أعادت فريا شدّ المِعطف على رأسها، وأخفت المقصّ في صدرها، ثم عاودت السير في الطريق.
‘بماذا سأقتات لأعيش؟’
كانت فريا تعرف أنّها إن لم تعمل فسوف تجوع.
‘هل أعود للتسوّل؟’
لم تتعلّم سوى السرقة، وذلك كان أوّل ما خطر ببالها. لكنّها سرعان ما هزّت رأسها. ففي حيّ لا تعرفه، لو أقدمت على فعلٍ أخرق، فالأرجح أنّها ستُضرَب حتّى تُسحَق.
لو استطعتُ أن أجد عملًا كخادمة لكان أفضل.
من خلال سنوات التسوّل في الطرقات، تعلّمت فريا أنّ هناك طبقات متعدّدة من البشر: السادة الّذين لا يُمكن النظر إليهم، وأمثالها من الحشرات.
أمّا الخادمة فبدت وكأنّها في منزلةٍ وسطى.
كانت ترتدي ثيابًا أنيقة نسبيًّا، وتسير بجانب سيّدتها حاملةً حقيبتها، في مشهدٍ بدا في غاية الروعة.
إنّها صورة مغايرة تمامًا لي، أنا المتسوّلة بثيابٍ رثّة.
شعرت بالغيرة، لكنّها تخلّت سريعًا عن الفكرة.
“كيف لي أن أحصل على عمل كهذا؟”
لا أصل لها معروف، ولا تملك سوى مهارة التسوّل.
ظلّت تمشي وهي تفكّر بمستقبلها يومين كاملين.
وأخيرًا نفدت آخر كسرة خبز كانت قد خبّأتها.
ساعدها المطر في إخماد عطشها، لكنّ بطنها كان ملتصقًا بظهرها.
حاولت أن تمضغ قشور الأشجار، لكنّها لم تُجدِ نفعًا. كادت تسقط من شدّة الإعياء، وصارت كلّ خطوة تثقل عليها.
“ما هذا؟ أهو حقيقي؟”
بعد مسافة طويلة، أبصرت طعامًا مبسوطًا على العشب.
لم تصدّق عينيها، ففركتهما بيديها.
كان هناك رجل ضخم يستند إلى شجرة ويغطّ في نومٍ عميق، وأمامه لحمٌ وخبز. جذبتها رائحة الطعام جذبًا لا يقاوَم. كان رأسه مغطّى بقبّعة تهتزّ بانتظام مع شخيره.
لن يكون الأمر سيئًا إن أخذتُ قطعة صغيرة فقط.
في حالتها الطبيعيّة لم تكن لتجرؤ، لكنّها كانت جائعة إلى حدّ لم تَعُد قادرة فيه على التفكير. اقتربت بحذر شديد، تمشي على أطراف قدميها. كان يفوح منه عبق الخمر النفّاذ.
‘قطعة صغيرة فقط … فقط ….’
انحنت والتقطت كسرة خبز صغيرة، لكنّها أحدثت خشخشة. سقطت القبّعة عن وجه الرجل وارتطمت بالأرض.
‘أوه …!’
مدّت يدها ثانيةً نحو الخبز، وإذا بحجرٍ صغير يصيب ظهر كفّها.
“أيّ جرذٍ هذا؟”
اهتزّت أوصالها من صوته الغليظ. وفي ارتباكها سقط المقصّ من حضنها على الأرض. تجمّدت في مكانها.
“عجيب، ما زال فيك شيء من الضمير”
اعتدل الرجل جالسًا، ولم تستطع فريا أن تُخمّن عمره. وجهه مغطّى بلحية كثيفة، وجسده مسفوع بالشمس حتّى اسودّ.
“أعتذر … لقد كنتُ جائعة جدًّا”
تحدثت وهي ترتجف، مطأطئة الرأس.
توقّعت أن يهوي بكفّه على خدّها أو ظهرها في أيّ لحظة.
ازداد توتّرها وهي تترقّب الضرب، لكنّه اكتفى برفع جرّة النبيذ وشربها.
“يبدو من نحولكِ أنّك صادقة”
تصلّبت عضلاتها، تنتظر العقاب.
“لِمَ لا تضربني؟”
رفعت رأسها بحذر وسألته، فقهقه الرجل.
“ضرب الأطفال فعل لا يليق إلّا بالسفلة. ثمّ إن أنا ضربتُكِ الآن، فلن تصمدي أصلًا”
“…….”
كان أغرب رجل قابلته في حياتها. سرقتُه، لكنّه لم يغضب.
‘الأطفال لا ينبغي ضربهم؟’
لكنّ دار الأيتام كانت تضجّ بالضرب يوميًّا. سواء أخطأت أم لا، كان العقاب حاضرًا. لم يُبدِ أحد قطّ أيّ ندم على ضرب الأطفال.
‘أشعر بدوار ….’
أنهكها التعب، فجلست على الأرض من دون قوّة. عينيها ظلّتا معلّقتين بالطعام، لكنّ يديها لم تَقدرا على الحركة.
“أهذا لأنّك جائعة إلى حدّ الإغماء؟ خذي ، لديّ طعام يكفي”
عرض عليها الطعام بدل أن يضربها. نظرت إليه متوجّسة ؛ لم تعتَد عطف الغرباء.
‘يا للروعة، إنّها رائحة اللحم …’
أغمضت عينيها للحظة، فشعرت بمعدتها تلوي أحشاءها من شدّة الشهوة.
“إذن تريدين أن أطعِمك بنفسي؟”
اقترب الرجل بخطوات واسعة ورمى قطعة لحم وخبز في حضنها.
“كلي، قبل أن تصيري طعامًا للغربان”
“شكرًا لك.”
لم تعبأ فريا بالخجل، وانقضّت على الطعام تأكله بنهم.
كادت تختنق، فضربت صدرها بقبضتها مرارًا.
“خذي قليلًا من هذا.”
ورمى إليها جرّة النبيذ.
ارتشفت بحذر، فوجدته مرًّا وفي الوقت نفسه حلوًا.
“صغيرة، لكنّك تعرفين مذاق الحياة”
ضحك الرجل وهو يراها تتذوّق الشراب. أمّا هي فلم تستطع أن تضحك.
‘الدنيا تدور ….’
تراخت أطرافها وسقطت على العشب.
في المنام رأت أعزّ أحبّتها يتناوبون على مواجهة الخطر.
كانت القلعة مشتعلة، وودّت أن تنقذهم لكنّها عجزت.
«لوس! لوتي! هذا خطر!»
صرخت وهي تستفيق لتجد نفسها في عربة خشنة تتمايل على الطريق.
‘عربة؟ لِمَ أنا هنا؟’
كانت مستلقية على حزم تبن، فتشبّثت بالخشب لتجلس.
دار رأسها واندفع القيء من فمها.
“أوه … أُوغ …. أُوغ …”
“هاها! الفأرة الصغيرة صحَت إذن”
الصوت من مقعد السائق بدا مألوفًا.
‘إنّه الرجل الّذي أطعمَني البارحة.’
وضعت يديها على رأسها. لم تتذكر شيئًا بعد النبيذ.
‘هل …؟’
تحسّست ملابسها بقلق، فضحك الرجل باستهزاء.
“تظنّين نفسك أنثى حقًّا؟ يا للسخافة.”
أطلق ضحكة ساخرة.
“شكرًا لك.”
تمتمت وهي تشعر بأنّها مدينة له.
أطعمها ، ثمّ حملها على عربته.
راح يحكّ أذنه بإصبعه وقال وكأنّه يحدّث نفسه: “لقد لطّختُ يدي بالدماء كثيرًا، لم أعُد أصلح لرحمة الحاكمة ديانا. فلنعتبر هذا معروفًا قبل موتي.”
ترجّلت فريا من العربة مترنّحة. كانت الأصوات الصاخبة من حولها كثيرة. فأوضح الرجل: “أنا جندي. وهذا المكان قرب ساحة المعركة. هنا ستجدين دومًا ما يمكن أن يُطلب من خادمٍ أو صبيٍّ يجري.”
“آه …”
أدرك أنّها لا مأوى لها، وأنّها تائهة. لم تجد ما تقول، فاكتفت بالتشبّث بثوبها الممزّق.
“إذن نفترق هنا.”
أدار ظهره بعد تردّد قصير.
خطرت لفريا فكرة عجيبة: أن تعيش بجانبه وتخدمه. كان غريب الأطوار، لكنّه ودود. لكنّها سرعان ما أزاحت الفكرة.
‘لقد فعل معي ما يكفي.’
لم يلتفت ثانيةً. لم يكن لها أن تبني أوهامًا. انحنت له بخشوع، تهمس في قلبها: ‘لتكن بركة ديانا تحميك ….’
ثمّ استدارت ومضت في طريقها.
أمامها أرض غريبة، تعبق برائحة لم تألفها.
ارتجف قلبها قليلًا، لكنّها شدّت قبضتها.
“سأثبت أنّني قادرة وحدي.”
همست بوجهٍ جاد.
تذكّرت قوله إنّها قرب ساحة معركة، فأخذت تتقدّم.
على جانبي الطريق اصطفّت أكشاك صغيرة. كان المنظر جديدًا عليها فأحسّت بالخجل.
“ملابس كالجديدة للبيع!”
“انظروا، إنّه السيف الّذي استعمله القائد تاريك في فاسا!”
رغم صِغر المكان، ضجّت الأزقّة بالصخب. مدّت يدها تتحسّس النقود القليلة الّتي أعطتها إيّاها لوتي.
‘الأفضل أن أشتري سروالًا.’
ففي عالمٍ يفيض بالرجال، سيكون من الأسهل عليها أن تتخفّى كصبيّ. لمحت بعض الأنظار تتفحّصها ، فاختارت بائعًا يبدو لطيفًا و سألته بخجل: “أريد سروالًا.”
أجابت بصوتٍ واهن. نجحت أخيرًا في شراء سروال ، فارتدته و شعرت براحة أكبر وهي تخطو بين الزحام.
“كان يجدر بي أن أسأله عن اسمه على الأقل.”
ظهر الرجل ذو اللحية الكثّة في خيالها، لكن الندم لم يجدِ نفعًا الآن.
سارت بخطوات متردّدة في السروال الجديد، وشعرها القصير الغريب.
ولم تلبث أن ظهرت أمامها خيام الجنود، ترفرف فوقها رايات لا تعرفها. الخيول والعربات تدخل و تخرج.
ارتسم الشحوب على وجهها.
“سيكون الأمر بخير …”
همست وهي تحاول تمالك نفسها.
رأَت رجالًا يُصلحون أسلحتهم، وآخرين يشربون الخمر، وبعضهم ينزف من جراحه.
‘هل أستطيع أن أنجح هنا؟’
قلقها اشتدّ. لكن حين صرخ أحدهم يطلب ماءً، أسرع صبيّ صغير وأحضر له مقابل بضع نقود. هزّت رأسها.
كانت بارعة في قراءة الأجواء، وهذا العمل يناسبها.
“على الأقل لن أموت جوعًا.”
كان ذلك بدايةً جديدة مقبولة.
وبالفعل، قبل غروب الشمس كانت قد كسبت بعض النقود.
لكنّ الصعوبات بدأت حقًّا حين حلّ الليل.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 10"