“هل تستطيعين حقًا التعرف عليه؟ هذا غريب. مهما نظرت إليه، لا يبدو شكلًا بشريًا…”
كان الدوق يتفحص الورقة من زوايا مختلفة.
تذكرتُ رد فعل أليشيا بينما كنتُ أنظر إلى وجهه.
“كيف تمكنتِ من التعرف على تلك الرسمة؟”
“ببساطة، عندما أنظر إليها، أفهم. ألا تستطيعين التعرف عليها يا أليشيا؟”
“بالطبع لا! كلتاهما مجرد كتل صفراء، كيف تكون إحداهما قطة والأخرى شخصًا همجيًا؟ أنا لا أفهم على الإطلاق.”
“هل هذه الرسمة سيئة إلى هذا الحد؟”
لم أفهم لماذا لا يستطيع الآخرون التعرف عليها.
“على أي حال، كنتُ في موقف محرج عندما اكتشفوا أنني قلتُ إن أي رسمة صفراء هي لي. لكن بفضل آيري، تداركتُ الأمر.”
عندما طلب الدوق مني الاهتمام بالرسومات التي سترسمها الآنسة فير، أومأت برأسي بالموافقة.
“لكن، هل أنتما مقربتان؟ لا يبدو أن الدوقة الكبرى تعتقد ذلك…”
“هي ترفض أن تفهم. فهي تعتقد أنني أكره تلك الطفلة بشكل طبيعي.”
“لماذا؟”
“لا أعلم، حقًا، لماذا؟”
ابتسم الدوق بطريقة غامضة وطرح عليّ سؤالًا غريبًا ليغير الموضوع.
“آيري، هل فكرتِ يومًا في البحث عن والديكِ؟”
“أنا؟ في الحقيقة، لا…”
فكرتُ في ذلك فقط عندما كنتُ بحاجة ماسة إلى المال لعلاج جدتي، وتمنيتُ أن يظهر والداي الغنيان فجأة، لكن بخلاف ذلك، لم أفكر في الأمر أو بهما بعد هذا الأمر حتى .
“إذا كنت سأبحث عنهما، فسأنتظر حتى تتحسن صحة جدتي، وأقدمها لها على أنهما الشخص الذي ربتني جيدًا. هذا كل شيء بالنسبة لي حتى الآن.”
“فهمت. هذه هدية لكِ يا آيري.”
أعطاني الدوق ظرفًا.
“ما هذا؟”
“رسالة من العاصمة.”
لقد قدّم لي الدوق هدية رائعة.
“جدتي وصلت بأمان إلى العاصمة.”
_____
إلى أختي آيري،
مرحبًا، أنا ديزي. كيف حالكِ؟
يبدو وكأنني غادرت بينينغتون بالأمس، لكن عندما أدركت الأمر، مرّ عشرة أيام بالفعل.
كانت هذه أول رحلة طويلة لي، وكنت متوترة طوال الوقت، لكن لحسن الحظ، وصلتُ أنا وجدتي إلى العاصمة بسلام.
قد دخلت جدتي إلى مشفى العلاج بالسحر صباح أمس، وبدأت العلاج اليوم.
كل شيء تم بسهولة بفضل رسالة التعريف التي كتبها الدوق.
قال الطبيب إن مرض جدتي شديد ولن يُعالج بسرعة.
ستحتاج إلى علاج لمدة لا تقل عن ستة أشهر. ولكنهم أكدوا لي أنه إذا استمرت في تلقي العلاج، ستشفى تمامًا، ولن يحدث شيء سيء بفضل وجود الدوق.
أليس هذا مريحًا؟
لقد وفروا لي مكانًا للإقامة أيضًا بفضل رسالة الدوق، فالجناح الخاص بكبار الشخصيات يوفر ممرضًا متخصصًا.
لذا، أعتقد أنني سأتمكن من قضاء بعض الوقت في عمل بعض الأمور الجانبية.
لقد سمحت لي رسالة التعريف بالعمل في ورشة الخياطة هنا.
ظننتُ أن بينينغتون مدينة كبيرة، ولكن العاصمة أكبر بكثير، وعدد الناس فيها هائل، لذا ما زلتُ أشعر بالخوف من الخروج.
لكن بما أنني وصلتُ إلى هنا، سأفعل كل ما بوسعي.
سأكتب لكِ مرة أخرى عندما نرى تقدمًا في علاج جدتي.
حتى الآن، كل شيء يسير على ما يرام، فلا تقلقي.
أنا متأكدة أنكِ أيضًا بخير.
ولكن إذا كنتِ تواجهين أي صعوبة، أخبريني بذلك.
الآن، حتى لو كنا بعيدين جسديًا، لا يزال بإمكاني الاستماع إليكِ.
سأنتظر ردكِ. حافظي على صحتكِ حتى نتحدث مرة أخرى.
ديزي
____
قرأتُ رسالة ديزي مرتين أو ثلاث مرات قبل أن أخرج ورقة وأكتب الرد.
____
إلى ديزي،
تلقيتُ رسالتكِ. شكرًا لكِ على الأخبار الجيدة. أنا سعيدة للغاية لأنكِ وجدتكِ بخير.
أنا أيضًا بخير هنا.
كنت قلقة من أن يكون العمل مع الدوق متعبًا، لكنني لحسن الحظ تعرفتُ على أناس طيبين.
عند الأمس، أصبحتُ مقربةً من أخت الدوق.
عمرها خمس سنوات الآن، واسمها فيرونيكا، وهي جميلة جدًا، تشبه الدوقة الكبرى.
الآنسة فير تحب الرسم كثيرًا. بالنسبة لي، تبدو رسوماتها جيدة، لكن الآخرين لا يعتقدون ذلك.
في كل مرة ترسم شيئًا جديدًا، تأتيني لتريه لي، وعندما أخبرها بما تعنيه الرسمة، تشعر بالفخر، وترفع ذقنها بطريقة لطيفة جدًا.
غدًا سألتقي بها مرة أخرى، وسنلعب سويًا. يبدو أنني سأستمر في محاولة معرفة ما ترسمه الآنسة فير لفترة.
عندما أقترب منها أكثر، سأطلب منها رسم صورة لي، وسأرسلها إليكِ.
أتساءل كيف ستبدو رسوماتها في عيونكِ وعيني جدتي؟
أتطلع بشوق لرؤية رد فعلك.
رغم أنني أرغب في أخذ هذه الرسالة والذهاب إلى العاصمة بنفسي، يبدو أن هذا سيكون مستحيلاً في الوقت الحالي.
لكن لا تقلقي، فأنا بخير هنا، وهذا ليس كلاماً عابراً، فلا داعي للقلق!
أتمنى أن تلتقي بأشخاص جيدين في العاصمة، وأن تقضي أيامًا سعيدة.
آمل أن تكون رحلتك إلى ذلك المكان الغريب فرصة جديدة لكِ.
إذا واجهت أي صعوبات أو شعرت بعدم الارتياح، فلا تترددي في إخباري.
كما قلتِ، رغم أننا بعيدون، إلا أنه بإمكاننا التحدث عبر الرسائل. وسماع بعضنا
سأنتظر ردكِ.
أتمنى لكِ ولجدتكِ كل التوفيق.
آيري
____
“الجو قاتم اليوم…”
نظر الماركيز فينيان إلى السماء المليئة بالغيوم السوداء وأطلق تنهيدة طويلة.
“اعتقدت أن الجو قد يتحسن قليلاً…”
رغم أن فصل الأمطار الصيفية الغزيرة قد انتهى منذ فترة، إلا أن الغيوم الداكنة التي استقرت فوق سماء بينينغتون لم تتبدد بالكامل.
وبينما تبدو وكأنها تتفرق أحيانًا، كانت تعود فجأة وتحجب الشمس.
كان السبب واضحًا: اللعنة التي تركها التنين المائي الذي مات في بينينغتون منذ زمن بعيد.
رغم أنه قتل الآلاف من الأبرياء، إلا أنه ترك لعنة على الأرض قبل موته، وكأنه لم يستطع تقبل هزيمته.
ونتيجة لذلك، تزايدت طاقة الماء في بينينغتون، وأصبحت السماء مليئة بالغيوم، وبدأت الأرض تتحول إلى مستنقعات.
لم يكن بينينغتون المكان الوحيد الذي تأثر بلعنة التنين.
في الأماكن التي مات فيها التنين الناري والتنين الجليدي، بدأت الحمم تتدفق، وسقطت حبات برد كبيرة كقبضات اليد.
وبسبب هذه الكوارث، ناشد الإمبراطور الأول، الذي أصبح يعرف بالبطل لهزيمته التنانين الشريرة الثلاثة، روح شجرة العالم.
استجابت روح شجرة العالم لطلبه، ومن ثمار الشجرة وُلدت ثلاثة وحوش مقدسة.
أصبح الثلاثة من رفاق الإمبراطور الأول، الذين ساعدوه في هزيمة التنانين الشريرة، أسيادًا وحُكِّموا على الأراضي التي كانت تحت لعنة التنانين.
جاء الدوق الأول من عائلة لوديان إلى بينينغتون برفقة الوحش المقدس للنار.
وبوجود هذا الوحش، كانت طاقة الماء تحت السيطرة، كما كان يقوم بتبخير المياه الراكدة وتشتيت الغيوم الداكنة.
لكن الوحش المقدس لم يكن قادرًا على تطهير لعنة التنين الشرير تمامًا.
كان دوره مجرد كبح جماحها. وحتى يتم تطهيرها بالكامل، كان وجود الوحش المقدس ضروريًا.
للأسف، كان الوحش المقدس يموت مع موت سيده. وكأنه يتبع سيده حتى النهاية.
لحسن الحظ، كان يولد وحش مقدس جديد بعد شهر إلى ستة أشهر من موت السلف، ويُبرم عقدًا مع الدوق الجديد لمواصلة كبح اللعنة.
لعدة قرون، تعاونت عائلة لوديان مع الوحش المقدس للنار حتى مع المخاطر المختلفة لحماية بينينغتون.
وكان وجودهما معًا هو السبب في بقائها.
ولكن بعد مقتل الوحش المقدس وعدم ولادة خليفته، اهتزت سلامة بينينغتون من جذورها.
ترجمة :مريانا✨
التعليقات لهذا الفصل " 19"