“… لكن هل حقًا لا بأس أن نعبث بشجرة البرقوق؟”

ربما لأنها لم تستطع التخلص من شعورها بالقلق رغم محاولاتها، فقد تحدثت بنبرة مترددة على غير عادتها.

“الشخص الذي غادر قبلي بذل جهدًا كبيرًا لإنقاذ شجرة البرقوق…”

“لكن، أليس صحيحًا أننا فعلنا كل ما يمكن لإنقاذها؟”

لو كان بإمكان البشر إنقاذها، لكانت قد عادت للحياة منذ زمن.

الأمر مجرد مسألة وقت، فشجرة المشمش ستذبل في النهاية وتموت.

“ربما السبب وراء عدم ظهور ثمار الشجرة المقدسة الجديد هو بقاء شجرة البرقوق في حالة بين الحياة والموت. وقد تظهر ثمار الشجرة المقدسة على شجرة أخرى في القصر بعد أن تذبل تمامًا وتموت.”

“حقًا، هناك قول بأن المصائب قد تتحول إلى نعمات…”

بما أن الشجرة ميتة على أي حال، حاولت السيدة تهدئة نفسها.

دون أن تلاحظ ملامح وجه أوليفيا التي كانت تنظر للأسفل.

***

جاءت أيليشا بردٍ بعد يومين.

“تحققت من خلال مصدر معلومات موثوق، ولم يمت أي طفل في القصر خلال العشرين عامًا الماضية.”

“هل يمكن أن يكون هناك احتمال بأنهم قتلوا طفلًا خفية ودفنوه في مكان ما؟”

“لا.”

هزت أليشيا رأسها بحزم.

“بشكل أساسي، لا يتم توظيف القاصرين في القصر. لذا، إذا كان هناك طفل يتجول في القصر، فإنه إما أحد أبناء العائلة الدوقية أو أبناء النبلاء المدعوين.”

“فهمت، هذا منطقي.”

لو كان هناك اختفاء لأي من أبناء الدوق أو النبلاء، لكان الأمر قد أثار ضجة كبيرة.

“إذًا، لماذا تتجول روح تلك الفتاة الصغيرة قرب شجرة البرقوق؟ وما الذي دُفن تحت شجرة البرقوق؟”

“لماذا طلبت مني فجأة التحقيق في هذا الأمر؟ هل سمعت شائعات عن وفاة طفل في مكان ما؟”

“ليس بسبب شائعات…”

هل أقول هذا؟ هل ستصدقني إذا قلت ذلك؟

رغم أنني لم أكن واثقة، إلا أنني لم أجد كلمات أخرى، فقررت أن أكون صريحة.

“في الواقع، يمكنني رؤية الأرواح. لم أرَ الكثير منها، فقط مرتين أو ثلاث مرات في حياتي…”

“… أرواح؟!”

“نعم. رأيت روح طفل قرب شجرة المشمش…”

“آآآه!”

صرخت أليشبا فجأة، وابتعدت عني وهي تغطي كتفيها بكلتا يديها.

بوجه شاحب مرتعد، سألتني بصوت متلعثم:

“أ-أنتِ لا تمزحين، صحيح؟ هل ترين الأرواح حقًا؟”

“نعم. هل تخافين من هذه الأمور؟”

“نعم! أخاف منها كثيرًا! لا أستطيع تحملها!”

ارتعشت أليشيا بشدة، وعلى الرغم من أن الغرفة كانت مضاءة جيدًا، إلا أنها سحبت الستائر بشدة وربطتها بإحكام.

ثم، وكأنها لم تهدأ بعد، احتضنت وسادة كبيرة ووقفت مستندة إلى الحائط.

“حسنًا، سأصدق أن سيدة الدوق المستقبلية لن تختلق كذبة لإخافتي.”

“أنا لا أكذب، هذا حقيقي.”

“حسنًا… سأصدقك… أوه، لا أريد أن أصدق!”

عانقت أليشيا الوسادة بقوة، وسألتني بصوت يكاد يبكي:

“إذًا، ماذا قالت روح الطفل؟”

“في الواقع…”

أوه، يبدو أنني لا يجب أن أقول هذا.

ترددت، لكنني تحدثت تحت ضغط أليشا.

“طلبت أن نحفر تحت شجرة البرقوق… أليشيا!”

بوم.

اغمى  على إليشيا عليها في النهاية.

“أليشيا تخاف من الأرواح… كثيرًا.”

“أنا آسفة. لم أكن أعرف ذلك…”

اعتذرت لها، لكنها هزت رأسها بلا طاقة وهي تجلس على السرير. رغم أن وعيها قد عاد، إلا أن وجهها لا يزال شاحبًا.

“لا بأس. المشكلة في أنني ضعيفة، وأعلم أنكِ لم تقولي ذلك لإزعاجي عمداً… هاهاها.”

“لكن كيف أتى الحديث عن الأرواح؟”

بعد أن أغمي على أليشبا، طلبت من الخادمة إحضار طبيب، وأيضًا استدعيت الدوق عن طريق شيا.

وصل الدوق على الفور، لكنه لم يتمكن من معرفة التفاصيل من شيا.

أخبرته أنني أرى الأرواح، وأنني رأيت روح فتاة صغيرة قرب شجرة البرقوق.

“روح فتاة صغيرة؟ قرب شجرة البرقوق؟”

“نعم. لذا طلبت من أليشا أن تتحقق مما إذا كان هناك فتاة قد توفيت في القصر، لكنها قالت إنه لا يوجد.”

هز الدوق رأسه بعد سماع كلامي.

“حسبما أعرف، لا يوجد أيضًا. قبل 25 عامًا، الوحيدة التي كانت ستتجول في القصر كطفلة كانت شقيقتي.”

“كانت تتجول في القصر؟ ألم تكن مريضة وملازمة للفراش منذ صغرها؟”

“لا. قبل 25 عامًا، وقع حادث كبير في القصر. تعرضت له شقيقتي، ومنذ ذلك الحين أصبحت ضعيفة. لكنها كانت بصحة جيدة من قبل، وكانت تجري وتلعب كفيرونيكا الآن.”

“حقًا…؟”

“على أية حال.”

نقر بأصابعه لتغيير الجو، ثم أخرج ساعة جيب من جيبه وتحقق من الوقت.

“أتساءل ما الذي تحت شجرة البرقوق لدرجة أن تلك الروح طلبت الحفر هناك. هل نذهب الآن؟”

“الآن؟ مباشرة؟”

“أشعر بالفضول. من تكون تلك الفتاة الصغيرة لتجرؤ على البقاء هنا دون إذن صاحب المنزل؟”

وجه الدوق حديثه إلى أليشيا.

“هل ترغبين في القدوم معنا؟”

“لا.”

هزت أليشيا رأسها بحزم.

“اذهبوا وأخبروني فقط بما ستجدونه مدفونًا تحت شجرة البرقوق. وإذا كان… ذاك الشيء… لا تخبروني، اتفقنا؟”

“حسنًا، سأفعل.”

أتمنى، من أجل أليشيا، ألا يكون “ذاك الشيء” ما سيُكتشف تحت الشجرة .

“أين بالضبط طلبت الروح الحفر؟”

“حسنًا…”

لم يكن عليّ التفكير كثيرًا. فقد جاءت الفتاة الصغيرة الروح نحوي بوجه مشرق وأشارت إلى المكان بدقّة، ضاربةً الأرض بقدمها اليمنى.

“هنا.”

“هنا؟ هل الروح تشير إلى هذا المكان الآن؟”

“نعم.”

“همم…”

غرز الدوق المجرفه الذي كان يحمله على كتفه في الأرض بقوة، ثم التفت إليّ وسأل قبل أن يبدأ الحفر بشكل جدي

“كيف تبدو هذه الروح؟”

“لطيفة الشكل. شعرها الطويل لونه أحمر قرمزي، وعيناها تحملان نفس اللون تقريبًا.”

“قرمزي؟”

“نعم، أعني… أوه، مثل لون زهور البرقوق تقريبًا.”

توقف الدوق فجأة عن الحفر للحظة.

“مشابهة للون زهور البرقوق؟”

“نعم، ربما…”

بما أن شجرة البرقوق كانت أمامي، فكرت فيها عفويًا. هل كان تشبيهي غير مناسب؟

“آيري، بشأن هذه الروح…”

نظر إليّ الدوق بوجه معقد، لكنه سرعان ما هز رأسه.

“لا يهم. لنحفر أولاً.”

بدأ الدوق بحفر الأرض بصمت.

لم أفهم لماذا أظهر تلك الاستجابة، لذا راقبت الروح التي كانت تشجع الدوق بحماس، ملوّحة بيديها بحركات فرحة.

“هل يمكن أن الدوق يعرف من تكون هذه الروح؟”

ولكن، قيل إنه لم تكن هناك فتاة صغيرة ماتت في القصر…

“هل يمكن ألا تكون روحًا؟”

لكن، بجسدها الشفاف الذي يظهر ما خلفه، والذي لا يمكن لأحد سواي رؤيته، ما الذي يمكن أن تكونه إن لم تكن روحًا؟

طق!

في تلك اللحظة، أصدر الجاروف صوتًا وهو يصطدم بشيء ما.

عندما أدركت الصوت، اقتربت من الدوق ونظرت إلى الحفرة العميقة التي حفرها.

“ما هذا؟ هل وجدت شيئًا؟”

“نعم. هل يمكنك اخذ المجرفة؟”

ناولني الدوق المجرفع، ثم جلس القرفصاء في الحفرة وبدأ يحفر بيديه.

حينها، بدأت روح الفتاة الصغيرة تقفز بسعادة، وكأنها تصيح:

“أخيرًا!”

“ما هذا؟”

وقف الدوق بعد أن كان جالسًا، وأزال التراب عن شيء صغير كان يحمله في يده.

لحسن الحظ، كان حجمه صغيرًا بما يكفي ليحمله الدوق بيد واحدة، لذا لن يكون هناك شيء يخيف أليشيا لدرجة أن تفقد وعيها مرة أخرى.

“هل كان هذا الشيء هو ما أرادت الروح منا العثور عليه؟”

أومأت الروح الصغيرة بحماس.

ثم بدأت بالإشارة إلى الدوق، ثم إلى الشيء الذي يحمله، مكررة الإشارة بشكل واضح.

“هل تريدين إعطاء هذا للدوق؟”

صفّقت الروح الصغيرة بيديها كأنها تؤكد صحة كلامي.

“ما هذا الشيء يا ترى؟”

بحلول ذلك الوقت، بدأ الشيء الغامض الذي يحمله الدوق في يده يظهر شكله الحقيقي شيئًا فشيئًا بعد أن أخرج منديلاً وأزال عنه الأتربة.

وكان ذلك الشيء هو…