السّفينة التّجاريّة التي نخطّط لإطلاقها هذه المرّة تتجاوز سعتها خمسين ألف غالون.”
كانت السّفينة التي تستعدّ عائلة الكونت ميشلان لإطلاقها الأكبر في تاريخ إمبراطوريّة أستير.
لم تتجاوز سفينة بعثة أتوود، التي زارت القارّة الشّرقيّة مؤخّرًا، عشرين ألف غالون، لذا كان من الطّبيعيّ أن يرتفع كتفا الكونت ميشلان، مالك السّفينة، فخرًا.
كان إيلان يقدّر هذه النّاحية في الكونت ميشلان.
ومع ذلك، كان الأهمّ بالنّسبة له هو أنّ الكونت والد إيثيل.
نظر إيلان إلى إيثيل، التي بدت لا تزال مشوّشة، وبدأ في طرح الموضوع الرّئيسيّ.
“في الحقيقة، نورتون بحاجة إلى شريك أعمال أيضًا…”
“ماذا؟”
“الآن بعد انتهاء الحرب، حان الوقت لأؤدّي واجباتي كإقطاعيّ.”
خلال الحرب التي استمرّت سبع سنوات، والتي خاضها إيلان، أصبحت إمارة الأرشيدوق منعزلة تدريجيًّا.
لم يكن هناك مشكلة في حياة السّكان اليوميّة، لكنّ الواقع أنّها كانت متخلّفة جدًّا مقارنة بالمدن الأخرى في الإمبراطوريّة، التي شهدت تطوّرًا تجاريًّا سريعًا.
لقد ولّى عصر الاكتفاء الذّاتيّ منذ زمن بعيد.
كانت إمارة نورتون بحاجة إلى التّغيير.
“الآن وأنت تذكر ذلك، نورتون منطقة نقيّة، أليس كذلك؟”
“منطقة نقيّة؟”
“بما أنّها لم تتأثّر كثيرًا بالتّجارة، ولا يتردّد إليها الكثير من النّاس…
الأرض هناك نظيفة، أليس كذلك؟”
“…يمكن القول إنّها كذلك.”
لم يفهم إيلان تعبير “الأرض النّظيفة” تمامًا، لكنّه أومأ موافقًا على أيّ حال.
بغضّ النّظر عمّا إذا كان قد فهم أم لا، كانت إيثيل قد بدأت بالفعل في تقييم الجدوى التّجاريّة في ذهنها.
‘نورتون…’
كلّما فكّرت في الأمر، بدا خيارًا جيّدًا.
في ظلّ الضّغط الذي تفرضه عائلة ماركيز أتوود، كان الحصول على مكوّنات عالية الجودة من أرض نظيفة ميزة كبيرة.
علاوة على ذلك، بما أنّ نورتون ليست معروفة جيّدًا، فقد تجد إيثيل نكهات جديدة لم تكن تعرفها.
والأهمّ من ذلك، إذا أخذت في الاعتبار أنّ سيّد تلك الإمارة يعرف كيف يستمتع بالطّعام اللّذيذ، فلا يوجد سبب لعدم التّفكير في هذا المشروع بإيجابيّة.
“إذن، يا صاحب السّمو، هل نعمل معًا…”
“لـ نتزوّج، يا آنسة.”
قبل أن تتمكّن من طرح فكرة العمل معًا، انفجرت قنبلة.
ارتبكت إيثيل من الكلمة غير المتوقّعة، وسألت بردّ فعل تلقائيّ:
“ليس عملاً فقط؟”
” ألا يجب أن أختار واحدًا فقط؟”
“ماذا؟”
“إذا كان كذلكَ، أفضّل الزّواج.”
أمسك الكونت ميشلان بمؤخّرة رقبته المتشنّجة، دون أن يتمكّن من إصدار صوت.
أن يصرّ على الزّواج بابنته بلا هوادة أمام عينيه، وهو الأرشيدوق الوحيد في البلاد!
“لماذا…
لماذا الزّواج؟”
فتحت إيثيل شفتيها متلعثمة، وهي ترمش بعينيها.
إذا كان سيذكر الزّواج وسط حديث عن الأعمال، فلا بدّ أن يكون هناك سبب منطقيّ.
بعد أن أربكها تمامًا، ظلّ الأرشيدوق هادئًا دون أيّ اضطراب.
“أتمنّى أن تكوني الشّخص الذي سيتحمّل مسؤوليّة نورتون معي.”
“إذا كان الأمر كذلك، فالعمل معًا يكفي…”
“ألستِ أنتِ أيضًا لا ترغبين في تلقّي ضربة في الظّهر مرّة أخرى؟”
عبست إيثيل دون وعي عند ذكر تصرّفات دوق فلينت.
بالطّبع، كانت هي من قالت ذلك، لكنّ سماعه من شخص آخر يتحدّث عن العقود لم يكن شعورًا جيّدًا.
لكنّ الأرشيدوق أضاف دون اكتراث:
“أنا أيضًا.”
“…قلق من تلقّي ضربة في الظّهر؟”
“لا يوجد عقد أكثر تأكيدًا من الزّواج لتجنبِ أي شيءٍ.”
نظرت إيثيل إلى عينيه الثّابتتين الخاليتين من التّردّد.
كانت عيناه الزّرقاوان الدّاكنتان تلمعان وكأنّ الأمواج تتدفّق بداخلهما.
كادت إيثيل أن تومئ موافقة على منطقهٓ، لكنّها أشاحت بـ نظرها بسرعةٍ وأجابتِ.
“حسنًا، إذن لا.”
“لا؟”
أخذت إيثيل نفسًا عميقًا، وقامت من مكانها.
كانت تعلم أنّ ذلك قد يكون وقحًا، لكنّها شعرت أنّها إذا بقيت جالسة، فقد تنجرف لتفعل ما يريده، أي الزّواج بدلاً من العمل لذا غادرت بهدوءٍ..
* * *
سألت سيسيليا، وهي تسير مع إيثيل برفقة خادمة نحو غرفة الشّاي الخاصّة بالإمبراطورة.
“إذا كان العقد مشروطًا بالزّواج، فلن أقبل، يا صاحب السّمو.”
“ألا تعتقدين أنّه من الأفضل مواصلة الحديث قليلاً؟”
كانت الأمّ وابنتها في طريقهما لحضور حفل شاي بدعوة مفاجئة من الإمبراطورة.
نظرت إيثيل إلى حديقة القصر النّضرة بشكل غير عاديّ اليوم عبر النّافذة، وأجابت بنبرة تحمل بعض الانزعاج:
“هل تريدين منّي أن أتزوّج؟”
“ذلك يعتمد على رغبتكِ.”
هدّأت سيسيليا انزعاج إيثيل على الفور، وبدأت تقنعها بمنطقيّة:
“التّحدّث قد يفتح مجالاً للتّسوية.
في الوضع الحاليّ، نحن من في موقف الحاجة، أليس كذلك؟”
“هذا صحيح، ولكن…”
“وعلاوة على ذلك، أعتقد أنّه لا بأس به.”
“ماذا؟ ماذا تقصدين؟”
ألقت سيسيليا نظرة خاطفة على الخادمة، وخفّضت صوتها.
“هل نسيتِ أنّ وليّ العرش يحاول التحدّث إليكِ كلّما رآكِ، ولهذا استُدعينا هنا؟
الإمبراطورة تظلّ فضوليّة بشأنكِ.”
“هذا…”
“أقصد أنّ الأرشيدوق أفضل من ذلك.”
“أمّي!”
عبست إيثيل بشدّة ورفعت صوتها، فالتفتت الخادمة التي كانت تسير أمامهما.
“هل هناك مشكلة؟”
“لا، لا مشكلة على الإطلاق.”
“إثارة الضّجيج داخل القصر قد تسبّب الإزعاج، يا سيّدتي.”
التعليقات لهذا الفصل " 22"