لم يكن وليّ العهد مارسيليوس من النوع الذي يستمتع بالأنشطة الخارجيّة مثل الصّيد.
منذ صغره، كان ضعيف البنية، وقلّما شجّعه أحدٌ على مثل هذه الأمور.
لكن اليوم، بدا مارسيليوس متحمّسًا بشكلٍ غير معتاد.
كانت أمام خيمة وليّ العهد كومةٌ من الأرانب والغزلان التي اصطادها.
ألقت كايرا، التي كانت تتبع نظرات إيثيل، نظرةً إلى هناك وهزّت كتفيها.
“يبدو أنّه خائفٌ بسبب الدّوق الأكبر.”
“وما معنى ذلك؟”
“الفائز اليوم سيكون الدّوق الأكبر بلا شكّ. انظري إلى هناك.”
تحرّكت عينا إيثيل باتّجاه إشارة كايرا.
لم يكن هناك حاجةٌ للبحث عن شعار عائلة الدّوق الأكبر.
كان يكفي أن تنظري إلى المكان الذي تراكمت فيه أكبر كميّةٍ من الفرائس.
لم يكن لقب “حامي الحدود” مجرّد كلامٍ فارغ، إذ كان خدّام الدّوق الأكبر ينقلون الفرائس بعرباتٍ باستمرار.
راقبت كايرا مجموعةً من الآنسات الصّغيرات يصطففن ويُطلقن تعليقاتٍ مثل “رائع” و”مذهل” بحماس، ثمّ أضافت:
“الإمبراطوريّة دائمًا ما تكون حذرةً جدًّا من عائلة الدّوق الأكبر.
مع هذا الأداء، كيف لا يُبالغ وليّ العهد في المحاولة؟”
“…غيرة؟”
“يريد إثبات أنّه أقوى من نورتون، على الأرجح.
عندما وصلت عربتكِ اليوم، ظنّ البعض أنّ الدّوق الأكبر يُحرّك جيشًا.”
“ماذا؟ لقد أصبحت نورتون جزءًا من الإمبراطوريّة منذ ما يقرب من مئة عام!”
“مئة عام مبالغة… لكن ربّما أكثر من ثمانين عامًا.”
بعد انتهاء حرب الأربعين عامًا، أصبحت مملكة نورتون إقطاعيّةً تابعةً لإمبراطوريّة أستير.
ظلّت تحمي الحدود لمدّة 85 عامًا بالضّبط.
لم تستطع إيثيل فهم سبب استمرار العائلة الإمبراطوريّة في توجّسها من نورتون.
“بعد كلّ هذا الوقت في إدارة عائلةٍ واحدة، ألا يجب أن يُعترف بهم كجزءٍ كاملٍ من الإمبراطوريّة؟
أيكفي منحهم لقب دوقٍ أكبر فقط؟”
“وهل هذا ممكن؟
في أذهان النّاس، لا تزال نورتون عدوّة.”
“لهذا يجب على العائلة الإمبراطوريّة أن تُظهر علاقةً طيّبةً مع عائلة الدّوق الأكبر.
بهذه الطّريقة، هل ستتحسّن العلاقات؟”
تمتمت إيثيل وهي تعانق سلّة النّزهة بإحكام.
كان يزعجها باستمرار أنّ شخصًا بمكانة الدّوق الأكبر قد تمّ التّقليل من شأنه على يد تاجرٍ عاديّ.
“يُقسّمون النّاس إلى نبلاء الإقطاعيّات ونبلاء المدن، يُضايقونهم، ثمّ يتصرّفون بوقاحةٍ مع الدّوق الأكبر أيضًا.
ألا يبدو هذا غريبًا؟ ما رأيكِ، أيّتها الآنسة مور؟”
“أعتقد أنّكِ أنتِ الغريبة، إيثيل.”
نظرت كايرا إلى جبين إيثيل المعبّس بعينين ضيّقتين.
“لماذا أنتِ من يغضب من هذا؟”
“…أليس من الطّبيعيّ أن أغضب؟
بعد كلّ التّجاهل الذي تعرّضتُ له.
بينما هم يتصرّفون بلا احترامٍ مع الدّوق الأكبر!”
“إذن، ما الذي يُغضبكِ بالضّبط؟
تناقض مواقف النّبلاء؟ أم أنّ الدّوق الأكبر يُهان؟”
نظرت إيثيل إلى كايرا، التي اقتربت من وجهها وهي تبتسم بسخرية، وعضّت شفتيها.
الآن وقد فكّرت في الأمر، بدا غريبًا أن تغضب لأنّ الدّوق الأكبر يُهان.
‘لكن ماذا أفعل إذا كنتُ منزعجةً؟’
قال إنّه قضى سبع سنواتٍ كاملةً في ساحة المعركة.
قبل سبع سنوات، كانت إيثيل لا تزال تُزيّن شعرها بالشّرائط وتُعدّ دليلًا للمطاعم الجيّدة.
بينما كانت تقضي أيّامها مع كايرا في البحث عن طعامٍ لذيذ، كان الدّوق الأكبر يقاتل الوحوش، غير قادرٍ حتّى على رعاية إقطاعيّته.
لذا، كان من الطّبيعيّ أن تشعر بالامتنان والشّفقة تجاهه، هكذا برّرت إيثيل الأمر لنفسها.
فجأة، سُمع صوتٌ حادٌّ يوبّخ:
“ما هذا الذي تفعلينه؟”
التفتت إيثيل لتجد دوريس تقترب بغضبٍ شديد، فتراجعت دون وعيٍ خطوةً إلى الوراء.
“سمعتُ بوضوحٍ في غرفة الشّاي الخاصّة بالإمبراطورة أنّ عائلة الماركيز أتوود هي من ستُعدّ الطّعام اليوم.”
“آنسة الكونت نيوبيل، ما الذي تقصدينه فجأة…؟”
“لا تُخبرينني أنّكِ تحاولين تعطيلنا لأنّكِ تريدين عرض قائمة مطعمكِ الجديد!”
صرخت دوريس بحماسٍ شديدٍ حتّى احمرّت رقبتها.
بدلاً من إيثيل، التي عبست وهي تُفكّر في كلامها، تقدّمت كايرا:
“وما المشكلة إذن؟”
“تسألين لأنّكِ لا تعرفين؟”
“نعم. لا أفهم مطلقًا ما الذي تريدين مناقشته.”
“ها!”
“اشرحي المشكلة بوضوح، وماذا تريدين منّا أن نفعل.
هل رفع الصّوت سيحلّ المشكلة؟”
كما أنّها وريثة عائلة الدّوق مور، أسكتت كايرا دوريس في الحال.
لم تستطع دوريس توبيخ الآنسة، فابتلعت غضبها وهي تتذمّر.
سألت إيثيل بهدوء:
“هل الطّعام الذي أعدّته آنسة الماركيز اليوم هو قائمة المطعم الجديد؟”
“ها، انظري كيف تتظاهر بأنّها لا تعلم.”
“لم أكن أعلم. وحتّى لو علمت، كنتُ سأُعدّ الغداء على أيّ حال.”
“ماذا قلتِ؟”
حدّقت دوريس في إيثيل بعينين مفتوحتين على شكل مثلّثات.
لكن إيثيل تابعت دون اكتراث:
“لقد أعددتُ طعامًا لأتناوله مع الآنسة مور وأخي، ووزّعتُ بعض الأجزاء الصّغيرة.”
“لو كان الأمر كذلك، لم يكن عليكِ تقديمه إلى سموّ وليّ العهد!”
تذوّق وليّ العهد طعام إيثيل، ثمّ أمر خدّامه على الفور بتوزيع الصّناديق على النّبلاء.
كان الطّعام يناسب ذوقه تمامًا.
“ألم تعلمي أنّ هذا سيحدث ولهذا قدّمتِه إلى سموّه أوّلاً؟”
“آنسة الكونت نيوبيل تميل إلى المبالغة في تقديري.”
بالطّبع، كانت تخمينات دوريس صحيحةً.
لو لم تفعل ذلك، لكان عليها التّخلّص من كلّ الصّناديق التي ملأت بها العربة.
لكن إيثيل تظاهرت بالبراءة، وأخرجت صندوقًا من سلّة النّزهة وفتحته.
“إنّها مجرّد ستّ لفائف صغيرة.
أصغر بكثيرٍ من الطّعام المقدّم مع شاي العصر.
تكفي لتهدئة الجوع، لكنّها لا تمنع تناول الغداء.”
“حتّى لو كان كذلك…”
“يبدو أنّكم لا زلتم تُعدّون الطّعام.
خذي هذا وتناوليه.
سيكون مقبّلاً رائعًا إذا شاركتِه مع السّيدة فوستيل.”
نظرت دوريس إلى داخل الصّندوق الذي قدّمته إيثيل وابتلعت ريقها.
كانت اللفائف المغطّاة بالبيض الأصفر تبدو شهيّةً بألوانها ورائحتها اللذيذة.
وضعت إيثيل الصّندوق بسرعةٍ في يد دوريس المتردّدة، وجذبت كايرا.
“سنذهب إلى هناك، فاستمتعي بطعامكِ، أيّتها الآنسة!”
وبعد ذلكَ،
“هل أكلتهُ؟”
“ربّما أكلته.”
“أظنّ أنّها أكلته.”
ردّ دورانتي، الذي كان يأكل غداءه بنهم، على إيثيل وكايرا.
نظرت إيثيل إليه بطرف عينيها وسألت:
“كيف تعرف ؟”
“ألم تكوني تتحدّثين عن دوريس نيوبيل؟
سمعتُ أنّها تحبّ الطّعام اللذيذ جدًّا.”
تقاطعت نظرات إيثيل وكايرا في الهواء.
كان من المدهش أنّ دورانتي، الذي لا يهتمّ بالمجتمع الرّاقي مثل إيثيل، يتذكّر اسمها.
“ماذا؟ هل تعرفها؟”
“سمعتُ عنها فقط.
يبدو أنّ هناك حديثًا عن زواجٍ مع مارتن.”
كان مارتن أحد أصدقاء دورانتي المقرّبين، وهو الابن الأكبر للكونت فولتير، وكيل وزارة الماليّة.
كان من الغريب بعض الشّيء أن تكون هناك محادثات زواجٍ بين عائلة الكونت فولتير، وهي عائلة نبيلةٌ ناشئةٌ حصلت على لقبها بفضل إنجازاتها، وعائلة الكونت نيوبيل، وهي تابعةٌ لعائلة الماركيز أتوود.
بينما كانت إيثيل مرتبكة، ضحكت كايرا وأضافت:
“حتّى الكونت نيوبيل لا يمكنه أن يثق بتسليم الإقطاعيّة إلى دوريس.”
“ماذا، هل هذا صحيح؟”
“لا أعرف التّفاصيل.”
هزّ كتفيه وأضاف:
“على أيّ حال، الجميع في سنّ الزّواج، لذا لا يتحدّثون إلّا عن هذه الأمور هذه الأيّام.”
“حقًّا.
لكن لماذا لا تتزوّج أنت، دورانتي؟”
سألت إيثيل بصدق.
عندما فكّرت في الأمر، لم ترَ دورانتي يواعد أحدًا من قبل.
منذ صغره، كان يُعتبر من أجمل الرّجال، وكانت هناك شائعاتٌ دائمةٌ عن آنساتٍ معجباتٍ به، لكن…
نظر دورانتي إلى وجه إيثيل القلق وابتسم.
“لأنّه لا توجد امرأةٌ أجمل من إيثيل.”
“إذن، لن تتزوّج أبدًا.”
ما إن سخرت كايرا من تصريحهُ المدلّل حتّى تدخّل شخصٌ ما في نزهتهم الهادئة:
“من تقصدون؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 27"