نهضتُ من مكاني فجأة وجثوتُ على ركبتيّ أمام الكونت.
“ماذا؟ لماذا فجأة؟ ماذا فعلتُ؟”
“ألم تعيدي إحياء شجرة البرقوق وتُعيدي الصحّة للآنسة فانيسا أيضًا؟”
“ذلك… أعتقد أنّه كان مجرّد توقيت جيّد…”
“هذا التوقيت هو المهم.
ألم تُحلّ المشكلات التي لَمْ يستطع أحد حلّها على مدى خمسة وعشرين عامًا،
واحدة تلو الأخرى، منذ وصول خطيبة الدوق المستقبليّة إلى قصر الدوق؟”
كانت عينا الكونت بولاني، وهو ينظر إليّ، مليئتين بالصدق.
لم تكونا عينَيْن يمكنني إقناعهما بالتراجع.
“أؤمن أنّ لكلّ شخص حظّه الخاص الذي يولد به. وقد تأكّدتُ هذه المرّة أنّ الحظ الذي وُلدتِ به، يا خطيبة الدوق المستقبليّة، يعمل كريح مواتية لعائلة لوديان.”
“أليس من المبكّر جدًا أنْ تكون بهذا التأكيد…؟”
“ومن يدري؟ ربّما تعود كائنات مقدسة إلى هذه العائلة قريبًا.”
في تلك اللحظة، انقطع كلامي.
دون قصد، التفتُ إلى الصندوق الكريستالي، حيث كانت بلوم تهزّ رأسها وترقص بحركات مبهرجة كأنّها تصرخ: “أنا هنا!”
‘عندما تصبح بلوم بالغة، سأذهب وأصطاد فراشة حمراء من مكان ما…’
هل يجب أنْ أعيد بلوم إلى الدوق الآن؟
بينما كنتُ أفكّر في هذا، خرجت كلمة “و…” من فم الكونت بولاني.
“لقد رأيتُ ابني يضحك بمرح لأوّل مرّة. هل تعلمين ماذا قال لي؟ قال إنّ كلّ يوم مليء بالسعادة.”
“آه…”
“كنتُ أعتقد أنّ مشاعر ابني تجاه الآنسة فانيسا هي مجرّد عاطفة عابرة أو واجب كتابع مخلص.
لقد عشتُ ألعن نفسي مدى الحياة لأنّني عرقلتُ طريقه بخطوبة في المهد…”
وفقًا للدوق، كان السير أدريان يحمل دائمًا خاتمًا مرصّعًا بالياقوت الأحمر منذ أنْ بلغ سنّ الرشد.
كان ينوي، في أيّ وقت تسمح فيه الابنة الثانية للدوق، أنْ يضعه في يدها.
“الآن، أصبح بإمكاني رؤية ابني يعيش حياة عاديّة وسعيدة مثل الآخرين…
كيف يمكنني أنْ أبخل بركبتيّ هاتين تجاه من جعل ذلك ممكنًا؟”
“…”
“عندما يُقيم ابني مراسم زفافه، سأتنازل عن لقب الكونت وأتقاعد.
ومنذ ذلك الحين، أرغب في العمل كحارس لخطيبة الدوق المستقبليّة، لذا أرجو أنْ تقبلي هذا الجسد برحابة صدر.”
“حارس؟ هذا كثير جدًا، أشعر أنّه مبالغ فيه…”
لكن لَمْ يكن هناك من يتفهّم قلقي.
وخزتني أليشا في خاصرتي بوجه يقول: “ماذا تفعلين؟”، وبما أنّني لَمْ أستطع ترك الكونت جاثيًا على ركبتيه إلى الأبد، ابتلعتُ دموعي وأومأتُ برأسي.
“حسنًا… أرجو أنْ تعتني بي…”
بعد ذلك، لَمْ يمر يوم واحد حتّى انتشرت إشاعة في قصر الدوق أنّ الكونت بولاني قد أقسم لي بالولاء.
عندما سمع الكونت بولاني أنّه أقسم بالولاء لآيري، كانت السيدة الكبرى مع فانيسا.
“ماذا؟ من فعل ماذا؟ يا إلهي، رأسي!”
أمسكت السيدة الكبرى جبهتها واستلقت على الأريكة.
لكن فانيسا، غير مبالية، ضحكت بصوت عالٍ كما لو أنّها سمعت خبرًا ممتعًا.
“سمعتُ أنّه يفكّر في التقاعد، لكن يبدو أنّه خطّط لمستقبله بالفعل.”
“هذا ليس للضحك! بعد الماركيز فينيان، الآن الكونت بولاني يقسم بالولاء؟ هذا هراء، كيف يحدث هذا لفتاة لَمْ تُقم مراسم زفافها بعد؟”
“وما المشكلة؟ ليس وكأنّها علاقة عابرة، لقد أعلن إلكيوس أنّها ستكون زوجته. أنْ تصبح زوجة الدوق مسألة وقت فقط…”
“فانيسا! هل تقولين إنّك لا تمانعين أنْ تصبح فتاة مجهولة الأصل زوجة دوق؟”
نظرت فانيسا إلى السيدة الكبرى، التي نطقت أخيرًا بهذا الكلام، بوجه يقول إنّها لا ترى أيّ مشكلة.
“إلكيوس يقول إنّه يحبّها. ويبدو أنّ آيري تشعر بالمثل. في عالم تصبح فيه النساء العامّيات إمبراطورات، فما المانع من أنْ تكون زوجة دوق…؟”
“هل تظنّين أنّ الواقع ككتاب خرافات؟ الزواج ليس نهاية المصاعب، بل بداية تحدّيات جديدة.”
فجأة، بدت السيدة الكبرى وكأنّها أدركت شيئًا.
“بالمناسبة، يبدو أنّكِ لا تعرفين التفاصيل، يا فانيسا. ما الذي حدث للإمبراطورة الحاليّة.”
“هل كان هناك شيء يُعتبر حدثًا؟”
“صحيح، كنتِ صغيرة وكنتِ طريحة الفراش…”
كما لو أنّها قرّرت سرد القصّة، بدأت السيدة الكبرى تستعيد ذكريات قديمة.
“قبل ثلاثين عامًا، كان هناك طائفة زائفة تُدعى ليستو تجوب الإمبراطورة.”
“طائفة زائفة؟”
“نعم. كانوا مجانين يدّعون أنّهم سيُعيدون إحياء التنانين الشريرة الثلاثة التي قضى عليها الإمبراطور الأوّل.”
كانوا يعتقدون أنّ شجرة العالم المتجذّرة في القارّة هي طفيليّة تفترس هذا العالم، وأنّ التنانين الثلاثة هي المخلّصات الحقيقيّة.
تحت هذا المنطق، ارتكبوا أفعالًا وحشيّة بتقديم أشخاص أبرياء كقرابين لإحياء التنانين.
لكنّهم فشلوا في إحياء التنانين، فكانت أفعالهم بمثابة مذابح جماعيّة.
وبالطبع، لو نجحوا في إحياء التنانين، لكان ذلك كارثة بحدّ ذاتها.
أثناء التحقيق في قضايا الاختفاء في أنحاء الإمبراطورة، اكتشف الإمبراطور والإمبراطورة حقيقة طائفة ليستو وحاولوا اقتلاعها من جذورها.
لكن مقاومة الطائفة، التي وسّعت نفوذها في الخفاء لعقود، لَمْ تكن سهلة.
نجح الإمبراطور والإمبراطورة في القبض على زعيم الطائفة ونوابه، وأوقفوا طقس إحياء التنانين الكبير الذي كانوا يخطّطون له.
لكن، للأسف، فشلوا في اقتلاع جذور الطائفة.
“أعتقد أنّني سمعتُ شيئًا عن هذا. أكان هذا إنجاز الإمبراطورة؟”
“نعم. في ذلك الوقت، كان من بين الرهائن الذين كانوا سيُقدّمون كقرابين العديد من أبناء النبلاء.
بفضل ذلك، حظيت الإمبراطورة بالتقدير وتزوّجت من الإمبراطور بنجاح…”
كان أوّل من اعترف بإنجاز الإمبراطورة هو روح شجرة العالم.
بفضل بركة روح شجرة العالم، أصبحت الإمبراطورة، رغم أصلها العامّي، شخصيّة لا يمكن لأحد تجاهلها.
الأمير الأوّل والثاني اللذان أنجبتهما حظيا أيضًا ببركة روح شجرة العالم، مثل بقيّة أفراد العائلة الإمبراطوريّة.
حتّى ذلك الحين، لَمْ يجرؤ أحد على السخرية من الإمبراطورة لأصلها العامّي.
حتّى ذلك الحين.
“لكن المشكلة بدأت عندما توفّيت الأميرة الثالثة قبل أنْ تبلغ عامَيْن…”
على الرغم من مرور وقت طويل، لَمْ تستطع السيدة الكبرى نسيان ما حدث آنذاك.
كانت عائلة لوديان متورّطة في تلك المأساة التي ضربت العائلة الإمبراطوريّة.
“قبل ستّة وعشرين عامًا… هل تعرفين لماذا مات الكائن المقدس لوالدكِ؟”
“لستُ متأكّدة من التفاصيل، لكن سمعتُ أنّه مات أثناء حماية الإمبراطورة.”
“نعم، هذا صحيح.”
تنهّدت السيدة الكبرى بعمق وهي تتذكّر تلك الأحداث.
“قبل ستّة وعشرين عامًا، توفّي والد الإمبراطورة فجأة. علمنا لاحقًا أنّ ذلك كان خدعة من بقايا طائفة ليستو لاستدراج الإمبراطورة خارج القصر.”
لكن الإمبراطورة، التي لَمْ تكن تعلم بذلك، غادرت القصر دون شكّ لحضور جنازة والدها، رغم أنّها كانت حاملاً بطفلها الثالث.
كانت مسقط رأس الإمبراطورة قرية صغيرة تُدعى كوتن، تقع شمال غرب فينينغتون. لذا، مرّت عبر فينينغتون.
لم يتمكّن الإمبراطور من مرافقتها بسبب انشغاله، فأرسل رسالة إلى دوق لوديان يطلب منه حماية الإمبراطورة.
قبل الدوق الطلب بسرور وتولّى حمايتها بنفسه.
لكن، قبل الوصول إلى كوتن، تعرّضوا لهجوم مفاجئ من بقايا طائفة ليستو.
“في تلك اللحظة، قُتل الكائن المقدس… واختفت الإمبراطورة.”
“اختفت؟”
“نعم. بسبب مقتل الكائن المقدس ، أصيب والدكِ بضرر كبير. وبما أنّ مكان الهجوم كان فوضى عارمة، لَمْ يعرف أحد ماذا حدث للإمبراطورة.”
اكتشفنا لاحقًا أنّ الإمبراطورة هربت بطريقة ما من مكان الحادث لحماية طفلها في أحشائها.
على الرغم من صعوبة الحركة بسبب الحمل، كانت سيّدة سيف.
تمكّنت من الهروب من الملاحقين واختبأت في قرية ريفيّة صغيرة، محوّلة آثارها.
(ميري : أظن كلنا نعرف مين طفلتها الثالثة ، ياريت يكون فهمي غلط 🤡)
أخفت هويّتها واسمها، واندمجت في القرية كأم عزباء هاربة.
خوفًا من كشف مكانها لبقايا طائفة ليستو، لَمْ ترسل أيّ رسائل تطلب المساعدة.
عاشت مختبئة بهدوء، كأنّها ميتة، حتّى أنجبت طفلها.
التعليقات لهذا الفصل " 42"