سرعان ما أحضرت كيسًا سميكًا من الخيش، فرشتْه تحته، ثمّ جرّته بصعوبة. كانت مجرّد خطوة واحدة ترهق جسدها حتى يتصبّب العرق من ظهرها.
“ثقيلٌ جدًّا.”
وضعت لوكيوس على قماشٍ ناعم قرب الموقد في البيت، ثمّ خرجت مسرعة لإصلاح السور.
وبعدها لحقت بالطريق الذي بدا أنّ لوكيوس قد جاء منه، و أخفت كلّ أثرٍ بعناية. ورغم انشغالها بمحو الآثار، ظلّ ذهنها مشغولًا بالرجل الذي تركته وحيدًا في الداخل.
“هَه … هَه …”
حين عادت، كانت مرهقة تمامًا، والسماء قد بدأت تميل إلى العتمة.
لكنّه لم يسمعها، ومزّق القماش بيديه القويتين، كاشفًا عن عضلاتٍ متينة وصلبة.
“ماذا تفعل فجأةً هكذا؟”
احمرّ وجه فريا، وأدارت رأسها قليلًا. لم يكن عليها أن تنظر لترى آثار الجروح القديمة على ظهره وجنبه، فهي تعرفها تمامًا.
‘لا أعرف ما هذا الشعور.’
أهو فرحٌ بلقائه مجددًا، أم ألمٌ بسببه؟ شعورٌ غامض غمرها.
عندها تحرّكت يده الكبيرة قليلًا.
“فـ … فريـ …”
رغم أنّ كلامه كان غير واضح، إلا أنّها عرفت فورًا أنّه يناديها. لمَ وهو في هذه الحال يرغب بذكر اسمها؟
‘يحتضر ومع ذلك يناديني.’
لم تستطع تجاهل يده المرتجفة. مدت يدها وأمسكت بها بقوّة، فبردُ أصابعه كاد أن يفجر دموعها.
“سأعالجك مهما كلف الأمر، وبعدها عليك أن ترحل.”
بدأت تطحن الأعشاب وتضعها على جراحه، لكنها توقّفت مرارًا، فالجروح التي تغطي جنبه وصدره كانت خطيرة.
‘ما الذي جعل لوكيوس يصل إلى هذه الحال؟’
لكنّ هذا السؤال لا معنى له، فحوله دائمًا أعداءٌ من كلّ جانب.
لفّت الجروح بقماشٍ سريعًا، ثمّ غطّته ببطانية من فراء الحيوانات.
‘لم أتخيّل أنّ لقاءنا سيكون بهذا الشكل.’
حين أنهت كلّ شيء، اجتاحها التعب دفعة واحدة.
صعدت بتثاقل إلى السرير الخشبي الصغير. انسدل شعرها البنيّ المهمل إلى ظهرها، وعيناها الخضراوان تنظران إلى لوكيوس.
‘آه …’
ليست هذه أوّل ليلة تمضيها بقربه، لكن لسببٍ ما، لم تستطع كبح وعيها به.
‘إنه قوي، سيشفى بسرعة.’
لكنها ظلّت تتقلّب على الفراش، عاجزة عن النوم.
الذكريات التي ظنّت أنّها نسيتها أخذت تعود.
‘لوتي ، لوك …’
أطفالٌ يتقاسمون سريرًا ضيّقًا.
و كانت واحدةً منهم.
***
حتى بلغت السابعة، لم تفهم فريا تمامًا ما يجري حولها.
لماذا ذلك البيت العتيق الكبير مزدحمٌ بالأطفال؟ ولماذا كان عليها، كسائرهم، أن تخرج للعمل كل صباح؟
“فريا، استعدّي.”
كانت عمّتها صوفيا تصرخ، فتقفز فريا من نومها، تخلع ثيابها البالية وتلبس ثوبها الوحيد للخروج، وهو ثوبٌ فيه من الرقع أكثر مما فيه من القماش الأصلي.
وحين تنزل الدرج، ترى الطاولة الطويلة مكتظةً بعشرات الأطفال. لم تكن الغرف ولا قاعة الطعام مزوّدة بأيّ تدفئة، فكانت شفتاها دائمًا تميلان إلى الزرقة.
“أختي، ماذا سنتناول هذا الصباح؟”
سألت فريا أحد الأطفال الأكبر منها بثلاث أو أربع سنوات، لكن كالعادة، لم تلقَ أيّ رد.
فابتسمت بخجلٍ وغمغمت وحدها: “أتمنى أن يكون فيه كثير من البطاطا.”
لكن الوعاء أمامها لم يكن فيه سوى مرقٍ خفيف، وحتّى ذاك لم يُملأ إلا نصفه.
لم تحتج حتّى إلى الملعقة، بل شربت الحساء بسرعة، و الدفء البسيط الذي سرى في معدتها جعل ابتسامةً ترتسم على وجهها.
وما هي إلا لحظة حتى فرغ الوعاء، فتطلّعت بعينٍ متحسّرة نحو القدر.
‘يا للهول…!’
التقت عيناها بعيني صوفيا، فسارعت لخفض رأسها.
كانت صوفيا تمقت الأطفال النهمين، وفريا على وجه الخصوص كانت في مرمى غضبها، لذا وجب عليها أن تكون حذرة أكثر.
“على الجميع أن يبذلوا قصارى جهدهم اليوم أيضًا.”
لوّحت صوفيا بعصا طويلة لتشدّ من عزيمة الأطفال.
ارتسم التوتّر على وجوههم جميعًا. ثمّ جالت بينهم بعينيها واختارت بعضًا منهم.
“ليلي، لقد طال طولكِ.”
كان فستان الطفلة قد غدا قصيرًا لا يغطي سوى كاحليها.
ارتسمت ابتسامة غريبة على وجه صوفيا، ثمّ نطقت بصوتٍ يبدو وديعًا على غير عادتها: “ابتداءً من اليوم، لستِ مضطرّة للخروج إلى العمل.”
“واو، محظوظة! لا بدّ أنّ ليلي ستُتبنّى.”
“ربما سيأخذها الأب إلى العاصمة.”
فالطفل الذي تختاره صوفيا، يعفى من العمل. و ذلك بالنسبة للأطفال هنا كان أشبه بالحلم.
‘كيف يكون شعور النوم حتى وقتٍ متأخر، أو التمدّد طوال اليوم في كسل؟’
مهما حاولت فريا، لم تستطع أن تتخيّل ذلك. ولو أبدت أيّ ملامح كهذه، لانهالت عصا صوفيا على ظهرها وذراعيها ووجهها بلا رحمة.
“فريا، ابتداءً من اليوم ستأخذين لوتي معك.”
“… حاضر.”
أومأت فريا كطفلةٍ مطيعة. كانت لوتي، ذات الأربع سنوات، تتبعها عادةً، لكنها كثيرة البكاء والإزعاج.
“هيه! أسرعي.”
“أختي فريا، رجلاي تؤلمانني.”
لم يكد يمشي الطفل الصغير ذو البطن المنتفخ قليلًا حتى جلس على الأرض.
وجبة الفطور التافهة التي ابتلعها منذ قليل كانت قد تلاشت، والبرد جعل جسده يرتجف. لكن الطريق أمامهما لا يزال طويلًا، والتقصير في العمل ستكون عاقبته وخيمة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات