3
الفصل 3 :
‘…مَن هذا الرّجل؟’
نظرتُ إليه من رأسه إلى قدميه. كان مظهره نادرًا في تونيارت.
بكلمةٍ واحدة، لم يكن من نبلاء الإمبراطوريّة.
ولو كان نبيلاً بهذه السّمات الغريبة، لكنتُ قد تعرّفتُ عليه رغم قلّة اهتمامي بهم.
فهل هو ضيفٌ دُعي من خارج البلاط؟
لكن حتى بذاكرتي عن القصّة الأصليّة، لم يكن هناك شخصٌ كهذا.
‘لا، مهلاً. القصّة لم تبدأ بعد. من الممكن أن يظهر شخصٌ جديد.’
ومع ذلك، لم أُخفّف حذري منه.
فهو يُخاطبني بطريقةٍ غير رسميّة، على الرّغم من أنّه يعلم تمامًا أنّني أميرة.
“مَن أنتَ؟ هل دُعيت من قبل العائلة الإمبراطوريّة؟”
ربّما كان مسؤولًا رفيعًا من دولةٍ أُخرى.
كما ذكرتُ سابقًا، مكتبة القصر الإمبراطوريّ ليست مكانًا متاحًا للجميع.
أومأ الرّجل برأسه وهو يبتسم ابتسامةً مشرقة.
“لنقُل نعم.”
“…ماذا؟”
“اسمي ريمّوند.”
…ما هذا؟
أصبتُ بالذهول فلم أتمكّن من التّعليق.
عندما لم أستطع إخفاء تعبير وجهي، ابتسم هو براحةٍ أكثر.
يبدو أنّه لم يُدرِك أبدًا ما الخطأ في حديثه.
سألتُه من يكون، فأجابني فقط باسمه. من المعتاد أن يُعرّف المرء بمكانته أيضًا.
شعرتُ أنّه شخصٌ غريب، فحاولتُ تجاوزه، لكنّه وقف في طريقي.
حتى عندما حاولتُ تغيير الاتجاه، وقف أمامي من جديد.
“ما الذي تفعله؟”
“لم نُنهِ الحديث بعد، وأنتِ تحاولين الرّحيل.”
“..…”
بالنّسبة لي، انتهى.
ضحك الرّجل بعينين شبه مغمضتين. وغريبٌ أنّني لم أعُد أشعر بالغضب رغم وقاحته.
نظرتُ إليه نظرةً توحي بأن يقول ما يريد بسرعة.
“كم عُمركِ يا سموّ الأميرة؟”
“تسعة عشر عامًا.”
“متى تُكملين العشرين؟”
أيُّ نوعٍ من الأسئلة هذا؟
تنهدتُ وأجبتُ بلا مبالاة:
“سأُصبح راشدةً بعد شهرين.”
بداية السّنة الجديدة في تونيارت تكون في شهر مارس،
وكنتُ أُكمل عامي في الشّهر الذي يليه.
قانونيًّا، يتمّ الاعتراف بالبلوغ مع بداية السّنة، لذا لم يكن هناك فارقٌ كبير.
“آه، إذًا هذا يُناسب التّوقيت.”
“ولماذا تسأل؟”
معرفة عمر الأميرة ليس أمرًا صعبًا، بل يُمكن لأيِّ أحدٍ معرفته.
“أنتِ ذاهبةٌ الآن إلى منطقة الكتب المحظورة، أليس كذلك؟”
“لا. ولماذا أُخبرك بذلك أصلًا؟”
كنتُ على وشك نفاد صبري. أوضحتُ له برغبتي في الرّحيل.
رفع ريمّوند يديه وكأنّه يُهدّئ الوضع.
لكنّه كان واثقًا تمامًا بأنّني متّجهةٌ إلى هناك.
صحيح، فقد كنتُ أُراقب من حولي وأتقدّم ببطء بين رفوف الكتب، فلو لم يُلاحظ، لكان هو الأحمق.
“ولماذا تذهبين إلى منطقة الكتب المحظورة؟ أميرة تونيارت لا تدرس اللّغة القديمة، صحيح؟”
“هيّا، توقّف عن إزعاجي وابتعد من طريقي.”
“أو ربّما… هل تستطيعين قراءتها؟”
“…أعرف الأساسيات. ولماذا تسأل؟”
كانت اللّغة القديمة من المتطلّبات الأساسيّة التي يجب أن يتقنها أفراد العائلة الإمبراطوريّة.
لكن في تونيارت، كانت تُدرّس للطبقة العليا فقط، وقد أجبتُه بجوابٍ مبهم.
فاللّغة القديمة في تونيارت تُستخدم في تفسير النبوءات، واستقبال نداءات الحاكم، بل وحتى التّواصل معه عند امتلاك القوّة المقدّسة الكافية.
كنتُ دائمًا أتلقّى التّحذيرات من الحذر في إظهار معرفتي، خوفًا من الحسد والحقد.
وربّما يكون ريمّوند أحد هؤلاء الحاقدين.
لكن على عكس توقّعاتي، بدا على وجهه الارتباك.
“أأنتِ حقًّا تُجيدين اللّغة القديمة؟”
“أنت تتخطّى الحدود.”
رفعتُ رأسي فجأة، مُقربةً وجهي منه.
ظلّ يسأل ما يريد من تلقاء نفسه، وتحمّلي له وصل إلى حدّه.
والآن وقد تطرّق إلى أمرٍ حسّاس، لم أعد أرغب في المواصلة.
عندما اقتربتُ منه فجأة، تراجع إلى الوراء بسرعة.
ضيّقتُ عينيّ وأنا أنظر إليه.
كان ملتصقًا بالجدار ويخفض بصره، حتّى إنّه لا يتحرّك كأنّه حبس أنفاسه.
“هيه.”
“…م، ماذا؟”
ردّ عليّ بذهول، ثمّ أغلق فمه فجأة.
كان تردّد عينيه الحمراء واضحًا.
“تعلم من أكون، وتُخاطبني منذ البداية من غير احترام؟ هل تُريد أن تُسجَن بتهمة إهانة العائلة الإمبراطوريّة؟ لقد تجاوزتَ كثيرًا.”
“…..”
“أنا مشغولة، فلا تتبعني بعد الآن. ولنلتزم بعدم اللّقاء مرّة أُخرى. لقد رأيتُ ما يكفي من الغرباء!”
لم يتكلّم، فقط استمع.
بعد أن أنهيتُ كلامي، أنزلتُ قدمي وابتسمتُ برضًا.
راقبتني عيناه الحمراوان وهما تنزلان ببطء باتّجاه قدمي.
“هاه.”
مررتُ بجانبه دون أن ألتفت.
* * *
“…آه.”
أطلق ريمّوند أنفاسه الّتي كان يحبسها، وأرخى توتّره.
كدنا نتصادم من شدّة اقتراب إليزابيث المفاجئ.
لمس ذقنه الّتي لامسها نَفَسُها، وقد شعر بألمٍ حارقٍ خفيف.
“آه، كدتُ أنسى.”
لوّح بخفّة بيده نحو ظهر إليزابيث وهي تبتعد.
ظهرت فجأةً نجمةٌ خماسيّةٌ باهتة، ثمّ اختفت.
حدث اضطرابٌ طفيف في المانا، لكن لم يلحظه أحد في المكتبة.
“لم أكن أعلم أنّ الأميرة هكذا.”
حسب ما سمعه، كانت خجولةً وهادئة، لكنّ ما رأى للتّو كان عكس ذلك تمامًا.
نظرتها المليئة بالضّيق تجاهه كانت واضحة جدًّا.
ابتسم ريمّوند وسحب يده عن ذقنه، فعادت بشرته لسلاستها.
“من كان ليظنّ أنّ هناك خائنًا داخل العائلة الإمبراطوريّة لتونيارت.”
لطالما كانت القاعدة ألّا تُعلَّم الأميرة اللّغة القديمة، وقد دام ذلك قرابة الألف عام.
كان هدفهم منعها من اكتشاف الحقيقة حول العائلة الملكيّة.
هكذا فقط استمرّ “السّلام” في تونيارت طوال هذا الوقت.
“مَن هذا الّذي علّمها اللّغة القديمة؟”
كون إليزابيث تُجيدها كان أمرًا سارًّا له.
فذلك سيُوفّر سببًا للّقاء مجدّدًا، لكن من زوّدها بذلك العلم قد يُصبح عائقًا.
بعد لحظة تفكير، استدار ريمّوند وغادر، فما دام قد أنهى عمله، لا سبب لبقائه.
ظهر من بين رفوف الكتب وسار وسط الحشود، دون أن يلحظه أحد.
رغم أنّه شابٌ وسيمٌ ذو شعرٍ وعينَين حمراوَين نادرَين في تونيارت، إلّا أنّه بدا كأنّه غير مرئيّ.
“الآن، ما عليّ سوى الانتظار.”
أن تعرف إليزابيث تونيارت اللّغة القديمة… لم يكن ضمن خطّته، بل مكسبًا غير متوقّع.
“مع أنّ وجودي هنا أصلًا أمرٌ غير منطقيّ.”
خصوصًا في القصر الإمبراطوريّ، حيث قوّة الحاكم أقوى ما تكون.
ارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على شفتيه، ثمّ لمع بريقٌ في عينَيه، قبل أن يتلاشى.
* * *
في قاعة العرش المملوءة بالقُدسيّة.
جلس رجلٌ ذو شعرٍ فضّي على عرشٍ من الذّهب الخالص، ينظر بعينين باردتين نحو الأسفل.
فوق الرّخام الأبيض، امتدّ بساطٌ أحمر، وعند نهايته، ركع رجلٌ وسيمٌ ذو شعرٍ أزرقٍ سماويّ.
“لويد وينزر.”
ناداه الإمبراطور بصوته الرّزين، فأجابه:
“نعم، جلالتك.”
“أتدري لِمَ دعوتُك؟”
اتّكأ الإمبراطور كاروس على العرش وأمال ذقنه.
خنق التوتّر الأجواء.
كانت تلك أوّل مرّةٍ يُقابل فيها لويد الإمبراطور وحده، فشعر بالرهبة.
من النّادر أن يستدعي الإمبراطور وريثًا غير مُتوَّج بنفسه.
“أعتذر، جلالتك. لم أستطع إدراك مقصدك، لقلّة علمي.”
“طبعًا، لم تعلم.”
“…..”
“لو كنتَ تعلم، لكانت عائلة وينزر قد تم إبادتها منذ لحظات.”
تجمّدت ملامح لويد.
فرغم أنّه إمبراطور، فلفظ كلمة “إبادة” بحقّ دوقٍ أمرٌ جسيم.
فعائلة وينزر قد حمت تونيارت لأكثر من ألف عام.
بل إنّ الإمبراطورة الحاليّة أتليا من هذه العائلة.
تردّد لويد قليلًا، ثمّ قال:
“هل ستُعلّمني إذًا؟”
“عليك أن تذهب إلى الحدود.”
“…الحدود، جلالتك؟”
لقد تمّ التخلّص من عصابات الحدود الشّهر الماضي، ولم يكن الأمر يستدعي تدخّله شخصيًّا.
فهناك حرسٌ يُراقبون الحدود، ولا حاجة لإرسال أقوى سيّافٍ في الإمبراطوريّة.
فقد كان قادرًا على استخدام الهالة حتّى قبل بلوغه، ولم يُهزم في أيّ مبارزة.
إرساله هناك كان مبالغة.
“الوضع مضطربٌ، ولا يطمئنني شيء.”
لكن كاروس قالها ببساطة، وكأنّ الأمر عاديّ.
فأمر الإمبراطور يجب طاعته، لأنّه ممثّل الحاكم.
رفض أوامره هو بمثابة رفض إرادة حاكم تونيا.
“وماذا أفعل هناك؟”
“اقضِ عليهم جميعًا.”
“جميعهم… تقصد؟”
“لا تُبقِ شيئًا على قيد الحياة.”
كلّ شيءٍ حيّ؟ ما الّذي يعنيه بذلك؟
ردّد لويد كلام الإمبراطور، فتجمّد جسده.
كان يقصد التخلّص من الجميع، حتّى سكّان القرى القريبة من الحدود.
حتّى الحرس الّذين يُراقبون الحدود.
أمرٌ مفاجئٌ بقتل كلّ من يتنفّس هناك، ولم يقدر لويد على الرّدّ فورًا.
“ألَم تسمع أوامري؟”
“جلالتك، هل لي أن أطرح سؤالًا واحدًا؟”
“تفضّل.”
“…هل هذا من أجل تونيارت؟”
ابتسم الإمبراطور كاروس ابتسامةً باردة، ثمّ قال بعينَين ضيّقتَين وصوتٍ مقدّس:
“بالطّبع. هذا واجبٌ لا شكّ فيه.”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 3"