“لكن لماذا يوجد منها هذا العدد… حتى إنّ هاتين النسختين من الطبعة نفسها!”
جلست إيثيل القرفصاء، وبدأت تتحقّق من كلّ كتابٍ على حدة. جلس إيلان بجانبها، بعدما أدرك أنه لم يعد بإمكانه إخفاء الأمر، وبدأ يلتقط الكتب ويجمعها بهدوء.
“هل طلبتَها بنفسكَ؟”
“نعم.”
“كلّ هذه؟ مع كلّ طبعةٍ جديدةٍ؟”
رغم أن الطبعة تصدر كلّ ثلاث سنوات، فإنّ اقتناء هذه الكتب التي لا تُباع سوى في فونيت لم يكن بالأمر السهل.
والأصعب من ذلك أنّ إيلان قضى السنوات السبع الأخيرة في خضمّ الحرب.
وكما كان متوقّعًا، أخرجَ إيلان من فمه جملةً جعلتْ إيثيل تشعر بالحيرةِ الشديدة:
“عندما صدرت الطبعة الأولى… كنتُ قد دخلتُ الحرب للتوّ، لذا… اشتريتها لاحقًا كنسَخةٍ مستعملةٍ.”
“ماذا؟!”
“مونتي وأوسويل تعبا كثيرًا من أجلِي. كنتُ أظنّ أنني بحاجة إلى ثلاث نسخ على الأقلِ، إذ فكّرتُ في حفظ واحدة في الخزنة.”
لم تستطع إيثيل أن تقول شيئًا من شدّة الدهشة، ثم انفجرت ضاحكة.
‘ما هذا؟ أهو يشبه معجبي فرق الآيدولز الذين يجمعونَ بضائِعهم؟’
بدأ إيلان يرتّب الكتب بينما كانَت إيثيل تَضحكُ إلى درجةِ أنها أمسكتْ بـ بطنهِا.
بدا عليه أنه صادقٌ تمامًا عندما قال إن الحصول على هذه الكتب لم يكن سهلًا، إذ راح ينفض الغبار عنها بعنايةٍ كبيرةٍ، مع أذناهُ المحمرتين.
أمسكت إيثيل وجنتيْه بكلتا يديها بينما كان لا يزال يحمل ألبوم القَصاصات الأخيِر.
“…إيثيل؟”
برزت شفتا إيلان كسمكةٍ بعدما أُمسكَ وجههُ دون أن يفهم السبَب.
‘آه، كم هو لطيفٌ.’
بدا شكله وكأنه تمثالٌ منحوت بإتقان دون أدنى خلل، لكنّه جمع كلّ تلك الكتب والمقالات واحدةً تلو الأخرى، والآن ها هو يطوي جسده الكبير ليجمعها… كلّ ذلك بدا لها لطيفًا للغايةِ.
شعورٌ حلوٌ دافئ أخذ يتسلّل إلى قلبها ويملؤه ِحتى شعرت أنها لن تتحمّل أكثر دون أن تفعلَ شيئًا ثم…
قبـلة.
وفي النهايةِ، لم تستطع إيثيل أن تُقاوم، فطبعت قبلةً على شفتيهِ. ثمّ نظرت بهدوءٍ إلى عينيهِ الزرقاوين الواسعَتين.
كانت عيناهُ التي دائمًا ما تخطف الأنظار، تشبهان شعاع الشمس المنكسر في الماءِ، كأنها دعوةٌ للتأمّل.
أخذ إيلان نفسًا وكأنّه كان قد جرى لتوّه، ثم أنزل الكتب من يديه وأمسك بيدي إيثيل بدلاً منها.
كانت يداه الكبيرتان ترتجفان قليلاً.
“تلك القبلةُ الآن… كيف عليّ أن أفسّرها؟”
“فقط… شعرتُ أن عليّ فعل ذلك.”
“إذًا، هل يجوز لي أيضًا أن أفعل ما أشعر أنه يجب فعلهُ؟”
“هاه؟”
رفعت إيثيل رأسها عندما التقطتْ نغمةً غريبة في صوته، وكأنها تحذيرٌ مبطّن.
ولم تُتح لها فرصة الفهم أو التفكير، إذ اقترب منها إيلان بخطًى ثابتة، بلا تردّد، واحتضن الحُلم الذي كان يحيا به، بينما أغمضت إيثيل عينيها ببطء.
لفّهما ضوء الشمس الدافئ الذي تدفّق عبر النافذة الكبيرة في ظهيرة الشتاء.
بعد عدّة أيام، دخلت عربة مزينة بشعار دوقية “مور” من بوّابة قلعة الدوق الكبرى.
وبما أن القلعة نادرًا ما تستقبل ضيوفًا، بدا الخدم متوترين على غير عادتهم بعد الزيارة المفاجئة للآنسة.
لكن حين وصلت آنسة مور، تبيّن أنّها لا تختلف كثيرًا عن إيثيل ميشلان، فتاة مرحة مفعمة بالحيوية.
“إيثي!”
ركضت كايرا نحوها ما إن نزلت من العربة، وعانقتها بشدّة. ضحكت إيثيل بصوتٍ عالٍ وهي تردّ العناق.
وقف أوسويل بجانبهما يراقب المشهد بدهشة، غير مصدّق مدى القرب بين الاثنتين. أما كايرا فهزّت رأسها وهي ما تزال تحتضن إيثيل وتتميل بها.
“هاه؟ إيثي، هل صرتِ أطول؟”
“حقًا؟”
ابتسمت إيثيل في سعادة وهي تردّ، إذ كان سماع مثل هذا الكلام بمثابة مكافأةٍ لها، خاصة بعد معاشرتها لأهالي نورتون المعروفين بطول القامة.
تأمّلت كايرا ارتفاع رأسها وابتسمت ببشاشة.
“لقد كبرتِ فعلًا! يبدو أنك تأكلين جيدًا هنا!”
“…ربّما.”
فعلًا، كانت تأكل أكثر بكثير مما كانت عليه في فونيت.
‘لا عجب أنّ فستاني لم يعد مريحًا كما كان.’
كانت تتناول لحم البقر ومنتجات الألبان يوميًا، وليس من المستغرب أن يزداد وزنها.
نظرت بخوفٍ إلى بطنها، لكن كايرا طبطبت على كتفها مطمئنة:
“أنا سعيدة لأن الطعام أعجبكِ. كنتُ قلقة أن تكوني لا تأكلين شيئًا من شدّة عدم التقبّل.”
“لا أبداً. هناك أشياء لذيذة كثيرة! عليكِ تذوّق كلّ شيء وأنتِ هنا.”
“حقًا؟ الآن تحمّستُ كثيرًا!”
استمرّت الاثنتان في الحديث بينما تمسكان أيدي بعضهما وتضحكان، حتى تقدّم مونتي مبتسمًا:
“أقترح أن ندخل بدلًا من الوقوف هنا.”
“صحيح، كايرا. الجوّ بارد. لنَدخُل.”
“حسنًا!”
وافقت كايرا بسعادة ثم نظرت إلى مونتي وتبادلت معه التحية:
“من الجميل لقاؤك مجددًا يا سيد مونتي.”
“الشرف لي، آنسة مور.”
“أعتمد عليك خلال إقامتي هنا.”
“بالطبع، أتمنّى لكِ عطلةً هادئة ومريحة. لا مكان أفضل من نوترن لذلك.”
تبادلت كايرا ومونتي نظراتٍ ذات مغزى جعلت عينيْ إيثيل تتسعان في فضول.
“ما خطبكما؟”
“كنتُ فقط أشعر بالفضول.”
قالت كايرا وهي تتعلق بذراع إيثيل وتبتسم:
“في النهاية، هذا هو المكان الذي يعمل فيه خطيبي.”
“لِمَ لم تزوريه من قبل؟”
“كنتُ أرغب بذلك، لكن هناك الكثير من العيون المراقِبة.”
هزّت كايرا كتفيها وكأنها لا تملك خيارًا.
فمهما كانت العلاقة بينهما، ستصل الأخبار إلى أن “آنسة مور زارت قصر الدوق”، لا أكثر.
صعدت إيثيل وكايرا درجات الدرج الكبير جنبًا إلى جنب.
“في البداية، لم يعجبني ذهابكَ إلى نورتون في مهمّة عمل…”
“لكنّكِ التقيتِ بخطيبك بفضلي، أليس كذلك؟”
“أجل، بفضلكِ رأيته.”
نظرت كايرا مرةً أخرى إلى مونتي، وتلاقت أعينهما في ابتسامة مائلة.
كانت ابتسامتهما جميلة لدرجة أن إيثيل لم تستطع إلّا أن تبتسم بدورها.
‘الغريب أنّ زواجهما كان مُرتّبًا منذ الطفولة… ومع ذلك هما سعيدان هكذا.’
‘تُرى…’
حتى إيثيل وإيلان كان بينهما شيءٌ شبيه بالزواج المرتّب. مجرّد وعدٍ طفوليّ بين سييسيليا ميشلان وفالنتينا نورتون.
لو علم إيلان بذلك الآن، تُرى ماذا سيكون ردّه؟
“وماذا عنكِ؟”
“هاه؟ ماذا عني؟”
سألتها كايرا بنظرةٍ جانبية بينما تراقب أوسويل يمشي أمامهما:
“أقصد، أنتِ والدوق.”
“الدوق؟”
“يا إلهي!”
تنهّدت كايرا بنفاد صبر، لكنّها لم ترفع صوتها:
“هل ستتزوجيهِ حقًا أم لا؟”
“ماذا؟!”
“في فونيت، الكل يتعامل مع الأمر كأنّه تأكيد. لم تسمعي؟”
تذكّرت إيثيل ما أخبرتها به الأخت هيلدا سابقًا، يوم سألتها عن تلك الإشاعة برسالة.
في حينها تجاهلت الأمر، لكنها الآن بدأت تُدرك مدى انتشار هذا الحديث.
“أجل، الأخت هيلدا قالت لي شيئًا كهذا…”
“حتى الأخت هيلدا؟! إذًا لا أحد يجهل الخبر.”
هيلدا، التي بالكاد تهتمّ بالعالم الخارجي، تعرف؟ هذا يعني أن الإشاعة وصلت إلى الجميع فعلًا.
راقبت كايرا تعابير وجه إيثيل وهي تهزّ رأسها، ثم تمتمت:
“لكن يبدو أنه ليس صحيحًا.”
“طبعًا لا!”
“حسنًا، ربما الربيع لا يزال مبكّرًا.”
رغم أنّ صوت كايرا حمل نبرة دعابة، إلا أنه لم يخلُ من الجدّية.
رفعت إيثيل عينيها بحدّة:
“قلت لكِ إنّه لا شيء من هذا القبيل.”
“حقًا لا شيء؟”
“حقًا.”
“…ليس بعدُ إذًا؟”
أرادت أن تُنكر، لكنّها لم تجد عذرًا مناسبًا. وبصراحة، لم يكن بإمكانها إخفاء شيءٍ عن كايرا.
حرّكت شفتيها لترد، ثم قرّرت أن تصمت.
ضحكت كايرا بخبث، وألقت نظرة أخرى على مونتي، الذي اكتفى برفع كتفيه.
قبل أن يبادلا المزيد من النظرات المشفّرة، سارعت إيثيل لتغيير الموضوع:
“لنُسرع بإنزال الأمتعة، ثم نذهب إلى غرفة الطعام. إيفان حضّر شيئًا خاصًا منذ الصباح!”
فتح أوسويل باب غرفة الضيوف التي كانت بجوار غرفة إيثيل مباشرة، فدفعتها برفق إلى الداخل.
“أوّل ما عليكِ فعله هو تغيير ذلك الفستان الضيّق، كايرا!”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 69"