعام، وهي تمرّر أصابعها على خدّها.
عندما تذكّرت العينين الزّرقاوين اللتين حدّقتا بها، شعرت بقشعريرة. لكنّ ما شعرت به لم يكن خوفًا خالصًا.
“مجرد لقاء شخصٍ يشبهه جعل قلبي يخفق هكذا.”
***
كانت إمبراطوريّة مورسياني منذ القدم تحت حماية الفرسان والسّحرة.
عندما يولد وريث للعرش، يتمّ اختيار ساحر عظيم وفارس يليقان به.
كان لوكيوس مورسياني فتىً بشعر أشقر وعينين زرقاوين، رمز العائلة الملكيّة.
أحبّ الإمبراطور لوكيوس، ابنه الأكبر، كثيرًا، وجعله وريثًا على الفور.
حتّى هنا، كانت الأمور تبدو وكأنّها ستُزيّن صفحات التّاريخ بحرارة. لكن الإمبراطور، الذي كان مولعًا بالنّساء، أثار العديد من الفضائح، وانتهى به الأمر بعلاقة سرّيّة مع خادمة بدلاً من الإمبراطورة التي تزوّجها لأغراض سياسيّة.
كان يُعتقد أنّ علاقتهما مجرّد نزوة، لكنّها تعمّقت، ولم يستطع الإمبراطور الابتعاد عن الخادمة ميلادي.
‘ماريان، أرجوكِ، طلّقيني.’
كان الإمبراطور يلحّ على ماريان بالطّلاق يومًا بعد يوم. لكن ماريان رفضت لحماية ابنها. في هذه الأثناء، أنجبت ميلادي ابنًا للإمبراطور.
‘ماريان، هل ستجعلين طفلاً غير شرعي بسبب عنادكِ؟’
في الإمبراطوريّة، لا يمكن الطّلاق دون موافقة الزّوجين.
أراد الإمبراطور، الذي كان يحبّ ميلادي، أن يجعلها إمبراطورة، لكنّه غضب عندما رفضت ماريان الخضوع لأيّ إغراء.
أطلق تهديدًا أخيرًا.
‘إذا لم توقّعي على وثائق الطّلاق فورًا، سأسلب لوكيوس حقّه في الوراثة.’
لم يتردّد الإمبراطور، الذي أصابه الجنون بحبّ امرأة، في تهديد ماريان.
لو كانت عائلة ماريان قويّة، لما كان هذا التّهديد ممكنًا. لكن الإمبراطور الماكر دمّر عائلتها بالفعل، ولم يكن هناك من يعتمد عليه ماريان ولوكيوس.
‘الآن، أنا الوحيدة التي يمكنها حماية لوكيوس.’
كان العديد من نبلاء القصر قد أقسموا بالولاء للأمير الثّاني الذي أنجبته ميلادي. إذا استمرّت في المقاومة، كان من الواضح أنّها وطفلها سيكونان في خطر.
‘إذن، اترك وثيقة تؤكّد توريث لوكيوس، وأنّ السّاحر والفارس سيبقيان معه.’
أرادت ماريان حماية حقوق لوكيوس المشروعة.
تبادل الإمبراطور وماريان الوثائق، وأصبحت ميلادي الإمبراطورة المعترف بها رسميًا في الإمبراطوريّة.
وبالطّبع، أصبح ابنها، هارت، أميرًا رسميًا.
***
“هيا، حاولي الإفلات.”
في الصباح، كان آرتشر يمسك بخصر فريا أو يجذب ذراعها.
“لماذا تفعل هذا كلّ صباح؟ كيف يفترض بي أن أتغلّب عليك؟”
لكن مع التّكرار، بدأت فريا، التي كانت عاجزة عن الحركة في قبضته، تتعلّم تقنيات مثل ركل ساقه، عضّ معصمه، أو ضرب ذقنه بمعصمها.
اليوم، نجحت في ضرب ذقنه بمرفقها بقوّة.
“آه، تربية طفل لم تكن في حسباني …”
فرك آرتشر ذقنه وهو يتأوّه، فوضعت فريا يديها على خصرها وتكلّمت.
“آرتشر، أعترف أنّني مدينة لك، لكن تسمية هذا تربية أمرٌ مبالغ فيه، أليس كذلك؟”
“…”
تجاهل آرتشر تعليقها بسرعة.
في البداية، بدا وكأنّ آرتشر يمنّ عليها بأخذها تحت رعايته، لكن بعد العيش معًا، لم يكن الأمر كذلك تمامًا.
بدأت فريا، منذ أن استقرّت في خيمته، بأعمال متنوّعة.
بدأت بالتّنظيف.
كانت البطانيّة التي أعطاها إيّاها تنبعث منها رائحة جبن فاسد.
‘حتّى دار الأيتام لم تكن بهذا السّوء.’
كان سرير آرتشر مليئًا بعظام دجاج متبقّية، جبن متيبّس، وفواكه متعفّنة ملتصقة هنا وهناك.
أحضرت فرشاة لإزالة البقع وجفّفت الفراش تحت الشّمس.
لم يكن من المستغرب أن يعاني آرتشر، الذي نادرًا ما يغتسل، من التهابات جلديّة في مثل هذا السّرير.
“لو لم أخبرك بالحيلة، لكانت البراغيث قد التهمتك بالكامل.”
“حسنًا، حسنًا، أعترف بذلك.”
بعد أن أنهت فريا موجة التّأنيب، جمعت كلّ الغسيل في دلو ونادته.
“بما أنّنا تحدّثنا عن هذا، هيّا بنا إلى النّهر، سأرشّ الماء على ظهرك.”
تظاهر آرتشر بأنّه لم يسمع، وبدأ ينظّف حذاءه وهو يجلس بحجمه الكبير. كان يغتسل مرّة كلّ ثلاثة أيام إن أمكن، وحاول جاهدًا ألّا يُسحب إلى النّهر.
“هيّا، آرتشر.”
“لا، ألم نفعل هذا قبل ثلاثة أيام؟ سيتقشّر جلد ظهري بهذا المعدّل.”
لكن شكاوى آرتشر لم تنفع. تمّ جره نصف إجباريًا إلى النّهر، وخلع قميصه ببطء بعيون يملؤها الاستسلام.
“أقسم إنّني نظيف …”
واصل التّذمّر، لكنّه أطاعها وانحنى ممسكًا بالأرض.
سكبت فرييا الماء الذي جلبته على ظهره بلا رحمة. حتّى في منتصف النّهار، كان الماء باردًا كالجليد بسبب الشّمال.
هزّ آرتشر ظهره بعنف وهو يصرخ.
“بارد جدًا! سأموت إذا استمرّ هذا!”
“آرتشر، أنت تبالغ، أليس كذلك؟”
شمّرت فريا ذراعيها وبدأت بفرك ظهره بالفرشاة.
“ما الذي أقوله؟ ، أليست هذه فرشاة تنظيف؟”
“آرتشر، هل تعتقد أنّ هذا سيُنظّف بجولة أو اثنتين؟”
بعد إزالة الأوساخ تقريبًا، رشّت الماء مرّتين أخريين، فبدأ ظهر آرتشر يلمع.
“لقد التقطتُ مشكلة كبيرة، كبيرة.”
جلس آرتشر المنهك على صخرة دافئة و تنهّد. بدا الرّجل الضّخم بحجم دبّ وكأنّه مستسلم، فضحكت فريا في سرّها.
شطفت قميص آرتشر بشكل تقريبي، ثمّ ضربت الغسيل بعصا خشبيّة لإزالة الأوساخ. بعد هذا الجهد العنيف، شعرت بألم من كتفيها إلى معصميها وأصابعها.
“فريا، يجب أن أذهب الآن. هل أضع هذا هناك؟”
رفع آرتشر سلّة الغسيل التي نظّفتها واختفى بسرعة.
بعد قليل، سمعت صوت تكسّر أغصان.
“…آرتشر؟”
التفتت فريا دون تفكير، وشهقت متفاجئة.
“صاحب السّمو لوكيوس.”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 12"