“ألن تُغلق فمكَ؟!”
كانت عينا إلكيوس، وهو يحدّق في الدوقة الغاضبة، لا تبديان سوى البرود.
نظر إلى أوليفيا، التي كانت تبكي بين أحضانها كما لو كانت طفلة، ثم أرسل إشارة صامتة للفرسان الواقفين على بُعد.
“بما أنّ الدوقة تُدافع عنها بهذا الشكل، فسأنسحبُ اليوم.
لكن، هذا لا يعني أنّ الشك قد زال. عليكِ أن تفهمي هذا جيدًا.”
“أخرج من هنا، حالًا!”
“آنستي، العرض الذي قدّمتهُ لكِ من قبل، ما زال ساريًا في أي وقت تشائين.”
لم يعُد إلكيوس يبتسم.
ولم تُدرك الدوقة السبب الحقيقي خلف ذلك إلا متأخرة، وهو الاحتقار الواضح الذي كان يَملأ عينيه.
“إن لم تُعجبكما لوديان، فقوليها صراحة.
سأتكفّل بإعالتكما، فلا داعي للقلق بشأن سُبل المعيشة.”
انسحب إلكيوس بصحبة الفرسان.
وبعدما تأكدت الدوقة من مغادرته لقصر ديلفينيوم، انهارت في مكانها.
“آنستي!”
أسرعت أوليفيا إلى مساعدتها، لكن يد الآنسة أبعدتها بعنف.
“أنتنّ، اخرجن من هذه الغرفة، فورًا!”
طردت الدوقة الخادمات والخدم جميعًا من الغرفة.
ثم، وبعد أن تأكدت من أنّ كل الأبواب والنوافذ مغلقة، التفتت إلى أوليفيا وسألتها:
“لا أحد يسمعنا، لذا قولي الحقيقة.
هل ما قاله إلكيوس صحيح؟”
“آنستي، في الحقيقة…”
“قولي الحقيقة!”
صرخت الآنسة كما لو كانت في نوبة.
“لقد وثقتُ بكِ ودافعتُ عنكِ. فلا تكذبي عليّ، أبدًا!”
كانت عينا الآنسة تمتلئان بالتناقض بين الثقة والشكّ، وأمام هذا التوتر، لم تستطع أوليفيا سوى أن تعضّ شفتها وتهزّ رأسها.
“…نعم، ما قاله صحيح.”
“أنتِ!”
صفعة. دار رأس أوليفيا مع الصوت العالي، لكنها لم تتأوّه.
وبينما كانت أوليفيا تُطأطئ رأسها بصمت، كانت الدوقة تصرخ وقد فقدت أعصابها:
“أن تُحاولي تسميم شجرة المشمش… كيف تفعلين أمرًا كهذا؟!
من الذي أمركِ؟!”
جثت أوليفيا على ركبتيها مباشرة.
“أرجوكِ، سامحيني.
اعتقدت أن طرد تلك المرأة مجهولة الأصل من هذا القصر كان هو الأهم.”
“ومع ذلك، كيف تفعلين هذا دون أن تقولي لي شيئًا…؟”
“لو حدث خطأ ما، كنتُ سأتحمّل المسؤولية وحدي.
ظننت أنه من الأفضل أن تبقي الدوقة جاهلة بالأمر.”
لكن هذا التبرير لم يكن مقنعًا.
فلو كانت قد تصرّفت بالفعل من تلقاء نفسها، لَما انتظرَت حتى يسأل إلكيوس ‘هل أمرتِها بذلك؟’ بل كانت ستتبعُه فورًا.
ورغم أنها ارتكبت جُرمًا كبيرًا، فقد نجت بفضل حماية الدوق.
وبات من المستحيل أن تُبرّئ الدوقنفسها من هذه القضية.
لكن، دون أن تُدرك ذلك بعد، وضعت الدوقة يدها على جبينها وهمست بصوت منهك:
“مع ذلك، كان عليكِ إخباري. كان عليكِ فعل ذلك…”
“أنا آسفة، آنستي. لا أملكُ ما أقوله.”
قالت أوليفيا بوجه حازم:
“حتى الآن، يمكنني الذهاب إلى الدوق والاعتراف أنني تصرفت من تلقاء نفسي…”
“لا!”
قبل لحظات فقط، كانت الآنسة تلوم إلكيوس على تلفيق تهمة لشخص بريء بدافع العاطفة.
لكن، إن اعترفت أوليفيا الآن، فستُلطّخ سمعة الدوقة نفسها.
بل إن الأمر يتجاوز ذلك بكثير…
“لا تقولي الحقيقة أبدًا. أنتِ تعرضتِ لافتراء. أفهمتِ؟”
“نعم، لا عذر لي.”
“يكفي… ما حدث قد حدث.”
تنهدت الدوقة بعمق.
“لكن من الآن فصاعدًا، لا تتصرّفي بتهوّر أبدًا.
إن أردتِ فعل شيء، عليكِ أن تُخبِريني وتحصلي على إذني أولًا.”
“بالتأكيد، آنستي.”
انحنت أوليفيا بخضوع.
لقد قضت معها عقودًا طويلة، ورافقتها من أقصى الشمال، فكيف تشكّ بها الدوقة؟
“…أنا مرهقة. سأخلد إلى الراحة، فاخرجي.”
“نعم، آنستي.”
تناولت الدوقة دواء الصداع، ثم عادت إلى فراشها.
لكنّ الألم لم يزُل بسهولة.
ربما ستبقى طريحة الفراش لعدة أيام.
عادت أوليفيا إلى غرفتها وانتظرت حتى يحلّ الليل.
وحين تأكدت من أن لا أحد يراقبها من خلف الباب أو النوافذ، أخرجت أداة سحرية من تحت سريرها وفعّلتها.
ووووم.
في لحظات، تشكّلت حاجز حماية سحري حول الغرفة.
وبعد أن تأكدت مرارًا من فاعليته، فعّلت أداة الاتصال السحرية.
“…هارتان.”
“أولت، بين.”
لم يُنطق اسمها إلا بعد أن أجابت على كلمة السر.
– “أوليفيا، ما الأمر؟”
“شجرة لوديان للمشمش قد تعافت.”
– “ماذا؟!”
ظهر القلق واضحًا على الوجه الباهت في البلورة.
– “هل ظهرت بيضة الوحش المقدّس؟ هل تكونت؟”
“ليس بعد.
لكن، بما أن الشجرة تتعافى بسرعة، قد يحدث ذلك قريبًا.”
– “أخيرًا جاءت الفرصة. بعد 25 عامًا!”
قالها بصوت مفعم بالابتهاج، ثم أصدر أوامره:
– “إن ظهرت البيضة، عليكِ سرقتها قبل أن تفقس.
وإن لم تستطيعي، عليكِ تحطيمها. لا مجال للفشل.”
“فهمت.
لكن خلال تدخلي، شكّ بي دوق لوديان.”
– “لا تقولي إن الدوق بقربك الآن؟!”
انطلقت نبرة حادة كالسكين، فأجابت أوليفيا بسرعة:
“لا، ليس كذلك.
تمكنت من النجاة بفضل حماية الدوقة.
لكن، دوق لوديان لا يُبدي أي احترام لوالدته، وقد يتجاهلها ويأخذني بالقوة.”
– “تعلمين ما الذي يجب فعله حينها، أليس كذلك؟”
هزّت أوليفيا رأسها.
كان وجهها يفيض عزمًا لم يُظهرته أمام الدوقة.
“إن ظهرت تغيّرات على الشجرة، سأبلغكم فورًا.”
– “جيّد. أتمنى لكِ الحظ.”
وانقطع الاتصال.
أعادت أوليفيا الأدوات السحرية إلى مخبئها أسفل السرير، ثم تمددت.
لحسن الحظ، كان الجو هادئًا.
ورغم القلق من أن يقتحم أحد المكان، لم تستطع تهدئة قلبها إلا بعد مرور عشر دقائق.
‘لو أنّ تلك الحادثة نجحت وقتها…’
قبل 25 عامًا، عندما تكوّنت بيضة الوحش المقدّس في شجرة المشمش.
خلال انشغال الدوق وزوجته، نجح أحد رفاق أوليفيا في التسلّل وسرقة البيضة.
لكنهم انكشفوا قبل الهروب، فاختفت البيضة تمامًا.
ولا أحد يعلم أين ذهبت.
الرفاق الذين كانوا بالخارج لم يستلموها، والصديقة التي أمسك بها الفرسان قد أنهت حياتها فورًا.
ومنذ ذلك الحين، باءت كل محاولات البحث عن البيضة بالفشل.
فلا أوليفيا ولا آل لوديان استطاعوا العثور عليها.
ظنّت أوليفيا أن صديقتها كسرت البيضة في اللحظة الأخيرة قبل أن تُؤسر.
ولو صحّ هذا، فلا بد أن البيضة ستظهر من جديد في الشجرة.
لكن الشجرة ذبلت بدلًا من ذلك.
ولم تعُد متأكدة.
هل السبب هو ذبول الشجرة؟
أم أن البيضة قد فُقدت في مكانٍ ما؟
‘إن انتظرت، سأعرف.
لو ظهرت البيضة مجددًا…’
فعليها تهريبها قبل أن تفقس.
‘كل شيء من أجل سيدي.’
وطبعًا، هذا السيّد لم يكن الدوقة.
في تلك الأثناء، في مختبر الساحر العبقري لويد:
“هاك، نسخةٌ من سجل الاتصال.”
قالها لويد وهو يعبث بعدة بلّورات سحرية فوق مكتبه الذي كُتبت عليه دوائر معقدة.
“استمع لها. أعتقد أن هناك شيئًا مثيرًا.”
“لا أظنّ أن أحدهم اتصل بمخبز ليطلب خبز الفجر من خلال بلّورة كهذه.”
ضحك إلكيوس قليلًا، لكن ملامحه تبدلت سريعًا حين بدأ التسجيل.
ومع نهايته، ضحك بمرارة وكأنه تلقّى صفعةً.
“لم تكن الدوقة من أمرت بذلك…!”
لقد اصطاد فريسة ضخمة دون قصد.
فريسة دُفنت منذ خمسة وعشرين عامًا على الأقل.
التعليقات لهذا الفصل " 30"