2
متى كانت المرّة الأولى التي كتبتُ فيها وثيقة اتّفاق الطّلاق؟
يبدو أنّها كانت قبل سنتين و نصف.
عندما مرّت ستّة أشهر على إدراكي أنّ حياة الزّواج هذه مع إيغبرت غراهام تختلف تمامًا عمّا كنتُ أحلم به في طفولتي.
كان ذلكَ اليوم أيضًا الّذي أدركتُ فيه أنّني كنتُ الطرف الوحيد الذي يحـبّ في علاقتنا.
قبل وفاة الجدّ، كان إيغبرت مخلصًا لي. صحيح أنّه كان يتجنّب النوم معي، لكنّني كنتُ الوحيدة بالنّسبة له.
باقات الزّهور من أجلي، كلمات الحبّ من أجلي، كلّ شيء كان من أجلي.
‘مثلما أنـتِ مميّزة بالنّسبة لي، أتمنّى أن أكون كذلك بالنّسبة لكِ، أنايس. أنا مستعدّ لاحتواء كلّ شيء فيكِ. ألن تفعلي الشّيء نفسه تجاهي؟’
‘يمكننا أن نكون ثنائيا مثاليًّا.’
‘أريد أن أحتفظ بليلتنا الأولى ليوم مميّز. أنا أنتظر التّوقيت المثاليّ تمامًا.’
‘أنا أحبـكِ، أنايس.’
كنتُ عمليا لوحدي.
كانت أمّي ملقاة على فراش المرض لسنوات طويلة، و كان أبي متعلّقًا بها.
لذا ربّما خُدعتُ بسهولة بكلمة “مميّزة” تلك.
بنظرة واحدة منه، بلمسة واحدة.
بدفء عناقه الّذي كان يحتويني.
لكنّ إيغبرت تغيّـر تمامًا بعد وفاة الجدّ. من بعدها، بدأ يركض كحصان جامح كأنّه يريد أن يُظهر ما هو عليه.
‘ألم تَعديني بتفهمّي في كلّ شيء؟’
صار الدّفء الّذي كان من أجلي متوفرًا لكل النّساء،
‘نحن مميزان. أنـتِ تزيدين ثروتي و أنا أوفّر لكِ القصر. إنّـه تعاون متبادل، أليس كذلك؟’
أصبح الحافز الذي كان موجّهًا نحوي شوكًا حادًّا،
‘النّوم مع امرأة مثلكِ؟ أفضّل أن أتدحرج مع متشرّد عوضًا عن ذلكَ.’
جفـت النّظرات الّتي كانت تحمل الحبّ و اصبحت باردة.
‘لو لم يكن الأمر بسببِ الجـدّ، لما تورّطتُ مع حثالة مثيرة للاشمئزاز مثلكِ أصلًا.’
عندما كشف الحقيقة، كنتُ قد صرتُ بالفعل خرقـة.
كان الجدّ يعرف بالفعل حقيقة إيغبرت الوغد.
لذا اقترح عليّ تلكَ الصّفقة.
‘ثلاث سنوات، ثلاث سنوات فقط. إذا تحمّلتِ ثلاث سنوات و عشـتِ مع حفيدي، سأنقذ والديكِ. بالطّبع، لا يمكن شراء ثلاث سنوات بمثل هذا فقط. لذا سأعطيكِ حياتي.’
في ذلك الوقت، لم أفهم لماذا يقترح ذلك. كنتُ أؤمن إيمانًا راسخًا أنّني أنا و إيغبرت نحبّ بعضنا.
حتّى الجدّ المهذّب لم يكن يعلم.
أنّ إيغبرت قادر على جلب عشيقات و أطفال غير شرعيّين إلى المنزل الّذي يعيش فيه مع زوجته المخلصة .
في اليوم الّذي بلـغ فيه زواجنا ستّة أشهر، بعد ثلاثة أشهر من وفاة الجدّ الّذي كان سياجًا متينًا.
ذهبتُ إلى جينس فاندريس و أنا أبدو كفأر مبلّل بالمطر من التجوّل في الخارج.
كان إيغبرت، الّذي تغيّر فور وفاة الجدّ، كافيًا ليهدم إيماني و عدالتي.
ما حدث كان إهانة لا تُضاهى.
شعرتُ باحتقار الذّات.
و انهار قلبي كقلعة رمل تواجه عاصفة.
كان جينيس فاندريس محامي عائلة الماركيز غراهام.
ربّما كان ذلكَ عندما جلب إيغبرت صوفيا إلى غرفة نومي لأوّل مرّة.
‘أنا أيضًا فضوليّة جدًّا بشأن شكل غرفة نوم الماركيزة، سيدي الماركيز. همم، يقولون إنّ سرير الماركيزة رائع جدًّا. كم سيكون رائعًا لو استطعتُ خدمة سيّدي الماركيز في مكانٍ كهذا؟’
سقطَ إيغبرت تحت إغواء كلام صوفيا، و سحبني خارج غرفة النّوم أمام الخدم و العشيقات و رماني.
كيف يمكنني نسيان ذكرى ذلك اليوم.
أتذكّر جيّدًا أيضًا كيف نظر إلي جينس بأسف عندما ظهرتُ كفأر مبلّل أمامه.
‘الطّلاق… أريد الطّلاق… لذا جئـتُ.’
كنتُ حينها في الثّالثة و العشرين فقط.
‘……لم تمـرّ ثلاث سنوات بعد. يمكنكِ المغادرة الآن بالطّبع. لكن إذا فعلتِ ذلك، لن تتمكّني من الحصول على ما وُعدتِ بـه. هل أنـتِ موافقة؟’
لم أكـن موافقة. مستحيل أن أكون موافقة.
مـرّ أمام عينيّ الآن وجه أمّي النّحيف الّتي دخلت المستشفى بعد زواجي بإيغبرت و التي بدأت تتلقّى علاجًا صحيحًا. و أبي الّذي بدأ يبتسم بخفّـة.
كانت أمّي لا تزال بحاجةٍ إلى علاج طويل في ذلك الوقت.
كنتُ متعبة من الوحدة، فلم أستطع التّخلّي عنهما أيضًا.
لم أكن أعلم و أنا صغيرة.
أنّ ذلك العقد سيكون جحيمًا إلى هذا الحدّ.
أنّه سيأكل روحي حتّى.
أنّ ما كنتُ أؤمن أنّـه حبّ كان مجرّد وهـم في وضح النّهار.
أتذكّر أيضًا طعم الشّاي الأسود السّاخن الّذي قدّمه جينس أمامي و أنا أبكي.
وضع أمامي “وثيقة اتّفاق الطّلاق”.
‘على أيّ حال، يمكنكِ على الأقلّ أن تشعري بالرّاحة مسبقًا، أيتها الماركيزة.’
في ذلكَ اليوم، كتبتُ وثيقة اتّفاق الطّلاق مع جينس. و كما يفعل موظّفو المكاتب العاديّون، حملتُها و تحمّلتُ لثلاث سنوات.
كنتُ أعـدّ الأيّام الّتي تنقص يومًا بعد يوم.
أنظر إلى أمّي الّتي تتحسّن تدريجيًّا بينما أفكّر في كأس النّصر الأخير الّذي سأحصل عليه أخيرًا.
في ذلك الوقت، كانت وثيقة اتّفاق الطّلاق هذه هي القوّة الّتي دعمتني.
تصفّحتُ الوثيقة مرّةً أخرى.
الشّيء الوحيد الفارغ كان خانة التّاريخ.
كتبتُ تاريخ اليوم فيها.
انتهت كتابة وثيقة اتّفاق الطّلاق بهذه البساطة.
كانت هذه نهاية الزّواج الّذي اخترتُه.
* * *
عبس إيغبرت.
كان إيغبرت، الّذي يكشف صدره من بين قميص مفتوح بشكل فوضويّ رغم اقتراب السّاعة الحادية عشرة صباحًا، متشابكًا في سرير واحد مع صوفيا الّتي غطّت جسدها بالغطاء بصعوبة.
الّتي سحبته من هناك كانت أنايس.
زوجته الكئيبـة، أنايس.
الأوزّة الذّهبيّة الّتي تطيع الكلام جيّدًا و تدير بنك غراهام بنفسها و تزيد الأموال ، تحفة الجدّ الّتي ربّاها.
يقول النّاس إنّ الشّيء الوحيد الّذي ينقص أنايس غراهام هو النّسب النبيل فقط.
كانت ذكيّة، و لديها حسّ تجاريّ ممتاز، تشبه الماركيز غراهام المتوفّى تمامًا.
زوجة معاكسة تمامًا لإيغبرت الّذي كان يسمع فقط أنّه لا يستحقّ قيمة نسبـه.
‘حسنًا، لقد كانت كذلك منذُ أيّام الأكاديميّة.’
كانت امرأة تتوق لإظهار تفوّقها. دخلت قسم الاقتصاد الّذي يصعب على النّساء البقاء فيه، و تخرّجت و هي الأولى، حتّى أنّها تخرّجت مبكّرًا.
ربّما أظهرت قيمة الدّعم الّذي حصلت عليه منذُ صغرها عندما دخلت عين الجدّ.
كانت أنايس تحفة الجدّ.
‘لو كانت أنايس نصفي فقط، لما كنتُ قلقًا. متذيّل القائمة؟ المال الّذي أنفقته عليكَ مضيعة.’
كان إيغبرت يرى الجدّ الّذي يصـبّ عليه السّخرية دائمًا متداخلًا مع أنايس.
كانت أنايس تتبع كلّ خطوة يقودها الجدّ. أحيانًا كانت تبدي مهارات استثماريّة ممتازة بدلًا من الجدّ و تجلب أرباحًا كبيرة.
حتّى مجلس إدارة البنك الآن يعتمد على أنايس.
هناك مَـنْ يأتي إلى أنايس، لكن لا أحد يأتي إليه.
كانت أنايس تشبه الجدّ بشكلٍ مرعب.
“ما هذا؟”
سأل إيغبرت مرّةً أخرى و هو يلوي شفتيه بسخرية، رغم أنّ الكتابة المنظّمة على الورقة البيضاء واضحة جدًّا.
“ألا ترى؟ إنّها وثيقة اتفاقية الطّلاق. إذا كتبتَ اسمكَ هناك فقط، سأتولّى الباقي بنفسي.”
اليوم، من بين كلّ الأيّام، لم يذهب إلى العمل و بقي محبوسًا في الغرفة.
نهض إيغبرت متعثّرًا من مكانه.
“لماذا. يبدو أنّكِ تريدين العودة إلى ذلكَ المنزل الفقير؟ سأقولها مرّة أخرى، لن يكون هناك زوج كريم يعطي نفقة لامرأة مثلكِ لم تنجب طفلًا واحدًا حتّى”
حذّر الجدّ إيغبرت. إذا طلب إيغبرت الطّلاق أوّلًا، سيخسر كلّ الثّروة.
بالنّسبةِ لإيغبرت الّذي عاش مدى الحياة معتمدًا على ثروة غراهام، لم يكن هناك تهديد أكبر من ذلك. لم يكن لديه حتّى الحبّ في المطالبة بحرّيته.
لكن أن تطلب هي الطّلاق أوّلًا.
هل هناك شيء أكثر إراحة من هذا.
بينما كان يصبّ كلماته السامة عليها، بحث إيغبرت في الدّرج.
“يجب أن تعرفي كم أنا رجل رحيم. أحضرتُ خليفة بنفسي، لم أجبـركِ على شيء. جعلتكِ تعيشين حياة مرفهة. لكن يبدو أن مَـنْ يعيش برافهية ، لا يقدّر قيمة ما لديه . هذا بالضّبط ما أنـتِ عليه.”
كل ما يجيده هو التحدّث بفمـه المفتوح بهذه الطّريقة.
فكّرت أنايس في ذلكَ .
‘مَـن الّذي لا يستطيع تقدير ما لديه هنا؟’
التعليقات لهذا الفصل " 2"