2
الفصل 2 :
أوّل ما يجب فعله هو ألا أتورّط أبدًا مع أبطال القصّة الأصليّين. وخاصةً البطلة سيتا!
فالرجال الذين سيدورون حولها مستقبلاً ليسوا طبيعيّين على الإطلاق!
رميتُ الوسادة بعصبيّة، فإذا بالباب يُفتَح.
“آه…”
توقّفت ليزا، التي كانت تدخل الغرفة وهي تدفع عربةً عليها طعام.
“ط… طَرقْتُ الباب عدّة مرات، ولأنّكِ لم تُجيبي، ظننتُ أنّكِ نائمة…”
“…..”
“ولكن… لم تتناولِي الطعام منذ وقتٍ طويل، وقيلَ لي أن أحرص على أن تتناوليه…”
قالت ليزا ذلك وهي على وشك البكاء، تحاول شرح الموقف.
أي أنّها دخلت ظنًّا بأنّني نائمة، ثمّ أرادت إيقاظي وتقديم الطعام لي.
حين رأت الوسادة مُلقاةً على الأرض، بدا عليها التوتّر، ولم تعرف ما تفعل.
“أميرتي… هل حدث شيء؟ هل شعرتِ بالضيق من أمرٍ ما؟”
“لا، لم يحدث شيء.”
ابتسمتُ لها بلُطف، والتقطتُ الوسادة بخفّة. ثمّ جلستُ على الأريكة بأناقة، ورتّبتُ شعري. لا شكّ أنّه كان في حالةٍ فوضويّة.
“حسنًا، إذًا، سأبدأ بتقديم الطعام.”
بدأت ليزا تنقل الأطباق بخفّة وسرعة.
كنتُ أُراقبها بانتباه. لقد عملتْ بجانبي لفترةٍ طويلة، ومع ذلك لم أكن أعرف شيئًا عنها سوى اسمها. ففي السّابق، لم أكُن أعير وصيفاتي أيّ اهتمام.
جميع مَن يخدمون أفراد العائلة الملكيّة هم من النّبلاء، وكانوا دائمًا يتسابقون لنَيْل اهتمامي، فكنتُ أراهم مزعجين.
كما أنّني نشأتُ على تعليمٍ صارمٍ يقول إنّ أفراد العائلة الملكيّة لا يليق بهم الاختلاط بسهولةٍ بمن هم أدنى منهم.
لكن، الآن… أنا بحاجةٍ إلى أيّ معلومةٍ مهما كانت بسيطة.
وجمعُ المعلومات من مَن حولي هو أمرٌ سهل وضروريّ في الوقت نفسه.
“ليزا.”
“نعم، أميرتي؟”
“منذ متى تعملين هنا؟”
“منذ أن بلغتِ العاشرة، أميرتي… أي منذ نحو تسع سنوات.”
“لقد بقيتِ هنا لوقتٍ طويل.”
فتحتُ الحديث مُظهرةً اهتمامًا.
كانت ليزا تُجيبني بانضباط، لكنّها كانت تميل برأسها في حيرة من أسئلتي غير المعتادة.
“إلى أيّ عائلةٍ تنتمين؟”
“إلى عائلة تريا.”
تريا!
حين سمعتُ اسم العائلة، جلستُ مستقيمةً في مكاني. لم أتوقّع أن يظهر اسمٌ بهذا الثّقل مبكرًا.
…رغم أنّ دور هذه العائلة في القصّة كان التآمرَ على الإمبراطوريّة.
“آه… إذًا، أنتِ ابنة دوق تريا؟”
“نعم؟”
لكن ليظا رمشت بعينَيها كما لو أنّها لم تفهم قصدي.
“لا يا أميرتي، نحن عائلة كَونت.”
“ماذا؟!”
توقّفتُ عن دهن الخبز بالمربّى.
“لسْتُم من عائلة دوق؟!”
“نعم، نحن من عائلة كَونت بالفعل.”
ما هذا الكلام؟!
في ذاكرتي، كانت عائلة تريا عائلةً دوقيّة.
“…يبدو أنّني قد اختلطتُ عليّ الأمور قليلًا. لقد نِمتُ لأسبوعٍ كامل، أليس كذلك؟”
“هل أنتِ حقًا بخير؟”
“سمعتِ ما قاله الطبيب الملكي. قال إنّ هذا أمرٌ ممكن. لا تقلقي.”
هززتُ رأسي متظاهرةً بأنّ الأمر بسيط، وقطعتُ قطعةً من الخبز بأسناني.
لكنّ ليزا لم تستطع إخفاء قلقها.
“سأُناديكِ إذا احتجتُ شيئًا، يمكنكِ الآن الذهاب والاهتمام بأعمالكِ.”
“نعم، سأغادر الآن.”
خرجت ليزا من الغرفة مطيعةً أمري، ولم تُبعد ناظريها عنّي حتى أُغلِق الباب تمامًا.
ما إن أُغلِق الباب، وضعتُ قطعة الخبز على الطّبق.
“هل من الممكن أنّهم أصبحوا دوقيّةً لاحقًا؟”
أيّ إنجازٍ عظيـم جعلهم يترقّون من كونت إلى دوق؟
ذلك أمرٌ شبه مستحيلٍ حتى لو أفنَوا أعمارهم في خدمة الإمبراطوريّة.
ومع ذلك، فقد ظهروا في القصّة الأصليّة كعائلة دوق.
“هذا يعني أنّ شيئًا ما سيحدث قبل بداية القصّة.”
شيءٌ كبيرٌ كفاية ليهزّ أركان إمبراطوريّة تونيارت.
ولا يوجد تفسيرٌ آخر.
* * *
في النّهاية، لم أستطع النّوم طوال اللّيل.
وبعد تفكيرٍ عميقٍ استمرّ حتّى الفجر، توصّلتُ إلى نتيجةٍ مفادها أنّ الحدث العظيم الذي سيهزّ تونيارت… قد يكون مرتبطًا بوفاتي.
ففي الواقع، لم يكن هناك ما يوحي بحدوث أحداثٍ ضخمة في الإمبراطوريّة خلاف ذلك.
فالإمبراطوريّة تبدو -ظاهريًّا- هادئةً جدًّا.
باستثناء حقيقة أنّ وليّ العهد أتيريون لا يستطيع التحكّم بقوّته المقدّسة.
“أعتقد أنَّ عليِّ أن أبدأ بفهم علاقتي مع أتيريون.”
لكن، لا أدري من أين أبدأ، فلا توجد خيوطٌ واضحة.
أو ربّما… هناك بعض الخيوط.
التناقضات بين ما أعرفه من القصّة الأصليّة، وما أراه في الواقع، قد تكون تلك الخيوط.
لكنّ المشكلة أنّه لا يوجد خيطٌ يربط كلّ تلك المؤشّرات ببعضها البعض.
قطّبتُ حاجبَيّ بتفكير.
ما أنا متأكّدةٌ منه، هو أنّ موتي يتيح لأتيريون التحكّم بقوّته المقدّسة.
وبناءً على ما حدث، يبدو أنّ ذلك هو دور إليزابيث الحقيقيّ.
“ماذا سيحدث إن لم يستطع التحكّم بقوّته؟”
ما مدى تأثير ذلك على مجريات القصّة الأصليّة؟
هل ستتمكّن سيتا من الهرب إلى تونيارت كما في الأصل؟
لا شيء يؤكّد ذلك، وإذا فشلت، فلن تتمكّن من العودة إلى عالمها الأصليّ.
هل ستستمرّ المواجهة بين ساييرد ولاهيتريان ما دمتُ على قيد الحياة؟
“…تبًّا، لحظة، هذا ليس جيّدًا أيضًا.”
على أيّ حال، لكي تعود سيتا إلى عالمها، لابدّ من أن تتواصل مع الإمبراطوريّة.
ولتحقيق ذلك، عليها زيارة المعبد للتواصل مع الحاكم تونيـا.
ومعبد الحاكم تونيـا هو المكان الذي يُنصِت له القصر الإمبراطوريّ دائمًا.
“…هل يُنصِتون له فعلًا؟”
بصراحة… لستُ متأكّدةً حتى من ذلك.
ففي عهد الإمبراطور الحاليّ كاروس، لم أسمع قطّ بإعلانه لأيّ وحيٍ إلهيّ.
وفي الحقيقة… بالكاد رأيت وجهه.
“…المهمّ الآن أن أظلّ حيّة.”
لو شغلتُ نفسي بكلّ شيءٍ آخر، قد أموت قبل أن أفهم شيئًا.
عليّ أن أبدأ بحلّ أقرب مشكلةٍ إليّ، ثمّ أفكّر بالخطوة التالية.
بعد أن بقيتُ يومين في الغرفة، نهضتُ من مكاني.
فكّرتُ في مكانٍ قد يساعدني قليلًا في فهم الوضع الغامض الذي أعيشُه.
وبما أنّ ليزا ليست هنا، فلا أحد يراقبني، ويمكنني التصرّف بحريّة.
المكان الذي سأقصده هو حيث تُحفَظ أسرارُ إمبراطوريّة تونيارت المقدّسة…
إنّه المنطقةُ المحظورة في مكتبة القصر الإمبراطوريّ.
* * *
“سمعتُ أنّ إليزابيث قد استيقظت؟”
قالت سيّدةٌ بصوتٍ ناعم، وهي تمرّر إصبعها على فنجان الشّاي.
كانت أظافرها مزخرفةً بأحجارٍ صغيرة شفّافة، وخواتمُها الياقوتيّة تتلألأ في ضوء الشّمس.
شَعرُها الأزرقُ السّماويّ ينحدر حتّى خصرها، وعيناها العميقتان تُضفيان عليها جمالًا بارزًا.
إنّها الإمبراطورة أتليا.
انحنت ليزا أمامها بتوتّرٍ ظاهر.
“نعم، جلالتكِ. بدت عليها بعض علامات الارتباك بعد استيقاظها، لكنّها بخير الآن.”
“حسنًا. اعتني بها جيّدًا، ولا تسمحي أن يمسّها سوء.”
قالت الإمبراطورة برقّة وهي تحتسي شايها في ظلّ شجرة.
“هل من أخبارٍ أخرى؟”
“لا، جلالتكِ.”
“جيّد.”
انخفضت نظرات أتليا، وارتسمت ابتسامةٌ على شفتيها، لكنّها سرعان ما عادت لبرودها المعتاد.
احمرّ وجه ليزا سعادةً، وانحنت أكثر.
أن تنال رضا الإمبراطورة… كان أشبه بالحظّ الكبير.
وقد تكون هذه فرصة عائلة تريا للصعود إلى مكانٍ أعلى.
“يمكنكِ الذهاب الآن.”
“نعم، جلالتكِ.”
“اقتربَ عيد ميلاد إليزابيث. احرصي ألا ينقصها شيء.
…وأينما ذهبت، أبلغيني بتصرّفاتها كلّها. لا تتركيها للحظة.”
“أمركِ مطاع، جلالتكِ.”
“وفي يوم بلوغها، سأنقلكِ إلى قصر الحاكم.”
“حقًّا؟!”
اتّسعت عينا ليزا بدهشة. خدمة وليّ العهد بنفسها؟
كان ذلك حلمًا لطالما انتظرته عائلة تريا.
ليست مجرّد أميرة لا حول لها ولا قوّة، بل صلةٌ مباشرة مع السلطة الحقيقيّة.
فالأميرة، رغم أنّها من الدّم الملكيّ، لم تكن ذات قيمة.
فهي لا تملك القوّة المقدّسة، ولا يمكن لأيّ شخصٍ أن يحكم تونيارت من دون تلك القوّة.
هذا ما أوحَى به الحاكم.
انحنت ليزا على الأرض، واضعةً جبينها على البلاط.
“شكرًا لكِ، جلالتكِ… لن أخيّب ظنّكِ أبدًا. لن أنسى هذه النّعمة ما حييت.”
“أنتِ محلّ ثقتي.”
لكنّ عيني أتليا كانت أبردَ بكثيرٍ من كلماتها.
وليزا، المنحنية في خشوع، لم تُلاحظ ذلك أبدًا.
* * *
دخلتُ مكتبة القصر الإمبراطوريّ.
تُعدّ إمبراطوريّة تونيارت من أعرق الدول في القارّة،
ومكتبتُها مليئةٌ بسجلّاتٍ تعود لآلاف السنين.
لم يُقال: “كلّ أسرار العالم موجودة في مكتبة تونيارت”، عبثًا.
لكنّ الدخول إلى هذه المكتبة لم يكن متاحًا للجميع.
فقط مَن يملك إذنًا إمبراطوريًّا يمكنه الدخول.
“أهلاً بالأميرة إليزابيث.”
بطبيعة الحال، مظهري كان كافيًا لإثبات هويّتي. فالشّعر الفضّيّ والعينان الزرقاوان، رمز الحاكم، لا يمتلكهما سوى العائلة الملكيّة في القارّة.
انحنى أمين المكتبة بأدب.
أومأتُ برأسي ودخلت.
ما إن دخلتُ المكتبة حتّى انهالت عليّ النّظرات.
فأينما ذهبتِ، تبقينَ أميرة… والجميع يُلاحظكِ.
لأنّها مكتبة، اقتصر النّبلاء على تحيّتي بصمت، لكنّ عيونهم لم تفارقني.
‘…بهذا الشكل لن أتمكّن من التحرّك بحريّة.’
للذّهاب إلى المنطقة المحظورة، عليّ أن أتوغّل إلى أعماق المكتبة، ولكنّ هذا القدر من الاهتمام سيجعل الخبر ينتشر خلال ساعات.
‘إليزابيث دخلت المنطقة المحظورة؟!’
‘هذا غير مسموح.’
في ظلّ الغموض حول مستقبلي، لا يصحّ أن أجذب الأنظار.
“ماذا أفعل؟”
دخلتُ بين رفوف الكتب، وسحبتُ كتابًا عشوائيًّا،
أخفيتُ وجهي خلفه، ولم أترك سوى عينيّ تُراقبان الخارج.
وبينما أبحث عن فرصةٍ للتسلّل، سمعتُ صوتًا يهمس بمكرٍ بجانبي.
“ماذا تفعلين؟”
“يا إلهي!”
قفزتُ من مكاني وقد أمسكتُ بالكتاب بقوّة.
كان أمامي مباشرةً صدرٌ عريض لرجل، رفعتُ رأسي بسرعة، فوقع نظري على شابٍ بوجهٍ وسيم، وشعرٍ أحمرٍ ناريّ، وعينَين حمراوين.
كان يقف أمامي، مكتّفًا ذراعَيه، والابتسامة تملأ وجهه.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"