في قرية نائية جدًّا تقع في الشمال.
كانت امرأة ذات شعرٍ بنيٍّ طويل يتطاير مع الريح جاثيةً في حقل صغير، تنتقي الحصى من التربة. ب
دا أنّ الأرض غير صالحة للزراعة، حتى إنّ المعول لم ينفذ فيها بسهولة. وهي تضرب المعول بكلّ ما أوتيت من قوّة، ارتفعت سحابة كثيفة من الغبار.
“هل يمكن أن ينبت شيء في أرض كهذه؟”
لقد أنفقت كلّ ما تملكه من مالٍ لتشتري هذا المكان، فلم يخرج منها الآن سوى زفرات طويلة.
‘منزلٌ و حقلٌ مناسب تمامًا للسيّدة!’
خطر في بالها ذلك السَمسار الذي يشبه ابن عرس و هو يوصيها بهذا المكان بكلّ ثقة.
‘لو قبضتُ عليه لأبرحته ضربًا.’
لمع بريقٌ حادّ في عينيها، لكنّها سرعان ما تراجعت. فإثارة المشاكل لا طائل منها، كما أنّها متعبة من الأساس.
“بدلًا من التذمّر، عليّ أن أفعل شيئًا.”
كانت تنوي إصلاح هذه الأرض والاعتناء بها جيّدًا، ثمّ توسيعها شيئًا فشيئًا.
وحين نهضت فريا بعد انشغالها طويلًا بالعمل، انسابت قطرات العرق من بين حاجبيها الناعمين.
عيناها الخضراوان المتألّقتان تحت الشمس امتدّتا بعيدًا نحو الجبال.
‘هذا المكان بعيدٌ جدًّا عن القصر الإمبراطوري.’
خطر شخصٌ ما في ذهن فريا، فظهر طيفٌ من الحنين على وجهها، لكنه سرعان ما اختفى حين دوّى رنين الأجراس المثبّتة على السور.
“ما هذا؟ أهو مجرّد ريح؟”
كانت تلك الطريق تعبرها الحيوانات أكثر من البشر، فقد يكون دبًّا ضخمًا أو غزالًا. وضعت فريا المعول تحت ذراعها وتسلّلت خلف المنزل.
“ما هذا؟!”
كان واضحًا أنّ ما حطّم السور ليس حيوانًا، بل إنسان.
بل وأكثر من ذلك، فقد كان شخصًا ملقى هناك كما لو كان غسيلًا متدلّيًا. جفّ ريقها وهي تقترب بحذرٍ من ذلك الرجل المجهول.
‘إنّه رجل ضخم.’
ومهما كانت قد درّبت نفسها، فلم تكن تظن أنّ لديها فرصة للفوز أمام رجلٍ بجسامة كهذه.
“شعره أشقر.”
رغم ما علِق به من أوساخ، كان شعر الرجل يلمع تحت أشعّة الشمس. لسببٍ ما، خفق قلب فريا حين وقع بصرها عليه.
“أيها السيّد، هل أنت بخير؟”
نادته واقتربت أكثر، لكنّه لم يجب، لشدّة إصاباته على ما يبدو.
‘لا يبدو أنّه قادر على إيذائي الآن.’
رفعت رأسها تتفحّص المكان، فلم يبدو أنّ أحدًا شاهد ما حدث.
“يجب أن أتعامل مع الأمر بسرعة.”
وضعت المعول على الأرض، ثمّ سحبت الرجل عن السور. لكنّها ما إن رأت وجهه، شهقت وغطّت فمها بكلتا يديها صارخة:
“… لوكيوس!”
ما الذي جاء به إلى مكانٍ كهذا، وفي هذه الحال؟
كان أمامها خياران: أن تتجاهل لوكيوس، أو أن تساعده.
أطلقت فريا تنهيدة طويلة، ثمّ نظرت حولها بعينٍ حازمة، وقد عقدت العزم.
سرعان ما أحضرت كيسًا سميكًا من الخيش، فرشتْه تحته، ثمّ جرّته بصعوبة. كانت مجرّد خطوة واحدة ترهق جسدها حتى يتصبّب العرق من ظهرها.
“ثقيلٌ جدًّا.”
وضعت لوكيوس على قماشٍ ناعم قرب الموقد في البيت، ثمّ خرجت مسرعة لإصلاح السور.
وبعدها لحقت بالطريق الذي بدا أنّ لوكيوس قد جاء منه، و أخفت كلّ أثرٍ بعناية. ورغم انشغالها بمحو الآثار، ظلّ ذهنها مشغولًا بالرجل الذي تركته وحيدًا في الداخل.
“هَه … هَه …”
حين عادت، كانت مرهقة تمامًا، والسماء قد بدأت تميل إلى العتمة.
أسندت ظهرها إلى الباب وأطلقت تنهيدة طويلة.
أكان حلمها ببدء حياةٍ جديدةٍ وهادئةٍ محض طمعٍ زائد؟
“لماذا يحدث هذا لي…”
امتلأت عيناها بالدموع وهي ترى جسد لوكيوس النازف مستلقيًا قرب الموقد. مسحت دموعها بكفّها ، لكنّ وخز الشوك العالق في أطراف أصابعها جعلها تتألم.
“ليس هذا وقت البكاء.”
كان القماش الذي فرشته تحته قد ابتلّ بالدم.
أحضرت قطعة أخرى ووضعتها فوقها، ثمّ همست: “سأفحص جروحك.”
لكنّ ذلك كان يعني أنّ عليها أن تخلع ثيابه.
لقد رأت جسده العاري في ساحات المعارك مرارًا، لكن في هذا المكان، وهما بمفردهما، ارتجفت أطراف أصابعها قليلًا.
هزّت رأسها بعزم، وقد ارتسم الإصرار على وجهها.
“الآن لوكيوس ليس سوى مريض”
فتحت علبة العلاج من فوق الرفّ، وقبل أن تفحص جرحه، أنينٌ خافت خرج من فمه.
“آه، آه…”
“لوك! هل تسمعني؟”
نادته فريا، فمدّ يده المرتجفة ومزّق قميصه الملطّخ بالدماء.
“اثبُت! قد تزيد جروحك سوءًا…”
لكنّه لم يسمعها، ومزّق القماش بيديه القويتين، كاشفًا عن عضلاتٍ متينة وصلبة.
“ماذا تفعل فجأةً هكذا؟”
احمرّ وجه فريا، وأدارت رأسها قليلًا. لم يكن عليها أن تنظر لترى آثار الجروح القديمة على ظهره وجنبه، فهي تعرفها تمامًا.
‘لا أعرف ما هذا الشعور.’
أهو فرحٌ بلقائه مجددًا، أم ألمٌ بسببه؟ شعورٌ غامض غمرها.
عندها تحرّكت يده الكبيرة قليلًا.
“فـ … فريـ …”
رغم أنّ كلامه كان غير واضح، إلا أنّها عرفت فورًا أنّه يناديها. لمَ وهو في هذه الحال يرغب بذكر اسمها؟
‘يحتضر ومع ذلك يناديني.’
لم تستطع تجاهل يده المرتجفة. مدت يدها وأمسكت بها بقوّة، فبردُ أصابعه كاد أن يفجر دموعها.
“سأعالجك مهما كلف الأمر، وبعدها عليك أن ترحل.”
بدأت تطحن الأعشاب وتضعها على جراحه، لكنها توقّفت مرارًا، فالجروح التي تغطي جنبه وصدره كانت خطيرة.
‘ما الذي جعل لوكيوس يصل إلى هذه الحال؟’
لكنّ هذا السؤال لا معنى له، فحوله دائمًا أعداءٌ من كلّ جانب.
لفّت الجروح بقماشٍ سريعًا، ثمّ غطّته ببطانية من فراء الحيوانات.
‘لم أتخيّل أنّ لقاءنا سيكون بهذا الشكل.’
حين أنهت كلّ شيء، اجتاحها التعب دفعة واحدة.
صعدت بتثاقل إلى السرير الخشبي الصغير. انسدل شعرها البنيّ المهمل إلى ظهرها، وعيناها الخضراوان تنظران إلى لوكيوس.
‘آه …’
ليست هذه أوّل ليلة تمضيها بقربه، لكن لسببٍ ما، لم تستطع كبح وعيها به.
‘إنه قوي، سيشفى بسرعة.’
لكنها ظلّت تتقلّب على الفراش، عاجزة عن النوم.
الذكريات التي ظنّت أنّها نسيتها أخذت تعود.
‘لوتي ، لوك …’
أطفالٌ يتقاسمون سريرًا ضيّقًا.
و كانت واحدةً منهم.
***
حتى بلغت السابعة، لم تفهم فريا تمامًا ما يجري حولها.
لماذا ذلك البيت العتيق الكبير مزدحمٌ بالأطفال؟ ولماذا كان عليها، كسائرهم، أن تخرج للعمل كل صباح؟
“فريا، استعدّي.”
كانت عمّتها صوفيا تصرخ، فتقفز فريا من نومها، تخلع ثيابها البالية وتلبس ثوبها الوحيد للخروج، وهو ثوبٌ فيه من الرقع أكثر مما فيه من القماش الأصلي.
وحين تنزل الدرج، ترى الطاولة الطويلة مكتظةً بعشرات الأطفال. لم تكن الغرف ولا قاعة الطعام مزوّدة بأيّ تدفئة، فكانت شفتاها دائمًا تميلان إلى الزرقة.
“أختي، ماذا سنتناول هذا الصباح؟”
سألت فريا أحد الأطفال الأكبر منها بثلاث أو أربع سنوات، لكن كالعادة، لم تلقَ أيّ رد.
فابتسمت بخجلٍ وغمغمت وحدها: “أتمنى أن يكون فيه كثير من البطاطا.”
لكن الوعاء أمامها لم يكن فيه سوى مرقٍ خفيف، وحتّى ذاك لم يُملأ إلا نصفه.
لم تحتج حتّى إلى الملعقة، بل شربت الحساء بسرعة، و الدفء البسيط الذي سرى في معدتها جعل ابتسامةً ترتسم على وجهها.
وما هي إلا لحظة حتى فرغ الوعاء، فتطلّعت بعينٍ متحسّرة نحو القدر.
‘يا للهول…!’
التقت عيناها بعيني صوفيا، فسارعت لخفض رأسها.
كانت صوفيا تمقت الأطفال النهمين، وفريا على وجه الخصوص كانت في مرمى غضبها، لذا وجب عليها أن تكون حذرة أكثر.
“على الجميع أن يبذلوا قصارى جهدهم اليوم أيضًا.”
لوّحت صوفيا بعصا طويلة لتشدّ من عزيمة الأطفال.
ارتسم التوتّر على وجوههم جميعًا. ثمّ جالت بينهم بعينيها واختارت بعضًا منهم.
“ليلي، لقد طال طولكِ.”
كان فستان الطفلة قد غدا قصيرًا لا يغطي سوى كاحليها.
ارتسمت ابتسامة غريبة على وجه صوفيا، ثمّ نطقت بصوتٍ يبدو وديعًا على غير عادتها: “ابتداءً من اليوم، لستِ مضطرّة للخروج إلى العمل.”
“واو، محظوظة! لا بدّ أنّ ليلي ستُتبنّى.”
“ربما سيأخذها الأب إلى العاصمة.”
فالطفل الذي تختاره صوفيا، يعفى من العمل. و ذلك بالنسبة للأطفال هنا كان أشبه بالحلم.
‘كيف يكون شعور النوم حتى وقتٍ متأخر، أو التمدّد طوال اليوم في كسل؟’
مهما حاولت فريا، لم تستطع أن تتخيّل ذلك. ولو أبدت أيّ ملامح كهذه، لانهالت عصا صوفيا على ظهرها وذراعيها ووجهها بلا رحمة.
“فريا، ابتداءً من اليوم ستأخذين لوتي معك.”
“… حاضر.”
أومأت فريا كطفلةٍ مطيعة. كانت لوتي، ذات الأربع سنوات، تتبعها عادةً، لكنها كثيرة البكاء والإزعاج.
“هيه! أسرعي.”
“أختي فريا، رجلاي تؤلمانني.”
لم يكد يمشي الطفل الصغير ذو البطن المنتفخ قليلًا حتى جلس على الأرض.
وجبة الفطور التافهة التي ابتلعها منذ قليل كانت قد تلاشت، والبرد جعل جسده يرتجف. لكن الطريق أمامهما لا يزال طويلًا، والتقصير في العمل ستكون عاقبته وخيمة.
‘يا للمعاناة…’
زجرت فريا بصوتٍ منخفض الطفلة الجالسة تعبث بالتراب: “سأحملكِ قليلًا فقط.”
قفزت لوتي فورًا على قدميها، وأسرعت لتتعلّق بظهرها. كان جسد فريا النحيل ذو السبع سنوات يترنّح وهي تحمل طفلة تقارب حجمها.
“أحب أن تحمليني.”
واصلتا السير، وهمست لوتي وهي تدفن خدّها في ظهرها.
فجأة، اغرورقت عينا فريا بالدموع.
‘هذا يثير جنوني.’
كرهت كلّ شيء، كرهت فرحة لوتي الكبيرة بأمرٍ تافهٍ كهذا، وكرهت امتلاء قلبها هي نفسها بتأثّرٍ من صوتها السعيد.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 1"