الفصل 37

 

 

 

لم أتمكّن من سؤالها عن الأمور المهمّة، لأنّني فوجئت بأنّ السيّدة النّبيلة التي تقدّمت للاستثمار هي زوجة الماركيز سويفت.

 

“من المؤكّد أنّها ليست شخصًا عاديًّا…”

 

كانت عائلة ماركيز سويفت تُعدّ من بين العائلات الأربع الكبرى، إلى جانب عائلة ماركيز أتوود، ودوق فلينت، ودوق مور.

 

وعلى الرّغم من أنّ المعلومات عنها قليلة مقارنةً بالعائلات الأخرى، لم يجرؤ أحد على الطّعن في شرف عائلة سويفت.

 

وكانت سيّدة هذه العائلة تُعامل كضيفة.

 

قيل إنّها من عائلة نبيلة منج بلد آخر، لكنّها بدت بطريقة ما ليست مجرّد امرأة ذات مكانة عاديّة.

 

“سلوكها، واختيارها المحدّد للدوق…”

 

“هل تعتقد أنّها فعلت ذلك عن قصد؟”

 

“وإن لم تكن تعلم؟”

 

نظرت إيثيل بعينين متّهمة إلى ليام البريء، وأضافت:

 

“هل تقول إنّها حقًّا اقتربت منه فقط لأنّه وسيم وأرادت التحدّث إليه؟”

 

“أليس ذلك ممكنًا؟”

 

منذ وصول الدوق إلى العاصمة، قلّ من لم يتحدّث عن جماله.

 

فهل تختلف نظرة نبيلة من بلد آخر؟

 

توصّل ليام، دون كبير تفكير، إلى استنتاج منطقيّ إلى حدّ ما:

 

“إذا كانت ذات مكانة عالية، فقد تطمح إلى منصب الدوقة.”

 

“…منصب الدوقة اللّعين.”

 

شعرت إيثيل بانزعاج مفاجئ، فشّمت وفتحت باب المطبخ بعنف.

 

تفاجأ الطباخ، الذي كان يُعدّ وجبة الإفطار، ووضع يده على صدره.

 

“يا إلهي، آنستي! أفزعتني!”

 

“دائمًا ما تكون جبانًا بشكل لا يليق بك. خذ هذا.”

 

“أوه! هل يمكنني أخيرًا أكلها؟”

 

أمسك بسلّة مليئة بالطّماطم وابتسم بسعادة، في ردّ فعل مغاير تمامًا لقلق ليام الذي كان يبديه كلّما رأى الطّماطم.

 

نظرت إيثيل إلى جايل وهو يتفحّص الطّماطم الحمراء النّاضجة، وقالت:

 

“قطّع اثنتين أو ثلاثًا للسّلطة، والباقي قشّره، أضف البصل، واطبخه على نار هادئة.”

 

“هل أضيف بعض اللّحم؟”

 

“إذا كان هناك لحم خنزير مفروم، سيكون جيّدًا.

لكن فقط ما يكفي لإفطار اليوم!”

 

“وماذا عن الباقي؟”

 

“صنع صلصة هو الأفضل، لكن… سأفكّر أكثر.”

 

بما أنّها طماطم حُصدت بعد جهد، ألا يجب أكلها نيئة، مطبوخة، ومجفّفة؟

 

تذوّقت إيثيل بلسانها وصفات الطّماطم التي تتخيّلها، وتوجّهت إلى غرفة الطّعام.

 

لم ينزل الكونت ميشلان ودورانتي بعد، وكانت سيسيليا وحدها تنتظر الطّعام وهي تشرب الشّاي.

 

“صباح الخير، أمّي.”

 

“جئتِ في الوقت المناسب.

تعالي واجلسي.”

 

أشارت سيسيليا بعينيها إلى إيثيل كأنّها كانت تنتظرها.

 

توقّفت إيثيل، التي كانت تقترب من الطّاولة، بوجه متوتّر.

 

“ماذا؟ ما الخطب؟

هل فعلتُ شيئًا خاطئًا؟”

 

“ابنتي، أليس لديكِ شيء تخبرينني به؟”

 

“أنا؟

 

آه، ما الذي يمكن أن يكون…”

 

أطالت إيثيل نهاية جملتها وهي تدحرج عينيها.

 

من الواضح أنّها تسأل وهي تعلم، لكن ما الذي تقصده بالضّبط؟

 

هل المشكلة هي توبيخي لديرايلا في مسابقة الصّيد، أم تسليمي وجبة غداء للأمير الإمبراطوري بيدي؟

 

تنهّدت سيسيليا بعمق وهي ترى إيثيل التي لا تستطيع التّخمين بسهولة.

 

“ما الذي فعلتهِ حتّى لا تعرفي عما أسأل؟”

 

“ليس حادثًا بالضّرورة…”

 

“سنتحدّث عن الباقي لاحقًا.”

 

لم تكن سيسيليا من تقول كلامًا فارغًا.

 

أغمضت إيثيل عينيها بقوّة وهي تبدو على وشك البكاء، فقد بدا أنّها ستُجبَر على الاعتراف بكلّ الحوادث السّابقة.

 

“ما أسأل عنه الآن هو أمر الأمس.”

 

“الأمس؟”

 

“إلى أين ذهبتِ مع الدوق؟”

 

“كيف عرفتِ؟”

 

“أخبرني مارتن أنّه رآكِ.

وسمعته زوجة الكونت فولتير أيضًا.”

 

زوجة الكونت فولتير!

 

شعرت إيثيل بالدّوار ووضعت يدها على جبينها.

 

بما أنّ الأمر وصل إلى امرأة تُعرف بثرثرتها في

 فونيت، فبحلول الإحتفال، ستهمس كلّ الطبقة النّبيلة أنّ إيثيل ميشلان والدوق نورتون كانا في موعد غراميّ.

 

كان يجب أن تسكت فم مارتن بأيّ طريقة عندما صادفته خارج المعبد أمس.

 

تذكّرت إيثيل تعبيره الغريب الذي أثار ريبتها، وتمتمت:

 

“لم أكن أحاول إخفاء ذلك…”

 

“إلى أين ذهبتِ؟”

 

“ذهبتُ إلى اجتماع الذّوّاقة.”

 

“اجتماع الذّوّاقة؟”

 

ضيّقت سيسيليا عينيها وسألت.

 

ظنّت إيثيل أنّ الاسم غريب، فحاولت شرح ماهيّة الاجتماع، لكن سيسيليا أضافت:

 

“لماذا ذهبتِ إلى هناك؟”

 

 

“لقد أعارتني مدام هيس دعوة.

قالت إنّ هناك من قد يستثمر.

فذهبتُ.

 

أمّا الدوق…”

 

توقّفت إيثيل للحظة، متعجّبة من أن سيسيليا تعرف اجتماع الذّوّاقة، ثمّ أطلقت تبريراتها:

 

“فكّرتُ أنّه من الأفضل أن نتعرّف قبل بدء العمل، فانتهى بنا الأمر معًا.”

 

“وهل اقتربتما فعلًا؟”

 

“أعتقد ذلك.

لقد اتّفقنا شفهيًّا على العمل معًا في المشروع.”

 

لانت عينا سيسيليا بارتياح وهي تنظر إلى ابنتها التي وعدت بمستقبل مع ابن صديقتها المختار كزوج محتمل.

 

لكن إيثيل، التي لم تلحظ ذلك، أومأت برأسها وأضافت:

 

“تحدّثنا قليلًا، واكتشفتُ أنّ نورتون لديه مكوّنات طعام ممتعة.

أعتقد أنّ بإمكاني التخطيط لمشروع جديد!”

 

 

بدا أنّ قولها إنّها مناسبة للعمل يُشبه إعجابها بالدوق، لكن سيسيليا ابتسمت وتظاهرت بعدم الملاحظة.

 

“هذا خبر سارّ.

إذًا، لا حاجة للبحث عن مستثمرين آخرين؟”

 

 

“في الواقع، كان هناك من عرض الاستثمار.”

 

برقت عينا إيثيل بفخر.

“ستتفاجئين عندما تعرفين من هو!”

 

“أيّ عائلة عظيمة تقدّمت؟”

 

“إنّه…”

 

“إيثي!”

 

بينما كانت إيثيل تستعدّ للتباهي بإنجاز الأمس، دخل دورانتي إلى غرفة الطّعام.

 

أمسك بكتفي إيثيل دون اكتراث بنظرات سيسيليا الحادّة.

 

“هل كنتِ حقًّا مع الدوق أمس…!”

 

سمع دورانتي من صديقه مارتن أنّ إيثيل اختفت مع الدوق، وقد أعدّ لائحة توبيخ طوال اللّيل.

 

لكن توبيخه لم يبدأ، إذ غطّته ضجّة أعلى.

 

“حبيبتي! حبيبتي! سيسيليا!”

 

“أندرو، هل قرّرتَ أنتَ الرّكض الآن بعد أن توقّف الأطفال عن ذلك؟”

 

“لا، ليس هذا…”

 

دخل الكونت ميشلان، أندرو ميشلان، إلى غرفة الطّعام بنشاط كأنّه سيسقط، وبدأ يتكلّم بعجلة ثم أغلق فمه فجأة.

 

لقد التقطت عيناه بإيثيل التي كانت جالسة بجانب سيسيليا.

 

ابتلع ريقه، وابتسم بتصنّع، وتمتم:

“ههه… ابنتنا الحبيبة هنا أيضًا.”

 

“ما الخطب، أبي؟”

 

 

رأت إيثيل جريدة فونيته اليوميّة في يد الكونت ميشلان وسألت مجدّدًا:

“هل هناك خبر سيّئ؟”

 

“خبر؟”

 

نظر دورانتي إلى يديه بفضول، فلم يجد أندرو بدًّا من نشر الصّحيفة على الطّاولة.

 

رأى دورانتي عنوانًا غريبًا وتمتم بدهشة:

“ثقافة المخاطرة بالحياة من أجل الذّوق الرّفيع، هل هذا مقبول…؟”

 

“ما معنى هذا؟”

 

نظرت سيسيليا وإيثيل إلى الصّحيفة بجدّيّة.

 

شرح أندرو محتوى المقال لعائلته المجتمعة خلف رؤوسهم:

 

“هذا الصباح، وُجد الكونت أوتيرو في مقبرة عامّة.

كاد يُدفن حيًّا مع جثّة.”

 

“ماذا؟”

 

“كان مخمورًا جدًّا، فعندما عاد فجرًا، سقط في حفرة حُفرت لدفن اليوم.”

 

كان من الممكن السّخرية من نبيل وقح وإنهاء الأمر.

لكن أن يُكتب عنوان جادّ لهذه الحادثة العجيبة!

 

لم يستطع دورانتي إخفاء دهشته:

 

“لكن لماذا يُعتبر أكل الطّعام اللّذيذ مشكلة؟”

 

“لأنّ السّعي وراء اللّذة يُفقدهم التّمييز، على ما يبدو.”

 

ابتلعت إيثيل ضحكة ساخرة وقالت.

 

كان من السّخف أن يُصنّف الذّوق الرّفيع كمشكلة اجتماعيّة.

 

عبست سيسيليا، التي نادرًا ما تظهر انزعاجها، وقالت بنبرة غاضبة:

 

“الخطأ فيمن يشرب ويفقد عقله، فلماذا يُلقى اللّوم على غيره؟”

 

“الأمر أنّ الكونت أوتيرو هذا…”

 

نظر أندرو إلى إيثيل بحذر وأضاف:

“كان عضوًا في اجتماع الذّوّاقة.”