شريط الساتان الازرق الخاص بالكونت ميشلان - 12
بعد بضعة أيام، يوم حفلة دوقية نورتون.
وصلت “إيثيل” إلى الدوقية في الصباح الباكر، قبل بدء الحفل بوقت طويل.
ذهبت مباشرة إلى المطبخ برفقة كبير الخدم، للتأكد من أن التحضيرات تسير كما ينبغي.
“آنسة، هل أنتِ متأكدة من أنه يمكنني الطهي هنا؟”
سأل “جايل” بصوت خافت، رغم أنه بدا ضخمًا بما يكفي للإطاحة بثور، إلا أنه كان جبانًا.
نظرت إليه “إيثيل” بشفقة وسألته مجددًا:
“ما الذي تحاول قوله؟”
“آه، حقًا أنـ !”
ارتفع صوته قليلًا من الإحباط، لكنه سرعان ما خفضه مجددًا عندما لمح نظرات كبير الخدم.
“إنها دوقية نورتون!”
“يبدو أن لدينا هنا شخصًا متحيزًا ضد المناطق الأخرى.”
“ليس الأمر كذلك…”
شعر “جايل” بالظلم.
ففي النهاية، كانت “نورتون” دولة معادية، وعبر تاريخ القارة الطويل، كانت في عداء دائم مع الإمبراطورية ، التي تمثل النور.
كانت “إيثيل” تدرك هذا جيدًا، لكنها لم تكن مهتمة.
بدلًا من ذلك، وخزت خاصرة “جايل” القوية بحدة وهي تذكرهُ:
“بغض النظر عن الماضي، فإن نورتون الآن تحمي الحدود .
لو لم يكن الدوق موجودًا، لكانت الوحوش قد التهمتك منذ زمن!”
“هياااه!”
ارتعد “جايل” من الرعب، متذمرًا من قدرة سيدته على قول أشياء مخيفة دون تردد، لكن “إيثيل” تجاهلته تمامًا.
عند وصولهم إلى المطبخ، استدار كبير الخدم نحوها بابتسامة لطيفة.
“من هنا، آنستي.”
رغم خوفه، كان “جايل” أول من أطل برأسه إلى الداخل، وتبعته “إيثيل” لتفقد المكان.
كان المطبخ يعج بالخدم المشغولين.
نادى كبير الخدم على رجل كان يفحص كومة ضخمة من اللحم البقري.
“بابلو، الآنسة إيثيل مشيلان وصلت.”
“تشرفت بلقائكِ، أنا إيثيل ميشلان.”
قبل أن تنهي تحيتها، اقترب “بابلو” منها بخطوات واسعة.
بزيه النظيف، بدا وكأنه طاهٍ محترف.
“أنا بابلو ماثيس. بالمناسبة، لاحظت أن الملح الذي أرسلتهِ يحتوي على قشر الليمون…”
“إذاً، وصل كما يجب.”
“ماذا؟”
“هذا النوع من الملح يأتي هكذا بطبيعته. هل هذا هو اللحم الذي سنستخدمه اليوم؟”
تركت “إيثيل” “بابلو” في حيرته واقتربت من اللحم.
كان اللحم الطازج واضحًا للعيان، حيث امتزج اللحم الأحمر بالشحم الأبيض بتناسق مثالي.
تنهدت “إيثيل” بإعجاب خالص.
“يا له من لحم رائع. إنه لحم بقر نورتون، أليس كذلك؟”
“نعم، لكنه…”
“جايل، انظر إلى هذا! ألا يبدو جميلاً؟”
“واو… هذا مذهل، آنستي! إنه أكثر أنواع اللحم البقري نقاءً رأيته في حياتي.”
نسي “جايل” تمامًا تحيزه السابق ضد “نورتون”، وتألق عينيه بإعجاب وهو ينظر إلى اللحم.
ضحكت “إيثيل”، واصفة إياه بأنه رجل سهل الإغراء عندما يتعلق الأمر بالطعام.
ثم قدمته إلى “بابلو”، الذي كان ينظر إليهما بفضول.
“هذا هو جايل. علمت أن دوقية نورتون لا تملك الكثير من الطهاة المتاحين، لذا جلبته معي.”
“أنا جايل هانز. أعمل طاهيًا في قصر الكونت ميشلان، تشرفت بلقائك.”
“آه، نعم، تشرفت بمعرفتك.”
كان “جايل”، الأكبر سنًا والأكثر خبرة، هو من بادر بالمصافحة، و”بابلو” لم يجد خيارًا سوى مصافحته بدوره.
نظرت “إيثيل” إليهما برضى، حيث كانت يد “جايل” الكبيرة تهز يد “بابلو” النحيفة بقوة.
“جايل يعرف وصفات الأطباق جيدًا، لذا سيكون مفيدًا جدًا اليوم.”
“بالطبع.”
“أود رؤية اللحم الخاص بشرائح الأنتركوت أيضًا، أين هو؟”
“حسنًا… لم يصل بعد.”
“لم يصل بعد؟!”
لتحضير شريحة لحم الأنتركوت المثالية، كان لا بد من تقطيع اللحم السميك إلى شرائح، وضربه بمطرقة اللحم، ثم تغطيته بطبقة من البقسماط وقليه.
هذه العملية تستغرق وقتًا أطول من طهي شريحة لحم عادية، ولهذا السبب طلبت وصول اللحم مبكرًا.
لكن الآن، لم يصل بعد؟!
ارتفع صوت “إيثيل” دون أن تشعر.
“متى سيصل؟”
“أرسلنا شخصًا إلى الجزار قبل قليل، لذا ينبغي أن يصل قبل الظهر… على الأرجح.”
“قبل الظهر…”
تمتمت “إيثيل”، وشحب وجهها.
لم يتبقَ سوى أقل من تسع ساعات على الحفل، والعدد المحدود من الطهاة يعني أن عليهم العمل بجدية مضاعفة.
كان عليهم تحضير أربعين وجبة من شرائح اللحم، بالإضافة إلى شرائح الستيك، والمعكرونة، والسلطات، والحلويات والفواكه…
شعرت بالدوار وهي تحاول حساب الوقت، لكن “جايل” تدخل بحزم.
“لنبدأ بالأشياء التي يمكننا تحضيرها مسبقًا، آنستي.”
“جايل، اللحم البقري…”
“سأقطعه بحجم مناسب، وأتبلّه بزيت الزيتون، وملح الليمون، وإكليل الجبل.”
“حسنًا، وبعد ذلك…”
“سأجهز البقسماط الخاص بشرائح اللحم.”
“ويجب غسل الخضروات والفواكه الخاصة بالسلطات أيضًا.”
“بالطبع.”
سرد “جايل” المهام المطلوبة بدقة، كأنه يحفظ الوصفات عن ظهر قلب.
أما “بابلو”، فكان يقف بينهما بعينين متسعتين، يحاول مجاراة وتيرة حديثهما السريعة، لكنه لم يكن قادرًا سوى على الدوران بعينيه في ارتباك.
نظر “جايل” إلى سلة كبيرة مليئة بالتفاح في زاوية المطبخ، ثم أضاف:
“يمكننا تحضير عجينة تارت التفاح الآن، بما أنها تحتاج إلى ساعة كاملة لتبرد قبل استخدامها.”
“همم… لكن لا أعتقد أن لدينا وقتًا كافيًا لتحضير العجينة أيضًا…”
كان عليهم تجهيز اللحم البقري، والخضروات، والفواكه، وإذا أخرجوا الزبدة والدقيق في نفس الوقت، فسينتهي بهم الأمر بفوضى عارمة.
“من الأفضل أن نقوم بطهي التفاح في ماء محلى أولًا. يمكننا صنع العجينة لاحقًا، بعد أن ننتهي من تتبيل لحم الخنزير. فالتارت هو الطبق الأخير الذي سيتم تقديمه على أي حال.”
“كما تأمرين، آنستي.”
رد “جايل” بثقة، مما جعل “إيثيل” تشعر ببعض الارتياح.
ثم ألقت نظرة أخرى على المطبخ. كان خدم الدوقية يراقبونها هي و”جايل” بوجوه مصدومة.
ابتسمت لهم “إيثيل” ورفعت أكمامها بحماس.
“حسنًا، لنبدأ العمل إذن، مهما كان الأمر!”
لكن “إيثيل”، التي كانت تتحدث بحماسة، طُردت من المطبخ بعد فترة قصيرة.
كانت ممتازة في التخطيط للقائمة وتصميم وصفات فعالة، لكن مهاراتها العملية كانت كارثية.
لم تكن تجيد استخدام السكين، وكانت بطيئة للغاية، مما جعل “جايل” يدفعها بلطف خارج المطبخ، قائلًا إن هذا سيكون أكثر فائدة لهم جميعًا.
“وهكذا تم طردي.”
“هل أنتِ سيئة جدًا في التقطيع؟”
سألها “إيلان”، الذي كان يرافقها في جولة داخل الدوقية.
رمقته “إيثيل” بنظرة حادة.
“كيف لي أن أجيد ذلك وأنا لم أجربه من قبل؟”
“آه…”
“أنا جادة. مهارة التقطيع تتحسن مع الممارسة.”
“حسنًا، هذا صحيح.”
أومأ “إيلان” برأسه وكأنه يتفهم الأمر، لكن “إيثيل” شعرتَ بالظلمِ.
في قصر عائلتها، لم يسمح لها أحد حتى بلمس السكين، ناهيك عن محاولة استخدامها.
“إنه مثل فن المبارزة تمامًا. لا بد أنك لم تكن خبيرًا في القتال ضد الوحوش منذ المرة الأولى التي أمسكت فيها بالسيف، أليس كذلك؟”
“حسنًا… كان ذلك منذ زمن طويل جدًا.”
تجنب “إيلان” الإجابة بابتسامة خفيفة، مما جعل “إيثيل” تتخلى عن محاولة التبرير.
نقلت نظرها إلى الحديقة الواسعة أمامها.
“بالرغم من أن الدوقية بقيت شاغرة لفترة طويلة، إلا أنها ما زالت في حالة جيدة.”
“لأنها كانت ملكًا للكونت فيرغا حتى وقت قريب.”
“هذا القصر؟!”
كان قصر دوقية “نورتون”، الواقع في الطرف الغربي من “فونيت”، أحد أكبر القصور في العاصمة.
عندما يأتي الربيع، كانت أزهار بيضاء، تشبه النجوم، تتفتح على طول الجدران، مما أكسب القصر لقب “قصر النجوم”.
رغم ذلك، كان سكان “فونيت” يتجنبون الاقتراب منه لمجرد كونه تابعًا لعائلة “نورتون” الدوقية.
لكن كيف انتهى به المطاف في يد الكونت فيرغا؟!
“منذ متى؟”
“حوالي… ثلاثة عشر عامًا.”
“ماذا؟! لماذا؟ أليس هذا القصر ملكًا لعائلة الدوق؟”
كان هناك أكثر من عشرة أسياد كبار في الإمبراطورية، لكن العائلات التي تشكل جوهرها لم تكن سوى خمس:
ماركيزية أتوود
دوقية فلينت
دوقية مور
ماركيزية سويفت
وأخيرًا، الدوقية الوحيدة، نورتون.
لم تكن قصور هذه العائلات للبيع أبدًا.
لم يكن هناك سبب يجعلهم بحاجة إلى بيعها، وحتى لو قرروا ذلك، لم يكن هناك أي نبيل قادر على شرائها، سواء من الناحية المالية أو من حيث
الرمزية التي تحملها هذه القصور.
فكيف، بحق السماء، انتهى قصر دوقية نورتون إلى يد الكونت فيرغا؟!
وقفت “إيثيل” في مكانها، ووجهها مملوء بالحيرة والقلق.
رأى “إيلان” تعابيرها، وقرر إنهاء فضولها بقوله، بصوت هادئ:
“لأن والدي… توفي في سن مبكرةٍ جدًا.”