الفصل 62

“أوه، أوه…!”

لم يتمكن رئيس الدير، آرون، من إكمال كلامه، مكتفيًا بإصدار أصوات إعجاب متتالية بعد تذوقه للدجاج.

كان على إيثيل أن تُمسك قبضتها بقوة لتمنع نفسها من الصراخ “رائع!” على الفور.

كانت عينا آرون، الذي أكل ساق الدجاج المقرمشة والمطاطية بنظافة، متلألئتين بالرطوبة.

“طعام دافئ حقًا.”

“يسعدني أنك وجدته شهيًا.”

“عندما كنت صغيرًا، كانت أمي تعد الدجاج المشوي غالبًا. كنا نشارك القطعة الواحدة مع إخوتي، فتنفد بسرعة، وكم كنت أشعر بالأسف لذلك…”

على الرغم من كلامه، كان وجه آرون يحمل ابتسامة مشرقة كطفل.

بدا وكأنه غارق في ذكريات الطفولة التي لا يمكنه العودة إليها.

تبادل إيلان ومونتي نظرات غريبة أمام الجانب العاطفي غير المتوقع لرئيس الدير.

“لكنه لذيذ حقًا. هذا… خطر على راهب يعتبر الاعتدال فضيلة.”

“هاها، إنه مجرد دجاج مشوي في النهاية.”

“لا، لا، ليس مجرد دجاج مشوي.”

فحص آرون جناح الدجاج في يده بجدية. لم يعد هناك أثر للتذمر من إيثيل في وجهه.

“كيف يمكن أن يكون الخارج مقرمشًا بينما اللحم رطب؟”

“أوه، هذا لأن…”

جاء الوقت المناسب أخيرًا. ابتسمت إيثيل بهدوء لتخفي حماسها الداخلي.

“لقد طلينا الخارج بطبقة رقيقة جدًا من خليط القلي. وعند الشواء، إذا سكبنا بيرة تحت الدجاج، فإنها تجعل اللحم طريًا.”

“البيرة، تقصدين ذلكَ؟”

“نعم.”

أومأت إيثيل برأسها بقوة عمدًا. حان وقت الدقة الأخير للمسمار.

“بالطبع، تناولها مع الطعام لذيذ، لكن استخدامها في الطهي ممكن أيضًا، فتخيلي كم ستكون البيرة مفيدة إذا تمكنا من بيعها.”

“هذا صحيح. استخدامها في الطهي… لم أفكر في هذا من قبل.”

نظر آرون بدهشة إلى الدجاج المشوي الذهبي والبيرة بجانبه.

على الرغم من إنتاجه الكثير من البيرة، لم يتخيل أبدًا أن لها هذه الإمكانيات.

ليس البيرة فقط، بل الجبن أيضًا.

بدأ آرون يتساءل عما إذا كان من الصواب حرمان الناس من فرصة السعادة بحجة أنها تعيق التأمل، كما قالت إيثيل.

أضافت إيثيل وهي تنظر إلى آرون الغارق في التفكير:

“أؤمن بالسعادة التي يجلبها الطعام.”

“سعادة الطعام…”

“خاصة عندما يتعلق الأمر بصنع ذكريات مع شخص ما، لا يوجد شيء يضاهيه.”

كل شخص يحمل في ذاكرته لحظات ضحك وحديث أثناء مشاركة الطعام.

ما الذي يمكن أن يكون عذرًا أفضل للتجمع من الطعام؟

قطعة دجاج مشوي واحدة أعادت رئيس الدير، الذي مر بالكثير من التجارب، إلى طفولته البريئة.

بالنسبة لشخص ما، قد تكون بيرة الدير أو الدجاج المقرمش شظايا من السعادة.

“وعندما تتجمع هذه اللحظات، سيدرك الناس.”

هزت عينا إيثيل المتلألئتان قلب آرون أخيرًا.

“ما هو المهم حقًا في الحياة.”

أرادت إيثيل أن تعيد لشعب الإمبراطورية ما فقدوه.

أملت أن يشاركوا يومياتهم مع من يحبون أثناء تناول الطعام معًا.

في خضم التسارع التجاري الذي لا يمكن السيطرة عليه، هناك فرق كبير بين معرفة هذه السعادة والعيش دونها.

“المال أو الشهرة قد يكونان هدفًا للحياة، لكنهما لا يمكن أن يكونا أرضًا صلبة نقف عليها.”

“… من كانت معلمتكِ، يا سيدتي؟”

استسلم آرون أخيرًا.

نظر مونتي إلى إيثيل المبتسمة بسعادة وكتم ضحكة مندهشة.

كان يظن أنها مجرد شخص يحب الطعام اللذيذ، لكنها كانت فيلسوفة بحد ذاتها.

استفاق إيلان، الذي سحرته حجج إيثيل، وسأل:

“إذًا، هل توافق؟”

“لا يوجد خطأ في كلام السيدة ميشلان، فهل هناك خيار آخر؟”

نظر آرون بضحكة متعبة إلى الدجاج المشوي المتبقي.

شعر الآن أنه يفهم قلب إيثيل الموجود في الطعام الذي لا يزال دافئًا رغم الطقس البارد.

“لكن، هل من الممكن حقًا بيع البيرة في فونيت؟”

“هل تخشى عدم وجود سوق لها؟”

“أكثر من ذلك، كيف يمكن نقل براميل البلوط الكبيرة إلى فونيت؟”

“لا داعي للقلق بشأن ذلك.”

رفعت إيثيل ذقنها بثقة وقالت:

“يمكن لشركة ميشلان لبناء العربات أن تصنع عربة لنقل البراميل.”

“إنها شركة قادرة على بناء مستودعات أيضًا، فثق بها.”

“هه، حقًا؟”

ضحك آرون ظنًا أن كلام مونتي مزحة، لكن إيثيل، التي كانت تفكر بالفعل في صنع عربات مبردة، أعجبت ببصيرة مونتي داخليًا.

بينما كانت إيثيل تفكر أن عليها الحذر في حديثها أمامه، قال آرون:

“والمواد الخام تمثل مشكلة أيضًا. عدد سكان فونيت أكثر بأضعاف من نورتون.”

“صحيح، يجب زيادة الإنتاج.”

“كم من الشعير يلزم عادةً؟”

حسب آرون الكمية تقريبًا على أصابعه عند سؤال إيلان.

“برميل سعة خمسين غالونًا يحتاج إلى كيسين من الشعير المملح.”

“إذًا، يجب صنع المزيد من البراميل.”

“نعم، بالطبع.”

“مونتي، كم كانت كمية حصاد الشعير؟”

“أتذكر أنها كانت حوالي مئة كيس هذا العام.”

بما أن الأراضي الزراعية في الإقليم قليلة، لم يكن الحصاد وفيرًا.

وكان يجب الاحتفاظ بجزء منه كغذاء.

“أم…”

بينما كان إيلان ومونتي وآرون غارقين في نفس الهم، رفعت إيثيل يدها.

“في الحقيقة، يمكن تقليل كمية الشعير المملح.”

“ماذا؟”

“بيرة الدير حاليًا ثقيلة بعض الشيء لتناولها مع الطعام.”

لكي تناسب أي طعام، يجب أن تكون منعشة وخفيفة.

فالدجاج يناسب بيرة متناسبة الثقل.

“ماذا لو قللنا كمية الشعير إلى النصف؟”

قبل آرون اقتراح إيثيل بتغيير الوصفة بسعادة.

لم يكن هناك سبب لرفض إمكانية صنع ضعف كمية البيرة بنفس كمية الشعير.

بعد إتمام العقد بسلاسة، قاد آرون المجموعة إلى غرفة الصلاة ليمنح إيلان صلاة البركة.

“لكن لماذا نفعل هذا؟”

سألت إيثيل وهي تراقب إيلان الجاثي أمام المذبح والرهبان يستعدون للصلاة.

رد مونتي، الواقف بجانبها عند الباب، متعجبًا:

“أتيتِ دون أن تعرفي شيئًا؟”

“جئتُ فقط لإقناع رئيس الدير.”

“آه.”

أومأ مونتي برأسه كأنه فهم.

كان يعلم جيدًا مدى رغبة إيثيل في بيرة الدير.

“هل تعرفين لماذا نقيم مهرجان الحصاد غدًا؟”

“… ما الذي يميز الغد؟”

مالت إيثيل رأسها وسألت بحدة.

قيل إن مهرجان الحصاد في نورتون ليس للاحتفال بالحصاد.

ومع ذلك، إذا كانوا يحتفلون به كل عام في نفس اليوم، أليس ذلك اليوم مميزًا؟

“غدًا ليلة الوحوش.”

“ليلة… الوحوش؟”

“في أطول ليلة، تنزل الوحوش إلى الإقليم.”

لم تفهم إيثيل شرح مونتي بسهولة، فظلت ترمش بعينيها.

ليلة الوحوش؟ وحوش تدخل إلى إقليم يعيش فيه الناس؟

مرّت في ذهن إيثيل كلمات ليزيتا التي قالت إنهم انتصروا في الحرب لكنهم لم يقضوا على الوحوش.

“إذًا، ألا يعني ذلك أنه لا يجب إقامة المهرجان؟”

“نوقد نارًا كبيرة في الساحة المركزية لطرد الوحوش.”

“لكن، ماذا لو حدث شيء؟”

“وسموّه يذهب للتفقد عند حدود الغابة.”

“… ليصطاد الوحوش؟”

أجاب مونتي بإيماءة.

اتجهت عينا إيثيل نحو إيلان على الفور.

كان الرهبان قد أكملوا التحضيرات وأحاطوا به.

بدأ آرون الصلاة واضعًا يديه فوق رأس إيلان.

أدركت إيثيل أخيرًا معنى الإلحاح الذي ملأ غرفة الصلاة.

” هذه الصلاة من أجلـ…”

كانوا يصلون من أجل عودة الدوق الأكبر سالمًا من مواجهة الوحوش.

“احفظي هذه الروح سليمةً في ظاهرهاَ وباطِنها..”