4
{ كنت أملك كل شيء بين يدي … ثم تسرب منهما }
“خُطبتِ للإمبراطور… لكنكِ لم تملكي شيئًا.
انطفأ قلبي منذ زمن… لكن، ماذا عنك؟ هل احترقتِ قبل أن تنطفئي؟”
تنهدت كايينا بعمق.
ولأنك شديدة الصبر في هذه الأمور عاملوك بأبشع الطرق
وأنت الثائرة في كل يوم وهم لا يرون سوى ربيعاً صافياً ؟!
تنهدت مرة أخرى… محاولةً إخراج الضيق الذي يسكن صدرها
‘لماذا لا يغيب الألم كما يغيب ذلك الرجل …؟’
هل لا يشعر بذلك هو عندما يكون الغائب ؟
هل باله مرتاح إذاً ؟
وهل تساوره الذكريات كما تفعل بي الآن؟
نظرت إلى نفسها عدة مرات ، ولم تتوقف عن مشاورة نفسها بالأمر إلى أن تنهدت وأمسكت بالجرس الصغير الموضوع على الطاولة بجانبها
ترددت قليلاً لكنها حسمت أمرها .
وهزّته.
رنينه العذب ملأ الغرفة…
لم تتوقع أن يكون بهذا الجمال. وجلست تحدق فيه بأعين واسعة ، هزّته مرة أخرى كتحقق ، ثم توقفت فجأة وقد أدركت أنها قد تُربك الخادمات
وبالفعل دخلت وصيفتان على عجل بعد أن اذنت لهما ، أنّبت نفسها على هذا الفعل السخيف لكنها تنهدت وابتسمت إبتسامة هادئة لعلها تجعلهما مطمأنتان وهمهمت قائلة
“هممم… أودّ كتابة رسالة، لذا أريد قلماً وأوراقاً، رجاءً.”
ثم أكملت بابتسامة متوترة:
“لكن قبل ذلك… أفضل الاستحمام أولاً. قوموا بتجهيزه بدايةً.”
أومأت الوصيفتان بإذعان:
“سيكون الأمر جاهزاً فوراً، جلالتك.”
ثم التفتا للخروج بسرعة.
وبعد وقت قصير، كان البخار ينسلّ من تحت باب الحمّام، مع عبير اللافندر وزيت الورد.
‘ هيه …؟’
“أحضري الماء!”
“أي زيت استخدم يا كلارا؟”
“هل أعددتنّ المناشف؟”
بدت كتمثال خزفي وسط نساء يتحركن بنشاط، جلست تراقبهنّ باستغراب ودهشة ….
اصواتهنّ تتقاطع ،وحركة أيديهنّ تشبه رقصة إيقاعية مع تلك النشوة الخفية التي تملأ العيون.
كان الوضع فوضوياً للغاية ، لكن الأجواء سعيدة .
سألت وصيفة بخفوت ،وهي تحمل اناء مملوءا بالماء الساخن
“هل الماء ساخن بما يكفي ؟ “
أجابت بهدوء :
“نعم مناسب “
سكبت بعض الماء فوق كتفيها بينما كانت الأخرى تمشط شعرها بهدوء
انتهت المراسم سريعاً، وخرجت من الحمام بوجه هادئ وجسد مغمور بعطر الياسمين.
كانت الغرفة دافئة ، رغم البرودة التي تعبق في الأجواء
ثم جلست على الأريكة المطرزة، شعرها لا يزال رطباً، وحالة من الهدوء الرهيف تغلّفها.
” هل أحضرتما ما طلبته ؟ “
أومأت الوصيفتان، فاتجهت إحداهما إلى مكتبي لتحملها ثم تعود لتضعها أمامي على المنضدة
“همم .. “
همهمت عندما أمسكت بالقلم وانحيتُ على الطاولة لأكتب .
‘ لا أدري كيف سأبدأ …’
افتتحت الرسالة بجمل رسمية ،لكن سرعان ما قمت برمي الورقة وأمسكت بأخرى …
ودّدت أن أكتب بأسلوبي المعتاد …
لكن هذا العالم لا يقبل العفوية، بل يُزيّف حتى التحية.
حسمت أمري وقررت الكتابة بشكل رسمي لكن بما يريحني
(إلى ولي العهد المحترم ، )
نظرتُ للجملة مطوّلًا
الجملة ذاتها في الورقة الأولى ، أنّبت نفسي على اختياراتي المترددة وأنّبتها أكثر على استهلاك ورقتين لرسالة كهذه
ثم تابعتُ:
(أعلم أن انشغالك لا يسمح لك بالرد على رسائل بسيطة كتلك… خصوصا حين تكون المزاجية السياسية مزدهرة ، لذا لن أطيل )
كنت أودّ كتابة سطر لاذع عن انشغاله بعدّ أقلام مكتبه كإشارة للعمل الهام الذي يقوم به والذي يقع عليه مصير الامبراطورية والممالك الحليفة بأكملها.
لكن …حقيقة كهذه قد تبدو وقحة نوعاً ما، ولم ارد تغيير رأيي عن تلك الجملة وأهدر ورقة ثانية مرة أخرى
‘ليس الوقت مناسباً للسخرية…. رغم أن الحقيقة توجع.’
(السماء صافية و بديعة في فترة الظهيرة ويبعث صفاؤها لروحي السعادة لذا ، لن ألوّث هذه اللحظة بالتشويش… لقد فكرت طويلاً ، وأدركت أن صفاء أجواء القصر قد بكون كافية لأشغل نفسي بشيء آخر لذا…. ” إفسح هذه الخطبة “)
‘لا أدري لمَ شددت على كلمة ك (صافية) عدة مرات …’
سألت الوصيفة بخفة :
” جلالتك … إلى من تلك الرسالة ؟”
رددت و انا أضع توقيعا غريباً دون أن أرفع عيناي وانا أنهي الرسالة :
(كايينا دي ڤالور… مع التوقيع)
” إلى القمامة ….”
كادت الوصيفة أن تتراجع خطوة من المفاجأة ثم فتحت فمها لتسأل لكنها توقفت حين رفعتُ الرسالة أمامي .
ضاقت عيناي وأنا اعيد قراءتها كما لو أنني أقيمها دون الإهتمام بنظرة القلق التي تبادلتها الوصيفتان … طويت الرسالة بعنف خفيف ثم عدت وكتبت رسالة أخرى لشخص آخر
لحظة .. ودق الباب باستعجال
أذنت باستغراب :
” تفضل … “
رفعت عيناي عن رسالتي لأرى الداخل، وإذ به فارس نحيل البنية وذي شعر بني مموج
” عفواً ، جلالتك “
قال الفارس بتوتر ، ضاقت عيناي وحدقت به بحدة ليكمل ، أردف بتوتر وهو يختصر كلماته قدر المستطاع ويخرج شيئاً معه بسرعة وارتباك من نظراتي
” ج… جلالتك ، بينما كنت أسير في مناوبتي سقط شيء ما على رأسي … “
رفعت جذعي ونظرت له آملة أن لا يكون ما أفكر فيه بينما هو يكمل بسرعة رافعاً ما بيده :
” نظرت ووجدته على الأرض وقد كان خاتماً … لم أضيع الوقت وقمت بالسؤال عنه لأعلم أنه خاتم جلالتك …”
أردف وهو يحك خده باصبعه متوتراً :
” استغرق الأمر وقتاً حتى وجدت كبيرة الخدم “
وجهت الوصيفتان انظارهما لكلتا يدي وقد أدركا الان عدم وجوده ، تنهدت بيأس ووقف بهدوء لأقف مقابلة له
“يبدو أنك فارس جديد ؟”
” ن… نعم جلالتك “
مددت يدي حتى يناولني الخاتم وقلت بابتسامة:
“اشكرك على إيجاده … يبدو أنني قد اضعته عندما كنت اتمشى في الحديقة “
وددت البكاء على ما أتفوه به من هراء
وحتى صوتي الداخلي يعصف بي بشدة:
‘ كيف وقع مني بينما سقط على رأسه ؟! والجميع يعلم أنني لم اخرج منذ ثلاثة أيام ! يال خراقتي !!! ‘
ويا أحمق يدي ستكسر من رفعها
بالطبع لقد كانت كذبة صارخة وغير منطقية في أي من الإتجاهات لكنني أبقيت على ابتسامتي ذاتها لكنها باتت محذرة للذي ارتاب بقلق مما قلته ورفعت حاجباً حين لاحظت ارتباكه
“الجميع يتجوّل في الحدائق هذه الأيام… كما قد تتجوّل أنت خارج القصر.”
رسالة تهديد مبطّنة.
وبمعنى أدق للجملة …
‘ أعطني إياه وإلا قمت بطردك !!’
أدرك الفارس ما قلته ثم ارتبك وناولني الخاتم بسرعة وهو يضحك عبثاً :
“هاها هذا صحيح سموك “
وانطلق مسرعاً بعد انحناءة رسمية
تنفست الصعداء
التفت محذرة الوصيفتان لكي تلتزما الصمت عما حدث ، عدت إلى الأريكة ونظرت إلى الخاتم ، ثم إلى الرسالة التي كتبتها فقررت إرسالها مع الخاتم ثم أغلقتها بشمعي الأزرق
“عليّ تغيير رمز الختم… وردة كهذه أصبحت خطراً.”
لقد كان رمز الوردة على الشمع بسيطاً للغاية بالإضافة إلى أنه سيكون سبباً آخر لموتي ،لذا… لا اعتقد أنني قد أستخدمه مرة أخرى
انهيت الرسالة الثانية ووضعتها في ظرف آخر وقامت بإغلاقها بالشمع ثم ناولتها للوصيفة
“ارسلي هذه إلى إدارة البريد الملكي “
قدمت الوصيفة الأخرى وهي مترددة ، ناولتها الرسالة الثانية وأمرت بلهجة ثابتة:
“وهذه عبر الطائر الرسمي … لوالدي “
سألت الوصيفة بصوت خفيض
“جلالتك … هل هناك شيء آخر “
ثبت نظراتي على الوصيفة لبرهة عاقدة ذراعي أمام صدري وأجبت بهدوء حازم:
” قولي للبقية أنني أريد الخروج في نزهة “
ارتفع رأس الوصيفتان و أومأت واحدة منهما بسرعة و انطلقت لتجذب عدة أثواب
ولم تستطع الأخرى كبح تلك الابتسامة الصغير التي ارتسمت على وجهها فهرعت نحو الباب وهي تحاول إخفاء لهفتها لإحضار الوصيفات الأخريات واخبارهن بالحدث الهام اليوم
“حقا ؟! “
” بداية إفساح خطوبة!؟ “
نظرت الوصيفات إليها بعدم تصديق
“نعم !!! “
واكملت وكأنها ستطير من السعادة
“وددت لو أصرخ الحمد لله عادت آنستي بقوة لكن خفت أن أفسد اللحظة”
أجابت أخرى
“من الآن لن نسمح لذلك الوريث أو غيره أن يعكر صفوها مجدداً ، فليحترق الجميع نحن معها!”
وفي لحظات ، اجتمعت العديد من الوصيفات حولها ،وبدأت الأيدي تعمل بمهارة، يمشطن شعرها ويرتبن أطراف الثوب الحريري بلون الليمون المنعش بعد اختياره ، ويربطن العقدة الزرقاء حول خصرها …دون عجلة لكن بهمة
“هل ستأخذين شيئا معك غير المظلة ؟ “
“لا حاجة لشيء آخر “
“أي حذاء تفضلين جلالتك ؟ “
“الاخف “
“هل تأخذين وشاحا لتغطية كتفاك ، جلالتك ؟ “
“أعتقد أن الجو بارد قليلا لذا … “
اومأت برأسي وأردفتُ
“نعم “
نزلت السلالم ببطء وصوت حذائي على الرخام بدا كإيقاع طبول صغيرة..
حين غادرت جناحي لم يتوقف أحد ليحدق ، ولم يتراجع أحد خطوة حين مررت
وهذا ما فاجأني ،كنت قد نسيت كيف كانت كايينا تعامل
هي ليست سجينة هنا ، و الجميع يهتم بها
وقد كان قصر الأميرة كايينا بكل من فيه حزيناً على فراقها ،و غاضباً من ولي العهد منذ يوم خيانته
“مساء الخير ،صاحبة السمو”
“يوم لطيف لكِ، جلالتكِ “
التحيات تنهال والانحناءات تتكرر …
خرجتُ من البوابة الجانبية للقصر،
تراقص شعري وتطاير مع النسيم
والهواء عبث بأطراف ثوبي الليموني بخفة. بينما تحمل إحدى الوصيفتان مظلة صغيرة خلفي لتحميني من الشمس
لقد كنا في بدايات الشتاء إلا أن الشمس قوية بعض الشيء في ڤالورا
سرت عبر الطريق المبلط المؤدي إلى حديقة الورود
تابعت بخطوات ثابتة وتأملت الطبيعية من حولي … كانت الحديقة ممتدة بشجيرات مقلمة بدقة، ورود موسمية تنحني بشكل طفيف، والنوافير تنثر همساتها في الهواء، لكن شيء ما استطاع أن يلفت انتباهي.
مقعد خشبي عتيق تحت شجرة سرو عملاقة، أوراقها تهتز بهدوء .
“كايني!”
توجهت للجلوس ، لكنني توقفت عندما دوى صوت ينادي من بعيد ، أدركت حينها أنها انا من يتم مناداتها
“كايني ! هنا، على يمينك أيتها البطيئة!”
استدرت ببطء .وحاجباي ارتفعا تدريجيا ، لمحت ذا الشعر الاسود وهو يلوح لي بابتسامة واسعة
كان يجلس هناك، تحت مظلة رخامية كبيرة تحيط باعمدتها الورود المتسلقة، على طاولة بيضاء مستديرة … يتأرجح على المقعد وكأن لا شيء يثقل قلبه.
لم أحتاج وقتاً لأعرفه …
ابتسامة مشاكسة وعفوية، بالإضافة إلى نظرة واثقة .
ارتسمت على وجهي ملامح مختلطة بين الاستغراب والضيق.
“ليورفيل ؟” تمتمت، ثم نظرت إلى الوصيفتين باستغراب
****
( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنينَ )
– سُبحان اللّٰه
– الحَمد للّٰه
– لا إله إلا اللّٰه
– اللّٰه أكبر
– أستغفِرُ اللّٰه
– لا حَول ولا قوة إلا باللّٰه
– سُبحان اللّٰه وبحمده
– سُبحان اللّٰه العظيم
– اللهُمَ صَلِّ وَ سَلِّمْ وَ بَارِك على نبينا مُحمد
لا تنسوا الدعاء لإخواننا وأخواتنا في فلسطين 🍉✊
🪷🪷🪷
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 7 - حفلة 2025-07-02
- 6 - وفد 2025-06-24
- 5 - إخوة 2025-06-20
- 4 - رسالة 2025-06-15
- 3 - خاتم الأكوامارين 2025-06-09
- 2 - هل ابتلعني التاريخ إذاً ؟! 2025-06-05
- 1 - الظلام 2025-06-03
التعليقات لهذا الفصل " 4"