الفصل 30

هيلدا فون بييز.

لم يكن هناك من يجرؤ على التشكيك بكلامها، فهي المسؤولة عن حقول الأعشاب الشاسعة في دير القديسة ، وكانت الأكثر علماً بأمراض العصر وعلاجاتها العشبية في فونيت.

“هل هذا مناسب، سموّك؟”

سأل إيلان، وهو يراقب الموقف بتعبير مفعم بالفضول، طالبًا إذن الأمير الإمبراطوري.

أومأ مارسيلوس برأسه بسرور.

“افعل ذلك، أيها الدوق الأكبر. أما أنا، فسأرتاح قليلاً في هذه الأثناء.”

“إن كنتَ متعبًا، يمكنك العودة إلى القصر الإمبراطوري.”

“لا يمكنني ذلك. أليست هذه مسابقة صيد تنظمها العائلة الإمبراطورية؟”

انحنَت عينا مارسيلوس بلطف إلى الأسفل.

“من الواجب أن يبقى دم هذه العائلة في مكانه حتى النهاية.”

عندما أحضر دورانتي العربة على الفور ليصطحب الراهبة هيلدا، كان معظم الحاضرين لا يزالون في أماكنهم، باستثناء بعض النبلاء الذين عادوا إلى ديارهم.

كان فضولهم حول ما إذا كان الفلفل الحلو خطيرًا حقًا مجرد ذريعة، فما أرادوه بالفعل هو مشاهدة صراع النفوذ بين عائلة الكونت ميشلان وعائلة الماركيز أتوود، الذي أُثير مجددًا بسبب مشكلة المطعم الأخيرة.

“هل هذه المسألة تستحق كل هذا العناء؟”

“إنها مسألة تتعلق بشرف أتوود،.”

“حسنًا، بما أن الموضوع طُرح، من الأفضل أن نوضح الأمور بشكل نهائي.”

بينما كانت هيلدا تستمع إلى مونتي ولوكاس يشرحان القصة من بدايتها، همس أخوا الماركيز أتوود، اللذان يقفان خلف ديرايلا، بكلمات خافتة.

لم تُلقِ ديرايلا ، التي كانت تنتظر أن تتكلم هيلدا، نظرة واحدة إلى أخويها اللذين لم يبديا أي قلق على أختهما المتورطة.

“حسنًا، بذور الريحان ليست جيدة للنساء الحوامل.”

“كما توقّعت…!”

“لكن الأوراق لا بأس بها. وإذا كانت مجرد نكهة أُضيفت إلى لحم الدجاج أثناء الطهي، فلا مشكلة على الإطلاق.”

تلاشَ الأمل الذي لمع في وجه لوكاس للحظة بسرعة البرق.

لكن ديرايلا  لم تستسلم.

“إذن، الفلفل المستخدم في كرات اللحم ليس مشكلة أيضًا، أليس كذلك؟”

“تقصدين الميريستيكا.”

“…ماذا؟”

“الميريستيكا، التوابل التي جلبها بعثة أتوود هذه المرة.”

ابتسمت هيلدا بلطف إلى ديرايلا  وأضافت:

“لها آثار جانبية كثيرة. إذا أُسيء استخدامها، قد تُسبب اضطرابات حسية.”

“أسيء استخدامها؟ يا راهبة، استخدمنا كمية أقل بكثير مما نستخدمه عادة من الفلفل!”

“لكن سمعتُ أن السيدة فيكونتيس فوستيل كانت تتناول الميريستيكا بانتظام، أليس كذلك؟”

نظرت ديرايلا  بغضب إلى إيثيل، وكأنها تعلم أن لا أحد غير إيثيل كان ليخبر الراهبة هيلدا بمثل هذه التفاصيل.

بدلاً من ديرايلا ، التي كانت تحدّق بإيثيل، أومأت دوريس برأسها بحماس.

“صحيح، يا راهبة! كانت شارلوت تتناول حبتين منها يوميًا بانتظام…”

“أين السيدة الآن؟ يبدو أن عليّ فحصها بنفسي.”

“أوه! إن فعلتِ ذلك، سنكون شاكرين جدًا، يا راهبة.”

“الفيكونتيس فوستيل في القصر الصيفي. سأرافقكِ إليها.”

“شكرًا لكِ، يا دوقة.”

“لا داعي للشكر.”

تقدمت كايرا لتصطحب هيلدا ودوريس، وبدأ النبلاء الذين كانوا يصغون إلى الحديث يغادرون واحدًا تلو الآخر.

“إذن، التوابل التي جلبها الماركيز سامة؟”

“لا، ليست كذلك.”

“لكنهم أطعمونا شيئًا لا يعرفون عنه الكثير، أليس كذلك؟”

“هذا صحيح. لو كان سامًا، ماذا كانوا سيفعلون؟”

تلاشَت همهمات اللوم على إهمال أتوود تدريجيًا.

ظلّ لوكاس، الذي كان يعضّ شفتيه ويقف كالمسمار، يحاول تهدئة ديرايلا.

“ديرايلا ، ألا يجب أن تذهبي إلى القصر الصيفي أيضًا؟”

“…وماذا سيُغيّر ذهابي؟”

“ليس هذا، لكن وقع حادث بالفعل…”

“لم أطلب منهم تناوله!”

احمرّت عينا ديرايلا .

أمسكت بطرف كم لوكاس وأطرقت برأسها بحزن.

“هم من أكلوه وقالوا إنه لذيذ، فلماذا يلومونني…؟”

“لأنكِ أنتِ من جلبته.”

“إيثيل.”

لم يكن كلام لوكاس كافيًا لتهدئة غضب إيثيل.

نظرت إيثيل في عيني ديرايلا  مباشرة وحذّرتها:

“غيّري الوصفة أولاً. لا تقتلي الناس بالطعام.”

“إيثيل!”

“وأنتَ أيضًا، لوكاس.”

“ماذا؟”

“حتى لو كان طعامًا تتناوله العائلة، لا يجب استخدام وصفات بشكل عشوائي.”

بدت علامات الخجل على وجه لوكاس، الذي احمرّ وجهه وتغيّر لونه.

شعرت إيثيل أن المزيد من الكلام سيكون مضيعة للوقت، فاستدارت وغادرت الجناح.

انتهت مسابقة الصيد في جو مشوّش بسبب الحادث غير المتوقع.

بمجرد عودة دورانتي، الذي ذهب لإحضار حقيبة الراهبة هيلدا الطبية، ستتمكن إيثيل من العودة إلى المنزل.

‘كل هذا الجهد منذ الفجر لتجنّب هذا الموقف.’

بالطبع، قام الطباخ بكل الطبخ، لكن استيقاظها مع الفجر وتسارع خطواتها لم يُثمر عن شيء.

بينما كانت إيثيل تمرر يدها على شعرها بنزق، اقترب منها صوت:

“لقد انتهى الأمر على خير.”

كان مارسيلوس، الذي كان يستريح في جناحه، يبدو مرتاحًا حقًا.

“لولاكِ، يا آنسة، لكنا في ورطة كبيرة.”

“وماذا فعلتُ؟ الراهبة هيلدا هي من تكبّدت العناء للحضور إلى هنا.”

“لكن لولاكِ، لما عرفنا سبب المشكلة أصلاً.”

تجاهلت إيثيل مديح الأمير الإمبراطوري المحرج بابتسامة متكلّفة، وحوّلت الموضوع:

“هل سموّك بخير؟ يقول الجميع إنهم يشعرون بالدوار.”

“أنا لا أحب الفلفل عادةً…”

“أوه، صحيح.”

كان مارسيلوس لا يلمس الفلفل أو الملح أبدًا.

كان أكثر تطرفًا من إيثيل في السعي وراء النكهات الأصلية للمكونات.

كان ذوقه غريبًا لا يفهمه أحد في الإمبراطورية، لكنه كان كافيًا لجذب اهتمام إيثيل الصغيرة.

‘لو تظاهرتُ بعدم الاهتمام آنذاك، لكان أفضل.’

“من حسن الحظ أن سموّك تجنّب الخطر. كادت عائلة أتوود أن تُتّهم بتهديد العائلة الإمبراطورية.”

“ربما لم يكن ذلك سيئًا بالنسبة إليكِ.”

“ما هذا الكلام…؟”

“سمعتُ أنكِ واجهتِ مشكلة بسبب ابنة عمي.”

انتشرت قصة إحراج إيثيل بسبب تدخّل ديرايلا حتى وصلت إلى أذني مارسيلوس، الذي يعيش منعزلاً في القصر الإمبراطوري.

يمكن القول إنه لا يوجد أحد في فونيت لا يعرف بهذا الأمر.

اقترح مارسيلوس، وهو يضحك بهدوء كمن بلغ الصفاء الروحي، على إيثيل:

“لم لا تجربين التعاون مع العائلة الإمبراطورية هذه المرة؟”

“ماذا؟”

“إذا استثمرت عائلة أستير الإمبراطورية بشكل حصري في سفن التجارة الخاصة بميشلان…”

كانت إيثيل على وشك الرفض.

لم تكن لديها أي رغبة في الارتباط بالأمير الإمبراطوري.

لكن قبل أن تجيب، قاطعها صوت حازم فجأة:

“هذا غير ممكن.”

“أيها الدوق الأكبر.”

“لقد طلبتُ أنا أولاً، وأنتظر الرد…”

تجمدت عينا مارسيلوس، اللتين كانتا ترسمان قوسًا لطيفًا، بشكل غريب.

تلألأت عينا إيلان الزرقاوان المستقيمتان كأنما تخترقان نواياه.

“أرجو من سموّك الانتظار دوره.”

“هل تطلب مني الآن أن أنتظر دوري؟”

“سأعتبر ذلك مكافأة لصيد أكبر فريسة اليوم.”

“ها… هاهاها!”

ضحك مارسيلوس فجأة بصوت عالٍ.

كان بإمكان الفائز في مسابقة الصيد أن يطلب أي شيء من الإمبراطور، سواء كان جوهرة، أرضًا، أو حتى شخصًا.

كان إيلان يستخدم هذا الحق الاستثنائي، فقط لمنع التعرض لعرقلة في مفاوضاته التجارية مع عائلة كونت.

“حسنًا، فليكن.”

“شكرًا على تفهّمك.”

“لكن إذا رُفض عرضك…”

توقّف نظر مارسيلوس على إيثيل، التي كانت تقف خلف إيلان.

رغم نظرته الثاقبة، كانت إيثيل تركز فقط على سلة النزهة التي يحملها الدوق الأكبر.

“عندها، يجب ألا تعترض طريقي أيضًا، أيها الدوق.”

“سأفعل.”

ما إن انتهى إيلان من الرد حتى بدأ مارسيلوس بالمغادرة نحو القصر، يتبعه الخدم والوصيفات.

من بين العديد من الأسئلة التي دارت في ذهن إيثيل، اختارت واحدًا فقط:

“لماذا يحمل سموّ الدوق تلك السلة؟”

“آه، تذكّرتُ أنني نسيتُها هناك…”

“كان بإمكانك إرسال الخدم لإحضارها.”

“أليس من الأسرع أن يتحرك من تذكّر الأمر؟”

كان دوق نورتون من النوع الذي يتصرف قبل أن يفكر.

لهذا ربما اقترح الزواج بدلاً من التفكير في الأرباح والخسائر.

“نحن…”

حاولت إيثيل قول شيء آخر، لكنها استسلمت أخيرًا.

“دعنا نتحدث قليلاً، سموّك.”