2
بعد انتهاء المقابلة، لم تعد فيا إلى منزل الكونن، بل بقيت في النزل. كانت فيا تنتظر بفارغ الصبر خطابًا من القصر الإمبراطوري، بينما كانت خادمتها كوميس تراقبها بقلق.
في النهاية، لم تستطع كوميس كبح قلقها وبدأت مرة أخرى في توجيه اللوم اليومي.
“آنستي، لنعُد إلى المنزل . لا يمكننا البقاء في النزل إلى الأبد. لقد انتهت المقابلة، يمكنك انتظار الخطاب في المنزل.”
يبدو أنها قررت أن تُفرغ كل ما كتمته خلال فترة تحضير فيا للمقابلة. لم تتوقف كوميس عن التذمر طوال الأسبوع. قطعت فيا كلامها بسرعة قبل أن يطول.
“أعود إلى منزل الكونت؟ هناك يقف السيد الشاب… لا، الآن أصبح كونتًا. كيف يمكنني الذهاب إلى هناك؟ إنه لا يرغب في وجودي.”
في صوتها البارد، سمعت كوميس جذور عدم الثقة العميقة، فعبست بوجه حزين.
“على أي حال، الكونت هو أخوكِ. لا تقولي ذلك ولنعد معًا.”
هزت فيا رأسها. ثم وضعت يدها على كتف كوميس، التي بقيت بجانبها طوال ما يشبه العمر كله.
“لا تقلقي عليّ، عودي وحدك على الأقل. أنا ابنة غير شرعية ومكروهة، لكنكِ بخير.”
لم ترغب فيا في رؤية كوميس تعاني بسببها. عند سماع قلق فيا، صرخت كوميس منزعجة.
“هل تطلبين مني أن أترككِ وحدكِ وأذهب؟ لا تقولي هذا حتى في أحلامك! لن أترككِ أبدًا وحيدة في هذا النزل!”
شعرت فيا بالامتنان والذنب تجاه كوميس، فمسحت رقبتها بيدها. بسبب شخصيتها الجافة، لم تستطع التعبير بالكلمات، لكن ابتسامة صغيرة علت وجهها.
لكن يبدو أن غضب كوميس لم يهدأ بعد. هزت كوميس رأسها بغضب وأفرغت سيلًا من التذمر الذي يعلق في الأذن.
“وأيضًا، توقفي عن قول أنكِ ابنة غير شرعية! أنتِ عضوة في عائلة الكونت أوتيربي، معترف بكِ رسميًا من قبل الكونت. كونتية أوتيربي هي منزلكِ.”
كلما سمعت هذا الكلام، كانت فيا تتجنب نظرة كوميس.
كانت تشعر بالأسف تجاه كوميس، لكن قصر كونت أوتيربي لم تكن أبدًا منزلها.
قصر الكونت كان مليئًا بتجاهل الكونت لها، ونظرات الكونتيسة الباردة، وحدود الشقيقات الشرعيات الحادة. لقد سئمت من ذلك الشعور بالاختناق الذي لا يسمح لها حتى بالتنفس بحرية.
حتى لو فشلت في أن تصبح ضابطة، لم تكن لديها أدنى رغبة في العودة إلى ذلك المنزل. أخفت فيا هذه الحقيقة وردت على كوميس كالعادة.
“أنتِ الوحيدة التي تعتقدين ذلك، كوميس.”
“مستحيل! إذا كان هناك من لا يعتقد ذلك، سأعاقبه بنفسي!”
كانت فيا سعيدة بدعم كوميس، لكنها لم تعد تريد سماع المزيد عن المنزل العائلي. كما لو أن القدر ساعدها، دق أحدهم باب غرفة النزل.
دق دق دق.
“سيدتي، وصل خطاب لكِ.”
نهضت فيا فجاءةً بوجه مشرق، هربًا من قلق كوميس، وفتحت الباب على مصراعيه. لم يتوقع الموظف أن يُفتح الباب فجأة، ففتح عينيه مندهشًا.
سألته فيا على الفور.
“من أين هذا الخطاب؟”
استعاد الموظف المحترف هدوءه بسرعة وابتسم ابتسامة مهنية. قدم لها الخطاب وأخبرها بمصدره.
“عليه ختم الجناح والدرع من شيلينغ، وعلى الظهر مكتوب أنه من قسم الضباط الإمبراطوري.”
“شكرًا لك.”
حاولت فيا تهدئة نفسها بينما استلمت الخطاب، لكن يديها كانتا ترتجفان من تلقاء نفسها. فهم الموظف مشاعرها، فانحنى بأدب وقال.
“حسنًا، استريحي جيدًا.”
أغلق الباب بهدوء وابتعد. التفتت فيا وهي تحمل الخطاب، ثم مدت يدها وكأنها تحاول تهدئة كوميس التي ما زالت غاضبة.
“لنفتح الخطاب من القصر أولًا. يجب أن نعرف ما إذا كنت قد نجحت في التوظيف أم لا.”
رغم وجهها الغاضب، فتحت كوميس الحقيبة وأخرجت سكينًا لفتح الخطاب. أخذت فيا السكين بحذر وفتحت الجزء العلوي من الخطاب.
لكن بمجرد أن صار الخطاب بين يديها، خافت من فتحه. بينما كانت تتلاعب به، انتزعته كوميس منها فجأة.
“كوميس…!”
“لماذا التردد؟ كلما ترددتِ، زاد توتركِ!”
فردت كوميس الخطاب بالكامل. لم تستطع فيا منعها، فقرأت محتوى الخطاب أمام عينيها. أرادت فيا أن تستعد نفسيًا أولًا، لكن عينيها خانتاها ونظرتا إلى الخطاب.
[إلى السيدة فيا أوتيربي،
تحية طيبة،
نود إبلاغكم بأنكم قد تم قبولكم كعضو في قسم الضباط الإمبراطوري.
يرجى الحضور إلى مقر القسم بدءًا من الأول من فبراير عام 519 حسب التقويم الإمبراطوري.
ننتظركم في قسم الضباط الإمبراطوري.]
عند رؤية الختم الإمبراطوري في النهاية، فتحت فيا فمها من الدهشة. لم تصدق ما قرأته، فنظرت إلى كوميس، فرأت ابتسامة رضا على شفتيها.
“كنت أعرف أنكِ ستنجحين، آنستي.”
بسبب اعتقادها بأنها أفسدت المقابلة، لم تتوقع فيا النجاح. تمتمت بذهول.
“أنا… نجحت حقًا؟”
“بالطبع! طبعًا نجحتِ! من غيركِ سينجح؟!”
أمسكت كوميس بيد فيا ووضعت الخطاب عليها. أمسكت فيا الخطاب بكلتا يديها وقرأته مرة أخرى. الكلمات لم تتغير، وكانت تخبرها بأنها نجحت.
“موظفة في القصر… بل ضابطة ملازمة للإمبراطور على مدار الساعة.”
اتكأت فيا على الباب وانزلقت إلى الأرض. الآن يمكنها دخول مكان لا يستطيع حتى القتلة أو السموم الوصول إليه. دفنت وجهها في الخطاب.
“هاهاها.”
خرج ضحك خالٍ من المشاعر، يحمل ذرة من الفرح. لقد نجح خيارها للبقاء على قيد الحياة بعد طردها من المنزل.
لكن مع الفرح، شعرت بالبؤس، فخرج ضحك مرير.
“يا إلهي! ماذا بكِ؟ آنستي، آنستي؟”
ركعت كوميس بجانب فيا التي انزلقت إلى الأرض، ووضعت يديها على جبينها وخديها بقلق.
“آنستي!”
صرخة كوميس أيقظت فيا. رفعت رأسها وهزته بقوة. أخفت بؤسها وابتسمت، فارتخت تعابير كوميس.
“لقد فرحتِ حتى خارت قواكِ، أليس كذلك؟ لم تتوقعي أن تنجحي. هذا حسن الحظ، أليس كذلك؟”
“نعم! هذا حسن حظ كبير!”
عانقت كوميس فيا بحماس بينما كانت تربت على ظهرها. يبدو أن كوميس كانت أكثر فرحًا منها، رغم أنها هي من يجب أن تُهنأ.
بينما كانت تهز جسدها تعبيرًا عن فرحها، وقفت كوميس فجاءةً بحماس.
“لا يمكننا البقاء هكذا! يجب أن نذهب إلى السوق غدًا. نحتاج لشراء المستلزمات والملابس للعمل.”
“آه، هذا صحيح. ربما تكون هناك تعليمات أخرى داخل المغلف.”
انتزعت كوميس المغلف من يد فيا.
تشينغ.
عند فتح المغلف، وُجدت ورقة أخرى مطوية بداخله. كانت أنحف من خطاب القبول، لكنها كانت ورقًا فاخرًا.
“يبدو أننا يمكننا الانتقال إلى السكن في 30 يناير، قبل يومين من بدء العمل. معظم الملابس والمستلزمات سيتم توفيرها، لذا نحتاج فقط للأغراض الشخصية وأدوات النظافة.”
“هذا يجعلني أكثر حيرةً حول ما يجب إحضاره.”
غطت كوميس خدها بيدها وتمتمت بقلق.
“فستان، وجاكيت أو شال، والمجوهرات… لا يمكننا إحضار خزنة، لذا صندوق مجوهرات بقفل سيكون كافيًا.”
كل ما عدّدته كوميس كان مناسبًا لحفلة أكثر من كونه مستلزمات عمل. أمسكت فيا بيدها وأسكتتها.
“ماذا لو لم يكن هناك مكان لكل هذا في السكن؟ أنا سأعيش في سكن الموظفين. فقط أحضري ما تحتاجينه في سكن الخادمات، هذا يكفي.”
استشاطت كوميس غضبًا، واحمر وجهها كما لو أنها أُهينت، وقالت بنفور.
“حتى لو كان الأمر كذلك، لا يمكن أن تذهبي دون إحضار فستان واحد على الأقل! أنتِ ابنة كونت أوتيربي!”
تنهدت فيا وحكت جبينها. لم تكن تريد إزعاج كوميس التي كانت قلقة كفاية. نظرت إليها بشكرٍ لوقوفها معها طوال هذا الوقت:
“حسنًا، لنحضر فستانًا بسيطًا واحدًا فقط. سأختاره بنفسي.”
“لكنكِ دائمًا تختارين الأكثر بساطة! لا يمكن أن يكون بسيطًا جدًا، يجب أن يكون فستانًا يليق بابنة كونت أوتيربي.”
هزت فيا رأسها بعناد هذه المرة. ما لم تكن ذاهبة إلى القصر كفتاة نبيلة، لم تكن تريد التباهي بمثل هذه الكماليات.
أغلقت كوميس فمها بامتعاض أمام إصرار فيا. ظنت فيا أنها نجحت في إقناعها، فظهرت على وجهها تعابير ارتياح.
“بمجرد أن أنهي استعداداتي للدخول إلى القصر الإمبراطوري، يمكنكِ العودة إلى قصر الكونت بسلام.”
ابتسمت فيا ابتسامة لطيفة محاولةً إظهار الاهتمام. لكن كوميس صرخت فجاءةً مذعورة عند سماع كلامها.
“ماذا؟! ماذا تقولين؟! لقد قلتُ إنني لن أعود إلى المنزل دونكِ! كيف ستعيشين وحدكِ بالخارج؟! حتى لو استطعتِ، هذا خطير جدًا!”
أحكمت كوميس قبضتيها الصغيرتين بغضب. بدا أنها على وشك لكم شيء ما إذا استمرت فيا بالحديث عن العودة إلى المنزل، فسارعت فيا بالشرح.
“انتظري، اهدئي! لم أقصد ذلك… إنه من القواعد الأساسية للضباط العيش في سكن القصر. هل ستقيمين في النزل وحدكِ؟”
“آه…!”
أفلتت كوميس قبضتها بينما تخرج صوتًا صغيرًا. بدا أنها شعرت بالحرج من تصرفها، حتى أن خديها احمرا. هزت فيا رأسها وهي تضحك.
“أنتِ قلقة أكثر من اللازم. أنا لست طفلة جاهلة، لماذا كل هذا القلق؟”
“من الطبيعي أن أكون قلقة! كل السيدات الأخريات في سن الزواج، بينما أنتِ تغادرين المنزل للعمل. هذا يمزق قلبي!”
أومأت كوميس بيدها كما لو كانت تمسح دموعًا. تجنبت فيا نظرتها بإحراج. أمسكت كوميس بذراع فيا وهزتها.
“رغم أن إمبراطورية دويس لا تفرق بين الرجال والنساء في الميراث أو التوظيف… لكن هذا ينطبق على من ليس لديهن إخوة ذكور أو الفتيات من العامة. لماذا تريدين عمل شيء صعب؟”
“هذه الأيام، حتى النبيلات يعملن.”
“هذا صحيح، لكن الآن تغير رب العائلة، وسيضمن لكِ زواجًا جيدًا.”
“كوميس.”
انخفض صوت فيا حاملًا تحذيرًا. نظرت إليها نظرةً تطلب منها التوقف. لكن كوميس كانت أكثر خوفًا من فراق سيدتها العزيزة من أي نظرة تحذير.
“حتى الآن، كانت السيدة هي من تدير الأمور، ورب العائلة السابق كان يتغاضى. لكن الآن سيكون مختلفًا…”
في النهاية، قطعت فيا كلامها.
“رب العائلة الآن هو ابن تلك السيدة.”
كانت نبرتها حاسمة للغاية. أُسقط في يد كوميس التي حاولت إقناعها. سحبت فيا يد كوميس المنهكة وحاولت تغيير الموضوع:
“على أي حال، بمجرد دخولي القصر الإمبراطوري، يمكنكِ العودة إلى المنزل بسلام.”
كان من الواضح أنها تحاول تغيير الموضوع، لكن كوميس تجاهلت ذلك. بينما كانت فيا تستعد للتنهد بارتياح، قالت كوميس.
“حسنًا، إذا كنتِ تريدين أن أعود بسلام، فقبلي طلبًا واحدًا.”
وافقت ف
يا بسعادة.
“بالتأكيد.”
ابتسمت كوميس ودمرت حماس فيا في لحظة.
“سأختار الفستان الذي ستأخذينه معكِ.”
“…”
“وافقتِ، أليس كذلك؟”
لم يكن أمام فيا خيار سوى الموافقة بابتسامة مريرة.
“حسنًا.”
التعليقات لهذا الفصل " 2"