كما لو أنّها لَمْ تتوقّع أنْ أُشر إليها، أشارت الآنسة فانيسا إلى نفسها بإصبعها، بوجه متفاجئ.
“أنا؟”
“نعم. إنّه حفل تكونين أنتِ بطلته. أعتقد أنّكِ تعرفين جيّدًا من تريدين دعوته ومن لا تريدين.”
“آه، هذا صحيح! لا يمكنني دعوة أشخاص لا أرغب برؤيتهم في حفل أكون أنا بطلته!”
أمسكت الآنسة فانيسا بقلم الحبر على الفور…
ثمّ أمالت رأسها بحيرة وطلبت من السيدة الكبرى:
“لكن، أمي، لقد قضيتُ وقتًا طويلاً في الفراش. لا أعرف أسماء الموالين جيّدًا. هل يمكنكِ إعطائي قائمة الموالين؟”
أمام طلب فانيسا المشرق، أرجعت السيدة الكبرى رأسها إلى الخلف.
تنهّدت في تلك الوضعيّة، ثمّ أشارت بيد خفيفة، فجلبت الخادمة قائمة الموالين وسلّمتها إلى الآنسة فانيسا.
“واو، إنّها طويلة جدًا. أمي، لا أعرف سوى أسماء فينيان، وبولاني، وكيل، وتشيرين من هذه القائمة. هل يمكنكِ شرح الآخرين؟”
“…هل هناك حاجة لسماع الشرح؟”
“بالطبع. يجب أنْ أعرف من هم حتّى أقرّر من أدعو ومن لا أدعو.”
أومأت السيدة الكبرى بوجه خالٍ من الحماس، ثمّ بدأت تشرح أسماء الموالين واحدًا تلو الآخر.
جلستُ بجانبها واستمعتُ باهتمام.
قد لا تكون هذه المعلومات مفيدة لي إذا غادرتُ يومًا، لكن بدا لي أنّ اهتمامي بمعلومات الموالين سيُزعج السيدة الكبرى.
‘أنا، العامّيّة! التي لا تعرف حدودها! أحفظ أسماء الموالين بحماس لأكون زوجة الدوق!’
أرجو أنْ تقرّري طرد هذه الفتاة المزعجة بسرعة!
إنّها مزعجة. مزعجة جدًا للعين.
أبعدت السيدة الكبرى نظرها عن آيري، التي كانت تستمع إليها بعيون متلألئة، وتنهّدت بعمق.
“يكفي من الشرح. الآن، سنجري اختبارًا خفيفًا…”
“دعينا نأخذ استراحة، أمي. كتابة الرسائل متعبة.”
قاطعت فانيسا كلام السيدة الكبرى، تنهّدت بخفّة وهي تربّت على ذراعها النحيلة.
عند رؤية ذلك، نسيت السيدة الكبرى ما كانت ستقوله وأومأت بسرعة.
“حسنًا، حسنًا. لا تُجهدي نفسكِ كثيرًا…”
فجأة، فتحت السيدة الكبرى فمها بدهشة. لقد شكّت في عينَيْها.
“ما، ما هذا؟”
“ماذا؟ إنّها قائمة المدعوّين التي كتبتها بجد.”
“الخط، لماذا خطّكِ بهذا الشكل؟”
كان ذلك صحيحًا. كما لو أنّ الدم لا يكذب، كان خط فانيسا سيئًا بشكل مروّع، تمامًا مثل مهارة فيرونيكا الفظيعة في الرسم.
تجمّدت السيدة الكبرى أمام الورقة التي لَمْ تتمكّن من قراءة حرف واحد منها بوضوح.
نظرت فانيسا إلى والدتها وقالت بثقة، كما لو أنّ لديها ما تقوله:
“لقد قضيتُ حياتي طريحة الفراش. كلّ ما كتبته كان عندما كنتُ أتعلّم الحروف صغيرة، فكيف يمكنني كتابة خط متدفّق؟”
“هذا صحيح، ولكن…”
“لكن، بالتأكيد، يبدو خطّي سيئًا حتّى بالنسبة لي…
لا يمكن أنْ يستمر هكذا. آيري، هل يمكنكِ مساعدتي؟”
“أنا؟ كيف يمكنني مساعدتكِ؟”
“سأملي عليكِ، وأنتِ اكتبي.”
“حسنًا! سأفعل ذلك.”
بينما كنتُ أكتب بعناية كلّ حرف تمليه فانيسا، هدّأت السيدة الكبرى غضبها الداخلي بشرب الشاي الدافئ.
‘حتّى لو تعلّمت آداب المائدة، لَمْ تُصحّح خطّها، لذا كنتُ سأستغلّ ذلك لانتقادها…’
بالتأكيد، لم يكن خطّ آيري مزخرفًا أو أنيقًا.
لكنّه كان نظيفًا ومرتبًا.
كانت الخطوط متساوية، والحبر لَمْ يتناثر بشكل مزعج.
وبما أنّ خط فانيسا السيئ كان بجانبه مباشرة، لَمْ يكن هناك مجال لانتقاد خطّ آيري.
“هف… يجب على كلاكما… ممارسة الكتابة بخط متدفّق…”
“صحيح. عندما رأيتُ خطّ آيري، أدركتُ أنّ خطّي به مشاكل كثيرة. آيري، دعينا نتعلّم معًا.”
“حسنًا، أنا موافقة.”
“وأنا أيضًا! فيرونيكا تريد أنْ تتعلّم معكما!”
كيف يمكن أنْ يكونوا على هذا القدر من الانسجام؟
كان من المفترض أنْ تكون آيري الغريبةَ هنا، لكن السيدة الكبرى شعرَت كأنّها الغريبة وسطَ عائلةٍ متناغمة.
‘هذه الفتاة الماكرة لم تُغوِ إلكيوس فقط، بل ابنتايَ أيضًا…’
حتّى لو أرادت أنْ تكون قاسية، كانت ابنتاها تمنعان ذلك، فشعرَت بانخفاضِ طاقتها.
في هذه المرحلة، لَمْ تستطع السيدة الكبرى إلاّ أنْ تلاحظ.
كانت فانيسا وفيرونيكا تدعمان آيري بمهارةٍ، وتقطعان أيّ فرصة لانتقادها مسبقًا.
‘ليس لديّ حلفاء في هذا القصر.’
شعرت بالحزن وأصبحت عيناها ساخنتَيْن.
فجأة، اشتاقت إلى زوجها المتوفّى وابنها الأكبر.
لو كانا موجودَيْن، لكانا قد دعما جانبها.
ولو، على الأقل، أحضر ابنها الأكبر زوجة دوق قبل وفاته، لكانت زوجة ابنها حليفة لها.
‘لماذا يتمسّك أفراد هذه العائلة بشخص واحد ويرفضون تغيير رأيهم حتّى الموت؟’
كان سبب عدم زواج ابنها الأكبر حتّى بعد تجاوزه الثلاثين هو عدم نسيانه لخطيبته التي توفّيتَ في حادثٍ.
لقد أصيب بالمرض وتوفّي مبكرًا بسبب ضعفهِ الناتج عن الحزن.
‘قول إلكيوس إنّه لن يتزوّج سواها يبدو جديًا أيضًا.’
نظرت السيدة الكبرى بهدوء إلى آيري، التي كانت تكتب بحماس الأسماء التي تمليها فانيسا، وشعرت فجأةً بالظلم.
‘لماذا يجب أنْ تكون عامّيّة؟ لو كانت ابنة فيكونت، أو حتّى بارون، هل كنتُ سأعارضَ بهذا الشكل؟’
عندما عرضتُ تقديم فتيات نبيلات لطيفات، رفض إلكيوس بشدّة، ثمّ أحضر فتاة عامّيّة؟
مهما فكّرت، بدا لها أنّ إلكيوس اختار عامّيّة عن عمد لإثارة غضبها.
لذا، على الرغم من شعورها بالامتنان، لَمْ تستطع السيدة الكبرى أنْ تنظر إلى آيري بعين الرضا.
“سيدتي الكبرى، انتهيتُ من كتابة قائمة المدعوّين.”
“…حسنًا، دعيني أرى.”
كانت الأحرف متساوية ًوواضحة، سهلة القراءة.
بعد أنْ راجعت الأسماء بسرعة، أومأت السيدة الكبرى موافقة.
“بما أنّه حفل يُدعى إليه جميع الموالين، يجب فتح قاعة كوين روز. هذه الميزانيّة يجب أنْ تكون كافية.”
سلّمت السيدة الكبرى إلى آيري وثيقة خطّة أعدّتها مسبقًا.
“اذهبي إلى إلكيوس للحصول على موافقته.”
في العادة، لَمْ يكن هناك حاجة لموافقة الدوق، إذ كان بإمكان زوجة الدوق إتمام الأمر.
لكن، حتّى لو كانت آيري تتزيّن بمفتاح اللازورد بشكل واضح، فهي ليست زوجة الدوق الرسميّة بعد.
من المحتمل أنّها لا تعرف مقدار الأموال اللازمة لتنظيم حفل في قصر الدوق، ولن تكون متأكّدة من توقيع الوثيقة التي أعدّتها السيدة الكبرى.
لذا، قرّرت السيدة الكبرى أنْ تكون ماكرة بعض الشيء. تضخّمت الميزانيّة المطلوبة للحفل بمقدار الضعف.
‘من المؤكّد أنّ ذلك البخيل لن يوافق على هذا المبلغ وسيطلب تعديله. سَتعود إليّ بالوثيقة.’
لكن السيدة الكبرى لَمْ تنوي تعديل الميزانيّة إطلاقًا.
كانت تخطّط للإصرار على أنّ الحفل لن يُقام إلاّ بهذا المبلغ، وستجعل آيري تدور في حلقات.
‘إذا كنتِ لا تريدين رؤية خطيبكِ يعاني، فحاولي إنفاق أموال زائدة… مهلاً؟’
في تلك اللحظة، بينما كانت تتخيّل انتصارها على إلكيوس في خيالها، أمسكت آيري بقلم الحبر وأضافت صفرًا آخر إلى المبلغ الإجمالي في نهاية الوثيقة.
ثمّ فكّت عقدها، وعدّلت طرف المفتاح ليصبح ختمًا، وختمت الوثيقة بقوّة.
“ما، ما الذي تفعلينه؟ لماذا غيّرتِ ذلك بنفسكِ؟”
“لقد أخبرني الدوق مسبقًا. قال إنّكِ بالتأكيد ستقلقين بشأن ماليّة عائلة الدوق وستخطّطين لحفل متواضع.”
“ماذا؟”
“لكن هذا الحفل لعرض تعافي الآنسة فانيسا وإعلان زواجها، أليس كذلك؟”
نظرت آيري إلى فانيسا للحظة، ثمّ التفتت إلى السيدة الكبرى وقالت بصوت مشرق:
“قال إنّه ليس شخصًا عاجزًا، ولديه الكثير من المال لإنفاقه على أخته الوحيدة، لذا طلب مني إقامة حفل فخم ومبهر بلا شك.”
“هذا، هذا…!”
اشتعلت السيدة الكبرى غضبًا من الداخل.
‘عندما كنتُ أشتكي من نقص ميزانيّة الحفاظ على الكرامة، لَمْ يستمع إليّ…!’
في النهايةِ، أغَمي على السيدِة الكبرى مرّةً أخرى أمامَ لجميع.
التعليقات لهذا الفصل " 45"