الفصل 001 – سأتلقى تعويض الطلاق بكامل ثروته

حدّق بالدوين بعينين كعيني قطّة، ناعستين وحادتين، في المرأة التي كانت تراقبه بنظرات ثاقبة. بشكل مفاجئ، لم تبدُ تلك النظرات وقحة على الإطلاق.  

تحرّكت شفتاها بحذر. كان واضحًا أنّها تبذل جهدًا لجعل حركة فمها دقيقة عند التحدّث، مراعية حقيقة أنّه لا يسمع.  

“هل فكّرت في عرضي؟”  

فتح بالدوين دفترًا وكتب بخط أنيق:  

[قبل ذلك، أودّ أن أسأل شيئًا. هل تعلمين بالشائعات التي تدور حولي؟]  

عند هذا السؤال، توقّفت أنايس للحظة، غارقة في التفكير.  

شائعات حول بالدوين؟ أنّه لا يسمع، هذه حقيقة. وغير ذلك…  

قالت أنايس بحذر، بوجه يعكس الحيرة:  

“هل تقصد الشائعة التي تقول إنّ سموّ الدوق الأكبر لا يستطيع الإنجاب؟”  

كان واضحًا أنّها اختارت أكثر الكلمات تهذيبًا بعناية. حتّى بين الشائعات الدنيئة العديدة التي تدور حول بالدوين.  

ابتسم بالدوين بسلاسة، وكتب بخطّه الأنيق مرّة أخرى:  

[ذلك أيضًا ضمنها.]  

“همم. لم أسمع شائعات أخرى تستحقّ الانتباه غير تلك.”  

تمتمت أنايس بصوت خافت، لم تكن تريد من بالدوين أن يسمعها. ارتبكت من تلك الجملة التي خرجت دون قصد، وعضّت شفتيها قليلاً.  

بدا أنّها تشعر بالذنب لتمتمتها أمام شخص لا يسمع.  

أضاف بالدوين تقييمًا آخر عن أنايس.  

كانت أنايس امرأة عقلانيّة ومترفّعة. لم تتأثّر بالشائعات القريبة من الهراء، كما يظهر من ردّها.  

بالطبع، كانت أنايس على دراية بالشائعات حول بالدوين.  

يقال إنّه يحبّ الرجال.  

يقال إنّه يجرّ الرجال إلى فراشه كلّ ليلة.  

لذا يحيط نفسه بالرجال فقط.  

وإذا لم يكن ذلك، فهناك نوع آخر من الشائعات.  

يقال إنّه عاجز جنسيًا، لذا يستمتع بمشاهدة الآخرين.  

معظمها شائعات لم يتمّ التحقّق منها.  

“دعني أخبرك برأيي أوّلاً. لا يهمّني أيّ شائعة، سموّ الدوق. عرضي ليس ‘زواجًا’ بالمعنى الحقيقي. إنّه عرض تجاريّ بحت.”  

كانت كلماتها واضحة ودقيقة، تخترق الأذن كالإبر. الطعام على الطاولة كان يبرد تدريجيًا، لكنّ أبطال الموقف لم يكترثوا لذلك.  

كانت أنايس تراقب أطراف أصابع بالدوين، بينما كان هو يراقب شفتيها.  

كانت شفتها السفلى البارزة تلفت الانتباه بشكل خاص. ابتسامتها التي تشكّل قلبًا كانت لافتة أيضًا.  

رغم أنّه اعتاد على مراقبة شفاه الناس، إلا أنّ شفاه أنايس البارزة كانت نادرة.  

“أعتقد أنّك تعرف وضعي الحالي، سموّك. زوجي السابق، إلى جانب كلّ أنواع الأشخاص الذين يتجمّعون حولي، يطالبون بالزواج منّي. حتّى محاميّ أوصى بأنّ الزواج قد يكون وسيلة دفاع جيّدة.”  

تحدّثت أنايس بنبرة تحمل الأسف.  

“رغم أنّ المجتمع تغيّر، إلا أنّ الطبقيّة لا تزال مهمّة في هذا العصر.”  

عند هذه النقطة، تذكّرت انها ابنة بارون. كانت تملك أناقة فائقة جعلتني أنسى للحظة أنّها من طبقة نبلاء أدنى.  

“وأحتاج أيضًا إلى شخص يحميني من طغيان الماركيز إيغبرت غراهام. وأعتقد أنّ لقب الزوج سيكون مفيدًا جدًا في هذا الصدد.”  

إذن، إنّها تفكّر في الزوج كدرع واقٍ فقط؟  

كان هذا نهجًا جديدًا. حرّك بالدوين يده وكتب:  

[فهمت ما ستكتسبينه. لكن ماذا سأكتسب أنا من هذا الزواج؟]  

“درع يحميك من الفضائح التي تحيط بك.”  

لمعَت عينا أنايس.  

“وأظنّ أنّه لا يوجد في العاصمة من هو أغنى منّي؟ كما يُقال، الذراع تنحني إلى الداخل. ألن تنحني نحو زوجي؟”  

أنايس، التي تُلقّب بعملة الذهب في عالم المال، راهنت بنفسها كجائزة. كان عرضًا لا يمكن إنكاره أنّه مثير لاهتمام بالدوين.  

“لقد أعددت كلّ شيء، سموّ الدوق. كلّ ما عليك هو التوقيع هنا.”  

رمشت أنايس بعينيها القططيّتين وأضافت:  

“لا أستطيع أن أعدك بالسعادة، لكن يمكنني أن أعدك بالحماية على الأقل.”  

كان عرضًا صريحًا ونظيفًا، يناسب تمامًا ذوق بالدوين.  

***  

قبل ستّة أشهر.  

ملأ صوتٌ عالٍ ونبرةٌ حادّة طاولة الطعام الباهتة.  

“أوه، لقد شبعت حقًا. إيغبرت، انظر إلى هذا. الماركيزة لا تعرف قيمة الأشياء الجيّدة، أليس كذلك؟ تتذوق الطعام اللذيذ بهذه الطريقة. هل فمها راقٍ جدًا؟”  

ليس لأنّ فمي راقٍ، بل لأنّ شهيّتي قد فُقدت.  

بهدوء، أخذت ملعقة من سلطة البطاطس المطهوّة جيدًا. كان الطبّاخ قد بذل جهدًا لتناسب ذوقي، كانت ناعمة جدًا. كان يمكنني أن أتناولها.  

لكن كيف يمكن أن أتناول الطعام في مثل هذا الوضع؟ كنت أعلم أنّ هناك سببًا وراء استدعائي لتناول الطعام معهم رغم رغبتي في الأكل بمفردي. صوت صوفيا العالي كان يخترق أذنيّ.  

لو كنتِ مكاني، هل كنتِ ستأكلين وأمامك عشيقة زوجك؟ كنت أرغب في الصراخ بهذا.  

الزوج، العشيقة، الطفل غير الشرعي، وأنا أخيرًا.  

هل يمكن تخيّل إفطار مع هذا التكوين المجنون؟  

لقد مضى ثلاث سنوات على هذه الحياة المبهرة.  

هل هذا هو الشيء الوحيد المذهل؟  

زوجي إيغبرت كان من النوع الذي لا يقاوم أيّ امرأة. ومع ذلك، كان يملك إرادة قويّة لدرجة أنّه لم يدخل غرفة نومي ولو مرّة واحدة، تمرّدًا على جدّه.  

“مملة وغير ممتعة. لقد اختارها جدّي خصيصًا لتكون مثل هذه.”  

“امرأة مثلك ستكون مملة حتّى في الفراش، أليس كذلك؟ صلبة كالحجر. لهذا لا أحد يحبّك، أنايس.”  

“مجرد ابنة بارون. ما الذي قدّمته لجدّي لتصبحي ماركيزة؟ هل دفّأتِ فراشه؟”  

كان يتفوّه بكلام لا يُقال بلا خجل.  

خلال السنوات الثلاث الماضية، أصبحت متبلّدة، قادرة على تجاهل مثل هذه الكلمات.  

“الماركيزة لا تعرف كيف توفّر. إيغبرت، أنا، صوفيا، سأكون سعيدة جدًا لو أكلت هذا كلّ يوم.”  

ضحك إيغبرت بعيون ذائبة، بجانب المرأة التي كانت تملق له.  

ما الذي فعلاه بالأمس ليبدو هكذا؟ هذا الرجل سيموت من الإفراط بالتأكيد.  

تخيّل ذلك المشهد المزري جعلني أفقد شهيّتي أكثر. وضعت الملعقة كأنّني أرميها، فقال إيغبرت:  

“سمعتِ، أنايس؟ هذا ما يقال. حاولي أن تأكلي بوجه أجمل. وجهك هذا يجعلني أشعر بالغضب كلّما رأيتك.”  

تمتم إيغبرت بكلام غير واضح.  

هل يظنّ أنّني أردت الحضور إلى هنا؟ لو لم تكن تلك المرأة بلا خجل قد اقتحمت غرفتي صباحًا تصرخ، لما كنت هنا.  

“لمَ أنتِ هادئة هكذا اليوم؟”  

ابتسم إيغبرت بنظرة ماكرة.  

“هل قرّرتِ أخيرًا الاستسلام لي؟ هكذا يجب أن يكون. الزوجة يجب أن تطيع زوجها!”  

لم أعد أستطيع التحمّل. نهضت ببطء من مكاني.  

رفع كريس، الذي كان يأكل بهدوء، رأسه فجأة. قال الصبي البالغ من العمر ثماني سنوات بنبرة منزعجة:  

“ماذا تفعلين، يا سيدة؟ ستنثرين الطعام على ملابسي! هل تعرفين كم ثمنها؟”  

يشبه والديه تمامًا، شخصيّته كذلك. ضربت الطاولة ونهضت بالكامل.  

“سأغادر الآن. لديّ الكثير من العمل اليوم.”  

تجاهلت الضجيج خلفي وخرجت من غرفة الطعام. تبعني رئيس الخدم والخادمة الرئيسيّة بوجهين حزينين، لكنّني لم أرد التعامل مع أحد بعد الآن.  

اليوم، ثلاث سنوات بالتمام.  

لقد وضع الماركيز غراهام الراحل شرطًا لي: ثلاث سنوات من الزواج.  

“بعد ذلك، يمكنكِ فعل ما تريدين. إذا انتهى الأمر بالطلاق بعد ثلاث سنوات، سأعطيكِ كلّ ما وعدت به.”  

حان الوقت لوداع هؤلاء الأوغاد.  

عدت إلى غرفتي وأخرجت من أعماق الخزانة شيئًا مخفيًا.  

[وثيقة الطلاق التوافقي]  

على مدى السنوات الثلاث الماضية، كنت أحملها في قلبي كما لو كانت استقالتي.  

الشيء المذهل هو أنّ البداية، مهما كانت بالنسبة لإيغبرت، كانت بالنسبة لي حبًا.  

“هل تعلمين، أنايس؟ إذا تزوّجنا، سنشكّل عائلة سعيدة جدًا. أنا متأكّد من ذلك.”  

المترجمة:«Яєяє✨»