ما إن أنهَت إيثيل وجبة الإفطار حتّى توجَّهت مباشرة إلى البيت الزجاجي. كانت ترغب في تفقد الطماطم التي بدأت تنضج بسرعة يوماً بعد يوم.
بينما كانت تُنظّف الطماطم الناضجة بقطعة قماش جافّة، وقف ليام خلفها يتأمّلها برضًا وارتياح، ثمّ بادرها بالكلام.
“سمعتُ أنّه حصلت مشكلة أثناء التحضير لحفل قصر الدوق؟”
“هل قال لك كايل ذلك؟ هذا الثرثار، لا يستطيع كتمان شيء.”
“كان يجب أن أؤجّل إجازتي. لو كنت موجودًا، لكنت أمسكت بالتاجر الذي وردَ لحم الخنزير على الفور.”
كان ليام قد عاد لتوّه من زيارة إلى مسقط رأسه، بعد أن دفعته إيثيل للسفر قبل أن ينشغل أكثر.
لكن ما كان يُزعجه حقًّا هو حدوث تلك المشكلة في غيابه، وعدم قدرته على حماية إيثيل كما يجب.
“لا بأس. أعتقد أنّ الدوق قد تعامل مع الأمر بنفسه. يبدو أنّ اللورد مونتي معاون كفء.”
“أن يتجرّأ على استفزاز كلٍّ من الدوق نورتون والآنسة إيثيل في وقتٍ واحد… لا بد أن يكون أحمقًا جدًّا.”
“أقول لك. لحسن الحظ كنّا نملك بعض شرائح البيكون في المنزل، وإلا لكانت فضيحة لنا وله.”
قبضَت إيثيل على قطعة القماش بشدّة وهي تتذكّر شكل لحم الخنزير الأبيض الباهت المُحمَّل على العربة. لا تزال ترتجف غضبًا كلّما خطر ذلك في بالها.
سواء كان شخصًا متهوّرًا بلا عقل، أو شخصًا يملك الجرأة الكافية ليلعب بمكانة كلٍّ من عائلتي نورتون وميشلان، لم يكن ذلك ليُغفر له.
“كيف يجرؤ أحدهم على اللعب بالطعام؟ لو أمسكتُ به فقط، لأريته جزاءه.”
“لكن في النهاية، تمّ إنهاء المسألة بشكل جيّد، أليس كذلك؟”
قال ليام ذلك وهو يُحاول تهدئتها، بعدما لاحظها تعصر قطعة القماش بيديها الصغيرتين.
“الجميع في السوق يتحدثون الآن عن حفلة قصر الدوق.”
“حقًّا؟”
“يقولون إن عددًا كبيرًا من النبلاء صاروا يبحثون عن لحم بطن الخنزير المدخّن. وحتى تفاح هذا العام نَفد بسرعة.”
في الواقع، لم تقتصر الشائعات في السوق على لحم البيكون المطهو بالتفاح.
بل انتشرت قصصٌ متنوّعة، منها أنّ الدوق نورتون وإيثيل ميشلان وقعا في الحبّ من النظرة الأولى،
ومنها أنّهما كانا خطيبين منذ الطفولة.
لكن ليام لم يشأ أن يُفسد مزاجها، فأختار الصمت.
لم تُخفِ إيثيل مزاجها الجيّد، بل تباهت به.
“حتى لو حاولوا تقليدنا، لن يحصلوا على نفس الطعم.”
“صدقتِ.”
“إذاً، سأجعل المقال القادم عن هذا الموضوع. ما رأيك بعنوان… ‘أنهُ غنيّ بالتفاح أسرَ قلوب فونيت’؟”
لم يكن العنوان سيئًا بعد أن نطقت به. كانت تُعاني من قلّة الأفكار لمقال الصحيفة، والآن، حصلت على الموضوع والعنوان دفعةً واحدة.
أخذت تدندن بلحن صغير وهي تعود لتُركّز على الطماطم، بينما قال ليام مبتسمًا:
“إذا استمرّ الأمر هكذا، فحين يفتتح مطعم ‘البيت الزجاجي’، سيصطفّ الناس حتى خارج السوق.”
“سيكون هذا رائعًا. مطعم كهذا يحتاج إلى زبائن كُثُر منذ البداية.”
“مع أنّك قلتِ إنّ العمل كثير، بقيَ فقط ثلاثة أيّام، آنستي.”
“أجل، الوقت يمرّ بسرعة حقيقية.”
أخذت تُحرّك رأسها بيأس وكأنّها تُدرك فجأة اقتراب الموعد، ثم توقفت فجأة. فقد خطَر ببالها “لوكاس”، شريكها في مشروع المطعم.
في يوم حفلة قصر الدوق، قال لوكاس إن لديه أمرًا مهمًّا ليُخبرها به، ثم اعترف لها بمشاعره وهو يرتجف.
‘كنتُ أعلم أنّه يُحبّني، لكن…’
ظنّت أنّها يمكنها تجاهل الأمر، طالما لم يُصرّح به. فما دام القلب صامتًا، لا حاجة لرفضه.
لكنّ اعترافه المفاجئ فاجأها هي، وجعلها تشعر بالارتباك. ومع ذلك، بما أنّ مشاعره كانت صادقة، فقد ردّت عليه بالرفض الصريح.
‘يبدو أنّه تأذّى كثيرًا…’
ربّما كان يعتقد أنّها لن ترفضه على الإطلاق.
مع أنّه مجرّد صديق، لم تستطع التخلّص من شعور الذنب. لكنها لم تكن تنوي قبول مشاعره، فلم يكن بإمكانها أن تترك له أملًا كاذبًا.
“آنستي؟”
“هو لن يفسد المشروع فقط لأنني رفضته، صحيح؟”
طرحت إيثيل السؤال فجأة وهي شاردة، بلا سياق ولا مقدّمات. لكن ليام فهم قصدها فورًا.
“مستحيل. لا تنسي أنّه ابن دوق.”
“أليس كذلك؟”
حاولت إيثيل أن تُبعد عنها القلق.
صحيح أنّ لوكاس شخصٌ متسرّع أحيانًا، لكنّه في النهاية وريث عائلة دوق عريقة. لم يكن من النوع الذي يُضحّي بمصلحة العائلة بسبب مشاعره.
لاحظ ليام ملامح القلق على وجه إيثيل، فحاول تشتيت انتباهها:
“على كلٍّ، هل يُمكن أكل هذه الطماطم الآن؟”
“هذه؟”
نظرت إيثيل إلى الطماطم النفيسة بين يديها، وقد بان على وجهها السرور.
“أجل، يُمكن أكلها الآن. وكلّما نضجت أكثر، أصبحت ألذّ.”
“لكن… هل من الآمن أكلها؟ لا تزال تُشبه ثمرة الماندريك في نظري…”
الماندريك نبتة سُمِّيّة تُلقّب بـ”فاكهة الشيطان”، وللأسف كانت تُشبه الطماطم من حيث الشكل.
حين أحضرت إيثيل الطماطم إلى هذا البيت الزجاجي لأول مرة، واجهت معارضة شديدة من العائلة والخدم.
“ليام، هل سبق وأحضرتُ شيئًا غير صالح للأكل إلى هذا المكان؟”
“لا، لكنني اعتقدت أنّ واحدة منها على الأقل كانت للزينة فقط. حتى التاجر من مملكة لابيليا قال إنّها للزينة.”
ضحكت إيثيل من أنفها دون أن تشعر. الطماطم للزينة؟ لو سمع أحدٌ من عشّاق الأطعمة الصحيّة ذلك في العصر الحديث، لانقلب رأسًا على عقب.
“من سيضع شيئًا لذيذًا كهذا للزينة فقط؟”
“لكن من الممكن أن تكون من نفس فصيلة الماندريك…”
“الشكل مختلف تمامًا. هذه مفيدة للصحّة.”
راحت تُربّت على الطماطم الحمراء بتقدير وهي تقول:
“لو استعملناها لصنع صلصة، فستجعل كرات اللحم ألذّ بكثير. ولو نقعتُها في السكر مع الريحان وقدّمتها باردة، ستكون منعشة بشكل لا يُصدّق!”
بمجرّد أن فكّرت في مشروب منعش بطعم حامض وحلو، سال لعابها تلقائيًّا. قرّرت أن تُضيف الطماطم الكرزية إلى قائمة مشتريات السفينة التجاريّة القادمة.
“بما أنّك لا تتوقّف عن الشكّ، سنأكلها اليوم فعلًا. سأختار أفضل حبّة نضجت تمامًا.”
بدأت تُدقّق بعناية بين الطماطم المائلة للون الأصفر والأخضر، بحثًا عن أكثرها احمرارًا وجودة.
وفجأة، انفتَح باب البيت الزجاجي بعنف وسط صوت خطواتٍ متسارعة.
“إيثي!”
“انتظر، دوران. أنا أُركّز الآن.”
“ليس وقت التركيز!”
“آه، ما بك؟”
نظرت نحوه بوجهٍ منزعج، لكنها صُدمت حين رأت وجهه شاحبًا تمامًا. أدركت أنّ الأمر ليس عاديًّا، وعبست على الفور.
وبعد أن التقط دوران أنفاسه، قال الخبر الصادم:
“دوق فلينت قرّر فسخ العقد!”
بسبب هذا الخبر الذي نزل عليهم كالصاعقة، اجتمعت عائلة ميشلان فورًا في مكتب الكونت.
كانت إيثيل قد انتهت للتو من شرح ما حدث في حفل الدوق، لكن لم يتمكّن أحد من الكلام بسهولة.
وأخيرًا، تكلّمت الكونتيسة، سيسيليا، المعروفة بعقلانيتها، لتلخّص الوضع بجملةٍ واحدة:
“يعني إيثي رفضت ابن دوق فلينت، فقرّر أن يُفشل المشروع؟”
“يا للوقاحة!”
لم يستطع كونت ميشلان كبح غضبه، فرمى الورقة التي كان يُمسك بها.
كانت تلك الورقة عبارة عن إشعار فسخ العقد، مختومًا بختم دوق فلينت، وقد تدحرجت فوق الطاولة.
“دوقٌ عظيم، ومن العائلات الأربع الكُبرى في الإمبراطوريّة، ويُقلب المشروع رأسًا على عقب بهذه الطريقة؟ حتى تُجّار السوق لا يفعلون ذلك!”
“ذلك الجبان، لوكاس… هل هذا انتقام لأنّكِ رفضتِه؟”
حتى دوران، الذي لم يكن سهل الاستفزاز عادة، عبّر عن غضبه هذه المرّة.
لم يعجبه أن يعترف لوكاس لشقيقته، ولا أن يُقحم اسم عائلته في المسألة بعد أن رُفض.
نظرت إيثيل بحدّة إلى الورقة التي كُتب عليها “إشعار” وليس “اتفاق”. في كلّ مرّة تُدرك فيها أنّها تعيش في مجتمع طبقي، كان شعورها بالغضب يتضاعف.
“سواء كان الدوق شابًّا ضيّق الأفق أم لا، فهذه ليست المسألة.”
بدلًا من الأب والابن الغاضبين، تولّت سيسيليا طرح السؤال الأهمّ:
“إذا كان الأمر هكذا، فماذا سيحدث للأموال التي استثمرناها في المطعم، عزيزي؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 17"