0
المقدمة :
‘كيف انتهى بي المطاف هكذا؟’
كنتُ أتسلّق البرج في وقتٍ متأخّر من الليل، بعد مُنتصف اللّيل تحديدًا.
“هاه… هاه… لن أترك الأمر يمرّ مرور الكرام! لو كان عليّ تسلّق البرج، ألم يكن عليهم إخباري بذلك مسبقًا؟!”
ارتدّ صوتي الغاضب في أرجاء المكان كصدى مدوٍّ.
‘إلى أيّ مدى يجب أن اصعد بعد؟’
رفعتُ بصري إلى السلالم التي امتدّت إلى ما لا نهاية. كان السقف شاهق الارتفاع لدرجة بدا معها كنقطة صغيرة في السماء. لقد تهاوت قواي أمام هذا العلوّ الغامض الذي لا يُقاس.
ولو سألني أحدهم لماذا أتسلّق هذا البرج في مثل هذه الساعة، فسأجيبه أنّ لذلك علاقة ببقائي حيّة.
“هووه… مع ذلك، المعلومات المُسبقة كانت ناقصةً تمامًا.”
أن يُلقى بي في برجٍ غريب هكذا كان بحدّ ذاته جنونًا، فما بالك بأن يُطلب منّي فجأةً تسلّق قمّته؟ والأدهى من ذلك، تلك الكلمات الغريبة التي لم تُفارق ذهني.
“حين تصلين إلى القمّة، ابتلعي ما يُشبه الجوهرة. لا تتردّدي. تذكّري أنّها فرصتكِ الأخيرة للبقاء حيّة.”
كان من المستحيل ألّا يحدث شيء إن تردّدت.
رغم أنّ أنفاسي كانت قد بلغت ذقني من شدّة التعب، تابعتُ الصعود مجددًا.
بصراحة، كان من الصعب تصديق أنّ قطعةً من الجوهَر قادرة على إنقاذ جسدٍ استُنزف تمامًا، لكن لم يكن أمامي سوى الوثوق بذلك.
إن كان ذلك هو السبيل الوحيد لبقائي، فأنا على استعدادٍ لتسلّق هذه السلالم مرارًا وتكرارًا.
‘جوهرة يعني جوهرة. لكن ما معنى “يُشبه الجوهرة”؟’
رغم أنّه لا جدوى من الاعتراض الآن، إلا أنّ المُساعد الذي أرسلني لم يكن طبيعيًّا أبدًا.
بل إنّي حتى الآن لا أعرف من هو بالضّبط.
كانت حالتي يائسة لدرجة أنّي اضطررتُ للوثوق بشخصٍ أجهل هويّته بالكامل.
لا أعلم كم من الوقت مضى.
مع بزوغ الفجر، وصلتُ أخيرًا إلى الطابق الأخير الذي طالما انتظرت الوصول إليه.
“وااااه!”
انطلق الهتاف من تلقاء نفسه.
نسيتُ تعبي تمامًا، ودخلتُ إلى الداخل أبحث عن الجوهرة التي أخبرني بها المُساعد.
لكنّ فرحتي لم تدم طويلًا، إذ بدا المكان من الداخل مُخيّبًا للآمال إلى حدٍّ مؤسف.
“ما هذا؟ أهذا كلّ شيء؟”
كانت الطّوب مغطّاةً بالطحالب، والسّقف يعجّ بشِباك العناكب.
من نظرة واحدة، كان واضحًا أنّ المكان مهجور منذ زمنٍ بعيد.
‘هل يُعقل فعلًا أن تكون الجوهرة موجودة في مكانٍ كهذا؟’
“لا يمكن… مستحيل.”
بدأتُ أقلق من أنّ كلّ هذا قد يكون مجرّد مضيعة للوقت.
حاولتُ تجاهل هذا التوتّر وأخذتُ أتفحّص المكان. لا يمكن أن يكون المُساعد قد خدعني، خصوصًا بعد أن وعدته بمكافأةٍ عظيمة.
وكدليلٍ على ذلك، سرعان ما عثرتُ على صندوق الجوهرة. شعرتُ بشيءٍ يرتطم بطرف قدمي.
‘توك—’
“هم؟”
نظرتُ إلى الأسفل، فبدت لي ظِلال باهتة وسط الظلام.
‘هذا هو!’
مددتُ يدي على الفور نحو صندوق الجوهرة. لكن قبل أن أفتحه، توقّفتُ للحظة.
“ما كلّ هذا الإهمال؟”
لو كانت هذه جوهرة قادرةً على إنقاذ حياة شخصٍ يحتضر، ألن يُفترض أن تُحفَظ في مكانٍ أكثر أمانًا؟
فهي بالتأكيد شيءٌ يرغب الجميع في الحصول عليه.
ضيّقتُ عينيّ وأنا أحدّق في الصّندوق.
“تذكّري أنّها فرصتكِ الأخيرة للبقاء حيّة.”
“لستُ في موقفٍ يسمح لي بالتردّد.”
‘دَلَكْ—’
فتحتُ صندوق الجوهرة دون تردّد.
اندفعت منه أشعّةٌ شديدة السّطوع كادت تُعمي البصر، بلونٍ أزرق ساحر وخارق.
رغم شدّة الضّوء، لم أستطع أن أُبعد بصري عنها.
كانت الجوهرة ساحرةً لدرجةٍ تخطف الأنفاس.
يصعب تصديق وجود كنزٍ كهذا في برجٍ ناءٍ كهذا.
تمتمتُ بدهشة:
“أشعر بشيءٍ غريب فعلًا.”
كيف عرف المُساعد بوجود الجوهرة هنا؟ ولماذا طلب منّي أن أبتلعها؟
ربّما كان الأمر مجرّد وهم، لكنّني شعرتُ أنّه ما إن أبتلعها، فلن يكون هناك مجال للعودة.
مددتُ يدي بحذر ولمستُ سطح الجوهرة.
كان ملمسها باردًا، وشعرتُ بوخزٍ خفيف عند أطراف أصابعي.
“حسنًا. سأبتلعها.”
قرّرتُ إنهاء الأمر دفعةً واحدة، وأغمضتُ عينيّ بقوّة. لا فائدة من المماطلة الآن.
‘غُلْغ…’
بعكس ما توقّعت، لم أشعر بأيّ ألم عند ابتلاعها. لقد انزلقت بسهولة.
فوجئتُ بإحساسها المختلف، ووضعتُ يدي على حنجرتي.
وفجأة—
‘كُونغ—!’
“هاه…؟”
قلبي أخذ يضطرب، وشعرتُ وكأنّني أسقط من ارتفاع شاهق. صدمة هائلة اجتاحت جسدي.
تشوّش بصري، واضطرب تنفّسي.
“ما… ما الذي يحدث؟”
استندتُ بسرعة إلى الحائط لأثبت نفسي. لم يكن لديّ أيّ فكرةٍ عمّا يحدث.
لم يُذكر في أيُّ وقتٍ أنَّ هذه الأعراض ستظهر.
‘دُقّ، دُقّ، دُقّ—’
كان قلبي يخفق بسرعة.
حتى إنّني شعرتُ بنبضه من فوق الجلد. وضعتُ يدي فوقه، فاهتزّت راحتي من شدّة الخفقان.
حاولتُ أن أهدّئ نفسي بالتنفّس العميق، مرارًا وتكرارًا.
شيئًا فَشيئًا، بدأتُ أستعيد هدوئي.
لكن أثناء انشغالي بتهدئة نفسي، لم ألحظ أمرًا مهمًّا.
أنّني لم أعد الوحيدة في هذا البرج.
“ظننتُ أنَّ فأرًا تسلّل، فإذا بي أجد هذا.”
صوتٌ بارد وجليّ انبعث من خلفي.
تجمّدتُ في مكاني من شدّة المفاجأة.
“نجحتِ فعلًا في التسلّل إلى برجي. لا أعلم كيف اهتديتِ إلى هنا، لكن لا أنكر أنّ مهارتكِ جديرةٌ بالتقدير.”
شعرتُ بخطوات الرّجل تقترب رويدًا رويدًا.
عضضتُ على شفتي من التوتّر.
لا بُدّ أنّ ذلك الشعور بعدم الارتياح الذي رافقني طوال الطريق كان سببه هذا اللّقاء.
جفّ حلقي تمامًا.
فجأة، اقترب منّي الرّجل وأمسك بذقني ليرفع وجهي نحوه.
سقط غطاء الرأس الأسود عن رأسي، وانسدل شعري الفضيّ بغزارة كشلال.
ما إن رأى وجهي، حتى ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ ملتوية.
وفي اللحظة نفسها، تلاقت أعيننا— وتجمّدتُ من شدّة الصّدمة.
‘لِماذا هذا الرّجل هنا؟!’
“ألم أظن إنّ الفأر كان في الواقع أميرة تونيارت؟ يا له من موقفٍ غريب.”
“لـ… لاهيتريان…”
“إذًا فأنتِ تعرفينني.”
ارتجفت نبرتي. فرغ رأسي من كلّ شيء، حتى تنفّسي صار عسيرًا.
هربتُ لأبقى حيّة، فإذا بي أواجه كارثةً ثانية.
‘لاهيتريان إيكارسين.’
هذا هو اسم الرّجل الذي يقف أمامي.
واحدٌ من الشخصيّات التي تُعلن عن بداية القصّة الأصليّة.
رأى التّعبير على وجهي، فانعكست على وجهه نظرةٌ فضولٍ غريبة.
كنتُ أفتح فمي كمن نسي كيف يتكلّم، في حين نظر إلى صندوق الجوهرة الفارغ.
“أترين؟ لقد ابتلعتِها فعلًا.”
“ه… هل كانت ملكًا لك؟”
هل هذا المكان هو برج السّحر إذًا؟!
نظر لاهيتريان إلى صدري، حيث كان قلبي لا يزال ينبض بقوّة.
تغيّرت تعابير وجهه قليلًا.
“هل تعلمين ما الذي ابتلعتِه، أيتها الأميرة؟”
“لـ… لا أعلم.”
“هاه، لو كنتِ تعلمين، لما فعلتِ شيئًا كهذا.”
ضحك بسخرية.
‘ما هذه الجوهرة بحقّ السماء؟’
الآن فقط تذكّرت: المُساعد لم يقل إنها جوهرة، بل قال إنّها تشبه الجوهرة.
“الآن أنا في ورطةٍ حقيقيّة، أيتُها الأميرة. لقد ابتلعتِ قلبي.”
“…ماذا؟”
‘ماذا ابتلعتُ؟!’
كنتُ أعلم من النصّ الأصلي أنّ لاهيتريان يحيا حياةً أبديّة رغم أنّه في جسدٍ بشري…
‘لكن لم يُذكر قطّ أنّه يحتفظ بقلبه خارج جسده!’
الآن فهمتُ لماذا لم يكن يموت، حتى بعد أن يتعرّض لإصاباتٍ قاتلة.
نظر إليّ ببرودة، وتسرّبت من بين شعره الأسود أداة تحكّمٍ سحريّة بلون الدم.
حاولتُ أن أبتسم بتوتّر.
“أعتذر… يبدو أنّني سبّبتُ لك المتاعب…”
“…..”
“ماذا يجب أن أفعل الآن؟”
امتلأت عيناي بالدّموع.
لا أعرف ما الذي قد يُرضيه، لكنّني انتظرتُ جوابه وكأنّني أتعلّق بقشّة أمل.
لكنه ظلّ يحدّق بي دون أن ينبس ببنت شفة.
رُبّما لم يكن يدري، لكنّ نظراته وحدها جعلت جسدي يتجمّد من الرّعب.
راودتني رغبة في فقدان الوعي أو بجرح لساني.
كنتُ أنتظر جوابه بخوف، حين عبس وجهه فجأة.
“أيتها الأميرة.”
“نـ… نعم؟!”
تجمّدتُ تمامًا.
لم أجرؤ على النظر في عينيه، وأخفضتُ رأسي بيأس.
فجأة، انحنى بجسده نحوي.
شهقتُ لا إراديًّا، وأغمضتُ عينيّ حين رأيتُ ظلًّا أرجوانيًّا يمرّ أمامي.
“لم أتوقّع هذا الأثر الجانبيّ.”
“مـ… ماذا تعني؟”
“ربّما يكون هذا أفضل، في الواقع.”
تمتم بكلماتٍ غامضة لا أفهمها.
تراجعتُ بجسدي إلى الخلف قليلًا من شدّة توتّري.
كنتُ أخشى أن يقوم بثقب صدري لاستعادة قلبه في أيّة لحظة.
“أنتِ تعلمين الآن مدى أهميّة ما ابتلعتِه، أليس كذلك؟”
“نـ… نعم.”
‘إنه يُمهّد لقتلي بلا شك.’
ولم أستطع لومه. ما فعلتُه كان بمثابة جريمة.
لكنّني شعرتُ بالظّلم. كلّ ما أردتُه هو أن أعيش.
‘ألم يكن الأجدر به أن يحتفظ بقلبه داخل جسده، بدلًا من تركه هكذا؟!’
شعرتُ بأنّ دموعي تتجمّع في عينيّ.
لكنّني بالطّبع لم أجرؤ على قول ما في نفسي.
لو فتحتُ فمي، لن يرحمني بالتأكيد.
ثم سمعتُ ضحكته—
ضحكةٌ غامضة عند أذني جعلت جسدي يرتجف وتيبّست كتفيّ.
“أرجوك… أنقذني…”
“كيف يمكنني أن أؤذي وريثة تونيارت؟”
“إذًا… ستُبقيني على قيد الحياة؟”
أيمكن أن يكون ذلك حقيقيًّا؟
هو، لاهيتريان إيكارسين، يُظهر الرّحمة؟!
فتحتُ عينيّ على وسعهما من شدّة الدّهشة. رأيتُ بصيص أمل!
لكن في اللحظة التالية، أمسك يدي وهمس عند أذني.
“من الآن فصاعدًا، ستأتين معي.”
وفي تلك اللحظة، أضاءت دائرة سحريّة على الأرض لم ألاحظها من قبل.
…ولكي أشرح كيف انتهيتُ إلى هذا الموقف، عليّ أن أعود قليلًا إلى الماضي.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 0"